عندما تحكم السخافة دولة... لبنان مثالا
    الأحد 4 يونيو / حزيران 2023 - 18:27
    حسن أحمد عبد الله
    ثمة مثل شعبي لبناني هو "الفقر يولد النقار"، ومن ينظر الى الواقع الحالي وتحلل اجهزة الدولة برمتها، يكتشف ان هذه "المنقارة" السياسية ليست جراء ولادة الفقر الناس، انما نتيجة طبيعية لفقر السياسيين في ادراك حجم المشكلة التي تسببوا بها، جراء الكيدية التي يمارسونها.
    اعتاد هذا البلد الصغير المساحة، الكثير المشكلات على هذا منذ زمن، لكن قبل الحرب كانت العلاقات السياسية تنتهي عند حدود معينة، انما اليوم، فان الامر مختلف جدا، لاسباب عدة، اهمها افلاس القوى، مجتمعة، لوضع مشاريع سياسية يمكن ان تلبي حاجة الناس، لهذا فهي تكتفي بتأجيج الشعارات، وشد الاعصاب المذهبية والطائفية، وتمارس رد الفعل ليس فقط في الملف الرئاسي، بل ايضا في تشكيل الحكومات، وتعيين الموظفين، والغريب في هذا الامر انها لا تزال تجد من يؤيدها، رغم الكارثة الاجتماعية والصحية والتعليمية التي حلت في البلاد.
    اذ ليس انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ولا سرقة ودائع المواطنين هي المشكلة فقط، بل الامر يتعدى ذلك الى عدم وجود مرجعية سياسية للبلاد، بمعنى عدم وجود مشروع دولة، وهذا بحد ذاته مشكلة تاريخية، منذ وجد لبنان عام 1920، لان الصراع كان دائما على هوية اهو لبنان عربي، او غير عربي، الى حد ان بعض القوى السياسية حرمت في بداية الجمهورية الوليدة الانضمام الى الوظائف العامة، وفي العام 1958، آبان بروفة الحرب الاهلية الاولى، وجدت هذه القوى نفسها خارج منظومة مؤسسات الدولة، وانها شبه ملحقة بدولة غريبة عنها.
    منذ ذلك الوقت حاولت هذه الجماعات الانضمام الى الدولة، والسعي الى الحصول على مكاسب مثل بقية الجماعات، غير انها اصطدمت باحتكار القرار السياسي من المرجعيات الطائفية والسياسية الممثلة لها، الى حد ان طرفة تروى عن زعيم ان قال لوفد من احدى القرى جاء مطالبا ببناء مدرسة في القرية: "لماذا تريدون مدرسة، فان اعلم ابني وهو ابنكم".
    اما عن احتكار الوظائف ثمة حادثة مثبتة تاريخيا، ففي اوخر العهد العثماني، كانت وظيفة كاتب محتكرة من احدى العائلات، وهي تحتاج لرجل يقرأ ويكتب، وحين مات هذا عين مكانه رجل امي، لانه الوريث الشرعي له، وما ورثه عن العثمانيين استمر في عهد الاستعمار الفرنسي، وحتى منتصف ستينات القرن الماضي، استمر ورثة هذا الشخص في المنصب ذاته.
    الناظر الى الواقع اللبناني اليوم لا يجد كبير فرق بين الامس واليوم، فالزعماء التقليديون لا يزالوان يورثون مناصبهم وزعاماتهم، بل حتى في الاحزاب تجري عملية التوريث، باستثناء حزبين او ثلاثة فقط، اما الباقي فمعروف من هو الوريث.
    ومن الغرائب ايضا ان جميع القوى السياسية تعمل على ترسيخ قناعة لدى الشعب ان الانتخابات الرئاسية مرتبطة بالوضع الاقليمي، وحتى الدولي، وهو امر ليس صحيحا على الاطلاق، لان لبنان في الحسابات الاقليمية والدولية مجرد تفصيل ثانوي، لكن للتضليل تستخدم هذه الحجة، اما الحقيقة فهي الصفقات التي تعقد على ظهر الشعب، وكم ستكون منفعة قادة هذا الفريق او ذاك.
    ومن الطرائف في هذا الشأن التي تدل على محاولة تجهيل الشعب، فخلال الحرب الاهلية، وتحديدا في ربيع عام 1988، اختلفت فريقان على حصيلة العوائد من حاجز ، او ما كان يسمى معبرا، بين مرفأ بيروت والشطر الغربي من العاصمة، فعمد احدهم الى اقفال المعبر، ووقف تسليم البضائع الى الشطر الغربي، يومها كتبت احدى الصحف حرفيا " فتح معبر المرفأ مرتبطة بتطورات الوضع بين الكرملين والبيت الابيض"، وفي اليوم التالي اتفق زعيما الفريقين وفتح المعبر، ولحست الصحيفة المحسوبة على فريق ما عنوانها.
    بكل هذه السخافة والبساطة تتعاطى القوى السياسية في امر بالغ الاهمية وهو عودة المؤسسات الى الانتظام، لانها جميعها مستفيدة من فقر الناس، كما انها مستفيدة من ثروة لبنان.

    صحافي لبناني
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media