في يوم الجمعة وبتاريخ 22/9/2023 تم عقد ندوة عن جدي الشاعر الشعبي عبود الكرخي ومن قبل المركز الثقافي العراقي وتم إزاحة الستار عن تمثال نصفي الى الشاعر البغدادي الكرخي وتم عمله من قبل دار نوار والتي تعمل في بغداد وموسكو ، وهذه الدار تعمل على تعزيز الحوار بين موسكو والعراق ، ولهذا عملت هذه الدار على اهداء هذا التمثال النصفي وقد نفذه النحات عادل هادي ، وقد عملت من قبل تمثال إلى العلامة الأب أنستاس الكرملي.
وقد كتب الأكاديمي والكاتب والصحفي طه جزاع مقال أسماه(تمثال الملا)وه مقال ثر والقى الأضواء على الشاعر والنصب ، نقتبس منه هذا الكلام" ومن الجدير بالذكر أنَّ دار نوّار تمَّ تأسيسها تخليداً لذكرى الشاب العراقي – الروسي نوّار الابن الوحيد للأديب والمترجم والأكاديمي الدكتور ضياء نافع العميد الأسبق لكلية اللغات بجامعة بغداد.
ولد نوّار في روسيا، وأنهى تعليمه في بغداد، ثم حصل على الدكتوراه في طب العيون من روسيا، لكنَّه توفي بسكتة قلبيَّة مفاجئة وهو في ريعان شبابه، فرغب والده العراقي مع والدته الروسيَّة بعملٍ يخلّد اسم وحيدهما الذي رحل مبكراً، فكانت دار نوّار التي قامت بمبادرات عديدة لتوثيق العلاقات الثقافيَّة بين العراق وروسيا، ومنها جائزة نوار لتعزيز الحوار العراقي الروسي التي تمنح لشخصيَّة عراقيَّة أو روسيَّة تسهمُ بوضوحٍ في تحقيق ذلك الحوار. " (1).
وقد أثار موضوع تمثال إقامة تمثال للشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي ، والتي تم اقرارها منذ عام(1985) والتي لم تر النور ولحد الآن والتي كان من المقرر نصبه في الشواكة مقابل السفارة البريطانية سابقاً محل سكن الشاعر ، وقد تم تنفيذ تمثال نموذج الى الشاعر الراحل من الجبس ، ومن قبل النحات أسماعيل فتاح الترك وهو موجود الآن في المتحف العراقي هذا النموذج ، ولكن كما ذكرنا لم ير النور ولحد هذه اللحظة.
وقد حضرت الندوة ولفيف من عائلة الكرخي وشخصيات اكاديمية وتراثية الندوة ، وقد تساءل الكاتب عن السبب عن عدم تنفيذ هذا التمثال في الندوة أيضاً ، والحقيقة أنه تم عدم تنفيذ هذا التمثال من خلال التسويف والمماطلة من قبل الجهات المسؤولة في أمانة بغداد ووزارة الإعلام وبحجج عديدة وواهية ، وكان بطل هذا التأخير وعدم التنفيذ هو شفيق الكمالي وهو شاعر البعث المقبور في عهد النظام البائد كما هو معروف ، وكان وزير الأعلام في ذلك الوقت والذي كان من أشد المعارضين لإقامة التمثال ونصبه حتى تم تغيير موقع التمثال ليصبح في ساحة الطلائع ، وهو من نظم قصيدة(وطن مد على الأفق جناحا...)ليصبح النشيد الجمهوري الى العراق.
والسبب الظاهري في ذلك الوقت أن الشاعر الكرخي هو شاعر شعبي وينظم قصائد الشعر الشعبي ، ولهذا تم اعاقة نصب هذا التمثال وعدم القيام به من أجل الحفاظ على سلامة اللغة العربية كما يدعي الكمالي ومن لف لفهم من الحاشية التي معه ، بالرغم من مواقف الكرخي الوطنية وما قدمه من شعر ومواقف مشهودة في محاربة الاستعمار البريطاني وحبه للعراق وبذله الغالي والنفيس من أجل ذلك ومواقفة التي لا تنسى في مساندة ثورة العشرين الخالدة ، وبشعره بأمواله وهذا المواقف يعرفها القاصي والداني.
ومن الحوادث المشهورة هي : ان المندوب السامي ومن بعده السفير البريطاني ذا نفوذ وسلطان ، وكان منتقدوه يتحاشون ذكر الاسم الصريح له ، ويكنون عنه بمختار الكريمات ، او ابو ناجي ، يقول الملا عبود الكرخي في هجاء احد المتعلقين بالمندوب السامي ....... :
من مختار الكريمات هالمندوب بالشدات***والمذخور للعازات صك هذا الولد جايب
وقد حذره في أحدى المرات السير بيرسي كوكس وفي جامع الحيدرخانة والذي كان يلقي فيه الشعر في المظاهرات التي تنطلق من الجامع ضد المستعمر الانكليزي والحكومة ، فقال له (أن وجودكم هو عار علينا ولن نغسله ونخرجكم من البلد ولو كان بدمائنا ، وأن شعري هو جزء من هذا الواجب).
وهو الذي يقول يقول الكرخي،"إذا أنشنق ما يمكن ... أكتب مثل ما يردون"، ويبرّر"عن حقي مكدر أنسحبْ ... أتلاطم ولا أحتجبْ، حر مستقل ولا أحبْ ... مملوك وبسيمة عبدْ"، ولقد كان صادقًا في شعره يحمل آلام المظلومين والمعذبين على عاتقه دون أنْ يخشى إرهاب السلطة آنذاك حتى إذا وصلت إلى "الشنق" (2).
والذي ختم الكرخي حياته بهذه الكلمات التي خاطب فيها أبناؤه واحفاده وهو على فراش الموت ولقد كان راضٍ بموتهِ بعد أنْ أدرك لذة الرفض التي عدها جواز سفره نحو الحرية والخلود: إنني "مبتهج لكوني عشت خادمًا لبلادي نافعًا أمتي مناوئًا للإنجليز طيلة حياتي، وسأكون أكثر ابتهاجًا إذا استطعتم أنْ تخدموا أمتكم وتنفعوا أكثر مني"، وفي عام 1946 مات الكرخي وطويت صحيفة الكرخ ومعها الصحف الأخرى التي أسسها الكرخي، لكنه بقي يُذكر مع الشعر العامي الملتزم، والمقاوم للثنائيتين في هذه البلاد، الاستعمار والاستبداد!.
وبالرغم من وطنية الشاعر وحبه المتفاني الى العراق وشعبه لكن لم تنفع في مع الحكم البائد والذي لم يخلد النصب لهذا الشاعر الشعبي والذي يكنى أمير الشعر الشعبي ، والذي كان الكمالي يحارب هؤلاء الشعراء الشعبيين ويحقد عليهم لأنهم من تربة هذا الوطن واغلبهم بل كلهم من الفرات الأوسط والجنوب ، والحقيقة الواضحة والراسخة والتي أحب أن اثبتها في مقالي هذا أنه كان هناك نفس طائفي من أجل منع نصب التمثال وهذه الحقيقة الناصعة ، لأن الكرخي كان من المذهب الشيعي وجذوره من الفرات الأوسط ومن محافظة بابل ، كان هذا هو أهم سبب لهذا المنع ، وبالرغم من وطنية الشاعر وحبه لبلده وشعبه والأهم معايشته للفقراء ونصرة المظلوم ومحاربته للاستعمار ولكل ما هو فاسد وشاذ في العراق ، ولكن هذا لم ينفع ، بسبب وجود النفس والحقد لدى النظام البائد والذي مستعد لعمل أي شيء من أجل محاربة هذا المذهب واهله ، والذين يعتبرونهم ليسوا جزء من الشعب وانهم مواطنين من الدرجة العاشرة بالرغم من انهم اصل العراق ومنبعه ومنه ولد الأنبياء والرسل والعلماء والمفكرين والمبدعين من أديم أرض الجنوب والفرات الأوسط ، ومنهم أبطال العراق الذين دافعوا عن أرض وشرفه وكرامتهم والذين احق الناس في كونهم عراقيين اصلاء يحملون من الشرف والغيرة والكرامة والمرؤة ما لا يحمله أحد في العراق والعالم أجمع.
ونختم مقالنا بأن الناصبية والحقد الطائفي موجودة في كل مكان وزمان وهذا هو النفس الأموي والعباسي والذي تتوارثه الأجيال الطالحة جيلاً بعد أخر ، وبالذات في عهد النظام البائد وما يمثله من نفس طائفي حاقد و بأعلى درجاته ، ولا يأتي احد وخصوصاً من المذهب ليقول أن ذاك العهد المقبور هو(الزمن الجميل)وهو زمن الخير ... الخ هذه الكلمات الفارغة والتي لا تدل إلا عن عدم فهم وغباء أن صح التعبير في عقول فارغة لاتفقه أي شيء في أي امر من الأمور.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر :
1 ـ من مقال الأكاديمي والكاتب والصحفي طه جزاع مقال أسماه(تمثال الملا). منشور في جريدة الصباح الصفحة الأخيرة. بتاريخ 21 / 9 / 2023.
2 ـ مأخوذة من مقال بعنوان(الملا عبود الكرخي.. إرث تقويض السلطة بأشكالها). الكاتب : علي فائز. منشور في موقع عراق الترا. باب ارشيف عراقي بتاريخ 06-فبراير-2019.