قوانين تطور العالم الإسلامي في الحاضر والمستقبل.. مثال من عُمان 2/2
    الخميس 13 فبراير / شباط 2020 - 10:17
    د. هادي حسن حمودي
    باحث وأستاذ جامعي عراقي - لندن
    أقام المركز الثقافي الإسلامي – لندن ندوته الأولى لعام 2020 في قاعة المحاضرات في التاون هول – إيلينغ، هذا الأسبوع. تحت عنوان (العالم الإسلامي وتحديات العصر). محاضرتي كانت بعنوان:
     (Current and Future Laws
    For the development of the Islamic world,
    Example from Oman)

    هنا خلاصة وافية لها باللغة العربية:

    الحلقة الثانية
    ثالثا: الجغرافية: من الطبيعي أن يختلف الموقع الجغرافي العُماني عن المواقع الجغرافية للبلدان الأخرى. ولكن لكل موقع تأثيره الخاص الذي يجب أن يُنظر إليه بعين الاعتبار.
    فموقع عُمان المهيمن على حركة الملاحة في الخليج وبحر العرب، وموانئها العديدة، وشواطئها الطّويلة، أمور ساعدتها على أن تبني أمجادها البحريّة المعروفة جيّدا للدارسين والباحثين، من مؤرّخين وجغرافيين وغيرهم. كما انّ هذه الميزات عرّضتها لجيوش الغزاة لحقب عديدة من التّاريخ.
    وحين تلتفت عُمان إلى الأهميّة الاستراتيجيّة لموقعها الجغرافي، وتستفيد منه، اقتصاديّا، وترصّنه بوحدة اجتماعيّة، تتحصّن بها، وتأخذ بأسباب القوّة للدفاع عن الذّات، وتُحسن التّعامل مع المتغيّرات الدّوليّة ذات التّأثيرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة من حولها وفي سائر أرجاء العالم، تراها تزداد تألّقا وتوقّدا. وحين تهمل الفروض التي يمليها عليها موقعها الجغرافي، تراها تنكفئ على ذاتها، وتتعرّض للغزو الخارجي، كما حدث في الغزو البرتغالي وغيره. 
    كما انّ موقعها الجغرافي أكسبها ميزات اجتماعيّة معيّنة نتيجة تحدّدها بالبحر والصّحراء، فكانت أميل الى التّرابط الاجتماعي (القبلي والأسري) مما ساعدها على سرعة استعادتها لتألّقها كلّما آذنت الظّروف بانتكاسة أو تخلّف يُفرض عليها بسبب عوامل خارجة عن إرادتها حينا، وإهمالها لتفعيل تلك القوانين حينا آخر.
    وللبلدان المسلمة الأخرى مواقعها المؤثرة بهذا الشكل أو ذاك على مسيرتها الحضارية في ظروف التفاعل العالمي المعاصر. 
    رابعا: الرّوابط القبليّة: وهي التي تقابل العناصر السكانية غير القبلية في بلدان أخرى، يتكوّن المجتمع العُماني من مجموعات من القبائل يعود أغلبها إلى أصل واحد، هو الأزد. وبطبيعة الحياة القبليّة، ونتيجة لعوامل الطّبيعة، ولأسباب عديدة أخرى، كانت الرّوابط القبليّة تتفكّك عراها أحيانا، فيسبّب ذلك نزاعات ومعارك وحروبا تجني على البلاد وأهلها، وتعمل على تخلّفها ونشر البؤس والفاقة بين أهلها.
    أمّا حين تتوحّد تلك القبائل، وتعود إلى روابطها التّاريخيّة، إذ تجمعها وحدة اللّغة والدّم والدّين والمصير المشترك، فإنّ البلاد تنهض من جديد، وتأخذ بالسّير في طريق التّقدّم والازدهار. 
    ومن طبائع الأمور أنّ العلاقات القبليّة يمكن أن تتحوّل إلى وحدة اجتماعيّة، ولكنْ لا بصورة قدريّة، وإنّما بجهد جهيد، وعمل دائب مستمرّ، كالذي فعلته عُمان في عصر نهضتها الحديثة. وبهذا تسير عُمان في طريقها الطّبيعي، بلا عثرات ولا مثبّطات. وهو ما عملت الدّولة العُمانيّة الحديثة على تثبيته عن طريق المنجزات العمليّة والمشاركة العامّة في تنمية البلاد ونهضتها، وشمول منجزات النّهضة لكلّ المناطق والولايات، وما نصّ عليه النّظام الأساسي للدولة من وحدة المواطنين وتساويهم أمام القانون وفي الحقوق والواجبات كافّة، من غير تمييز لأيّ سبب من الأسباب.
    وقد أثبتت واقعات التّاريخ أنّ تفعيل تلك القوانين، يمثّل القضاء المبرَم على التّخلّف بكلّ مضامينه التي تشمل التّعصّب والتّطرّف والتّواني والكسل والتّواكل وتصاعد الأطماع الذّاتيّة المناقضة لمصلحة المجموع، وغير ذلك من ظواهر ومظاهر تنبئ بوجود ذلك التّخلّف.
    وإذا كانت تلك هي القوانين الأربعة للتواريخ العُمانيّة القديمة والوسيطة وإلى مشارف الأزمنة الحديثة، فإنّ لعُمان المعاصرة ومنذ سنة 1970 خمسة قوانين ترسم مسارها وتحدّد معالم طريقها في بناء حاضرها ومستقبلها، بتطوير القوانين الأربعة السّالف ذكرها مع تفاوت أهمّيّتها ما بين العصور القديمة والعصور الحديثة، وإضافة قانون جديد نكشف عنه, هنا. وهذه القوانين الخمسة، هي: 
    1- العقيدة: فالعقيدة تقدّمت غيرها من قوانين، لأنّها تمثّل الأساس الفكري والفلسفي الذي تشيّد عليه عُمان نهضتها الحديثة. وعُمان المعاصرة تفهم العقيدة فهما موضوعيّا بعيدا عن الغلوّ والتّعصّب. 
    2- الجغرافية: ازدادت أهمّيّة هذا العامل في الأزمنة الحديثة، بفعل أنّ أرض البلاد، قد كشفت عن بعض خيراتها من معادن وغيرها، مِمّا حمّل عُمان مسؤوليّات إضافيّة للاستفادة من تلك الخيرات لِما فيه خير حاضرها ومستقبلها. ويضاف هذا إلى موقعها الفريد المسيطر على مضيق هرمز ومدخل الخليج وسعة مياهها البحريّة.
    3- التّاريخ: وهو القانون الذي أضافته عُمان الحديثة إلى القوانين الفعّالة في تواريخها القديمة والوسيطة. فالتّاريخ صار علما، وعُمان تأخذ بالعلم وتؤمن به. وتتحدّث عن الاستفادة من دروسه وعِظاته وعِبَره. وتُلفت انتباه أبنائها إلى الصّور المتألّقة لذلك التّاريخ، وتريد منهم أن يأخذوا أنفسهم بالجدّ والاجتهاد، وأن يترسّموا مسيرة الآباء والأجداد، حين تكون تلك المسيرة نافعة ومفيدة لهم، بل أن يقدّموا أفضل مِمّا قدّم أولئك الآباء والأجداد. 
    4- الوحدة الاجتماعيّة والمجتمعيّة. وهو قانون على جانب عظيم من الأهميّة، استطاعت عُمان أن تحيل إليه العلاقات الأسريّة والقبليّة، بفعل إنشاء الدّولة الحديثة المرتكزة على المجتمع المتطوّر، والقائم على أسس قانونيّة واضحة, وبذلك أصبحت الخلافات القبليّة مجرّد أصداء من الماضي, لا يرغب أحد في استعادتها, بعد أن ذاق مرارتها مرارا. 
    5- العلاقات الدّوليّة، وهي البديل عن (إغراء الآفاق الواسعة) لأنّ العالم قد تغيّر. وارتبطت دوله بمواثيق وعهود ومعاهدات لا يصحّ تجاوزها. ولذا صارت تنمية العلاقات الدّوليّة بمثابة بديل عصريّ عن (إغراء الآفاق الواسعة) من حيث المنافع التي تعود على عُمان نتيجة تلك التّنمية، وكذلك ما تقدّمه عُمان للعالم بتلك العلاقات المبنيّة على الاحترام المتبادل وعدم التّدخّل في الشّؤون الدّاخليّة للدول الأخرى، وإلى سائر القواعد التي ترتكز عليها عُمان في تحرّكها الدّولي، وبناء علاقاتها مع دول العالم. 
    إنّه التّاريخ الذي لا يرحم إلاّ من يقوم بفروضه، ويأخذ نفسه بالجدّ والاجتهاد والعمل الصّالح المؤسّس على العلم النّافع.

    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media