الأشخاص الذين فوجئوا بقيام القيادات الإسلامية الشيعية المهيمنة على مجلس النواب بحذف ذكرى الثورة الجمهورية 14 تموز 1958 من قائمة العطل الرسمية في الدولة العراقية إما أنهم يجهلون حقيقة هذه القيادات وماضيها السياسي وطبيعتها الطبقية، أو أنهم يعرفونها جيدا ولكنهم يتجاهلونها وهذا هو الأرجح. وعموماً، فهذه القيادات:
1-تتبنى منذ عقود نسخة أيديولوجية خاصة من استراتيجية حركة الإخوان المسلمين المعادية للتقدم واليسار والجمهوريات عموما، فحتى الإخوان المسلمين لا يعادون الجمهوريات بعموم القول، ولكن الإسلاميين الشيعة لهم ثأر خاصة مع جمهورية قاسم الشعبية! ومعروف للباحثين أن العلاقة بين حزب الدعوة الإسلامية وحركة الإخوان المسلمين التي أنشئت أصلا كفصيل يميني محافظ هي أكثر من علاقة التأثر والتأثير غير المباشر بل تصل إلى شكل من أشكال الاستنساخ.
2-تحالفت هذه القيادات عن سابق قصد وتصميم مع قوات الاحتلال الأميركية وماتزال تحافظ على هذا التحالف وترفض إخراجه من العراق رغم أنها اتخذت قرارا برلمانيا بهذا المعنى لذر الرماد في العيون وإرضاء إيران وليس لأسباب وطنية استقلالية!
3-نفذت هذه القيادات وتستمر في تنفيذ استراتيجية الاحتلال الأميركي الخاصة في تدمير العراق أمنيا (فهو اليوم بلا جيش حقيقي ولا سلاح متطور) وزراعيا وصناعيا (فهو يستورد 95 من غذاء شعبه من الخارج) وثقافيا وعلميا (حيث تم تدمير التعليم العراقي وانتشرت المدارس والكليات الأهلية الفاشلة والتي يديرها ويدرس فيها حملة شهادات غالبيتها مزورة).
4-أغلب القيادين من الساسة الشيعة ورثوا العداء للجمهورية أبا عن جد وتضررت عوائلهم من قرارات وإجراءات الثورة التموزية ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر:
*عادل عبد المهدي وهو ابن الوزير الملكي الطائفي النزعة والإقطاعي عبد المهدي المنتفجي، والذي صادرت الثورة بعض أراضيه واستعادها ابنه (مضاعفةً) بعد الاحتلال الأميركية.
*أحمد عبد الهادي الجلبي ابن العميل الدائم للاحتلال البريطاني، وكان جده عميلا للاحتلال العثماني، قد صادرت الثورة التموزية بعض ممتلكات أسرته واستعادها مضاعفة بعد الاحتلال.
*إياد علاوي ابن عائلة تجار وإقطاعيين انضوى في صفوف الحرس القومي بعد الثورة المضادة في انقلاب 8 شباط وساهم في تقتيل وقمع الجمهوريين واليساريين ثم انشق على حزبه ووضع نفسه في خدمة أكثر من 15 جهاز مخابرات أجنبي باعترافه هو بالصوت والصورة.
*عمار بن عبد العزيز الحكيم وعمه محمد الباقر، سليل عائلة المرجع الديني محسن الحكيم وهذا الأخير هو الأشد عداء لثورة تموز وقادتها، والحليف التقليدي لشاه إيران والمدافع العريق عن الإقطاعيين، وصاحب الفتوى الشهيرة بحرمة قانون الإصلاح الزراعي والتأميمات عبر القول بعدم جواز الصلاة على "الأرض المغتصبة" أي التي صادرتها الثورة الجمهورية من الإقطاعيين بموجب قانون الإصلاح الزراعي والفتوى الأخرى القاضية بتكفير أكبر حزب سياسي في العراق آنذاك وكل المنتمين له لدعمه الجمهورية وبرنامجها التقدمي.
*إن القيادات الإسلامية الشيعية المهيمنة على الحكومة ومجلس النواب اليوم لا تقل رجعية وظلامية وتبعية للاستعمار الأجنبي عن النظام الملكي الهاشمي، بل ربما وجدنا بين الملكيين الهاشميين قائداً وطنياً ساعيا لنيل استقلال العراق كالملك الشجاع الذي اغتاله الاستعمار البريطاني غازي بن فيصل طابت ذكراه، بل إن هذه القيادات الفاسدة في أيامنا تتكامل مع أكثر فئات اليمين الفاشي في العداء والحقد على العراق وشعبه وتراثه الألفي العريق وتعادي عاصمته بغداد الأزل والتي جعلتها هذه القيادات أشبه بقرية كالحة تسودها الفوضى وتنتشر فيها الخرائب!
لا عجب إذن تقطع هذه القيادات الفاسدة واللصوصية صلة العراقيين بدولتهم الجمهورية وتوجه ضربة غادرة لذكرى ثورة تموز التي أخرجت أسيادهم الاستعماريين البريطانيين من بلاد الرافدين... ولكنها جولة واحدة في صراع طويل وسيلتحق أعداء تموز الطائفيون بنوري السعيد وعبد الإله في الدرك الأسفل من مزبلة التاريخ وسيضحك كثيرا من سيضحك أخيرا!