نظرية الإمامة لدی الشيعة.. عرض و نقد -5-
    الثلاثاء 6 نوفمبر / تشرين الثاني 2012 - 21:57
    خالد سندي
    موقف الخليفة الراشد علي بن أبي طالب من الإمامة
     طرقنا في الحلقات السابقة إلی رکائز نظرية الإمامة؛ هل هي منصوصة من عند الله تعالی، وهل أن تعيين الإمام واجب علی الله عزوجل ؟ وهل أن الإمامة من الإيمان الواجب ؟ ومن ثم هل أن الأئمة الذين يذکرهم علماء الشيعة حجة علی الناس ؟ وثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الإمامة بالمعنی الذي يذکرها أولئك العلماء عقيدة دخيلة لا تمت بالإسلام شيئا، وأنه لم يأت ذکرها لا في القرآن الذي هو دستور الإسلام ومصدر العقائد واالتشريعات، ولا في السنة النبوية الشريفة.
    وفي هذه الحلقة سأتناول رأي وموقف أمير المٶمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) نفسه من الإمامة باعتباره محور القضية، لنری هل کان يعتقد هل أنها بالنص الإلهي أم هي خلافة بالشورى، والإختيار فيها للأمة ؟
    وإذا ثبت أنه ما کان يعتقدها ولا يری أنه إمام من عند الله، يکون کل ما يقوله علماء الشيعة عن الإمامة هراء لا طائل تحته.
    وللوقوف علی الحقيقة، سأتحدث عن سيرة هذا الصحابي الجليل والخليفة الراشد مع الخلفاء الراشدين المهديين قبله (رضي الله عنهم أجمعين)، وسيرته وأقواله يوم بويع بالخلافة وأيام خلافته، في مناسبات مختلفة، وسيکون مرجعي في کل ذلك کتب الشيعة المعتبرة، لألزمهم بما ألزموا به أنفسهم.
    إن أول ما نطالع من سيرته (رضي الله عنه) أنه كان يعتقد بصحة وشرعية خلافة الخلفاء السابقين، ولم يكن يرى أنها أغتصبت منه ظلما وعدوانا، لذلك بايعهم (1). وكان من أقرب المقرّبين إليهم، ومن أخلص المخلصين لهم، ومن أخص خواصهم، ووزيرهم، ومن أهل المشورة والرأي عندهم طوال خمس وعشرين سنة من خلافتهم، ولم يحدث أن عارضهم يوما من الأيام طوال تلك السنين، وحتی أن أمير المٶمنين عمر (رضي الله عنه) إستخلفه علی المدينة عندما سافر إلی الشام. وأنه کان أحد الستة الذين رشحهم عمر (رضي الله عنه) للخلافة.
    کما أنه زوّج عمر بن الخطاب إبنته من فاطمة، أم كلثوم، وسمّى ثلاثة من أبنائه، بأسماء أبو بكر وعمر وعثمان (2). واقتفی أثره في ذلك إبنه الحسن (رضي الله عنهما) إذ سمي أبناءه بإسماء أبو بکر وعمر وطلحة. وحتی أنه سمی إثنين من أبنائه بإسم عمر، الأول أمه أم ولد، والثاني أمه الثقفية (3). يبدو أنهما فعلا ذلك تکذيبا لأولئك الذين يزعمون أنهم کانوا أعداء، وليٶکدوا أنهم أحباء ورحماء فيما بينهم کما وصفهم الله تعالی " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " الفتح/29.
    ويوم عرضت عليه الخلافة بعد إستشهاد أمير المٶمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، لم يقل أنها بضاعته ردّت إليه، بل رفضها، ولم يذكر أي نص إلهي أو نبوي، ولو کان يوجد شيء من هذا القبيل لذکره بکل تأکيد لأن الموقف کان يتطلب ذلك، لکنه لم يفعل، بل جعل إختيار الإمام أو الخليفة إلى المسلمين، وقال: " دعوني والـتمسوا غيري؛ فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان؛ لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والْـمحجة قد تنكرت. اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أُصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم؛ ولعلي أسمعكم أطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا " (4).
    وفي اليوم الثاني من بيعته صعد المنبر وخطب، وقال في خطبته: ألا وإن الله عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت كارها للولاية على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اجتمع رأيكم على ذلك، لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " أيما وال ولي الامر من بعدي أقيم على حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته فإن كان عادلا أنجاه الله بعدله وإن كان جائرا انتقض به الصراط حتى تتزايل مقاصله ثم يهوي إلى النار فيكون أول ما يتقيها به أنفه وحر وجهه "، ولكني لما اجتمع رأيكم لما يسعني ترككم (5).
    وإضافة إلی کلامه الواضح والصريح في أنه کان کارها للولاية، فإنه يٶکد في إحدى خطبه أنه ما كان له حتى رغبة في الخلافة، بل المسلمون هم الذين إختاروه وطلبوا منه أن يبايعوه، إذ يقول: " وَاللهِ مَا كَانَت لي في الخِلافَةِ رَغْبَةٌ، وَلاَ فِي الوِلايةِ إِرْبَةٌ، وَلكِنَّكُم دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا، وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَمَا وَضَعَ لَنَا، وَأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، وَمَا اسْتَسَنَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَاقْتَدَيْتُهُ " (6).
    وكان الذي يأخذ البيعة لأمير المٶمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عمار بن ياسر وأبو الهيثم بن التيهان، وهما يقولان: نبايعكم على طاعة الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وإن لم نف لكم، فلا طاعة لنا عليكم ولا بيعة في أعناقكم، والقرآن إمامنا وإمامكم (7).
    وتأکيدا لکون أمر إختيار الإمام أو الخليفة إلی الإمة وليس بالنص الإلهي أو النبوي، يروي صاحب بحار الأنوار عن أبي بشير العائذي أنه قال: كنت بالمدينة حين قتل عثمان فاجتمع المهاجرون فيهم طلحة والزبير فأتوا عليا (عليه السلام) فقالوا: يا أبا الحسن هلم نبايعك، قال: لا حاجة لي في أمركم، أنا بمن اخترتم راض. قالوا: ما نختار غيرك، واختلفوا إليه بعد قتل عثمان مرارا.
    ويضيف صاحب البحار: وعن إسحاق بن راشد عن عبد الحميد بن عبد الرحمن القرشي عن أبي أروى قال: لا أحدثك إلا بما رأته عيناي وسمعته أذناي لما برز الناس للبيعة عند بيت المال قال علي (عليه السلام) لطلحة: ابسط يدك للبيعة، فقال له طلحة: أنت أحق بذلك مني (8).
    وفي نفس الإتجا‌ه يقول في مناسبة أخری: أيها الناس إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار للناس قبل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار لهم، وإن على الإمام الإستقامة وعلى الرعية التسليم، وهذه بيعة عامة، من رغب عنها رغب من دين الاسلام واتبع غير سبيل أهله (9).
    وفي خطبة أخرى يكشف الحقيقة على ما هي عليها، ويزيل كل إلتباس عن فكرة الخلافة، ويشير إلى أن لا نص في الإمامة، بل الأمر خلافة، وأن الخلافة هي بالشورى، والشورى هي للمسلمين، وأن أحق الناس بالخلافة أقواهم عليها وأعلمهم بالكتاب والسنة، لذلك يقول: " أيها الناس، إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل. ولعمري، لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس، فـما إلى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع، ولا للغائب أن يختار " (10).
    ويوضح دون غبش ولا غبار أن الخارج على الخليفة بعد إختياره بالشورى، سواء بطعن أو بدعة، فهو على غير سبيل المؤمنين، وواجب المسلمين والحالة هذه رده ليبايع، وإن أبى أجبروه على البيعة بالقوة، لذلك يقول: " إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمره٤م خَارِجٌ بِطَعْن أَوْبِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ منه، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى " (11).
    وعندما حصل الخلاف بينه وبين معاوية إحتج على معاوية بالبيعة والشورى وإختيار الأمة للخليفة، وذكر أنه يستمد شرعية خلافته من شرعية خلافة الخلفاء الراشدين السابقين، ولم يتطرق إلی أي نص، ولو کانت ثمة نص لذکُره بها، لأن معاوية کان أحد کتاب الوحي، يکتب القرآن الذي ينزل علی رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم) بين يديه، فقال في إحدى الرسائل التي بعثها إلی إليه: " إنه بايعني القوم الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ " (12).
    وفي رسالة أخرى وجهها إليه إحتج عليه مرة أخرى بالبيعة، وجعل الإختيار إلى الأمة وليس إلى نص إلهيّ أو نبوي، كما جاء ذلك في کتاب بحار الأنوار، حيث كتب إلى معاوية يقول:
    " والواجب في حكم الله وحكم الاسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أو يُقتل، ضالا كان أو مهتديا، مظلوما كان أو ظالما، حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملا ولا يحدثوا حدثا ولا يقدموا يدا ولا رجلا ولا يبدؤا بشئ قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما يجمع أمرهم، عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذ للمظلوم من الظالم، ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجتهم وجمعتهم ويجبي صدقاتهم، ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلما ليحكم بينهم بالحق فإن كان إمامهم قتل مظلوما حكم لأوليائه بدمه وإن كان قتل ظالما أنظر كيف كان الحكم في هذا ".
    ويضيف: " وقد بايعني الناس بعد قتل عثمان، وبايعني المهاجرون والانصار بعدما تشاوروا بي ثلاثة أيام وهم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وعقدوا إمامتهم ولي بذلك أهل بدر والسابقة من المهاجرين والانصار غير أنهم بايعوهم قبلُ على غير مشورة من العامة وإن بيعتي كانت بمشورة من العامة " (13).
    وعندما إنشق الخوارج عن جيشه وخرجوا عليه، ومن ثم کفروه لأنه حکم الرجال في مسألة التحکيم بينه وبين معاوية (رضي الله عنهما) – حسب فهمهم- إستدل لموقفه (رضي الله عنه) بقوله تعالی: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)) سورة النساء/59، وقال: ((إِلَى اللهِ)) أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بسُنَّتِهِ؛ فإذا حُكِمَ بِالصِّدْقِ فِي كِتَابِ اللهِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ حُكمَ بسُنَّةِ رَسُولِهِ فَنَحْنُ أَوْلاَهُمْ بِهِ (14). ولم يذکر لهم الرد والرجوع إلی الإمام (بالمعنی الذي يذکره علماء الشيعة) في الخلاف، ولو کان يعتقد أن الإمام يماثل النبي ويجب الرجوع إليه في الخلاف کان لابد أن يذکرهم بذلك، لأنهم کانوا من شيعته وکان من المفروض أن يعتقدوا بذلك، لکنه عدل عن ذلك وإحتج بالآية التي تشترط في حال الخلاف الرد والرجوع إلی کتاب الله تعالی و سنة الرسول (صلی الله عليه وسلم) فقط.
    وفي أيام خلافته، بعث قيس بن سعد الأنصاري أميرا على مصر وسلّمه كتاب إمارته ليقرأه على الناس، أثنى فيه على أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، وأكّد فيه على موضوع البيعة ولم يتعرض مرّة أخرى لا إلى الإمامة ولا إلى النص الإلهي. ولما وصل قيس مصر، صعد المنبر وأمر بكتاب معه يقرأ على الناس، جاء فيه: " من عبدالله علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى من بلغه كتابي من المسلمين. سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو.
    أما بعد، فإن الله بحسن صنعه وقدره وتدبيره إختار الإسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله وبعث به أنبياءه إلى عباده، فكان مما أكرم الله هذه الامة وخصهم به من الفضل أن بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) إليهم، فعلمهم الكتاب والحكمة والسنة والفرائض، وأدبهم لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرقوا، وزكاهم لكيما يتطهروا، فلما قضى من ذلك ما عليه، قبضه الله إليه، فعليه صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه.
    ثم إن المسلمين من بعده إستخلفوا أميرين منهم صالحين أحييا السيرة ولم يعدوا السنة، ثم توفيا فولي بعدهما من أحدث أحداثا فوجدت الأمة عليه مقالا فقالوا ثم نقموا عليه، فغيروا ثم جاؤني فبايعوني، وأنا أستهدي الله للهدى وأستعينه على التقوى. ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسوله والقيام بحقه والنصح لكم بالغيب، والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل.
    وقد بعثت لكم قيس بن سعد الانصاري أميرا فوازروه وأعينوه على الحق، وقد أمرته بالاحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم، والرفق بعوامكم وخواصكم، وهو ممن أرضى هديه، وأرجو صلاحه ونصحه. نسأل الله لنا ولكم عملا زاكيا وثوابا جزيلا ورحمة واسعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " وفي كلمته التي ألقاها بعد الفراغ من قراءة كتاب علي (رضي الله عنه) أكّد قيس بن سعد من جانبه أيضا على البيعة ولم يذكر لا إمامة ولا نصا.
    فقام خطيبا وحمد الله وأثنى عليه، وقال: الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبت الظالمين. أيها الناس إنا بايعنا خير من نعلم بعد نبينا صلى الله عليه وآله فقوموا وبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فإن نحن لم نعمل فيكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله فلا بيعة لنا عليكم ". (15).
    إضافة إلی مواقف وأقوال أمير المٶمنين علي بن أبي طالب السابقة نجد أنه طول أعوام خلافته إلی يوم إستشهاده، وحتی في اللحظات الأخيرة من حياته لم يتطرق إلی موضوع تعيين إبنه الحسن خلفا له، بل أن خلافة الحسن کانت ببيعة المسلمين له. ومن ثم تصالحه مع معاوية وتنازله عن الخلافة له وبيعته له، کلها أدلة إضافية إلی أن إمامة علي وذريته غير منصوصة عليها من عند الله تعالی، بل الأمر متروك لإختيار الأمة، وهي التي تختار من تراه مناسبا لإدارة أمورهم وسياستها.
    يظهر مما سبق لو کانت الإمامة بالنص لما جاز له أن يقول: " دَعُوني وَالْـتَمِسُوا غيري.. "، " أني كنت كارها للولاية على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اجتمع رأيكم.." ، " فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة ولا لي فيها محبة.. " ، " إنَّما الشُّورى لِلْمُهَاجِرِين وَالأنصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاما كان ذلك لله رضى.. " وغيرها من الأقوال السابقة، ولما جاز أن تکون له تلك المواقف، ولو کانت متعينة من عند الله وصدرت عنه تلك الأقوال والأفعال لکان قد خالف بها أمر الله تعالی.
    وکذلك الحال من إبنه الحسن (رضي الله عنهما) فإنه ما کان يجوز له أن يتنازل عن الخلافة لمعاوية (رضي الله عنهما) ويبايعه، کيف يتنازل عن منصب إلهي من عنده بدون إذن من الله تعالی ؟ وهل کان يحق لرسول الله صلی الله عليه وسلم أن يتنازل عن النبوة لأبي جهل أو غيره من صناديد قريش بغية إستمالتهم إلی الإسلام، ومن ورائه تسهيل الدعوة إلی الدين الحق ومساعدتهم إياه في ذلك بدلا من محاربتهم له ولدعوته ؟ بکل تأکيد ما کان يحق له ذلك، وکذلك الحال مع الإمامة. 
    ومن ثم کان علی علي والحسن (رضي الله عنهما) أن يعلما أن الله تعالی سوف يعذبهما بتلك المواقف، لأن – حسب ما جاء في بحار الأنوار - أن الله تبارك وتعالی يقول: لأعذبن كل رعية في الإسلام أطاعت كل إمام ليس من الله وإن كانت الرعية بارة تقية (16) في حين نعلم من سيرتهما (رضي الله عنهما) أنهما ما کانا يتخلفان عن تنفيذ أوامر الله تعالی، وهذا فيه دلالة علی أن لا نص في الإمامة.
    بهذا نصل إلى الحق الذي طالما ذكرناه، أن ليس ثمة نص إلهي أو نبوي في الإمامة كما يدعي علماء الشيعة، بل الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلافة وأنها بالشورى، فلو كان الأمر بالنص كما يدعون لاحتج به علي في كل تلك المناسبات، ولخوّف الصحابة بالعقاب الأخروي في حالة تهاونهم وعدم إلتزامهم بالأمر الإلهي، وما كان بحاجة إلى الإستشاد ببيعة الخلفاء السابقين ولا الشورى، خاصة وأنه أصبح خليفة لأكبر دولة في ذلك العصر.
    حلقات أخری تتبع..
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) نهج البلاغة. المختار من كتبه و رسائله 6. ص 588.
    (2) (2). (بحار الأنوار. ج44. باب 23 : ذكر أولاده صلوات الله عليه، وأزواجه، وعددهم وأسمائهم وطرف من أخبارهم. الرواية رقم 4). ( بحار الأنوار. ج44. باب 23. (ذكر أولاده صلوات الله عليه، وأزواجه، وعددهم). (بحار الأنوار. ج30. باب 18، في ذكر ما كان من حيرة الناس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وغصب.
    (3) (3). (بحار الأنوار. ج44. باب23  : ذكر أولاده صلوات الله عليه، وأزواجه، وعددهم وأسمائهم وطرف من أخبارهم. رقم الرواية ٤).
    (4) (4). (نهج البلاغة: ج1. الخطبة 91 ) و(بحار الأنوار. ج32. باب بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل.)
     (5) (5). (بحار الأنوار. ج32. باب بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل)
    (6) (6). نهج البلاغة. ج2. الخطبة 205. ص 512. (بحار الأنوار. ج32. باب بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل. رقم الرواية: 9،)
    (7) (7). (بحار الأنوار. ج٣٢. باب بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل. رقم الرواية: ٩،)
     (8) (8). (بحار الأنوار. ج٣٢. باب بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل. الرواية ١٠-١٨)
    (9) (9).(بحار الأنوار. ج٣٢. باب بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل).
    (10) (10). (نهج البلاغة الخطبة 173. ج1.
    (11) (11). نهج البلاغة. المختار من كتبه و رسائله 6. ص 588.
     (12) (12). نهج البلاغة. المختار من كتبه و رسائله 6. ص 588 
     (13) (13). (بحار الأنوار: ج 33. العلامة المجلسي. الباب السادس عشر: باب كتبه عليه السلام إلى معاوية واحتجاجاته عليه ومراسلاته إليه وإلى أصحابه).
     (14) (14). (نهج البلاغة. الخطبة ١٢٥)
    (15) (15). ( بحار الأنوار: ج 33. العلامة المجلسي.الباب الثلاثون: باب الفتن الحادثة بمصر وشهادة محمد بن أبي بكر ومالك الاشتر رضي الله عنهما وبعض فضائلهما وأحوالهما وعهود أميرالمؤمنين عليه السلام إليهما ).
     (16) (16).البحار. ج٢٥. باب 3 : عقاب من ادعى الامامة بغير حق او رفع راية جور او أطاع اماما جائرا ). بحار الأنوار. ج٢٦. باب 8 : فضل النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم على الملائكة وشهادتهم بولايتهم. رواية ٢٣)
    (17)


    1. نظرية الإمامة لدی الشيعة.. عرض و نقد -1- - خالد سندي
      09/10/2012 - 20:47 مقالات
    2. نظرية الإمامة لدی الشيعة.. عرض و نقد -2- - خالد سندي
      16/10/2012 - 22:24 مقالات
    3. نظرية الإمامة لدی الشيعة.. عرض و نقد -3- - خالد سندي
      21/10/2012 - 21:17 مقالات
    4. نظرية الإمامة لدی الشيعة.. عرض و نقد -4- - خالد سندي
      31/10/2012 - 00:48 مقالات

    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media