في يوم المرأة العالمي
    الجمعة 10 مارس / أذار 2023 - 05:57
    راغب الركابي
    نقول  مبارك  لكي أيتها  المرأة في يوم عيدك المجيد   ،   ومبارك  لنساء  العراق  خاصة   في  هذا اليوم  وهنَّ يقودن صراعاً طويلاً  متعدد الأغراض والإتجاهات ،  ومبارك  لنساء العالم  يومهن الذي فيه  وقف  العالم  ينظر و يستذكر  عطاء المرأة وقدرتها وصناعتها الإيجابية  للحياة  ،  وفي هذا  اليوم  نتذكر كذلك كم عانت  المرأة  من الظلم  والإضطهاد  والبغي والأستبداد والعبودية والإستخفاف ،  بأسم  القبيلة  تارةً  و بأسم الدين أخرى  وثالثة  بأسم  السياسة ،  ومع ذلك لم تلن المرأة ولم  تهادن  ولم  تترك  حقها  المهدور  ،  وظلت تمارس دورها الإيجابي والتوعوي  في جميع  الساحات  والمجالات  وفاءا  لمبادئها  وقيمها  و مستقبلها . 
      وهكذا تحصلت على أشياء ومُنعت  عنها  أشياء  ،  ولكن عينها لم تنم وظلت  تراقب  الأحداث  وتعمل  بجهد  وتدعوا  المخلصين في المساعدة على تأصيل حقوقها  وإسترجاع  كرامتها   ،   التي خربها  البغي  وبعض رجال  الدين  الفاسدين   ،  الذين  يخرجون  علينا  بين فنرة وأخرى   ، يحدثوننا  من بطون  التراث  وعفنه  عن أخبار وروايات  ما أنزل الله بها   ،  ويفسرون لنا  حقوق المرأة وشأنها   حسب مقاسات الأعراف والعوايد البالية  . 
     وإذا كنا نفخر بأن هناك  جيلا  من النساء كتب لهم القدر  ،  ان يشاركن  العالم  في نهضته  وتطوره   ،   لكننا  أبداً  لم ننسى ما عانته وتعانيه المرأة  في  شرقنا الأوسط المحكوم  بعاداته  القبلية المتهالكة  وبنموذجه   المنتهي الصلاحية ،  والذي  لازال بعض البعض ينشد ذلك الزمن التعيس ويصفق له  ويسميه  الزمن  الجميل  بكل مافيه من فساد وعفن وخيانة    . 
    ولازلنا نحن دعاة الحرية والكرامة والعدالة نطالب من غير هوادة وننصح   ما أستطعنا إلى ذلك سبيلا  من بيدهم الحل والعقد   ، أن ينصفوا الأمهات والأخوات والزوجات والبنات ،  وان ينصفوا مصانع الحياة وجوهرها بعيداً عن الأنانية وضيق الأفق وفقدان التوازن . 
    ولازالت قبائح التاريخ تتحكم بالقسط الوافر من حياتنا ومعارفنا وتربيتنا وتعليمنا   ،  ولازال هناك المريدين والمصفقين لكل ما من شأنه أبخاس المرأة حقوقها وحيويتها وعنفوانها  وأصلها الأصيل   . 
      ونحن  وفي خضم  تلك  الصراعات الدولية المتعددة الأشكال والجوانب   ، تبرز عندنا  الحاجة للتأكيد على الحقوق الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية  للمرأة  في منطقتنا  ، ولعل الحاجة تبدو أكثر إلحاحاً في ظل المتغير الدولي والحروب التي نشبت وستنشب في أطراف العالم  ،  ولكي لا يضيع حق  المرأة  وتندثر حقوقها  في ظل  هيمنة  السياسة الذكورية  على العالم   ،  نود نحن بصفتنا وشخصنا  التذكير بالحقايق والتنبيه إلى أهمية عودة الحقوق وإنصاف المرأة  العراقية و العربية والمسلمة  ،  التي طالتها يد الظلم  والتعسف   بحجج  غبية وأخبار كاذبة وتقاعس من البعض وعمدية من البعض الأخر   ،  وغياب متعمد لدور  المرأة الفاعل  وإمكانيته  في المشاركة   في رسم ما يخطط لها  وما يُراد تسويقه  . 
    لقد عاشت  المرأة  العراقية  والعربية  والمسلمة  منذ  قديم  الأزمان  صراعاً  متعدد  الوجوه    ، وكانت دائماً  هي الضحية وهي كبش الفداء من دون نظر لقيمها ومشاعرها وشخصيتها    ،  وتُقص علينا الأيام الخوالي  حكاية  المرأة  وكيف  عاشت وتحملت   ،  لكنها أبداً لم تلن   وظلت  إرادتها  صلبة  قوية   . 
    إن المرأة هي العنصر   الصادق في هذا العالم الذي يملئه الكذب  والتحايل والفساد   ،  وقد  بادلت   المرأة  الحياة والأرض   حباً  وإحتراماً  منطلقة   من سجاياها  وشمائلها    ،  وقد أتيح للبعض من النساء  ان يجعلن  من العمل  والكفاح  مداداً  لكلماتهن   عن القيم والشرف والنزاهة و الحياة الحرة الكريمة    . 
      فكانت  نساء العراق مثلاً   شريكاً  صالحاً وصادقاً   في إكتشاف  نهضة العراق  من بداية التكوين وإلى يومنا الحاضر   ،  وكن  شريكات  في التأسيس  لقواعد  المجد  في البناء والأعمار  وتركيز الجهود من أجل صناعة الإنسان للغد المشرق     ،  وقد أتيح لهذه المرأة  الطموحة والفذة  أن  كانت أهدافها   عالية  و كبيرة وعميقه  فمن الله عليها  وأغدق  من الخيرات  و النعم    ،   ولأنهن كذلك  فقد بادلنَّ  الرب  هذه  النعم بالشكر  والتسخير الصالح  لخدمة المجتمع  والناس   ،    ولهذا كانت  لهن  الريادة  في أداء دور المعارض الفطن  وصاحب الحق الذي لا يسكت على ضيم  ،  وتحدثنا الأخبار عن ذلك مع تركيز هنا  وتركيز هناك   ،  لقد جعلت المرأة العراقية  هدفها وطموحها   تحرير العراق من الظلم والفساد  والحلم الناصع النقاء بالعيش الكريم  والعدالة والحرية للجميع          . 
     وكان العراق هذا الرمز التاريخي   الممتد  جذوراً  وحضارة  في  ضمير كل إنسان مشى على  هذه الأرض  وفي العالم    ،  قد رسخ  جذور  حقوق المرأة  منذ القدم  ، وتحدثنا المدونات  التاريخية وقوانين البابلين  والسومريين  والآشوريين  كيف كانت  المرأة حاضرة  وكانت  جزءا مهما من تكوين المجتمع  والحياة  وكان الذكر   جزءا منهن     ،   نقول هذا  ليس من باب  الفخر  ولكن من باب  سد الذرائع على أصحاب اللحى والعمائم المزيفة   .  
    ولولا  عبث السياسة   الحالية  والطمع  والخرق التاريخي الذي كان يكتب ويقرأ لوحات الواقع على نحو مقلوب   ، لما سجلت بعض روزنامات  الأباعد  هذه النكسة التي نشاهدها ونلمسها تجاه المرأة في منطقتنا   ،   ولولا كدورة  عقلية البعض ممن  يتلحفون  بالدين  ومارافق ذلك من تزييف وتحريف  ،  وقلة وعي  وتهميش للبعض نتيجة لذلك  لما كان  حال المرأة كما هو اليوم رديء   ،  ولما كانت تلك التسميات تأخذ الطابع  العام في الخرائط والمجلات ذات الشأن الحزبي الخاص     . 
    نعم إن العراق عاش  النكبات  والحرمان  والجهل  بسبب الطيش  والرعونة  وهشاشة الإنتماء  ، وإستغلال البعض لهذه النواحي  مما جعل  حال المرأة العراقية يتراجع خطوات كبيرة وكبيرة جداً  ،  ومع  كل هذا فلن يستطيع الجهل  والرعونة طمس الحقيقة أو تضييع الحقوق   ، مادام هناك نساء حريصات على كتابة التاريخ ومادام هناك رجال مخلصين  لوطنهم ولشعبهم ،  ولن يضيع حق ورائه مطالب  . 
    فإلى نسائنا في العراق وإلى نساء العالم التهنئة والتحية وكبير الإحترام والإخلاص  .. 

    راغب الركابي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media