الاولغارشية مصدر السلطات!
    السبت 25 مارس / أذار 2023 - 12:20
    جاسم الحلفي
    برهن مجلس النواب العراقي في جلسته التي امتدت لأكثر من 17 ساعة، ورافقتها مساومات لا مصلحة للشعب فيها، على ان مصدر السلطات عندنا هو الاوليغارشية وليس الشعب كما جاء في المادة الخامسة من الدستور. وبذا برهن المجلس على انه الحارس الامين لمصالح القوى المتنفذة، حيث امتثل لإرادتها، وصوّت موافقا على سانت ليغو المشوه، كي يؤمّن لها مقاعد ترسخ وجودها في السلطة، وتتيح لها الاستمرار في تنفيذ سياساتها التي جعلت العراق في مقدمة الدول التي ينخرها الفساد.
    لم نشهد لمجلس النواب أيّ سعي جدي، لتحسين الوضع المعيشي للطبقات الفقيرة والشرائح الاجتماعية المهمشة، التي يزحف عليها الفقر زحفا موجعا. كما لم نسمع فيه نقاشا يضع العراق في طريق التنمية المستدامة والاعمار. فهو غير مكترث بتطوير اقتصاديات العراق، مكتفيا بالريوع النفطية كمورد اقتصادي، لا علاقة له بالإنتاج الصناعي ولا الزراعي ولا السياحة بكل أنواعها او غيرها. 
    ويبدو ان تحسين الخدمات ليس من اهتمامات المجلس، فهو لم يخصص لها ساعة نقاش واحدة، مقابل الساعات التي يكرسها لتنفيذ ارادات المتنفذين. كما ان الحسابات الختامية لا تعني شيئا لمجلس النواب على ما يبدو. على العكس، نراه يجد المصلحة في طمسها وتغييبها عن الشعب، وذلك لأنها الكاشف الأهم للهدر والفساد، حيث يتدفق الإنفاق المالي واوجهه وبما حددت له أبواب الموازنة. فلم يكلف نائب واحد نفسه للتذكير بان الدستور يلزم الحكومة بتقديم الحسابات الختامية بمعية الموازنة. 
    ولم تكن مفاجئا بقاء أعضاء مجلس النواب سهارى حتى الصباح، لإقرار قانون سبق ورفضته انتفاضة تشرين الباسلة، وتشريعه مرة أخرى رغم ارادة ودماء شهداء الانتفاضة وجرحاها. في تلك السهرة العجيبة الاخيرة للبرلمانيين، أكملوا آخر فقرة من فقرات الثورة المضادة، مستهينين بالمعارضة الشعبية المتنامية. 
    ان التصويت على قانون سبق الانتفاض عليه، هو دليل على تلاعب المتنفذين بأحد اهم السلطات، حين يفرضون قانونا مرفوضا شعبيا. وبذلك تكون الاولغارشية قد فتحت بابا جدا للصراع، وأطلقت ازمة أخرى لن تتمكن من ضبطها. 
    وبهذا التصويت وسّعت طغمة الحكم فجوة عدم الثقة بها، شأن الفجوة الطبقية الهائلة التي يتربع المنتفعون من السلطة وامتيازاتها وحيتان الفساد في طرف منها، غارقين في ترف خرافي شأن الاباطرة والسلاطين الذين بذخوا وعاثوا في الأرض فسادا،  تفصلهم عن باقي طبقات وشرائح الشعب فجوة سحيقة، مليئة بالحرمان والعوز والفقر. 
    لم تدرك طغمة الحكم انه في لحظة قد تحل، يمكن ان تتوحد قوى الخير المدنية الديمقراطية بكافة مناهجها واشكالها التنظيمية، ضمن فضاء الخلاص من تسلطها، وتخوض الانتخابات في قائمة انتخابية تتسع لكل المتطلعين للإصلاح والتغيير، ليحققوا من خلالها فوزا كبيرا يتناسب مع حجم رفض الشعب للفساد والاستبداد، الذي سبق وعبرت عنه الانتفاضة بالصورة المعروفة. وقد يكون هذه المرة عبر قائمة ذات فضاء يمتد ليشمل كل الرافضين للفساد والتهميش والحرمان والظلمات. وعندها يكون الناخبون قد سقوا المتسلطين من نفس كأس السم الذي هيّأوه هم لجماهير المواطنين.

    "طريق الشعب"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media