هل معاوية هو من قتل الإمام علي(عليه السلام)
لا بد من الوقوف عند هذه الحادثة والتي تمثل أحدى المثالب الكبيرة في التاريخ الإسلامي ، والتي في الرواية التي تقول أن الخوارج هم الذين قتلوا أمير المؤمنين(عليه السلام)عندما اجتمعوا في مكة في الحج وقرروا قتل الإمام علي(عليه السلام)ومعاوية وعمر بن العاص ، في نفس اليوم وانطلقوا لهذا الأمر المجرم في نفس الوقت ، وهي من الروايات التي باعتقادي المتواضع من الروايات المدسوسة والمضللة ، والذي وتاريخنا الإسلامي حافل بتلك الروايات والذي تم كتابته وفقاً لأهواء الحكام والسلاطين في ذلك الوقت ، والذي من خلال هذا الجزء سنتعرف بالحقائق والدلائل على أن من هو القاتل الحقيقي إلى أمير المؤمنين(عليه السلام).
وننقل بالنص ما يقوله العلامة المرحوم باقر شريف القرشي(رض) :
ذكر المؤرّخون أنّ اغتيال الإمام عليه السلام يعزى إلى الخوارج ، وليس لغيرهم أيّ ضلع فيه ، " والذي نراه بكثير من التأمّل والترجيح أنّ للأمويّين صلة فيه ، ويدعم ذلك ما يلي :
١ ـ إنّ أبا الأسود الدؤلي من خواص الإمام عليه السلام ومن تلاميذه ، وكان من المتحرّجين في دينه قد ألقى تبعة قتل الإمام على بني اميّة وذلك في مقطوعته التي رثا بها الإمام ، فقد جاء فيها :
ألا أبلغ معاوية بن حرب***فلا قرّت عيون الشامتينا
أفي شهر الصّيام فجعتمونا***بخير الناس طرّا أجمعينا ؟
قتلتم خير من ركب المطايا***ورحّلها ومن ركب السّفينا. (۱)
ومعنى هذه الأبيات أنّ معاوية هو الذي فجع المسلمين بقتل الإمام الذي هو خير الناس بعد أخيه وابن عمّه الرسول صلّى الله عليه وآله.
ومن المؤكّد أنّ أبا الأسود لم ينسب جريمة اغتيال الإمام إلى معاوية إلّا بعد وثوقه بذلك ، ومن المحتمل أنّ أبا الأسود إنّما ألقى المسئوليّة على معاوية في اغتيال الإمام لأنّه هو السبب في نشأة الخوارج وتمرّدهم على حكم الإمام ، وجميع ما صدر منهم من جرائم وآثام تستند إلى معاوية.
2 ـ والذي يعزز هذا القول هو ما ذهب إليه الكثير من المؤرخين والعلماء من كافة الفرق الإسلامية ، وهذا ما ذكره المؤرخ أنّ القاضي نعمان المصري ، وهو من المؤرّخين القدامى ذكر قولاً هو أنّ معاوية دسّ ابن ملجم لإغتيال الإمام ، وهذا نصّ كلامه :
« وقيل إنّ معاوية عامله ـ أيّ عامل ابن ملجم ـ على ذلك ـ أيّ على إغتيال الإمام ـ ، ودسّ إليه فيه ، وجعل له مالا عليه » (۲).
وأن شعر أبو الأسود الدؤلي هو ما يؤكد أن معاوية هو من قتل الإمام علي(عليه السلام).
3 ـ ومن هذا المنطلق فإن للحزب الأموي اللعين له دور رئيسي في اغتيال أمير المؤمنين(عليه السلام)ومن أبرز تلك الأدلة الدامغة هو وجود الأشعث بن قيس(لعنه الله)في هذه المؤامرة الإرهابية المجرمة وكان له دور كبير فيها ‘ ومن المعروف انه كان عيناً من عيون بنو أمية اللعناء ، حيث رافق أبن ملجم في قتل الأمام ومكث عنده شهر قبل حدوث تلك الجريمة الإرهابية ، وهو القائل له : النجا فقد فضحك الصبح ، ولمّا سمعه حجر بن عديّ صاح به ، وقال له :
قتلته يا أعور ؟ وصلة الأشعث ببني اُميّة معروفة ، وعدائه للإمام مشهور ، وقد هدّد الإمام قبل قتله بقليل (3).
إنّ المؤامرة باغتيال الإمام قد احيطت بكثير من السرّ والكتمان ، فما الذي أوجب اطّلاع الأشعث عليها ودعمه لها ، لو لا الايعاز إليه من الأمويّين.
من هو الأشعث بن قيس
الأشعث بن قيس اسمه معدي كرب لقّب بالأشعث لأنّه كان أشعث الرأس (4) أسلم في السنة العاشرة من الهجرة، كان ممن ارتد بعد النبي صلى الله عليه وآله، فسير أبو بكر الجنود إلى اليمن، فأخذوا الأشعث أسيراً، فأحضر بين يديه فقال له: استبقني لحربك وزوجني أختك، فأطلقه أبو بكر وزوجه أخته... توفي بعد علي عليه السلام بأربعين ليلة سنة أربعين من الهجرة (5).
وقد ندم أبو بكر على فعلته هذه ، وكان من أهل الفتنة والشرّ إلى الحدّ الذي كان أبو بكر يتأسف ويندم لعدم قتله وضرب عنقه حين جيء به أسيراً إليه ، وورد في «مروج الذهب» أنّ ذلك كان أحد الاُمور الثلاثة التي كان أبوبكر يتأسّف علیها عند احتضاره؛ قال:
وَالثَّلاَثُ الَّتِي تَرَكْتُهَا وَوَدَدْتُ أَنِّي فَعَلْتُهَا: " وَدَدْتُ أَنِي يَوْمَ أُتِيتُ بِالاْشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَسيراً ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ خُيِّلَ لِي أَنـَّهُ لاَ يَرَي شَرّاً إِلاَّ أَعَانَهُ (6).
وكان الأشعث من المنافقين في خلافة علي عليه السلام ، وهو في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كما كان عبد الله بن أبي بن سلول في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله)، كل واحد منهما رأس النفاق في زمانه (7).
والاشعث أموي الهوى من أتباع عثمان ومن الذين وهبهم عثمان الأراضي الكبيرة في العراق بدون وجه حق والذين ذكرناهم في الفصل السابق ، عينه عثمان واليا على أذربيجان وبعد مقتل عثمان استدعاه الامام علي (عليه السلام ) الى الكوفة.
وقد ورد في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام ) أنَّ الأشعث شَرِك في دم أمير المؤمنين (عليه السلام ). كما ورد في بعض الروايات أنَّه كان قد هدَّد الإمام بالموت والفتك (8).
والأشعث معروف بغدره وأجرامه وبغضه للإمام علي(عليه السلام) ، وقد قال الامام علي فيه : (و إنّ امرء دلّ على قومه السّيف ، و ساق إليهم الحتف ، لحرىّ أن يمقته الأقرب ، و لا يأمنه الأبعد ) (9).
وكان المسلمون يلعنون الأشعث ويلعنه الكافرون أيضاً وسبايا قومه ، وسماه نساء قومه عرف النار ـ وهو اسم للغادر عندهم (10)
عائله الأشعث عائلة خبيثة
وقد أنجب الأشعث من أم فروة أخت أبي بكر بنتا وولدين ورثوا عن أبيهم مشايعة الأمويين وقتل بني هاشم وهم :
محمد بن الأشعث : وكان له دور في إعتقال حجر بن عدي من أصحاب الإمام علي (عليه السلام )، وقد شارك في قتل هاني بن عروة ومسلم بن عقيل في الكوفة وشارك في دم الإمام الحسين (عليه السلام )
قيس بن الأشعث: وكان قيس من الذين كتبوا للإمام الحسين (عليه السلام ) يدعونه للقدوم إلى الكوفة، إلا أنَّه التحق بـجيش عمر بن سعد، وأنكر مكاتبته للإمام الحسين (عليه السلام ) وهو الذي سلب قطيفتة
جعدة بنت الأشعث: تزوجت من الإمام الحسن (عليه السلام )، وكان زواجها منه باقتراح من الأشعث وقد دست السم للإمام الحسن (عليه السلام ) بإغراء من معاوية (11).
وهذا غيض من فيض من الأدلة والبراهين على من قام بقتل أمير المؤمنين والتي سنتناول الزبدة منها لأجل عدم الإطالة ونأخذ المفيد من بحثنا هذا في جزئنا القادم إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر :
1 ـ تاريخ ابن الأثير ٣ : ١٩٨. مقتبس من كتاب : [ موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ] / الصفحة : ۲۳٦ ـ ۲۳۹. باقر شريف القريشي موقع شبكة رافد. العقائد الإسلامية.
2 ـ المناقب والمثالب ـ القاضي نعمان المصري : ٩٨.
3 ـ شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٦ - الصفحة ١١٧. منشورات المكتبة الشيعية.
4 ـ خزانة الأدب ٥ : ٤٢٤.
5 ـ ـ أسد الغابة1/118.
6 ـ «مروج الذهب» ج 2، ص 308. كتاب(السيف والسياسة) ، (لـ صالح الورداني). ص 65. المكتبة العقائدية. منشورات المكتبة الأبحاث العقائدية.
7 ـ راجع شرح النهج 1 / من ص 292 ـ 927.
8 ـ الكافي، ج 8، ص 167، ح187.
9 ـ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 188-189
10 ـ الطبري في التاريخ 3/338.
11 ـ مقتبس من بحث بعنوان(مَنْ قَتَلَ الامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام) ؟). الباحث (نجم الحجامي).لفصل الخامس... الادله التي تثبت تورط معاويه بقتل الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ....موقع كتابات في الميزان ، الرابط : https://kitabat.blog/nagem_alhachami/contents/view/details?id=7817.