أولويات الحياة
    الثلاثاء 23 مايو / أيار 2023 - 12:40
    مازن الحسوني
    ابتلى الجيل الذي تربى في فترة الستينات ولغاية 2003 بمرض أو حالة غريبة وهي (الولع بالسياسة).الأجيال الجديدة بعد تلك المراحل والتي تعيش حوالينا يمكننا ملاحظة كيف أنها لم تبتلي بهكذا مرض.
    القضية ليست بمعزل عن الأضطراب السياسي ومخلفاته الكارثية على البلد والأنسان العراقي الذي رافق تلك الحقبة.
    ترى أغلبية الناس سواء من يعمل بالسياسة أو الأنسان العادي ينصت الى الراديو وقنواته المحدودة في زمن لم تكن هنالك فضائيات تنقل كل ما يجول ببلدك والعالم دون رقيب.لعل الراديو ينقل لك خبرأ يفرحك وخاصة الأنقلاب على نظام الحكم وتمني النفس بأن يكون  القادم أفضل من الحالي.
    بل أن من يعمل بالسياسة تراه في أجتماعاته الحزبية مطلوبأ منه أن يتحدث عن الوضع السياسي الداخلي وبعده العربي ومن ثم العالمي وكأنه يراد به أن يكون وكالة أنباء عالمية.والمصيبة أن هؤلاء كأنهم في أمتحانات وزارية لابد أن يجيب على الأسئلة ويبين كيف أنه محضر واجباته ومتابع الأخبار ويحاول يكون الأول في الحديث كيف يبرز كونه أول من تحدث بالموضوع الفلانياما من لم يحضر واجباته فتراه خجولأ وكأنه في الصف المدرسي ويستحي من المعلم وزملائه.
    أغلب هؤلاء العاملين بالسياسة جارعليهم الزمن بالحرمان والتشرد والغربة ناهيك عن الجوع والفقر أذا لم يكن الموت والسجن قد لحقه فيما بعد.
    البعض من هؤلاء حالفه الحظ وخرج من الوطن ليعيش في بلدان الغربة المتعددة وبقي هناك لحد اللحظة (لااريد الحديث عن أقرانهم من بقي في الوطن فهم مساكين بمعنى الكلمة من عدة نواحي) بقي أسير تلك القناعات والأفكار التي تعودها قبل خروجه مكرهأ من الوطن .هنالك قسم ترك كل هذا الأهتمام بالموروث القديم وبدأ يتأقلم مع المحيط الذي يعيشه ولكنهم قلة قليلة.
    الكثرة الباقية حتى من تحسنت أموره الأقتصادية بقي يعيش بذاك النمط الذي تربى عليه قبل خروجه من الوطن ولهذا تجده في أوقات راحته أو فراغه ينحو نحو اللقاء بقدامى الأصدقاء وجلساتهم الحلوة رغم كثرة النقاش بالأمور السياسية والبعض يسافر الى دول أخرى لأجل قضاء العطل مع العائلة.
    لكن لم تجد أي من هؤلاء وانا منهم (ربما قلة قليلة) من يضع في أولويات حياته اليومية ايجاد وقت للراحة النفسية والجسدية من تعب ايام العمل أوالهموم الأخرى أسوة بأقرانه من المواطنين ابناء البلد الذي يعيش فيه والذين يضعون في أول أولوياتهم هي كيف يعيشون براحة وهدوء ويستمتعون بعطلهم وايامهم  ويخططون لها منذ وقت طويل.
    نحن كل مشاريعنا تكون لحظية وبالتالي ممكن تنجح وممكن لا ويبدأ بعدها القال والقيل ومن المذنب بهذا وتشتعل مشاكل البيت والأسر مع بعض.
    ما حفزني للكتابة حول هذا الموضوع والصورة المرافقة للموضوع هو أنني والحمد لله أحببت وتزوجت من أمراة بعيدة عن هذه الأمراض وتحب الولوج في الحداثة وتبتعد عن السايسة بأميال ولهذا تخطط للعائلة وأحيانا لها وحدها أن وجدتني أو العائلة لا ترغب بما تخطط له في تنفيذ أهتمامات تصب بمجال أعطاء الأنسان دفعة من الحيوية بعيدأ عن كرب الحياة اليومية ومنغصات السياسة.
    أختارت لنا كعائلة الذهاب الى منتجع في جنوب المدينة (ياباني) مع المبيت ليلة هناك .المنتجع فيه من الخصوصية ما تجعلك تبتعد عن هذه المنغصات اليومية من أول لحظة لدخولك فيه.الملاحظة الأولى هي المنتجع يمنع استخدام التليفون (عدا غرفة النوم) وهذه لوحدها كافية بأن ترفع الثقل الذي يسببه هذا الجهاز الخطر على أعصابك . يتم منحك روب تلبسه طيلة تواجدك بالمكان وهو للرجال والنساء مع مايوه سباحة ونعال(شحاطة) ولهذا لا تجد فوارق بين الجميع الذين معك كأنك في معبد بوذي مع موسيقى هادئة في أغلب الأماكن اضافة الى توفر الفواكه والمشروبات الحارة (الشاي والقهوة )على مدار الساعة.
    هنالك حمامات سباحة بمياه حارة داخلية أو خارجية مع ساونات أضافة الى نشاطات متعددة (اليوغا .....) ببرنامج مكتوب وبصالات خاصة .
    الأكل يقدم في صالة الطعام (الفطور والغداء) وانت ترتدي نفس الملابس (الروب ) ما عدا العشاء فيقدم بصالة خاصة .تجلس كل مجموعة (7الى8) أشخاص حول مائدة بشكل مربع وفي وسطها يقف الطباخ الذي يطبخ الطعام الطازج أمامك وتبدأ هنا البهلوانيات (شعل النار ،الطقطقة بالسكاكين....) وغيرها من الفعاليات التي تضيف لجلسة الطعام جوأ جميلأ مع الحديث المشترك مع الجالسين معك في الطاولة وعندها تكتشف أنهم من أعمال متعددة جأوا ليرتاحوا من ثقل العمل او البعض تلقى هدية (الذهاب الى هذا المكان بمناسبة معينة) البعض جاء ليضيف جوأ حلوأ لحياته الأجتماعية.
    مرتادي المكان أغلبهم من متوسطي الأعمار مع وجود الشباب .اما المراهقون يكادوا يعدون باصابع اليد الواحدة ولهذا كان المكان بالنسبة لأولادنا ليس بالممتع عدا كوننا مع بعض كعائلة.الحقيقة كانت أوقات جميلة بعيدة عن الضغط النفسي الذي يسببه روتين الحياة ومتابعة الأخبار السياسة المتأزمة دومأ وكذلك الأنغلاق بعالم التليفون ومساؤه على الأعصاب وتمرين جيد للجسم حيث كنت ولأكثر من مرة أدخل في الساونة حتى يسخن جسمي بشكل كبير وأخرج بعدها مباشرة لأخذ دوش بارد جدأ وتسمع من حواليك من يصرخ من شدة البرد والمفاجأة (خيكم ما صرخ بس منعش حقأ).
    أصل الى ما أريد قوله أننا نضع كل الأشياء كأولوية لنا وأحيانأ كثيرة نعرف بأننا لا نملك الأمكانية لتغيير الكثير ولكننا نبقى نصر على السير بنفس الخطوات السابقة،أما متع الحياة الأخرى وراحة البال والجسد الذي هو ما يتحمل وزر كل تلك المشاق لا نفكر به فقط عند الترنح من التعب وعندها يكون الأوان قد فات.

    مازن الحسوني           
    2023/5/23

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media