بوح في يوم عيد المعلم: الدموع في عيون الولد الشقي!
    الجمعة 3 مارس / أذار 2023 - 09:26
    يوسف أبو الفوز
    [[article_title_text]]
    من بعد سقوط الطاغية المجرم صدام حسين، بحثت عن مصير بعض من المعلمين والمدرسين، الذين تعلمت على أيديهم، وساهموا بتربيتي. ولعدة أعوام، أصبح تقليدا، ان اتصل بمدرس الجغرافية الذي علمني في المدرسة المتوسطة في السماوة. وفي كل اتصال تغرورق عيناي بالدموع، لطيبة هذا الرجل وروح تسامحه العالية مع ولد شقي مثلي.
    ولدت لعائلة فقيرة، احاطتني بالرعاية وحب المعرفة، واغرمت بتأثير أجواء العائلة بقراءة الكتب والمجلات من طفولتي المبكرة، وثم وجدت طريقي الى دار السينما لأتابع ما تعرضه هناك، فساهم كل ذلك في تعزيز وتنشيط خيال صبي كثير الحركة والنشاط مثلي.
    في الأول المتوسط (عام 1968)، كنت اقود عصابة من اقراني بالمعنى الحرفي، تحمل اسم (عصابة يوسف)، وضعت لأفرادها اسماءا حركية ووزعتهم مجموعات، وفيها طلبة من مختلف القوميات، كان لدينا طلبة اكراد وعرب، أعضاء العصابة من العرب اغلبهم أصبح الان متدينا بلحى ومسابح، وأحدهم لا يتوقف عن قصفي برسائل النصح والإرشاد كلما شاهد لي صورة يعتبرها تصب في معصية الخالق. وكانت العصابة تلك الأيام تمارس افعالا طفولية، كأن تكون لنا مساحتنا الخاصة للتشمس (نسميها المشراگة)، لا يدخلها أحد وإلا تعرض للعقوبات!!
    ولم ينج من مشاغبات (عصابة يوسف) حتى بعض الأساتذة. احدهم كان أستاذ الجغرافية، الذي علمنا تلك الأيام، وهو ليس من أبناء المدينة، وكانت احدى عيونه كريمة، فكنا ننتظر دخوله احد الصفوف، لنمر مجموعة بعد مجموعة، من عند شباك الصف ونغني بكل براءة ولؤم :
    ـ (ما اريده ما ريده الغلوبي
    وعيونه سود سود محبوبي)
    حين اكتشفت إدارة المدرسة امر العصابة، بعد عملية اعتداء على نسيب أحد المدرسين (الان صاحب موقع مهم في أحد الجماعات المتنفذة)، ارادت الإدارة محاسبتنا بشدة، خصوصا بعد الاعترافات على الرأس وزعيم العصابة ـ حضرتي ـ الذي تغيب عن المدرسة لأيام. وتصدى المدرسون، اليساريون للأمر بكل روح مسؤولية، وفي مقدمتهم مدرس الجغرافية.  اغلقوا ملف القضية بكل بساطة: (هؤلاء أطفال، لديهم فائض من الطاقة، لا يعرفون كيف تصريفها، اتركوا الامر لنا، لو عاقبناهم ستكون ردود الفعل عكسية واسوأ). هكذا وجدت مدرس اللغة العربية، استاذي الرائع، ابن الموصل، عبد الأمير عبد الوهاب، يطرق باب بيت اهلي ويطلب مني العودة للمدرسة، ولأجد نفسي بعدها عضوا في لجنة المكتبة المدرسية، مشغولا بتنظيف الكتب وترتيبها ومتابعة سجل الاستعارات، وأصبحت عضوا في هيئة تحرير النشرة المدرسية، فالمعلمين يتابعون شغفي بالقراءة وسبق واطلعوا على بعض النصوص التي كتبتها في درس الأنشاء وابدوا اعجابهم بها .
    ومرت السنين ...
    [[article_title_text]]
    يوسف أبو الفوز
    ها نحن في العام 1975، طلبة جامعة، قادمين من جامعة البصرة الى بغداد، نصطف امام مسرح بغداد، لفرقة المسرح الفني الحديث، قادمين لنشاهد عرض مسرحية (القربان)، كنا مجموعة طلاب وطالبات، فينا ، صديقي الاقرب ، الشهيد وافي كريم مشتت (غيبه النظام العفلقي الصدامي وبعد السقوط كشفت الوثائق انه تم إعدامه عام 1989دون تسليم جثته لأهله) ، وخلال زياراتي الى بغداد أكون دائما في ضيافة بيت اهله في مدينة الثورة. كنا نمزح وتتصاعد ضحكاتنا، مزهوين بأنفسنا، ببناطيل التشارلستون وقصات شعر الخنافس، ويقترب مني رجل، قصير القامة، بشعر ممشط جانبا، انيق الملبس، بنظارات طبية داكنة ليسألني:
    ـ انت يوسف علي هداد من السماوة؟
    واجيب بنعم. فيلتفت للسيدة التي ترافقه ليخبرها:
    ـ هذا هو ... كان شالع گلبي ولم أنسه يوما.
    وارتبك امام الجميع: 
    ـ لو سمحت من حضرتك؟
    ـ احقا لم تعرفني؟
    يزداد ارتباكي واتلفت حولي مستنجدا بزملائي الذين احاطوا بنا . فيرد الرجل بكل حب وروح مرحة:
    ـ انا ما أريده ... ما أريده الغلوبي !
    ....
    ....
     وتقولون لي لماذا تترقرق الدموع في عينيك!

    الأول من اذار2023 
    السليمانية

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media