ترددت، وتتردد، في الفترة الاخيرة انباء عن نيّة طيبة، وتوجه رسمي عراقي، برعاية رفيعة، لعقـد لقاء/ اجتماع ببغداد يحضره ممثلون عن الجاليات العراقية، ولا سيما الكبيرة منها، وكذلك من ذوي الاصول العراقية، العاملة والمقيمة في مختلف ارجاء العالم، وبهدف التحاور، والتداول في جوانب مختلفة تعنى بالظروف العامة والخاصة، الوطنية والثقافية والاجتماعية، وعداها .. ولا شك بان التهيئة المناسبة، والوقت الملائم، وتبيان الاوليات الرئيسة، وكذلك اختيار المندوبين، وبرنامج العمل، وغيرها من شؤون ذات صلة، ستسهم في تحقيق الاهداف المرتجاة، ولكي لا تكون الفعالية اعلامية وحسب، بعيدا عن المتابعة الحريصة، وديمومة الضروريات، ومن ابرزها التقريب والتقارب بين بنات وابناء الجاليات وبلادهم وتطوراتها ..
وفي فترة سابقة، وعام 2018 تحديدا، وضمن مساهمة مماثلة او تكاد، اعددت ملاحظات وخطوطا عامة شملت اراء ورؤى، تم ارسالها في حينها لعدد من الجهات المسؤولة والمعنية العراقية الرسمية للاطلاع وتبني ما هو مفيد، وضروري.. كما تم لاحقا نشرها في عدد من الصحف والمواقع الاعلامية. ولأن الحال ما برح على حاله، او قريب منه بصور مختلفة، وكأنه بنت اليوم، اعيد في التالي نشر الاغلب الاعم مما جاءت به تلك المساهمة، مع بعض طفيف من التعديلات والاضافات التوضيحية:
* تقديم
بعد الازدياد الجامح لأعداد العراقيين المغتربين، والمهاجرين، واللاجئين الى بلدان العالم المختلفة، الاوربية والعربية وغيرها مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا، ونيوزيلندا، وخاصة منذ اواخر السبعينات الماضية، حين أوغل نظام النخبة البعثية الحاكمة في عسفه وارهابه الشموليين، وكذلك بعد سقوط ذلك النظام عام 2003 .. نقول بعدَ ذلك الازدياد المتعاقب والمتضاعف بالوف والوف العراقيين، حتمت الظروف الذاتية والموضوعية تشكيل العديد من الأطر والمنتديات الاجتماعية والسياسية والثقافية وسواها، وبتسميات وعناوين شتى، ولأهداف شتى، لاستيعاب بنات وابناء الجالية العراقية، وعوائلهم في بلدان الاغتراب/ اللجوء،.. وفي التالي بعض الخلاصات، والمتابعات، والاجتهادات حول عدد من الشؤون والشجون ذات الصلة:
1/ لعــلّ من المناسب ان نشير اولاً الى ان أطرا وجمعيات ومنتديات عراقية كانت قد تأسست منذ عقود مديدة، ومنذ منتصف القرن الماضي على الاقــل.. ومن الابرز في هذا المجال جمعيات وروابط الطلبة العراقيين في الخارج، وفي نحو ثلاثين بلدا، حيثما تواجد طلبة عراقيون دارسـون. ومن أعرق تلك الجمعيات والروابط كما نزعم في القاهرة وموسكو ولندن وباريس دعوا عنكم وجود نوادٍ ومنتديات هنا وتشكيلات ثقافية هناك، الى جانب منظمات سياسية وديمقراطية عديدة اخرى. (*)
2/ وفي سياق ما جاء في الفقرة السابقة تجدر الاشارة ان المئات - بل والالوف ربما- من العراقيات والعراقيين في الخارج، من الاكاديميين والمبدعين والاطباء والمهندسين، وغيرهم، قد اثبتوا وجودهم وكفاءاتهم، وبرعوا في نشاطاتهم وابدعاتهم في بلدان الاغتراب، ليحتلوا مواقع علمية ووظيفية، واجتماعية، وبمستويات رفيعة، وليتكاملوا مع مجتمعاتـ "هـم" الجديدة، بل ونجحوا في دخول عدد من الموسسات البرلمانية المحلية والعامة. وهنا نذكرّ ايضا بان الكثير من اولئكم الذوات ما انفكوا يرتبطون – معنويا على الاقل- مع بلادهم العراقية، واهلهم وعوائلهم، وابناء شعبهم.. كما ان الكثير الكثير منهم تواقون للمشاركة في بنائه ديمقراطيا آمنا مستقرا ومزدهرا " لــو" توفرت المناخات والظروف المناسبة..
3/ وفي راهننا اليوم، وبعد ان تضاعفت اعداد العراقيين، كما سبقت الاشارة – لاجئين ومغتربين ومقيمين وغيرهم - ازدادت – وتزداد – أطرهم وتشكيلاتهم، ولأسباب موضوعية احياناً، وذاتية احيانا اخرى، وقد راح التنافس على أشده في مواقع معينة اذ يجد المتابع اكثر من أطار وتشكيل ونادٍ، لبنات وابناء الجالية العراقية، برغم تقارب الاهداف والمتبنيات المعلنة على الاقل، ولربما ثمة مبررات مقبولة لمثل تلك الحال بسبب التمايز القومي والسياسي والديني والطائفي، وغيره. كما من الخطوات الايجابية في مثل هذا الوضع ان تشكلت – في بعض البلدان- لجان تنسيق لعدد من تلك الاطر، وحيثما توفرت القناعات، وتضاءلت المواقف المتخالفة، وتحجّمت الطموحات الشخصية، ولا نقول اكثــر..
4/ ان ما ساد – و يسود - البلاد العراقية ومنذ عقود وعقود، من اوضاع غير طبيعية على اقل وصف، ولأسباب معروفة: داخلية وخارجية. سياسية واقتصادية . اجتماعية وثقافية .. قد وجدت لها انعكاسات وتداعيات بهذا الشكل والثقل أو ذلك، عند بنات وابناء جالياتنا: تحزباً او قناعةً او سوء تقدير، او مصالح ذاتية، وسواها . وقد أدى كل ذلك للتشتت والتباعد والتنافس، وتراجع "الوطنية العراقوية" لمديات عميقة، ولحد التنافر والتنابز في حالات عديدة . ولعل من المناسب ان نشير هنا الى دور المبالغات و"المزايدات" التي يتبناها ويدعو لها بعض النشطاء العراقيين "المخضرمين" في الخارج، وكأن ابناء وبنات الجالية يقيمون في بغداد، وليس بعيدين عنها منذ عقود، وتفصلهم عن البلاد الاف الكيلومترات.. كما انهم يغفلون باننا بتنا في القرن الحادي والعشرين..
5/ ولعلّ من ألاوضح لما يمكننا التثبيت حوله ، سلبيا، هو ملاحظة محدودية مشاركات بنات وابناء الجاليات العراقية في بلدان اللجوء والمغتربات، بل والضئيلة بتعبير ادق، وحتى في الفعاليات الوطنية العامة، والمهمة، ومنها – مثلا- ضعف المشاركة في الاقتراع لمرشحي الانتخابات البرلمانية الاخيرة عام 2018.. دعوا عنكم غيرها من الاحتفالات والنشاطات العراقية، الرسمية والاجتماعية والوطنية، والثقافية..
6/ ولربما من المعروف ان ثمة تسميات وعناوين شتى، لأطر ومنظمات جالياتنا في الخارج، تراوحت بين فروع لاحزاب سياسية، أو امتدادات لتيارات واتحادات وطنية، ثقافية واجتماعية وقومية ودينيىة ومذهبية وغيرها كثير. وقد تغيرت تلكم التسميّات والعناوين بهدف الانسجام مع المتطلبات القانونية في البلدان المضيفة، او بسبب الانقسامات والتضادات والخلافات الذاتية والشخصانية وما الى ذلك .. ولا يجوز ان ننسى هنا ما عُرف - ويعرف- بالتشكيلات غير الحكومية مثل منظمات المجتمع المدني، والمراكز البحثية، الحقيقية أو المدعاة، والتي تحتمل الكثير من الاجتهادات عنها، وبشأنها..
7/ وبحسب العديد من المتابعين، والقواعد الرسمية، فان المساعدات التي تقدمها الجهات المعنية في العديد من بلدان الاغتراب، والمغريّة احياناً - لمختلف النوايا والمصالح والاهداف - شجع على حدوث الكثير من الانقسامات، والتشتت، بل والتنافس غير المنضبط، وتغليب القضايا الذاتية على العامة، ولو بدت التصريحات والنشاطات المعلنة تقول بخلاف ذلــك..
8/ أما بشأن الاهداف الـ (شتى) للأطر العراقية التي أشرنا اليها فقد تنوعت وتباينت هي الاخرى مثل فعاليات التضامن الوطنية، وتوطيد العلاقات الاجتماعية، ومركزة الانشطة الثقافية والفنية، وتأطير – أو السعي لتأطير- النخب العلمية والثقافية، وغيرها.. الى جانب ما تبنته - وتتبناه - امتدادات الحركات السياسية، والحزبية، من اهداف مراكزها داخل البلاد، وبهذا الشكل أو خلافه، وبدون تقدير احيانا لأختلافات الازمنة والامكنة، والمدارك والمعارف..
9/ ووفق المتوفر من المعلومات والمتابعات فأن اعداد اعضاء وقوام أطرنا العراقية في الخارج بقيّت محدودة، بل وقليلة وتتناقص يوما بعد آخر. اذ لم تتمكن، بمختلف تسمياتها، من التمدد بين جموع بنات وابناء الجالية. كما بقيّت امكانيات وسبل وطرائق استيعابها محجمة لحدود بعيدة. ونعيد القول مرة جديدة : لأسباب ذاتية وموضوعية، وفي مقدمتها تشخيص وتحديد الاولويات لمثل تلكم الاطر والتنظيمات ..
10/ ولربما نجتهد فنصيب في القول بأن هناك تصورات محددة، اساسية وبارزة، لمعالجة مثل ذلك الانكفاء، والابتعاد عن النشاطات التي تقيمها المنتديات والتشكيلات المدنية، فضلا عن الانتماء اليها، ونعني بتلك التصورات ان يجري التوجه للتركيز على المشتركات الاجتماعية والثقافية، بعيدا عن الاراء والمواقف والفعاليات السياسية، المباشرة، التي يمكن ان تنهض بها – لو ارادت – التشكيلات والتنظمات الحزبية بشكل مباشر..
11/ ومما نظنه واضحاً ان كل ما تقدم، وما سيلي، لا يعني هنا ما بات يعرف بالجيل الثاني او الثالث، بل والرابع حتى، من العراقيين في الخارج، إذ لأولئك كما هو معروف - أو لابدّ ان يُعرف- ثقافاتهم المختلفة في التعليم وطرائق التفكير، والاندماج والتكامل مع اقرانهم ابناء المواطن والبلدان التي يعيشون فيها...
12/ وارتباطا بالفقرة السابقة تستمر التجاذبات، وبحسن نوايا احيانا كثيرة، بين الاجيال المختلفة: اجيال الجدود والاباء، من جهة، واجيال الابناء والاحفاد من جهة مقابلة. وفي غمار تلك التجاذبات يروح نسيان الواقع الحياتي أذ كل يرى ويفسر الاحوال، ويدركها بحسب تقاليده وما يحمله – او اكتسبه - من مفاهيـم وقناعات وطرق للعيش، الى جانب الفروق العمريــة، ومدى القدرة على التفاعل بعيدا عن التشدد والغلو..
13/ وفي ظل ما تمت الاشارة اليه، تبرز اهمية دور السفارات، والمؤسسات العراقية الرسمية الاخرى (مراكز ثقافية، ملحقيات علمية...) باتجاه لمّ شمل ببنات وابناء جالياتنا واطرنا العراقية في الخارج، والمساعدة المناسبة في دعم منظماتها وتشكيلاتها، ذات الاهداف الوطنية العامة. ونظن هنا بضرورة الاشارة الى اهمية تثبيت قناعات واسس التعامل مع هذه الاحوال والشؤون، لا ان تترك للأجتهادات الآنية، وطبيعة ومشاعر وعواطف الدبلوماسيين والمسؤولين عن تلكم الشؤون والقضايا..، في المركز (بغداد) وبلدان الشتات..
14/ وقد يجد المتابعون ثمة نشاطات ملموسة على طريق ما اشارت اليه الفقرة السابقة، في بعض بلدان العالم، مثل رعاية فعاليات ثقافية واجتماعية، واستضافة بعض شخصيات عراقية الى بغداد، او العكس.. ولكن كل ذلك يأتي كحالات اسثنائية محدودة، وليس كتوجهات ذات طبيعة ثابتة، وقواعد دائمة، واسس رصينة، دعوا عنكم المجاملات والدوافع والمنافع الشخصية والخاصة ..
15/ وايضا، بالارتباط مع الفقرتين السابقتين، نشير الى ما ضمّنته وزارة الهجرة والمهجرين العراقية في برنامجها قبل سنوات قليلة بشأن الجاليات العراقية في الخارج، وشدّهم – جهد الامكان – لوطنهم وقضاياه العامة. ولكن ما تمت ملاحظته ان الاجراءات التنفيذية التي قامت بها – او سعت اليها- الوزارة لم تكن موفقة بحسب الكثير من المعنيين انفسهم، وخاصة الاجراء الذي اتخذ في حينها بتعيين "رؤساء" للجاليات العراقية في بعض البلدان، ودون التشاور مع ممثلي او منتسبي تلك الجاليات، ولا حتى مع البعثات الدبلوماسية في البلدان المعنية. ومن الجيد كما نرى انه تم ايقاف / الغاء / تجميد تلك التعيينات، بعد جملة الانتقادات والاحتجاجات التي جرت بشأنها.(**)
اخيرا ... ندري بأن كل ما تقدم ليس سوى ايجازات سريعة تستحق الكثير من التداول، والتوضيح، والتفاصيل، وما اكثرها.. ولكي نروج لها (!!) نشير الىى انها مستقاة من تجارب شخصية، ووقائع ملموسة، واهتمامات مديدة بها (***).. كما ننوه ايضا الى ان تحديد الاشكاليات - وفقاً للمنطق- هو خطوة اولى على طريق تقدير المعالجات، وتشخيص الاسس للتهوض بواقع ما نعتقد بأن هناك اجماعا – او شبه اجماع – بشأنه، ونعني به الاهتمام بشؤون وشجون العراقيين في الخارج، والسعي لتوثيق ارتباطهم ببلادهم، ولو طالت الفترات الزمنية، وتغيرت الاماكن والمواقع، والاحوال والظروف، خاصة وان اعداد اولئك المهاجرين واللاجئين والمغتربين تتجاوز مئات الالوف، وقد توصلها بعض التقديرات الى عدة ملاييـن، وكم حريا بالجهات الرسمية المعنية السعي لحصر اعداد تلك الجموع الغفيرة، وليصار بعد ذلك الى اتخاذ الاجراءات الممكنة، ولا نقول الطموحة ..
- هوامش واحالات :
(*) للمزيد حول هذا الموضوع، نشرنا خلال نيسان 2011 وعبر وسائل اعلامية عديدة، وما تزال على الانترنيت، متابعة تحت عنوان" جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن 1978-2003.. ربع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب"..
(**) امر وزارة الهجرة والمهجرين المرقم 301 والمؤرخ في 2019.4.21 ..
(***) كاتب هذه المتابعة مشارك في العمل الجماهيري والنقابي والمهني لنحو ستة عقود، وفي مواقع مسؤولية مختلفة، كُلــفَ، أوتكلـفَ بها، داخل البلاد العراقية وخارجها... وما زال.