مفاجأتان كبيرتان برزتا في الدورة الأولى من الانتخابات الإيرانية: الأولى تقدم المرشح الموصوف بالإصلاحي بازشكيان (الإصلاحي الوحيد بين خمسة مرشحين محافظين انسحب منهم اثنان لمصلحة غيرهم. مع تحفظي على هذا التصنيف الإنشائي الشكلي). والثانية هي نسبة المشاركة المنخفضة رغم أن مدة الانتخابات قد مددت ثلاث مرات حتى منتصف الليل. وزعم إعلام النظام أن التمديد تم بسبب تزاحم الناخبين على مراكز الاقتراع. ولكن الحقيقة تعلن عن نفسها إذا ما علمنا أن النسبة النهائية التي أعلنها هذا الإعلام وهي نسبة مشكوك فيها هي 40 بالمئة. وكان المرشد الأعلى خامنئي قد تدخل شخصيا ودعا الإيرانيين الى المشاركة بتصريح قال فيه: "استمرارية نظام الجمهورية الإسلامية وكرامته في العالم تعتمد على حضور الشعب في هذه الانتخابات". أما في الأقاليم الأقليات القومية غير الفارسية فقد انخفضت النسبة كثيرا ففي كردستان قال زعيم حزب كومله الكردي أن النسبة لم تصل الى عشرة بالمئة وفي خوزستان "عربستان" انخفضت النسبة كثيرا أيضا.
مهما يكن من أمر فهذه النسبة الرسمية الإيرانية - 40 بالمئة - تقترب من النسب الرسمية العراقية المعلنة. ومعروف أن هذه النسب في العراق كانت دائما عبارة عن كذبة كبيرة، وقد اعترف بعض أقطاب النظام بأن النسبة لم تتجاوز عشرين بالمئة أحيانا.
أعتقد أن نظام الحكم في إيران لا يمكن مقارنته نوعيا بنظام الحكم في العراق من حيث الاستقلالية والوطنية والدفاع عن مصالح البلاد والإنجازات الاقتصادية والأمنية وتحقيق الاكتفاء الغذائي والتسليحي مع أن النظامين كلاهما انتخابي وليس ديموقراطيا حقيقيا. ففي العراق هناك شبه دولة مهلهلة تابعة وخاضعة للولايات المتحدة الأميركية أمنيا واقتصاديا وسياسيا، يقودها تحالف من أحزاب وقوى وشخصيات طائفية وعرقية وعشائرية انتهازية فاسدة تتصارع من أجل الغنائم ولا تهمها مصلحة الشعب في شيء، ولكن كلا النظامين لا يمكن اعتباره نظام حكم ديمقراطي بل هما نظامان انتخابيان؛
الأول - الإيراني - في دولة مستقلة ذات سيادة يقوم على الطائفية السياسية كما تقول المادة 1 من دستورها، والثاني في العراق هو نظام تابع وفاقد للسيادة والاستقلال يقوم على دستور مكوناتي يأخذ بالمحاصصة الطائفية مع هيمنة كبيرة لممثلي الطائفة الأكبر عرفيا وليس نصيا دستوريا.
أعتقد أن مقاطعة الانتخابات حتى لو تدنت أكثر مما هو معلن فلن تكون ذات مردود إيجابي لمصلحة الشعوب لأن أنظمة الحكم الانتخابية الاستبدادية قادرة على التلاعب بها كما تشاء ويمكنها أن تواصل الإمساك بالحكم حتى لو تدنت نسبة المشاركة أكثر ولكنها – المقاطعة - شئنا أم أبينا أصبحت سلاح العاجزين عن التغيير الحقيقي، وهي تبقى مؤشرا مهما على مستوى القطيعة بين الشعوب وأنظمة الحكم فيها.
أعتقد إن الحريصين على بقاء نظام حكم الجمهورية الإسلامية المناهض للغرب والكيان الصهيوني والذين لا يرغبون في مجيء نظام حكم موال لهذا الغرب والكيان الصهيوني سيأملون بصدق في أن يراجع نظام الحكم في إيران نفسه وسياساته وبرامجه جذريا ويدخل في عملية مصالحة شاملة مع شعبه ولا يضيع هذه الفرصة التاريخية النادرة كما ضيعتها أنظمة حكم استبدادية أخرى فضيعت نفسها وبلادها وشعبها ولنا في عراق ما قبل الاحتلال خير مثال وعبرة!