الراب العراقي.. من "صرخة احتجاج" إلى "ضيف على الحسينيات"
    السبت 20 مايو / أيار 2023 - 20:13
    [[article_title_text]]
    الفنان العراقي سيف نبيل، مغنيا للراب في بداياته، على خشبة المسرح الوطني العراقي في بغداد في يوليو 2009.
    (الحرة أرفع صوتك) واشنطن - مع سقوط نظام صدام حسين، انفتح العراق على العالم الخارجي، وتعرّف العراقيون على أنواعٍ جديدة من الفنون، منها موسيقى الراب، التي أتقنها العراقيون سريعا، وفق تقرير أعده موقع "ارفع صوتك.

    في غضون وقت قصير، صار الراب وسيلة الكثير من الشباب الأساسية للاحتجاج ضد فساد النظام السياسي".

    ليس هذا وحسب، بل توغل الراب أكثر في المجتمع العراقي، فأصبح ضيفا حتى على بعض "الحسينيات" بعدما اعتبرته بعض الجماعات جزءا من الطقوس الدينية.

    بداية الظهور
    ويرى العازف، سامي نسيم، أن العراق عرف فن الراب، بعد عام 2003، بعدما شهدت البلاد "انفتاحا كبيرا على العالم الخارجي، بعد أن كانت تعاني من العزلة عن ثقافات العالم الأخرى".

    ونقل موقع "ارفع صوتك" عن نسيم قوله إن إهمال الحكومات المتعاقبة للفنون الشعبية أحدَث فجوة لدى الشباب، الذين لم يجدوا فنا يعبر عنهم فاختار بعضهم اللجوء إلى الراب.

    وبمرور سنوات ما بعد الحرب، نشأ في العراق جيل جديد لم يرَ العراقَ مستقرا، ولم يعهده إلا وهو يعاني توابع الحرب والاقتتال الداخلي.

    لم يعد شباب هذا الجيل يعتبرون أن المغنيين الكلاسيكيين قادرون على التعبير عن قضاياهم فلجؤوا إلى الراب، الذي يمتلك، وفق تعبيرهم، أدوات أكثر تمكّنهم من التعبير عن احتجاجاتهم بصوت أعلى، وفق ما ذكره تقرير "ارفع صوتك".

    الطريق إلى السياسة
    وبشكل حذر، بدأت تظهر أغاني "الراب العراقي" على شكل أغان عاطفية أولا. دام هذا الأمر بضع سنوات، لكن هذه الأغاني لم تحقق رواجا كبيرا، ليتوجه الراب العراقي إلى التماشي مع الحركات الاحتجاجية التي عرفها الشارع العراقي، بعد عام 2011، ويتلوّن بطابع السياسة.

    تدريجيا، انسحبت معظم أغاني الراب العراقي ناحية المواضيع الجماهيرية، حتى وقعت تظاهرات عام 2015، والتي شهدت ظهور أغنية "أنا العراق من أنتم؟!"، وحقّقت انتشارا كبيرا بين المتظاهرين خلال اعتصامهم في ساحة "التحرير" وسط بغداد.

    بعد هذه الأحداث بعامين، ظهرت على منصات التواصل الاجتماعي أعمال فرقة "قبيلة الوحوش"، والتي نشرت أغان ساخطة على تردي الأوضاع الاجتماعية عبر موقع "يوتيوب".

    ويعتبر المغني، حسين العربي، أن الراب وسيلته الأفضل ليكتب ما يشاء من كلمات ويغنيها على إيقاعٍ بسيط مكّنه، وهو عامل بناء، من الوصول لشريحة عريضة من العراقيين، وفق ما نقله موقع "ارفع صوتك".

    ومنذ 2017، بدأ الراب في امتلاك جمهور حقيقي في العراق، وبات أكثر وأسهل وسيلة للتعبير عن الاحتجاج ضد فساد السُلطة وسوء الأوضاع الاجتماعية.

    مزجت أغاني "قبيلة الوحوش" بين فن الراب وبين بعض الأعمال الفنية القديمة التي ألِفها الجمهور العراقي، مثل أغاني المطرب ناظم الغزالي وهيثم يوسف، وأشعار مظفر النواب وغيرها من أعمال كبار المُبدعين العراقيين.
    وفي 2018، شهدت محافظة البصرة مظاهرات عنيفة احتجاجا على تردّي أحوالها، تطوّرت إلى اشتباكات مع أجهزة الأمن واقتحامات لبعض المقرات الحكومية وإحراقها، مقابل قمع شديد تعرض له المتظاهرون.

    حينها، استغلَّ الرابر العراقي أحمد المالكي (مستر كوتي) الأحداث، وصوّر أغنيته "هنا البصرة" أمام مبنى حكومي يحترق، وشنَّ فيها هجوماً قاسياً على النخبة السياسية والدينية في العراق.

    وضعتْ هذه الأغنية "كوتي" في مواجهة مباشرة مع القوى الدينية، التي سبق وأن أغلقت بعض قواها الاستديو الخاص به، في عام 2016، بدعوى أن "الموسيقى حرام".

    وفي حديثٍ نقله موقع "ارفع صوتك" تمنّى "كوتي" أن تلعب أغانيه دورا في تحسين الأوضاع بالعراق وفي تعريف العالم أن العراقيين منفتحون على أنواع الفنون كافة.

    في نفس العام، ظهر فريق راب في الموصل هذه المرة، فطرح عدة أغان انتقدت سوء الأوضاع بالمدينة.

    كذلك شهدت السنة ذاتها محاولة الرابر العراقي النيوزلندي "أي إن زي" I-NZ توجيه رسالة احتجاج دولية على الأوضاع في العراق.

    اختار الرابر العراقي أغنية "هذه أميركا"، للفنان تشايلدش غامبينو التي انتقد فيها انتشار السلاح في بلاده، ليقدّم أغنية موازية لها بعنوان "هذا العراق" حمّل فيها العالم الغربي مسؤولية اندلاع أعمال عنف في العراق.

    الراب الحسيني
    بعد هذه التجليات السياسية، اتخذت قصة الراب داخل العراق منحى آخر، بعدما ظهرت أنواع دينية منه، استعانت فيه بعض الفرق الشيعية بأغاني الراب خلال أداء طقوسها والتي تتضمّن ممارسة اللطم على الصدر.

    أشهر الأمثلة على ذلك انتشار فيديوهات عديدة لأعضاء إحدى الفرق الدينية وهم يرقصون، داخل مسجد الصرفي بغداد، على وقْع أغنية "لا خمور ولا هروين.. لا حشيش وكوكايين".

    أحدثت هذه الفيديوهات ضجة في المجتمع العراق ما بين مؤيدٍ ومعارض. لكن أغلب رجال الدين انتقدوا مزج ممارسة الطقوس الدينية بالأغاني الغربية.

    في المقابل، برر هذه الخطوة عايد الحسني، ممثل المرجع الديني الشيعي محمود الحسني الصرخي، الذي يشرف على المسجد الذي استضاف "لطميات الراب"، بالقول إن الهدف من هذا الأمر هو الحديث بلغة الشباب والاقتراب منهم، وفق ما نقله عنه "ارفع صوتك".

    ورغم إقرار الحسني أن الاستماع إلى الموسيقى "حرام"، إلا أنه اعتبر أن هذه الحُرمة مشروطة بالاستخدام. لهذا اعتبر أن الاستعانة بالراب لمدح آل البيت ولإنشاد التواشيح والأناشيد الدينية سيضعها في دائرة الأمور الحلال.

    وخرج رجل الدين رشيد الحسيني، في برنامج "فقه المصطفى" الذي يُبثُّ على قناة "الفرات"، التابعة لعمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، ليقول إن "الراب يعد مؤامرة على الدين وعلى الحوزة العلمية والمرجعية من خلال تلويث وتشويه رسالة الحسين".

    وحينما سُئِلَ حينها المرجع كاظم الحائري (كان مقربا من التيار الصدري وأعلن تنحيه عن المرجعية، العام الماضي)، عن هذا الأمر اعتبره وسيلة لـ"تشويه عزاء الإمام الحسين" وحرّم الاستعانة به.

    لم تمنع هذه الاعتراضات "الراب الشيعي" من التمدّد، فلم يعد مقتصرا على بغداد فحسب، بل ظهر أيضا في مناطق أخرى، كالبصرة والناصرية والحلة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media