نشرت وكالة "بغداد اليوم" ووسائل إعلام عراقية محلية بيانين؛ الأول صادر عن قائد حشد العتبات "آمر لواء أنصار المرجعية" السيد حميد الياسري والثاني يحمل توقيع مكتب السيد رئيس مجلس الوزراء. البيانان مختلفان جملة وتفصيلا ولا سبيل للتوفيق بينهما ومن الواضح أن أحد الطرفين ليس صادقا في ما أخبرنا به.
فبيان قائد حشد المرجعية يسجل تحقيق "ستة مكاسب ثقيلة" كما وصفها المصدر وهي بمجموعها تعني انقلابا على مجلس المحافظة وانتزاع صلاحياتها وصلاحيات المحافظ والتمهيد لسحب الثقة منه وإسقاطه وهي على التوالي:
1- تشكيل لجنة من مكتب رئيس الوزراء للأشراف على كل مشاريع السماوة وعدم السماح للمحافظ وأعضاء مجلس المحافظة بالتصرف بالأموال.
2- إشراف ممثلي مظاهرات المحافظة على كل مشاريع المحافظة كجهة ساندة ومراقبة للدولة وبأمر يصدر من رئيس الوزراء يوم غد.
3- تشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية بكشف ملفات الفساد وهدر المال العام في السماوة منذ 2003 والى يومنا هذا، ودعوة كل المواطنين لتقديم ملفات الفساد لهذه اللجنة عن طريق ممثلي المظاهرات في مناطقهم، وتجتمع اللجنة بشكل مستمر مع ممثلي الجماهير لكشف الفساد.
4- تم تقديم طلب الى مجموعة خيرة من مجلس النواب يتقدمهم ممثل المثنى الشريف سعد عواد التوبي بسحب الثقة من المحافظ ومجلس المحافظة بسبب مخالفات ارتكبوها مع شركات ومقاولين.
5- تم استحصال مبلغ 37 مليار من رئيس الوزراء يسلم الى لجنة من مهندسين من مكتب رئيس الوزراء لإقامة مشاريع خدمية تقدمها لجنة المظاهرات الشعبية ولا يسمح للمحافظ ومجلس محافظة بالتدخل فيها.
6-غلق كل المكاتب الاقتصادية وأخبار جهاز الامن الوطني والاستخبارات عن وجود أي مكتب في السماوة. ونتيجة لهذا الاتفاق أعلن الياسري تأجيل التظاهرة وانتظار اللجان المشكلة من قبل رئيس الوزراء.
*بغض النظر عن "الإنجاز الأخير" والمذهل، والذي يتحول بموجبه المتظاهرون وأنصار المرجعية إلى عملاء لجهاز الأمن الوطني يتجسسون على أحزاب المجلس المحلي المنتخب والمكون من أحزاب الفساد كسائر مجالس المحافظات، فإن النقاط الأخرى تعني كما قلنا انقلابا كاملا وجذريا على مجلس محافظة المثنى وتجريده من كل صلاحياته والدعوة لسحب الثقة منه تمهيدا لإسقاطه، وتحويل الجهة التي هددت بالتظاهرة "قائد حشد العتبات" إلى جهة بديلة له. ولكن هذه الإنجازات الواردة في بيان السيد حميد الياسري لا وجود لها في بيان رئاسة الوزراء على الإطلاق وهذه خلاصات منه:
*يخبرنا البيان أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، استقبل يوم الأحد، (9 حزيران 2024) وفداً من أهالي محافظة المثنى، بضمنهم آمر لواء أنصار المرجعية في الحشد الشعبي، حميد الياسري. واستمع إلى "شرح مفصل من الوفد عن الواقع الخدمي والاجتماعي وأهمّ المشاريع الخاصة بالمحافظة، وملاحظاتهم عن أداء الحكومة المحلية ومظاهر الفساد والمحاصصة وتنفيذ المشاريع بكلف عالية".
*السوداني من جهته اكتفى بكلام عام دعا فيه إلى "دعم العملية السياسية والاستقرار والأمن مسؤولية الجميع، سواء كانوا قوى سياسية من خلال أدائها أو مواطنين بمشاركتهم المستمرة فيها، وتسجيل الملاحظات عليها" مشيراً إلى أن "التداول السلمي للسلطة هو العامل الأساس في البناء السياسي، وأن حق التظاهر السلمي مكفول للجميع". وهذا، كما قلنا، كلام عام جوهره الدفاع عما يسمونه "العملية السياسية" أي عن نظام حكم المكونات والمحاصصة الطائفية والعرقية والاعتراف بحق التظاهر السلمي المكفول دستوريا.
*وعلى العكس مما زعمه بيان الياسري فإن السوداني شدد كما ينقل البيان على، أن "انتقاد ظاهرة الفساد ومواجهتها يجب أن تكون ضمن السياقات الدستورية والقانونية، وأن إعادة ثقة المواطن بالعملية السياسية هو أهم تحدياتنا، لأن شرعية أي نظام سياسي تكون من خلال علاقته بشعبه". فهل تعتبر زيارة من هذا النوع وتحقيق إنجازات كالتي وردت في بيان الياسري ضمن السياقات الدستورية والقانونية؟ كما أكد رئيس الوزراء "اطلاعه على الواقع الخدمي للمثنى بجميع تفاصيله؛ كونها من المحافظات الأشد فقراً، وأن الجزء الأكبر من مشاريع المحافظة تُشرف عليه الحكومة لأنها ضمن مشاريع الوزارات" أي أنه على علم بما يحدث في المحافظة. ولكن السوداني من جهة أخرى أكد اعترافه بشرعية مجالس المحافظات القائمة وإنها "جاءت عن طريق انتخابات خاضها أبناء المحافظة، وأن على الجميع احترام خيارات المواطنين". وأكد على "عدم السكوت والمجاملة عن أي فساد في المال العام، ولكن من خلال السياقات القانونية (كررها مرتين)، وأن أبواب الحكومة مفتوحة للمواطنين ولن تتخلى عن دورها في متابعة أداء المحافظين". وأشار السوداني إلى "وجود لجان متابعة في جميع المشاريع، وأن شكاوى الفساد يجب أن تكون مدعومة بالوثائق".
*الإجراء العملي الوحيد الذي أشار إليه بيان رئاسة الوزراء هو ووجه "تشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، تقوم بزيارة المحافظة لمتابعة البلاغات المتعلقة بشبهات الفساد وهدر المال العام، وتدقيقها وإحالتها إلى التدقيق، وفي حال ثبوت الخلل يتم إجراء التحقيق وتحديد المقصرين وإحالتهم إلى القضاء وارسال لجنة فنية برئاسة رئيس فريق الجهد الهندسي وفريق المتابعة لزيارة المحافظة وتشخيص مواطن الخلل في تنفيذ المشاريع الخدمية، كذلك وجه وزارة التربية لمتابعة المدارس المكتملة، التي لم تُستلم بسبب إشكالات إدارية وقانونية".
*هذا هو كل ما تضمنه بيان رئاسة مجلس الوزراء وتجدون نصه في الرابط الثاني فماذا بخصوص الإنجازات والقرارات التي وردت في بيان الياسري؟ ومتى يفهم العراقيون ما يدور في بلدهم ويكون المسؤولون فيه صادقين وصريحين وشفافين مع هذا الشعب؟
أما بالنسبة لما قيل عن موضوع الاستثناءات المالية التي قدم السوداني جزءا منها إلى محافظة المثنى، فهذا صحيح، ولكنه جزء من القصة وليس كلها:
هناك قرار لمجلس النواب وضع فيه ترليونين من الدنانير تحت تصرف رئيس الوزراء "لإنفاقها على المحافظات مع مراعاة المحافظات الأكثر فقرا، والمثنى واحدة منها، وهذه الاموال تعوض الاموال التي كانت تخصص لتنمية الأقاليم" كما قال النائب باسم خشان في منشور له.. هذا يعني أن 37 مليار دولار، إذا تأكد أن السوداني وافق على وضعها بتصرف المحافظة، ليس إنجازا للياسري بل هو إجراء طبيعي، ولكن لم يؤكده بيان السوداني حتى الآن. أما إسقاط المحافظ وإقالته وليس منعه من اداء عمله فهذا إجراء إداري يقترحه رئيس الوزراء على مجلس النواب أو المحاكم العليا المتخصصة وبموجب أسباب قوية ولم يرد ذكره في بيان السوداني أيضا بل وجدنا في البيان دفاع عن شرعية مجلس المثنى ومحافظها ووجوب احترامهما.. أما موضوع اللجان والمكاتب الاقتصادية الحزبية فصحيح إنها سرية ولكن ليس من مهام المواطنين والمتظاهرين التجسس عليها وكشفها بل يجب أن تكون هناك جهات متخصصة في ذلك...
ختاما، أرجو أن لا يفهم من كلامي أنني أدافع عن المحافظ ومجلس المحافظة فأنا ضد هذا الحكم من أساسه ودستوره وحماته الأميركيين والإيرانيين وأتمنى زواله ولكن عن طريق انتفاضة شعبية مستقلة وسلمية وبعيدة عن رجال الدين والمؤسسات الدينية التي أوجدت هذا الحكم وباركته ودعت الى التصويت له ولدستوره وهي تتحمل مسؤولية بقائه وجرائمه حتى الآن!
1-الرابط الأول آمر لواء أنصار المرجعية يخرج بـستة مكاسب ثقيلة للمثنى من اجتماع السوداني ويؤجل التظاهر