غياب وطنية ألأحزاب
    الجمعة 17 فبراير / شباط 2023 - 13:18
    حيدر الصراف
    منذ سقوط النظام الملكي في العراق و البلاد اصبحت تحت قبضة احزاب شمولية قومية و بعدها أسلامية و هذه ألأحزاب تعتنق افكارآ و معتقدات تضع الوطن و الوطنية في مرتبة متدنية فأذا كانت ألأحزاب اليسارية لم تتسلم الحكم في العراق فعليآ الا ان افكارها ألأممية واضحة في الدعوة الى وحدة الطبقات العمالية الكادحة في مختلف دول العالم و ما نداء الشيوعية العالمي ( يا عمال العالم اتحدوا ) الا دليل على ذلك الفكر ألأممى و الذي لا ينكره اصحابه على الرغم من ان ادبيات الشيوعيين العراقيين تنطلق من الوطنية الى ألأممية حسب ادعائهم الا ان الممارسات العملية كانت في طغيان الروح و ألأنتماء ألأممي على ألأنتماء الوطني و بقي مركز القرار الأممي في ألأتحاد السوفييتي السابق و منه تأتي التعليمات و ألأرشادات ( ألأوامر ) الى كافة ألأحزاب و الحركات الشيوعية في العالم و عليها التنفيذ بغض النظر عن الثقافة و العادات و الموروث الوطني .

    بعد انتهاء حكم ( عبد الكريم قاسم ) و انحسار المد الشيوعي سيطرت ألأحزاب القومية على الحكم و توالت ألأنقلابات العسكرية لكنها كانت جميعها بصبغة قومية من البعثيين و الناصريين و كانت كلها تدعو الى ( الوحدة العربية ) الفورية او التدريجية و ابرز تلك الحكومات كانت حكومة ( البعث ) الذي تولى الحكم على فترتين و ترك بصمات واضحة على الحياة السياسية و ألأقتصادية و ألأجتماعية في العراق نظرآ لتلك الفترة الطويلة من الحكم الذي انتهى بأحتلال العراق و أسقاط النظام السابق بدخول القوات ألأمريكية .

    كانت فترة حكم حزب ( البعث ) الثانية اكثر تأثيرآ على المجتمع العراقي من تلك ألأولى للمدة الزمنية التي حكم بها العراق و التي امتدت مايقارب 35 عامآ حيث كان حكمآ دكتاتوريآ قوميآ بأمتياز و قد غالى الحكام البعثيون في ولائهم للأفكار الوحدوية و كان شعار ( الوحدة العربية ) يرفع في كل مناسبة و اصبح مرادفآ لكل أطروحات ( البعث ) و التي حملت عنوان ( من المحيط الى الخليج ) و قد كانت تلك الخطابات قد وصلت الى مرحلة أهمال العامل الوطني لحساب العامل القومي و قد تجلت تلك الشعارات و ترجمت الى أعمال على أرض الواقع حينها كانت ألأفضلية للمواطن العربي أي كانت جنسيته على المواطن العراقي في ألأمتيازات و العطايا و فرص التعليم و التعيين حتى في أكثر ألأماكن حساسية و أهمية مثل السلك العسكري و الدبلوماسي .

    أضعاف الروح الوطنية و تقوية النزعة القومية و التي عمل على ترسيخها منهجآ و عملآ ( حزب البعث ) أدت الى أضعاف ألأنتماء الوطني لصالح ألأنتماء القومي ما جعل المواطن العراقي يشعر بالدونية و عدم المساواة امام المواطن الوافد ( العربي ) و الذي يحظى بأهتمام الحكومة و أجهزتها حتى بات المواطن يشعر بالغربة في وطنه لصالح ( الغرباء ) و حين أسقط النظام السابق المؤيد و المدعوم عربيآ و المعزول و المنبوذ عراقيآ كانت مشاهد السلب و النهب في صورة تجسد مدى ألأنفصال و الفراق بين الشعب و الحكم و عن مدى عدم ألأنتماء الوطني الذي سلبه حكام ( البعث ) لصالح الحزب و الحاكم و لصالح ( القومية ) و ألأنتماء العروبي و ليس العراقي .

    ما ان استولت ألأحزاب ألأسلامية على الحكم بعد سقوط النظام السابق حينها ركنت مبدأ ( الوطنية ) على الرف من جديد لصالح مفهوم ( ألأمة ألأسلامية ) و التي لا حدود واضحة لها و هذه ألأحزاب وفق النظرية ألأسلامية لا تعترف اصلآ بالوطن فضلآ عن الوطنية و هؤلاء ولائهم الى ما يعتقدون انه ألأحق بالولاية العامة من غيره مهما كانت جنسيته و قوميته و هذا ألأمر مقبول في المسائل الدينية فقط لكنه من غير المقبول في ألأمور السياسية و يكون ضمن خانة العمالة للأجنبي لاسيما حين يكون ( الولي الفقيه ) ألأجنبي هو من يصدر ألأوامر و التعليمات و التي ربما او على ألأغلب لا تصب في مصلحة العراق فأن الكلمة الفصل و ألأخيرة تلك التي يدلي بها ( ولي ألأمر ) ألأيراني .

    المشكلة تكمن في عدم تمكن أي حزب وطني عراقي من تبوأ منصب رئاسة الدولة و الحكومة فكانت ألأحزاب القومية و بالأخص ( حزب البعث ) يقدم ألأنتماء القومي على ألأنتماء الوطني و في نهاية حكم هذا الحزب القومي تسلمت ( الراية ) احزاب اسلامية شمولية هي ألأخرى لا تعترف بالوطن و تقدم ألأنتماء الديني ألأسلامي على ألأنتماء الوطني و أصبحت مصلحة الوطن و المواطن ليست لها ألأولوية عند ألأحزاب القومية و التي كانت مصالح ( ألأمة العربية ) تأتي أولآ و من ثم تكون مصلحة الوطن و كذلك هي ألأحزاب ألأسلامية و التي كانت و مازالت تولي ألأهتمام ألأكبر و ألأول لمصلحة ( ألأمة ألأسلامية ) و بعدها و بعدة درجات تأتي مصلحة الوطن و مستقبل ألأجيال و هكذا وقع ( العراق ) بين فكي القوميين و ألأسلاميين و اصبحت ثروات البلاد و أمور العباد تقررها و تبت بها عواصم دول أجنبية عربية كانت او أسلامية .

    حيدر الصراف
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media