الخيال الحضري وأدب الشوارع
    الأربعاء 31 يناير / كانون الثاني 2024 - 10:50
    محمود يعقوب
       تأثّر معظم كتّاب ما بعد الحداثة بالخيال الحضري وأدب الشوارع في رواياتهم وقصصهم ، بصورة أو أخرى . ونذكر هنا ، على سبيل المثال لا الحصر الكاتب الياباني هاروكي موراكامي ، الذي يعترف بتداعيات هذا النوع الأدبي في أعماله.

       والخيال الحضري هو نوع من الأدب ظهر لأوّل مرّة في أمريكا في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ؛ ويعزو البعض  إلى أن جذوره تعود إلى كتابات وخطابات السيرة الذاتية لمالكوم إكس ، حيث سعت خطاباته الأصلية ، وأعماله المنشورة إلى كشف الصعوبات التي تعاني منها مجتمعات السود . وفي السنوات اللاحقة ، واصل المؤلفان الشهيران : آيسبورج سليم ، وكلود براون هذا النمط الكتابي في رواياتهما التي نالت إقبالاً منقطع النظير.

       يركّز الخيال الحضري على القصص التي تدور أحداثها في المناطق الحضرية داخل المدن ، خاصّة في المدن الأمريكية الكبرى ، مثل نيويورك ، وولاية نيو أورليانز . غالباً ما يكتب هذه الكتب مؤلفون أمريكيون من أصل أفريقي . وتتميّز بشخصياتها الأمريكية من الأصل الأفريقي أيضاً. 

       أصبحت شعبية الخيال الحضري شائعة مؤخراً لأنها تتمتّع بمقدرتها على التقاط الحقائق القاسية للحياة في المناطق الحضرية . تصوّر العديد من هذه الكتب ألوان المآسي ، وهي مليئة بالألفاظ النابية ، كما يجري تلفّظها من قبل أبناء الشوارع عادة . ويسعى الخيال الحضري إلى تعريف القرّاء بالتجربة الحقيقية للعيش في أمريكا الحضرية . الكثير من هذه القصص مكتوبة بوحي من تجارب المؤلفين ، لذلك غالباً ما يمكن اعتبارها شبه سيرة ذاتية . تمّ أيضاً تصنيف الأدب الحضري ، والقصص والروايات على أنها خيال الشوارع ، أو ما يُعرف بأدب الهيب هوب ، أو إضاءة الشوارع ، أو أدب العصابات ، وما إلى ذلك من المسميات.

       يحكي هذا النوع الأدبي قصة الحياة في داخل المدينة بشكل عام ، بنبرة داكنة وشجاعة ، حيث تسلّط القصة الضوء على الحقائق القاسية في المدينة الحديثة . غالباً ما تكون القصص سريعة الوتيرة ، وهي تركّز على بطل الرواية بشكل كبير ، وعموماً يتميّز هذا البطل بكونه شاب ، بالغ ، قادر من التغلب على الشدائد ، وينجو من سوء المعاملة والخيانة ، ويخرج من الأوقات الصعبة . غالباً ما تحتوي الكتابة على محتوى جنسي صريح وعنف مصوّر.

       على الرغم من أن ليس كل الخيال الحضري يحدث في الولايات المتحدة ، وظهرت كتابات مماثلة في مدن كبرى مثل طوكيو ، إلّا أن المكان المناسب عادة ما يكون مدينة حضرية كبيرة ومزدحمة بالسكان . ويعكس النثر المستخدم والحوار الجاري بين الشخصيات اللغة المستخدمة في تلك المناطق عادة ، بما في ذلك اللهجات الإقليمية ، كما هو في أمريكا حيث تستخدم اللغة الإنجليزية العامية الأمريكية ـ الأفريقية . وسواء أكانت القصص والروايات تدور هنا أو هناك ، فهي بشكل عام تتضمّن مجموعة متنوّعة من الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
       تشمل فئة الأدب الحضري مجموعة واسعة من الكتب ، في حين أن مصطلح " إضاءة الشوارع " يشمل الأنواع الفرعية الخيالية والواقعية ، مثل المذكرات ، والسيرة الذاتية والشعر . إن مصطلح الخيال الحضري مناسباً ، بشكل أكثر تحديداً للروايات ، وقد يمتزج مع الأنواع الأخرى : الرومانسية ، والشبقية ، والغموض ، والإثارة..

       على الرغم من وجود جذور لمثل هذا النوع الأدبي ، تمتدّ إلى القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، إلّا أن العديد من الدارسين له يعتبرون أن فترة أواخر التسعينيات من القرن الماضي ، هي فترة الانطلاقة الحقيقية له . حيث صدرت في تلك الحقبة بعض الروايات التي لاقت رواجاً كبيراً ، وتركت أثرها الملموس في الساحة الأدبية التي كان يدور فيها هذا الأدب ، وعدّت روايات افتتاحية لأدب الشوارع.
    رواية FLYY   لعمر تيري ١٩٩٩ .
    رواية True to the Game  لتيري وودز ١٩٩٨ .
    " أبرد شتاء على الإطلاق " للأخت سولجا ١٩٩٩ .                                                                         

    تعتبر هذه الروايات البداية المذهلة لطوفان من عناوين الروايات والقصص ، والسير الذاتية الأمريكية ـ الأفريقية ، المحرومة اجتماعياً واقتصادياً ، بحبكاتها التي تحرّكها الأحداث ، والتي تركّز على الكفاح الوحشي غالباً من أجل البقاء . حيث تستخدم اللغة العامية بعيداً عن القواعد النحوية ، وبلاغة اللغة ، وحيث يفرط الكاتب في غمرة البذاءة .                                                  

    غالباً ما تشير عناوين الكتب إلى الحياة في قاع المجتمع ، بينما أغلفتها تحمل صوراً فوتوغرافية لشابّات في أوضاع جنسية متنوّعة .
       وبصورة عامة ، يبدو أن المؤلف ، في هذا النمط الكتابي ، قد نشأ وترعرع في مثل تلك الأحياء الحضرية التي تدور فيها أحداث قصصه ورواياته ، أو أنه على الأقل على دراية بهذه الأمكنة بسبب عملهم فيها ؛ كما كان الحال مع الكاتبة الأخت سولجا . بعض المؤلفين لديهم تجاربهم الخاصة مع السجون ، على سبيل المثال ، كتبت فكتوريا . إم . سترينجر رواياتها شبه السيرة الذاتية " ليكن هذا هو السبب " التي نشرتها عام ٢٠٠١ في الوقت الذي كانت فيه تقضي عقوبة السجن لمدة سبع سنوات.

       يشترك معظم مؤلفي هذا النوع الأدبي في الإحباط الأولي ، بشأن الرفض المتكرّر لأعمالهم من قبل الناشرين الرئيسيين ، قبل تحوّلهم إلى النشر الذاتي ، وهم يعمدون إلى بيع كتبهم بعد طبعها في صالونات الحلاقة والتجميل ، أو مع الباعة الجائلين ، أو في أقبية الكنائس ، أو في صناديق سياراتهم ، أو على أرصفة الشوارع ، ومحطّات تعبئة الوقود . بعض هؤلاء المؤلفين ناجحين للغاية ، لدرجة أنهم أنشئوا شركات نشر خاصّة بهم ، ووقعوا على مؤلفين آخرين سعوا لنشر مؤلفاتهم . على سبيل المثال : باعت شركة Triple Crown Publications  التابعة للكاتب نيكي سترينجر حوالي ٣٠٠ ألف كتاب ورقي الغلاف لأربعة عشر مؤلفاً مختلفاً في ستة عشر شهراً فقط . ولكن ما لبث أن عاد الناشرون الرئيسيون الذين رفضوا تلك الكتابات بادئ الأمر ، ليعرضوا عقوداً مربحة مع هؤلاء المؤلفين ، بعد إدراكهم لاحتمالية المكاسب التجارية. 

       ومن المفارقات ، أنهم اليوم يحتفلون بهذا النوع من الكتب باعتباره وسيلة رائعة للوصول إلى شباب وشابات المناطق الحضرية ، الذين لم يطّلعوا على هذا النوع من الكتابة . وقد بدأ المعلّقون في السنوات الأخيرة ، في إيلاء بعض الاهتمام لهذا الأدب ، ومع ذلك لم تزل الآراء منقسمة على نفسها بصدد تقييمه .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media