إي نعم, ولكن ليس ككل العفاريت التي سمعنا حكاياتها على لسان جداتنا او قرأنا عنها في " ألف ليلة وليلة " . جني لا ينزل عند فضول أُنسي ويسمح بخداعه بسؤال ليعيده إلى قمقمه الذي خرج منه… عفريت اليوم ليس كعفريت الأمس, أنه عفريت إن تحرر من قمقمه المعاصر لا يمكن لقوة أن تسيطر عليه ولا حتى مطلقة الجبروت العسكري ولا أن تتحكم ببطشه الساحق. أنه القنبلة النووية التي تحرق البشرية بحرارة مليونية وتمحوها… بعد تفجيرها سنعود والأرض إلى مرحلة " الحساء البدائي " الذي نشأت منه الحياة البشرية ولكن إنتباه !!! ليس بعناصره الأولى في تكوين الخلايا البدائية الأولى.
فالكائنات الجديدة التي ستظهر بعد مليارات السنين من التفجير النووي, ستكون بمواصفات مشوهة بالضرورة بعد تفاعلات العناصر الكيميائية الطبيعية مع العناصر النووية التي أضيفت نتيجة تهورنا النووي لتصبح مكوناً أصيلاً في تركيبة الحساء البدائي الجديد.
ولأن الحرب جوهرها صراع مصالح, يتبادر إلى ذهننا الحل المالثوسي لمشاكل الفقر والجوع بشن الحروب, على قاعدة أن النمو السكاني يتصاعد بمتوالية هندسية بينما زيادة الإنتاج الزراعي تحصل بمتوالية عددية, مما يعني أن تقليل أعداد البشر هو الحل لتجاوز هذه المعضلة بإشعال الحروب… ولكن يمكننا أن نلاحظ بأن الحرب المعاصرة بكل تجلياتها التكنولوجية والنانوية والنووية ليست كمثل حروب القرون الماضية, وان النظرية المالثوسية لم تعد صالحة لكل زمانٍ ومكان, لذا فإن الحل الأنجع لدرء الصراعات المسلحة ومصائبها يكون بتبريد الرؤوس الساخنة وصيانة السلم وإطلاق التنمية والعدالة الاجتماعية.
التهديدات باستعمال السلاح النووي, الاستراتيجي منه او التكتيكي, حسب متطلبات القتال للجم الأخطار على بلاده التي يطلقها الرئيس الروسي بوتين بوجه الغرب, بين الفينة والأخرى بسبب التدخل في مجريات الحرب في أوكرانيا, والرد الأمريكي عليه بإعادة توزيع تمركز الأسلحة النووية بالقرب من الحدود الروسية, يهدد بانهيار الوضع وإمكانية انفلاته في أية لحظة رغم ما تتمتع به القوى المتصارعة من ضبط للنفس وإبقائه كسلاح للردع وليس للاستعمال.
ولكننا أصبحنا نشهد دعوات حمقاء ومتهورة من الدول المعادية لروسيا مثل بولونيا ودول البلطيق واليونان للامريكان لاغرائهم بنشر أسلحة نووية على أراضيها المتاخمة لروسيا, وكأنها تتوسل ضربة نووية مدمرة بدل الابتعاد بشعوبها القليلة العدد وأوطانها المحدودة المساحة عن ويلات الحرب… ظناً منها انها ستصبح دول نووية رادعة, في حين انها ستكون هدفاًً لأي رد نووي روسي يمحوها على بكرة أبيها.
وكان بوتين قد ذكّر بلدان البلطيق بالرذاذ النووي وحسب, فما بالك لو لجأ للأسوأ.
وفي الوقت الذي يكثر الرؤساء المصحوبين بالحقيبة النووية, وآخرهم, كما ذكر الاعلام, الرئيس الفرنسي ماكرون الذي حملها معه إلى مؤتمر السلام في هلسنكي, فإني لا أتوقع حدوث حرب نووية شاملة لأن لغة المصالح والنفوذ المتحكمة في قرارات إشعال الحروب وإطفائها, تفترض وتحتاج الكثير من الحكمة التي تفرمل انحدار الصراع إلى دمار البشرية. قد يتطور الصراع في أوكرانيا إلى اشتباك بأسلحة نووية تكتيكية ذات تأثير محدود تحسم اموراً متعددة وقد تكون المعجلة بإيجاد حل لمنع تفاقم الأوضاع…
على كلٍ فان توقعي, الذي قد يعتبره البعض متشائماً او متفائلاً, لا يمكن لأحد أن يناقشه إذا ما تحرر المارد النووي الأكبر الاستراتيجي وبذلك لن يعد لنا وجود, فما من أحد سيناقشني, أما إذا تحرر المارد المينياتور التكتيكي, فإنه كذلك سوف لن يناقشني أحد لأن نبوئتي ستكون صائبة… عموماً نحن جميعاً شعوباً ودولاً لا نملك القدرة على منع تحولات الوقائع التي ستحدد مصيرنا ومصير البشرية جمعاء سوى بالعمل الرسمي والشعبي على تدهور الأمور وعدم الانغماس في تحالفات حربية لا ناقة لنا فيها ولا جمل, والعمل على تطوير دوائر منظمة الأمم المتحدة, وإرساء أسس عمل دولية وقوانين أكثر إنسانية وعدالة من مواثيق وبنود القانون الدولي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية وتنظيمه بما يحفظ السلام العالمي حقاً ويضمن عدم خرقها من قبل اية دولة او تحالف عسكري على أهوائه الخاصة.
تجربتنا المأساوية في العراق مع اليورانيوم المنضب, بعد المغامرات العبثية للنظام البائد لازالت ماثلة وتقبح وجه التاريخ الأمريكي, وهي على ما أظن أهون حتى من القنابل النووية التكتيكية.
يجب الانتباه انه لا يمكن التهوين أيضاً من مخاطر استعمال السلاح النووي التكتيكي الموقعي في أوكرانيا من قبل الأطراف المتصارعة, لأن ذلك سيؤدي إلى إخراج القمح والذرة والزيوت النباتية من التداول التجاري لكونها ملوثة وغير صالحة للاستعمال, مما سيولد ازمة غذائية عالمية لن تكون شعوبنا بمنأى عنها.
مسؤولية تلافي اشتباك نووي بين العملاقين النوويين مهمة الجميع, كل البشرية لأن مصيرها على كف عفريت نووي, وما من ناجٍ من تبعاتها… بالاهتمام الجدي من الدول والشعوب, والمنظمات والأحزاب والمؤسسات الدولية جهدها لفرض شروط جديدة أكثر عدالة للعلاقات الدولية.
ربما لتفاقم الأزمات الدولية والمشاكل الاجتماعية والسياسية في دول العالم يجعل كل منهم " يغني على ليلاه " و" لا ينظر أبعد من أنفه " كما يُقال!