ولأنني أشعر بالحرج من تناول الموضوعات النسائية مخافة الوقوع في النزعة الذكورية الرجعية وإنْ بشكل غير مقصود - فنحن نعيش في مجتمعات ذات ثقافة ذكورية منحازة ضد المرأة ونتاج تراكم حضاري ذكوري من حيث الجوهر- فقد وجدت في ما كتبته صحافية وروائية عراقية مثقفة هي السيدة إنعام كجه جي بديلا وحجة لما فكرت بكتابته حول موضوع أو ظاهرة "التجميل النسائي" وهو موضوع شديد الحساسية. لقد دهشتُ وأنا أسير في شوارع بغداد ومدن عراقية أخرى وأنا أشاهد وجوه النساء وخاصة الشابات وقد اتخذت قالبا واحدا لا يمكن وصفه بالجميل ولا حتى بالمريح؛ أنوف مقصوصة بحدة وبشكل مبالغ فيه، عدسات عيون لاصقة بمختلف الألوان، حواجب ثقيلة وأخرى رفيعة مقوسة ونافرة لونا وشكلا تضفي على وجه المرأة قسوة وغِلظة وكأنها جلاد في الأمن العامة، شفاه عليا وأحيانا سفلى منفوخة وكأنها على وشك الانفجار، وجنات ملساء ومشدودة تمنع المرأة من إبداء أي تعبير إنساني سلبي أو إيجابي، شَعر أقرب إلى خصلات منسقة هندسيا وكأنها من خيوط معدن مصبوغ.
أعتقد إننا نحن الرجال حين نتكلم في هذا الموضوع فنحن نتطفل على ما لا علاقة لنا به، ولكني أجد لنفسي ولغيري من أنصار المرأة والمدافعين عنها وعن مبادئ المساواة مندوحة وذريعة في طرقه من باب التعبير عن الرأي المسالم، خصوصا وهو رأي يدافع عن جمال المرأة الطبيعي ويرفض تنميطها وتقبيحها حتى صار العثور على وجه امرأة طبيعي لم تنل منه مشارط جراحي التجميل أمنية غالية تحت وطأة الموضات والعادات التجارية الوافدة من المجتمعات الرأسمالية. ورغم أن هذه الموضة في المتاجرة بالجمال والتدخل في سيماء الناس رجالا ونساء بدأت تخف تدريجيا في المجتمعات الغربية التي انطلقت منها منذ سنوات قليلة بل وانقلبت إلى نقيضها أحيانا وصارت الفتاة التي تلجأ إلى التجميل الطبي غير الضروري موضوع تندر وسخرية، ولكن هذه الموضة ماتزال فعالة وسائدة في بعض الميادين ذات المساس بالمتاجرة بجمال المرأة الحسي كالسينما وغيرها لأسباب تخص نوع النشاط في هذه الميادين وهو ما تناولته السيدة كجه جي بتعليقها.. أترككم الآن مع ما كتبته السيدة عن نساء البوتكس من نجمات مهرجان كان السينمائي الفرنسي: "تنوعت الفساتين لكن الملامح بدت كأنها خرجت من بين أنامل صائغ واحد. الوجنات مرتفعة، وملساء. الجباه مشدودة وثابتة من دون تقطيب. والشفاه منفوخة حد السّخرية. وجوه تشبه الأقنعة الشمعية للتماثيل في متاحف الشمع، والدمى الخزفية القديمة. فهمنا أن تفعلها اللواتي فاتهن قطار الشباب، فلماذا تتعلق الشابات أيضاً بأذيال قطار ما زال متوقفاً في محطتهن؟ تخرج من مهرجان «كان» بخلاصة تؤكد لك أن التقدم في السّن، وما يتركه من علامات على الوجه صار مرفوضاً، وممنوعاً، بل ومحرماً في مجتمعات الاستعراض والفنون البصرية. لقد فرض انتشار جراحات التجميل مبدأ يقول إن على كل امرأة أن تبدو جميلة حتى ولو لم تكن كذلك. كانت هناك ممثلات شابات معدودات تجاسرن على الظهور بوجوههن الطبيعية النضرة، من دون رتوش تذكر. أما من تجاوزن الثلاثين فقد جلسن بين يدي الجراح مرة، ومرتين، وثلاثاً، رغم أن بينهن من تنكر ذلك".
*الصورة وقد نشرت مع المقالة للممثلة الأميركية ديمي مور والمغنية الأميركية شير كما ظهرتا في مهرجان كان السينمائي الفرنسي الأخير وتجدها في الرابط أدناه.