وأحب أن أشير إلى مسألة مهمة نلقي عليها الضوء والتي يتغافل عنها الكتاب من أصحاب الهوى الأموي والعباسي ، والذين هم موجودين في كل زمان ومكان ، حيث لم يكتف هذا الإرهابي اللعين يزيد(عليه لعائن الله) بطلب البيعة من أهل المدينة بل طالبهم بـ (بيعة العبيد)، أي يبايعونه على أنهم عبيدا رقا أقنانا يمتلك يزيد كامل الحق بالتصرف في أملاكهم وحرياتهم وأرواحهم وأعراضهم، ولا ننسى ضربه لأقدس مقدّسات المسلمين (الكعبة المشرّفة) بالمنجنيق.. أما ما عمله بأهل بيت النبوة (ع) فذلك ما لا يتسع له مقام لشرحه، وما الأنفال التي قادها حفيده صدام ضد أكراد العراق والمذابح التي عملها في الأهوار وتجفيفها إلا نزر يسير مما فعل جدّه يزيد في "أنفاله" ضد أهل البيت، فلم ينجو من شرّه حتى الطفل الرضيع.. وأن من أحفاد هند أكلة الأكباد وبنو الزرقاء، الزرقاوي وبن لادن اللعين وتشكيلاتهما الإرهابية التي تعيث في الأرض فسادا و الذي تفعله جبهة النصرة وشقيقاتها اليوم في أرض الشام والعراق والمتحركة وفقا لفتاوى علماء البتر ودولار المحفزة على القتل والتفخيخ وهدم دور العبادة وانتهاك الأعراض..
والإرهابيون أجدادا وأحفادا لادين لهم، بل همن كُفار بكل القيم الوضعية والسماوية، فلا نملك سوى أن نقول كما قال الله (جل وعلا) في كتابه " ...أليس في جهنّم مثوى للكافرين ".. (1).
وبعد مسير المنايا إلى ابي الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)ليصل إلى كربلاء والتي توجت بواقعة الطف الأليمة والتي تدمي القلب قبل العين وما جرى بها من مآسي وظلم في قتل خامس أهل الكساء وسبط الرسول الأعظم محمد(ص) ومن قبل أمته في واقعة كل من يسردها ويقرأها هي تذيب القلب وتدميه وما جرى من وحشية وقتل لصفوة أهل بيت رسول الله(صل الله عليه وآله) والأمام الحسين(عليه السلام)وبكل خسة ونذالة من قبل جيش المجرمين يزيد وابن مرجانة وعمرو بن سعد وشمر وهم بالفعل التراث والتاريخ المجرم للدواعش والذين نهلوا من هؤلاء المجرمين والتي يندى لها جبين الإنسانية لكل ما قاموا به من افعال شنيعة ومجرمة والتي لا يتسع المجال لها ولكن نأخذ نزر بسيط من تلك الأفعال المجرمة :
1 ـ الإمام علي الأكبر وهو الولد الأكبر للحسين وهو أول شهيد من أهل البيت والذي كان يشبه جده رسول الله(ص)في المنطق والخلق والذي عندما أثخن بالجراح سال الدم على عين الفرس التي يمتطيها علي الأكبر مما أدى الى أن تشب الفرس الى معسكر جيش بن سعد وعندما شاهدوه قاموا باحتشاشه واحتواه القوم فقطعوه بأسيافهم(2).
والحقيقة ان قتل علي الأكبر بهذه الوحشية والسفالة لا يحمل الا تفسير واحد انه ظن الاعداء في أنه الابن الاكبر للإمام الحسين(ع)عند المجرمين وأنه الإمام الذي يخلف الإمام الحسين ولهذا يجب قتله لقطع ذرية النبي وامير المؤمنين والحسين(صلوات الله عليهم أجمعين) من اجل قطع هذه الذرية المباركة والتي كانت تقض مضاجع بنو أمية وبنو العباس والتي في حواراً وقع بين عمر(الخليفة الثاني) وابن عباس في شأن الخلافة. حيث قال له عمر : أتدري يا ابن عباس ما منع الناس منكم ؟ قال ابن عباس : لا يا أمير المؤمنين ، قال عمر : لكنّني أدري ، قال ابن عباس : فما هو ؟ قال عمر : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة ، فتجحفوا الناس جحفاً فنظرت لأنفسها فاختارت ، ووفقت فأصابت(3).
ولهذا فهي أحقاد بدرية خيبرية حنينة متسلسلة منذ رزية الخميس واجتماع السقيفة المشؤوم والذي كان يمثل بداية نشوء الإرهاب والذي ولد منذ ذلك الوقت في الحقد على أهل بيت النبوة والإمام علي(عليه السلام)وذريتهم.
2 ـ الأمام الحسين وقطع الرؤوس : تُعدّ ظاهرة قطع الرؤوس من أبشع الظواهر التي شهدها
تاريخ البشريّة.
وإذا راجعنا تاريخ هذه الظاهرة نجدها بدأت ظاهرة فردية حتى فعّلها بنو أُمية وأتباعهم فوصلت أوجها في معركة الطف، ولمّا كان حديثنا يركّز على هذه الظاهرة في واقعة الطف، ولم يحدّثنا التاريخ الإسلامي بأن الرسول الأكرم(صل الله عليه وآله)قد سنّ ذلك النوع من الجرائم أو عمل به، فلا أهدى ولا أُهديت له رؤوس الكافرين من أعدائه، ولا حُملت من مكان إلى آخر(4).
ولعلّ من أوائل الحوادث التاريخية التي وقعت بعد الإسلام فيما يرتبط بمحلّ البحث ـ وقد تحدّث حولها الكثير من المؤرخين؛ لكونها الأُولى من نوعها ـ هي جريمة خالد بن الوليد مع الصحابي الجليل مالك بن نويرة، حيث عمد بعد قتله إلى قطع رأسه والزنا بامرأته ظلماً وعدواناً، ثم ـ ولإكمال مشهد الجريمة وإبراز قسوة الإنسان بحقّ أخيه الإنسان ـ أخذ خالد رأس الصحابي مالك وجعله في أثفية القدر، وكانت القدر على رأسه حتى نضج الطعام!!(5). وهذا هو فعل سيف الله المسلول كما يلقبه العديد من الكتاب من لاحسي قصاع السلاطين ومن وعاظ السلاطين.
وقد نقل لنا المؤرخون(6): واولهما : بأن أوّل مَن سن ظاهرة إهداء الرؤوس في الإسلام، وجرت العادة بعده، هو معاوية بن أبي سفيان، وذلك حينما أُهدي إليه رأس عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي الجليل، والذي أسلم قبل الفتح وهاجر، قال ابن كثير: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا له أن يمتّعه الله بشبابه، فبقي ثمانين سنة ولا يُرى في لحيته شعرة بيضاء، وهو أحد الأربعة الذين دخلوا على عثمان، ثم صار بعد ذلك من شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وشهد معه الجمل وصفين وكان من جملة من أعان حجر بن عدي، فتطلبه زياد، فهرب إلى الموصل، فبعث معاوية إلى نائبها فوجدوه قد اختفى في غار، فنهشته حية فمات، فقطع رأسه فبعث به إلى معاوية، فطيف به في الشام وغيرها، فكان أول رأس طيف فيه»(7).
ثم تبعه أيضاً إهداء رأس محمد بن أبي بكر(رضوان الله عليه) إلى معاوية بن أبي سفيان، بعد أن قتله عمرو بن العاص وأحرق جسده الشريف في جيفة حمار بالنار (8).
وهكذا ترادفت وتتالت الحوادث الإجرامية وحالات البطش وسفك الدماء، كما هو معروف من سياسية الأُمويين الظالمة، وعلت وانتشرت وشاعت سنّة القتل والتمثيل والصلب وإهداء الرؤوس في البلدان الإسلاميّة، وما ذلك إلّا لإشاعة الخوف في نفوس الناس وترهيبهم؛ ليكون ذلك دافعاً للخنوع والسكوت ورادعاً للاعتراض أو المشاركة في الثورات المناهضة للحكم الأُموي، وفي هذا السياق قام عبيد الله بن زياد بأوّل جريمة لرفع الرؤوس على خشبة في بلاد الكوفة، ذلك حينما رفع رأس مسلم بن عقيل ورأس هاني بن عروة بعد قتلهما وحز رأسيهما والتمثيل بجسديهما في سكك الكوفة وشوارعها، ومن ثمّ أرسلهما هديّة إلى يزيد بن معاوية(9).
من اهل بيته وأغلب أصحابه(10)، بل رُوي أنهم عمدوا إلى ابنه عبد الله الرضيع فاحتزوا رأسه(11).
وفي جزئنا القادم نكمل إن شاء الله الإرهاب الذي جرى في عرصات كربلاء والذي يفوق العقل والتصور والذي مارسه حكام دمويون من أبناء الزنا والذين فيهم لوثة في نسبهم ويدعون انهم مسلمون ومن امة نبيهم محمد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر :
1 ـ [الزمر : 32 ].
2 ـ أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 115.؛ المفيد، الإرشاد، ص 459.
3 ـ تاريخ الطبري : ٣ / ٢٩٣ ط مؤسسة الأعلمي . شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٥٣. منشورات المكتبة الشيعية. الكامل لابن الاثير ج 3 ص 62 (في حوادث سنة 23)، الايضاح لابن شاذان ص 87.
4 ـ هناك بعض الحوادث التاريخية الخاصة والنادرة واردة عن رسولنا الكريم‘ فيها أمر بقطع العنق، وهي موارد خاصة ببعض المشركين الذين تمادوا في التعدي والإفساد، ولا تُشكِّل ظاهرة أو عادة جارية كما فعل بنو أُمية وغيرهم من الطغاة.
5 ـ اُنظر: أبو الفداء، إسماعيل، المختصر في أخبار البشر( تاريخ أبي الفداء): ج1، ص158. وكذلك: ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج6، ص14. ولقد أجاد في توضيح القصة كاملة العلامة التاريخي سلطان الواعظين في كتابه الفرقة الناجية: فراجع: ج1، ص129.
6 ـ هناك عدة كثيرة من المؤرخين يؤكدون على أن أوّل عملية إهداء للرؤوس حدثت في زمان معاوية، وأنه أوّل مَن سنّ هذه الظاهرة، والتي أصبحت بعده سنّة متّبعة. اُنظر: الخصيبي، الحسين بن حمدان، الهداية الكبرى: ص156. والقاضي النعمان، شرح الأخبار: ج2، ص32. والطبراني، الأوائل: ص107. وابن عبد البر، الاستيعاب: ج3، ص174. والمتقي الهندي، كنز العمال: ج13، ص496.
7 ـ اُنظر: ابن كثير، إسماعيل بن كثير، البداية والنهاية: ج8، ص52.
8 ـ اُنظر: الطبراني، كتاب الأوائل: ص107. وابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج49، ص427. والثقفي، إبراهيم، الغارات: ج2، ص756. والأميني، عبد الحسين، الغدير: ج11، ص67.
9 ـ اُنظر: الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص614. والسماوي، محمد، إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام : ص22.
10 ـ على خلاف بين أرباب المقاتل، بل وقع الخلاف أيضاً في عدد الرؤوس. اُنظر: مجموعة من المؤلفين، مع الركب الحسيني: ج5، ص80.
11 ـ اُنظر: المقرم، مقتل الحسين: ص298. إذ يشير إلى هذه الحادثة.