ولهذا عندما نقرأ حياة سيدة نساء العالمين سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(ع) فهي تمثل صفحة خالدة في التاريخ الإنساني، بل وتمثل أحدى المرتكزات الأساسية في بناء الحضارة الإنسانية وأحدى لبناتها المهمة، فعندما تطالع هذه السيرة العطرة لسيدة نساء العالمين نجد القمة السامية في العفاف والطهر والتبتل الى الله سبحانه وتعالى والاستقامة والسمو الأخلاقي الرفيع والذي لم تصله أي من نساء العالمين من الأولين والأخرين وحتى باقي البشر، وهذا ناتج من الغرس النبوي الشريف والتربية النبوية الطاهرة وانها غرس الإمامة الطاهرة والتي تربت ونشأت على وقع الوحي الإلهي من أبيها النبي الصادق الأمين محمد(ص)والذي كان يحنو على الصديقة الطاهرة ويبذل كل ما في وسعه لتكون أبنة الرسالة المحمدية المثالية والقدوة الكبرى لنساء العالمين وبعناية من الله جل وعلا. وقد كانت الالطاف الإلهية قد تجلت في شخصية الزهراء(ع) فكانت سيدة في العلم والفصاحة والأدب والبلاغة والبيان وتشهد بذلك الخطبة الفدكية البليغة أمام الخليفة الأول والثاني وجموع المسلمين مضاف اليها خلقها الرفيع والعبادة والتبتل إلى الله ومكارم الأخلاق حتى كان من ألقابها البتول والمحدثة والطاهرة لأنها كانت حوراء أنسية ذكرها الرسول الأعظم حيث يقول أمالي الصدوق، عيون أخبار الرضا (ع): الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن الهروي، عن الرضا (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله):{ لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة (عليها السلام) ففاطمة حوراء إنسية فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة }(1).
ونفهم من معنى الأخبار أنها ليلة القدر: (عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: { إنا أنزلناه في ليلة القدر، ليلة القدر فاطمة ، ليلة القدر فاطمة ، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها }(2).
ولانها تربت في حجر الرسالة المحمدية فكانت مشتملة على خلق وطباع أبيها وكل ما يخص الرسالة المحمدية ولهذا قالت عائشة : " ما رأيت قطّ أفضل من فاطمة غير أبيها صلى الله عليه وآله وسلم "(3).
ولم تنل الزهراء هذه المنزلة العظيمة والسيادة العظيمة لأنها بنت رسول الله كما يحدثنا التاريخ عن نساء نلنَّ العظمة والسيادة بسبب ثرائهن أو أنهنَّ بنات ملوك وأباطرة، ولكن كان هذا اختيار الله سبحانه وتعالى وتفضيلها على نساء العالمين والذي جاء على لسان الصادق الأمين النبي محمد(ص) والذي لا ينطق عن الهوى أن هو الا وحي يوحى. وهناك الكثير من الأحاديث التي لا حصر لها في بيان خصائصها وفضلها وهذا ناتج من أنها أجهدت نفسها في مرضاة الله عز وجل واستحقّت شرف الحصول على هذه المرتبة بفضل زهدها وإخلاصها ويقينها وعبادتها وإنفاقها وجهادها وصبرها وتحملها في سبيل الله ، فكانت رمزاً وقدوة للمرأة في المجتمع الإسلامي .
" ومن هنا حظيت بمناقب فذّة ومزايا عجيبة ، فكان زواجها بأمر الله تعالى ، وكانت من الخمسة أهل الكساء عترة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وفرض مودتهم على جميع الخلق ، وأوجب التمسك بهم والاقتداء بهديهم بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، واختصها الله تعالى بقوله في آية المباهلة : ( ونساءنا ونساءكم ) فتفرّدت بنيل ذلك الشرف من دون نساء الاُمّة ، وجعل الله تعالى في نسلها الذرية الطاهرة من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي ذلك شرف لا يضاهى وفضل لا يدانى"(4).
وليأتي الحديث الشريف لنبينا الأكرم عن فاطمة ومن ذلك ما رواه ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : { وإنّما سمّاها فاطمة ، لأنّ الله عزَّ وجلّ فطمها ومحبيها عن النار }(5).
ومن هنا جاء الحديث الشريف لنبي الرحمة عن فاطمة الذي يقول عن الإمام علي بن ابي طالب { إن الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها }(6).
والذي سنناقش هذا الحديث النبوي الشريف وصحته والحيثيات لهذا الحديث في جزئنا القادم إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر :
1 ـ كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٣ - الصفحة ٤. الإحتجاج: مرسلا مثله. وقد روى السيوطي ذلك في الدر المنثور 4/153، والطبراني في معجمه ، والثعلبي في تفسيره ، وغيرهم من كبار علماء السنة ومحدثيهم . ونحوه في أمالي الصدوق ص546.
2 ـ تفسير فرات الكوفي ص581 ، البحار: 43/65 ، العوالم :11/103 .
3 ـ المعجم الأوسط | الطبراني 3 : 349 | 2742 . والإصابة 4 : 378 أخرجه عن المعجم الأوسط ، وقال : سنده صحيح على شرط الشيخين . ومجمع الزوائد 9 : 201 . وقال : رواه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى ، ورجالهما رجال الصحيح . وإتحاف السائل : 28.
4 ـ كتاب(سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام )المؤلف: علي موسى الكعبي. الناشر: مركز الرسالة. المطبعة: ستاره. الطبعة: ١. الفصل الثاني خصائصها الفذّة ومكارم أخلاقها عليها السلام. منشورات مكتبة رافد.
5 ـ ذخائر العقبى - احمد بن عبد الله الطبري - الصفحة ٢٦. منشورات المكتبة الشيعية. أخْرَجَهُ الحَافِظُ الدِّمَشْقِيُّ. أخرجه النسائي ، و رواه في تاريخ بغداد ج12- ص 328 ، الرقم 6772 . وفي منتخب كنز العمّال المطبوع بهامش مسند أحمد ج5 ص 97 طبعة مصر ، وفي رشفة الصادي :47 طبعة مصر ، وفي أرجح المطالب 328 طبعة لاهور ، وفي فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي ج2ص328 .
6 ـ روى الحاكم في (المستدرك ج3 ص154). ورواه أيضاً الهيثمي في (مجمع الزوائد ج9 ص 203) وقال رواه الطبراني واسناده حسن. كنز العمال – المتقي الهندي – ج 12 – ص 111رقم الحديث 34237. الآحاد والمثاني – الضحاك – ج 5 – ص 363 رقم الحديث( 2959 ). المعجم الكبير – الطبراني – ج 1 – ص 108 رقم الحديث( 182 ) . نظم درر السمطين – الزرندي الحنفي – ص 177 – 178... والعديد من الأحاديث التي تشير الى صحة هذا الحديث.