عيد الغدير يوم عظيم في تاريخ الأمة والبشرية، فهو ذكرى لأهم حدث في تاريخ الإسلام بعد البعثة النبوية، به اكتمل الدين وتمت النعمة بشكل كامل، وبه صار دين الإسلام مِنهاجاً كاملاً، مَرضياً عند الله -عز وجل- أنه يوم عيد الله الأكبر، عيد الطاعة والانقياد لأوامر الله -عز وجل- وأوامر رسوله النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بتنصيب الإمام علي (عليه السلام) بشكل رسمي باختيار من قبل الله -عز وجل- وعبر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الثامن عشر من ذي الحجة بعد حجة الوداع بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
في هذا اليوم المبارك العظيم نتوجه لله تعالى بالحمد والشكر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب و بمولاة الامام علي (ع)، ونرفع أسمى التهاني والتبريكات لمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة الأطهار ومقام الإمام الهادي المهدي (عج) ونبارك للعلماء وللمؤمنين والموالين رجالًا و نساءً كبارًا و صغارًا والشرفاء والأحرار في العالم.. بحلول ذكرى عيد الله الأكبر عيد الغدير الأغر ، عيد الإيمان والولاية.
في هذا اليوم نجدد البيعة لأمير المؤمنين الإمام علي وللإمام الحجة المهدي (عج) ونعاهده بالسير على منهج رسالة جده الرسول الأعظم (ص) وولاية جده أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وننتظر ظهوره المبارك ليملأ الأرض عدلا وقسطا.
عظمة عيد الغدير
عيد الغدير يوم عظيم حسب الروايات المستفيضة التي تشير لعظمة وأهمية هذا العيد الأكبر، ومكانته في السماء حيث إنه أكثر شهرة هناك من عند أهل الأرض، وتحتفل به الملائكة ، حول ذلك روي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه عن جده قوله(ع): " إِنَّ يَوْمَ الْغَدِيرِ فِي السَّمَاءِ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ".
وحول اسماء عيد الغدير في السماء قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):" وَاسْمُهُ فِي السَّمَاءِ يَوْمُ الْعَهْدِ الْمَعْهُود، وَ فِي الْأَرْضِ يَوْمُ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ وَ الْجَمْعِ الْمَشْهُودِ".
ويشير الإمام الرضا (عليه السلام) إلى فضل يوم عيد الغدير بقوله (ع): " وَاللَّهِ لَوْ عَرَفَ النَّاسُ فَضْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِحَقِيقَتِهِ لَصَافَحَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّات".
الغدير هو عيد الله الأكبر
يوم الغدير هو مناسبة عظيمة ففيه أكمل الدين وتمت النعمة، وهو يوم الشكر لله على نعمة الولاية، ولهذا على المؤمنين الموالين ان يعظموا هذا اليوم ويحتفلون به بانه عيد بل عيد الأكبر، وتشجيع أفراد العائلة والمجتمع على الاحتفاظ بهذا اليوم انه عيد وحضور مراسم الاحتفال بعيد الغدير بمظاهر أعظم من عيد الفطر المبارك وعيد الاضحى المبارك الكبير، لان عيد الغدير هو العيد الاكبر، ويجب فيه إظهار مظاهر الفرح والسرور والزينة في كل مكان وإدخال الفرح والسرور على أفراد العائلة والأهل والأصدقاء والمجتمع، وعدم التحفظ بقول كلمة عيد أول من عظم هذا اليوم وقال عنه انه عيد هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما سيأتي معنا بعد قليل.
الأعياد الدينية تعبير عن الشكر والامتنان لله على نعمة:
عيد الفطر شكر لله على نعم صوم شهر رمضان المبارك ونعمة ليلة القدر العظيمة.
عيد الأضحى المبارك (العيد الكبير) تعبير عن الشكر لله على نعمة الحج.
ويوم الجمعة هو عيد للتعبير عن الشكر لله على نعمة يوم العبادة والاستجابة للدعاء.
عيد الغدير، عيد الله الأكبر، هو طاعة لأوامر الله -عز وجل- وأمر نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) واتباع تعاليمه الذي قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم أنصر من نصره وأخذل من خذله". تعبير عن الشكر والامتنان لله على نعمة إكمال الدين وتمام النعمة حسب كلام الخالق عز وجل ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً)) بتنصيبه الإمام علي (عليه السلام) كولي و وصي وخليفة له بأمر الله سبحانه وتعالى.
إذا كان نزول مائدة من السماء تحولت إلى عيد كما يشير القرآن الكريم بقوله تعالى :((اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا)).
كيف يرفض من يدعي الإسلام والإيمان بعدم الخضوع لأوامر الله ورسوله باتخاذ هذا اليوم عيدا وشرفا بتنصيب ولي الله وخليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والانقياد والطاعة للأمر الإلهي والأمر النبوي؟!.
يوم الغدير وتنصيب الإمام علي بالولاية والخلافة نعمة ربانية على الخلق، كما ان رسول الله رحمة للعالمين ، والامام علي إمام هداية وحجة على المؤمنين، وصوت للعدالة الإنسانية.
انه عيد من باب تقدير النعمة والشكر على النعمة، وليست مجرد نعمة تتعلق بالروح والجسد والرزق ونعم الله سبحانه وتعالى كثيرة لا تعد ولا تحصى..، انها نعمة إكمال الدين وتمام النعمة، ولهذا تستحق ان تكون من أعظم وأشرف الاعياد لشكر نعمة إكمال الدين وتمام النعمة، نعمة عيد الله الأكبر، عيد الغدير الاغر.
يوم الغدير هو أعظم أعياد الأمة
روي أن يوم الغدير اتّخذه النبي (ص) عيدًا ، وكذلك الوصي (ع) والأئمة (ع) من بعده عيداً، ليس فقط لما صرّحوا به من أنه يوم عيد تستحب فيه الطاعات المختلفة، بل أيضاً لأن النبي (ص) طلب من الناس أن يهنئوه، ولأن الصحابة وأمهات المؤمنين(رض) قاموا بتهنئة أمير المؤمنين (ع) على هذه النعمة الكبرى التي حباها الله إياه وهي خلافة سيد البشر ووصاية خاتم الرسل(ص).
فقد روي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (ص): ‹‹يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتمّ على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً››. وكان رسول الله (ص) يقول: ‹‹هنّئوني، هنّئوني››.
ورَوَى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) قَالَ : قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ غَيْرَ الْعِيدَيْنِ؟.
قَالَ: "نَعَمْ يَا حَسَنُ أَعْظَمُهُمَا وَ أَشْرَفُهُمَا ".
قُلْتُ: وَ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟
قَالَ: "هُوَ يَوْمٌ نُصِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ فِيهِ عَلَماً لِلنَّاسِ".
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيهِ؟
قَالَ: "تَصُومُهُ يَا حَسَنُ، وَ تُكْثِرُ الصّلاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ تَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانَتْ تَأْمُرُ الْأَوْصِيَاءَ بِالْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يُقَامُ فِيهِ الْوَصِيُّ أَنْ يُتَّخَذَ عِيداً".
*لماذا عيد الغدير هو أفضل الأعياد وأعظمها وأشرفها؟.*
لا بد من عقد مقارنة، و لو مختصرة، بين الأعياد الأربعة لمعرفة سبب كون عيد الغدير أفضل أعياد الأمة الإسلامية حسبما قال النبي (ص)، أو أفضل الأعياد وأعظمها وأشرفها حسبما قال الإمام الصادق (ع).
وسئل الإمام جعفر الصادق(ع): "جعلت فداك، للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟"
قال (ع): ‹‹نعم، أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة، هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيّه محمد(ص): ﴿اليوم أكملت لكم دينكم...﴾ الآية.
قال: "قلت: وأي يوم هو؟"
فقال لي: ‹‹إن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والإمامة من بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً، وإنه اليوم الذي نصّب فيه رسول الله (ص) علياً للناس علماً وأنزل فيه ما أنزل، وكمل فيه الدين، وتمت فيه النعمة على المؤمنين››.
قال: "قلت: وأي يوم هو في السنة؟"
قال: فقال لي: ‹‹يوم ثمانية عشر من ذي الحجة››.
قال: "قلت: فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم؟"
قال(ع): ‹‹هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له وسرور لما منّ الله به عليكم من ولايتنا، فإني أحب لكم أن تصوموه››.
وفي رواية أخرى قال الصادق(ع): ‹‹أتعرفون يوماً شيّد الله به الإسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا؟››
فقالوا: "الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيدنا؟"
قال: ‹‹لا››
قالوا: "أفيوم الأضحى هو؟"
قال: ‹‹لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة››.
*حادثة الغدير الأهم في مدرسة أهل البيت*
عيد الغدير عيد الله الأكبر يمثل أهم مناسبة عند أهل البيت (عليهم السلام)، فهي روح منهج التشيع، وأصل من أصول الدين الإمامة، اتباع مدرسة اهل البيت أصروا على طاعة أوامر الخالق سبحانه وتعالى واوامر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) والتمسك بما جاء في يوم الغدير بتنصيب الامام علي (عليه السلام) والتمسك بولاية علي والأئمة الأطهار عليهم السلام، ويعرف الشيعة باتباع ولاية أمير المؤمنين وانه خليفة رسول الله (ص) الشرعي، ورفض ما جرى من انقلاب بعد رحيل الرسول الأعظم بساعات فقط، ونتيجة لهذا ولاية علي ورفض الانقلاب، تعرض الشيعة طوال تاريخهم للتنكيل والاستهداف وحملات الإساءة والتجريح والمجازر ولغاية اليوم، وما مصيبة ومجزرة يوم عاشوراء وقتل الإمام الحسين (عليه السلام) واهل بيته وأصحابه بطريقة بشعة وأخذ نساءه واطفاله سبايا،.. والسبب في كل ما حدث كما قال قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء: "نقاتلك بغضاً منّا لأبيك .." إلا دليل على ذلك.
*عيد الغدير نعمة وفرحة*
عيد الغدير نعمة من الخالق عز وجل على خلقه وخاصة المؤمنين والموالين، فيجب التوجه لله بالحمد والشكر على هذه النعمة الكبيرة، نعمة إكمال الدين وإتمام النعمة، والشعور بالمسؤولية الدينية والولائية والإنسانية اتجاه صاحب المناسبة ولي الله وحجته، وصي رسول الله رب العالمين محمد (ص) وخليفته، أمير المؤمنين وإمام المتقين ويعسوب الدين الإمام علي (عليه السلام) باتباعه والسير على منهجه ونصره والدفاع عن مظلوميته، والسلم لمن سالمه ومن ولاه، والتبرأ ومعاداة من عاداه، وتحديد البيعة والولاء له، والاحتفاء بالمناسبات التي تتعلق به وأهمها عيد الغدير الأغر، وينبغي إظهار الفرح والسرور والبهجة على أفراد العائلة وتوزيع العيدية وما يعبر عن الفرحة بالعيد وتبادل التهاني والتبريكات مع المؤمنين، وحضور مجالس الاحياء والاحتفاء، وإظهار الزينة كما ينبغي في مناسبة عظيمة عيد الله الأكبر.
واخيرا: الحمد والشكر لله الذي جعلنا من المتمسكين بولايةِ أمير المؤمنين والأئمةِ (ع) والحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم وجعلنا من الموفين بعهده وميثاقه، والحمد والشكر لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب، نبارك لكم عيد الغدير الأغر تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام وتجديد البيعة والولاء.
علي ال غراش