وهي بصدد كتابة تحقيق صحفي طريف عن الشهادات العُليا، الماجستير والدكتوراه، التي أخذت تُمنح في عالمنا العربي بأسلوب «الإنتاج الواسع»، سَعَتِ الصحفيَّة الذكيَّة والمُثابِرة «نرمين المفتي» لدراسة الجدوى الفكريَّة، العمليَّة والاقتصاديَّة، من كُلِّ واحدة من أطروحات الماجستير ورسائل الدكتوراه، ذاهبةً إلى أنَّها جهود عابثة إذا لَمْ تقدِّم إضافة ما للمعرفة الإنسانيَّة، وخصوصًا للبلد الذي ترعى حكومته هذه الجهود الأكاديميًّة ماليًّا واعتباريًّا (مع إشارة خاصَّة للعراق).

كنتُ، شخصيًّا حينذاك أخدم مديرًا لــ»نادي الجمهوريَّة الثقافي»، وقد أطريت على جهدها وعلى مشروعيَّة تساؤلاتها من الناحيتيْنِ المنطقيَّة والوطنيَّة. والغريب في الأمْرِ هو أنَّ طوفانًا يبعث على الغثيان والتشاؤم من أطروحات ورسائل الدراسات العُليا كان قد أغرق أنباء الصحف المحليَّة، من بَيْنِ سواها من وسائل الإعلام. وبدلًا عن التريث الذي سَعَتْ نرمين المفتي إلى أن يعتمد للتأكد من الجدوى الحقيقيَّة المتوقَّعة من كُلِّ أطروحة وكُلِّ رسالة دراسات عُليا تستغرق الباحث السنين من العمل الدؤوب والبحث الدقيق على سبيل الإضافة العلميَّة والإغناء العملي.

كانت نرمين أشْبَه بمنشدة بصوت عالٍ، ولكن في جزيرة غير مأهولة: فلَمْ تأبَه وزارات التعليم العالي والبحث العلمي بـ»اعتراض نرمين» ولَمْ تؤلها ما تستحقُّ من اهتمام، لبالغ الأسف! وقد لاحظت بأنَّ الذي حدث كان دائمًا ما يتمثل بضعف الدلالات العمليَّة والنفعيَّة من آلاف الرسائل والأطاريح المنتجة، ليس في العراق فقط، ولكن كذلك عَبْرَ العالم العربي: فانتشرت عناوين أطروحات ورسائل (علميَّة) تستدعي السُّخرية والتندُّر عَبْرَ العديد من مؤسَّساتنا الأكاديميَّة بَيْنَ الخليج العربي والمحيط الأطلسي: فليس هناك من يسأل عن الجدوى الاقتصاديَّة أو المعرفيَّة أو التربويَّة أو العلميَّة المحضة لكُلِّ واحدة من أطروحات الماجستير ورسائل الدكتوراه التي (كما يبدو) أنَّها كتبت ثمَّ نوقشت لتركن على أحد رفوف المكتبات الجامعة لغبار الزمن، جهدًا ذهنيًّا لا مجديًا، ورقًا وحبرًا مهدورًا.

أ.د. محمد الدعمي

كاتب وباحث أكاديمي عراقي