يَسأَلونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُم قُل أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمتُم مِّنَ الجَوارِحِ مُكَلِّبينَ تُعَلِّمونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلوا مِمّا أَمسَكنَ عَلَيكُم وَاذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَريعُ الحِسابِ (٤)

لا نتوقف طويلا عند هذه الآية التي تحل للمسلمين كل ما هو طيب من الطعام، طبعا باستثناء ما حرم عليهم في آيات أخرى، مما كان ينبغي أن تذكر سوية في سياق واحد، وبلا تكرار، فيضاف شيء كل مرة إلى المحرمات، رغم استخدام صيغ الحصر فيما سبقها، وكأن الله ينسى شيئا من المحرمات، فينزل بعد مدة آية أخرى في المحرمات من الطعام، ومرة أخرى يجعلها بأداة حصر، ويضيف ما تذكر مما كان قد نسيه، تنزه الله عن ذلك. والطيب من الطعام هو كل ما تقبله النفس ولا يكون مضرا، ويضاف إلى ذلك شرط أن يكون حلالا دينيا. والآية تحل لهم إضافة إلى ذلك الحيوانات التي يتم صيدها بواسطة الكلاب المدربة على الصيد، لكن بشرط أن يذكروا اسم الله على الحيوان المَصيد.

اليَومَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَّكُم وَطَعامُكُم حِلُّ لَّهُم وَالمُحصَناتُ مِنَ المُؤمِناتِ وَالمُحصَناتُ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم إِذا آتَيتُموهُنَّ أُجورَهُنَّ مُحصِنينَ غَيرَ مُسافِحين وَّلا مُتَّخِذي أَخدانٍ وَمَن يَّكفُر بِالإيمانِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُو وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ (٥)

لا نعرف ما هو مغزى تكرار ما ذكر في الآية السابقة في أن الله أحل للمسلمين الطيبات، فإذا كان التكرار بسبب إضافة أنه (اليوم) أي يوم نزول الآية قد أحلها لهم، فهذا ما كان بالإمكان ذكره في الآية السابقة، حتى لا يضطر الله - تنزه عن ذلك - إلى التكرار. ثم ما معنى أنه أحلها يومئذ لهم، فهل كانت محرمة عليهم قبل يوم نزول هذه الآية؟ هذا مما لا يعقل، لأن الأصل في الأشياء غير المحرمة إنسانيا وأخلاقيا هو الإباحة، وعند نزول تحريم خاص من الله، يكون ذلك الذي حرمه حراما من يوم تحريمه. نعم كل ما في الموضوع أنه أضاف إباحة أخرى، مما من المحتمل أن المسلمين ظنوا حرمته، ألا هو حلية طعام أهل الكتاب لهم. لكن أن يحل طعام المسلمين أيضا لأهل الكتاب، فهو أمر غريب، لأن أهل الكتاب إذا اعتقدوا بحرمة أكل طعام المسلمين، فهم يلتزمون بشريعتهم هم، ولا يمكن لدين آخر أن يحل لهم ما حرمه دينهم، وأما إذا كان حلالا، وهو حلال بكل تأكيد بالنسبة لهم، خاصة للمسيحيين، فلا معنى لأن يذكر القرآن للمسلمين في خطابه لهم أن طعامهم حلال على أهل الكتاب.

ثم تنتقل الآية من ذكر ما يحل للمسلمين من طعام، إلى من يحل لهم الزواج بهن من نساء أهل الكتاب. ويفترض ألا يجعل الطعام والزواج في سياق واحد، بل الأرجح كان أن يذكرا كموضوعين منفصلين عن بعضهما، ولو بآية مستقلة، تنفصل عن الآية المعنية بالطعام. ونجد في هذه الإباحة بالزواج من الكتابيات عدم مساواة مرتين؛ مرة عدم المساوة بين الرجال المسلمين والنساء المسلمات، ذلك بجواز زواج المسلم بكتابية، وحرمة زواج المسلمة بكتابي، وعدم المساواة الثانية هي بين المسلمين وأهل الكتاب، فرجال الفريق الأول يحق لهم الزواج بنساء الفريق الثاني، ولا يجوز العكس.

وتضع الآية شرطين لنكاح نساء أهل الكتاب، الأول أن يكونوا هم أي الرجال المسلمون محصِنين، أي غر ممارسين للزنا، والثاني ألا تيتخذ المسلم من الكتابة خدينة له، أي أن يصادقها ويمارس الجنس معها، دون عقد نكاح شرعي.

ومن غرائب القرآن التي عودنا عليها تختم هذه الآية المعنية بما يحل للمسلمين من أكل طيبات ونكاح الكتابيات بعبارة «وَمَن يَّكفُر بِالإيمانِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ». إذا سألنا القرآن ما علاقة هذه الخاتمة بما قبلها، سيجيبنا إن الكفر قد جاء هنا بمعنى الكفر العملي لا النظري، أي ذلك بمعصية أحكام الإسلام التي تعد أحكام الله؛ هذه المعصية التي يكون مآل من يرتكبها أن يُحبَطَ عملُه، بما في ذلك كل أعمال الخير وخدمة الناس، وسيكون بالتالي في الحياة الأخرى من الخاسرين، أي سيخسر الجنة، وبما أنه لا ثالث هناك حسب الإسلام غير الجنة والنار، فسيكون مصير من يعصي هذه الأحكام نار جهنم خالدا فيها أبدا. أي رحمة هذه من الله الذي يبدأ ١١٣ سورة من سور قرآنه الـ ١١٤ بعبارة الرحمة الجميلة «بِاسمِ اللهِ الرَّحمـاـنِ الرَّحيمِ»، بينما تفتح جهنمه أبوابها مشرعة لاستقبال عباده لأدنى مبرر؟

• كافة مقالات الكاتب