أ. د. عبد علي سفيح
قامت فلسفة ورؤية نظام الحكم والدولة عند العرب منذ ظهور الدعوة الاسلامية المحمدية ، والتي قامت ككيان سياسي في جميع مجالاتها، وادارتها، وحروبها، وصلتها بغيرها سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، قامت على أساس مفهوم الأمة.
مفهوم الأمة عند العرب المسلمين، مفهوم سياسي وعقائدي، وهو محور نظرية وشرعية الحكم عند العرب المسلمين منذ بداية الدعوة الاسلامية وليومنا هذا. وهو مفهوم يتجاوز الخصوصيات الطبيعية التي تمايز بين الناس من لون، أو لغة، أو عرق، أو اقليم. كذلك أعطى مفهوم الفرقة الناجية، أو دين الحق، مما جعلت سلطة التاريخ تتحكم في حاضر العرب ليومنا هذا.
لا يوجد دين من الأديان البشرية، تأسست دعوته على مفهوم الأمة، مثل الدين الاسلامي. فنجد البوذية تأسست على تحرير الروح الفردية للتخلص من المعاناة، أي دعوة تخص الفرد. أما اليهودية، تأسست الدعوة على أساس تأسيس دولة مبنية على فكرة الأرض الموعودة وهي اسرائيل. أما المسيحية، أسست الدعوة على أساس مجيء المنقذ وهو المسيح ليحطم طغيان الشر وبموته يحرر الناس من الخطايا، فأعطت مفهوم الرب هو المحبة والغفران.هذا يقد يفسر لنا سبب الصراع الاسلامي اليهودي على أنه صراع الأمكنة، أما الصراع الاسلامي المسيحي على أنه صراع الأفكار وهذا أقل خطرا من صراع الأمكنة. ولتوضيح جوهر هذه الفكرة سوف أبين المراحل المختلفة لتطور النظام السياسي المبني على مفهوم الأمة عند العرب المسلمين:
1.فترة الدعوة المحمدية: في هذه الفترة، لم يكن آنذاك قد تاسس نظام سياسي راسخ عند عرب الجزيرة لأن ليس للعرب سبق في هذا المجال. أسس الرسول(ص)، نظاما على أساس خير أمة أخرجت للناس، تجمع ثنائية الدين وشبه الدولة المبنية على عقد اجتماعي، وأعتبر كل من التزم بهذا العقد، هو جزء من هذه الأمة( عربي أو أعجمي، يهودي أو مسيحي أو مسلم، ؛حر أم عبد، رجل أم امرأة).
2.فترة الخلفاء الراشدين: بعد أن وضع الرسول محمد(ص) مفهوم الأمة، حاول الخلفاء بعد الرسول اعطاء نظام سياسي لهذه الأمة. وبما أن العرب لا عهد لهم بذلك ولم يورثوا تقاليد سياسية راسخة مثل الفرس والروم، فما عليهم الا أن يختاروا احدى الأنظمة السياسية السائدة آنذاك وهي الامبراطورية الفارسية، أو الامبراطورية الرومانية. اختار الخلفاء الراشدون النظام السياسي الروماني غير الوراثي، والذي يجسد ثنائية الدين والدولة، وأساس الحكم فيه باعطاءهم شرعية السلطة التشريعية والتنفيذية بيد طبقة من النبلاء والأشراف. فعرف الخلفاء الراشدون هذه الطبقة من الأمة التي لها شرعية الحكم وطاعة الأمة لها وهم العرب من قبيلة قريش، ولهذا أستبعد الأنصار من شرعية الحكم.
3.فترة الأمويين: بعد أن عرف الرسول(ص) مفهوم الأمة، وحدد الخلفاء الراشدون المفهوم السياسي للأمة وهم العرب ومن قريش، لقد حدد الأمويين وعلى يد معاوية بن أبي سفيان، شرعية العائلة الحاكمة وهم بنو أمية. أي الشرعية للعربي من قبيلة قريش ومن عائلة آل أمية. فتبنى معاوية النظام السياسي الفارسي الوراثي لأنه وجد أن النظام الروماني أدى الى اغتيال ثلاث خلفاء مع اندلاع حرب أهلية بين العرب المسلمين لم يسبق لها مثيل.
تطور المفهوم السياسي لنظام الحكم في العهد الأموي، على مبدأ الدولة دنيوية، لها عاصمة مركزية يحكمها الخليفة، ولها نظام أقاليم يحكمها الوالي، ونظام مالي يدار من قبل العامل. وفي فترة حكم الخليفة عبد الملك بن مروان ، وضع نظاما ماليا وعسكري وقضائيا عام 685م، وهو أول من صك عملة الدينار من الذهب، والدرهم من الفضة.
4.فترة العباسيين: تميزت هذه الفترة بانقسام الأمة الاسلامية الى أمتين: الأولى في بغداد تحت حكم عائلة بني عباس، والثانية في الأندلس تحت حكم بني أمية. العائلتين احترمت المفهوم السياسي للأمة وشرعية الحكم وهم العرب من قبيلة قريش.
يتميز العباسيون عن الأمويين بأنهم أعطوا لمفهوم الأمة وجود أكثر سياسيا. بنو أمية لن يسمحوا لغير العرب الاجتهاد في الدين، على عكس بنوا العباس أطلقوا المذاهب والاجتهاد لغير العرب اعتقادا منهم بأن تجانس الأمة الاسلامية يأتي عن طريق علماء الشريعة وحرية الفكر.
خلاصة القول: النظرية السياسية للحكم عند العرب المسلمين لازالت مبنية على مفهوم الأمة. وبتحديد هذا المفهوم أعطى العرب الشرعية والطاعة لمن يحكمهم. وحدد هذا المفهوم عبر المراحل المختلفة من تاريخ الاسلام. ففي عهد الرسول(ص) حدد مفهوم الأمة كنظام اجتماعي يشمل العرب والعجم والمسلم وأهل الكتاب، والحر والعبد، والمرأة والرجل. لكن هذا المفهوم تغير عبر مراحل تطور النظام السياسي للدولة الاسلامية فحدد أولا من قبل الخلفاء الراشدين ومن أتبعهم من الخلافة الأموية والعباسية وحدد المفهوم بأنهم العرب ومن قبيلة قريش لهم شرعية حكم الأمة. بعدها الأمويين أظافوا العائلة من بني أمية، اما العاباسيين استبدلوا بني أمية ببني العباس، ومن ةجاء من بعدهم من الفاطميون والعلويون والزيديون، استبدلوا العائلة بعائلة أهل البيت.
نجد هذه الفلسفة هي الشائعة في العالم العربي،. شرعية حكم العراق( الملك فيصل) والأردن( الملك حسين) والمغرب( الملك محمد الخامس) والفاطميين( مصر) والعلويين واليمن( الامام الزيدي) وليبيا( السنوسي)، وفلسطين( أمين الحسيني) شرعيتهم في حكم الأمة تأتي من انتسابهم لأهل البيت أي بني هاشم.
العجيب، حتى في ايران، النظام السياسي الحالي وفلسفة الدولة وولاية الفقيه مبني على هذا الثلاثي( اصول عربية، من قريش، ومن عائلة أهل بيت النبوة). وهذا قد يفسر قرب ايران للعرب، لأنها الأمة الوحيدة التي قبلت الاسلام العربي وغيرت حروفها ولغتها ومعظم المفسرين والمؤرخين وفلاسفة الاسلام هم من بلاد فارس.