ومن هنا فالحسين (عليه السلام) أراد أنْ ينفي عن خروجه ما تقدم من الصفات؛ لئلا يقول قائل إنه قد خرج من أجل تفرقة المسلمين، لذا عَقَّب ذلك بقوله: (إِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلاحِ) فهو بذلك قد حصر خروجه لأجل أمر واحد وهو (الإصلاح)، والإصلاح هو ضد الإفساد والفساد، وفي ذلك إعلانٌ منه بوجود فسادٍ في المجتمع أوجب على الحسين (عليه السلام) أنْ يخرج ويُصلح ما أفسده الظالمون والطغاة.
ولهذا جاء حديث الرسول الأعظم محمد (ص). {أن للحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا }(1).
وكان يوم عاشوراء هو يوم وفاجعة عظيمة باستشهاد خامس أصحاب الكساء وسبط الرسول الأعظم (ص)سيدي ومولاي أبي عبدالله الحسين (ع) والذي فيه اظلمت الأرض وامطرت السماء دما وتحت كل حجر يتفجر دما عبيطا.
وهو يوم حزين بكت فيه ملائكة السماء وخلائق الأرض من كائنات وحيوانات. وليسفك الدم الطاهر على أرض كربلاء المقدسة وليكتب التاريخ وبأحرف حزينة ومن نور هذا القربان الذي قدم إلى رب السماوات هو وأخيه قمر بني هاشم أبي الفضل العباس واهل بيته الطاهرين واصحابه المنتجبين، والذي ذبحوا كالأضاحي في رمضاء الغاضرية بدون رؤوس ومسلوبي الاجسام
والتي بهذه القرابين بدأت الحياة من جديد إلى عطشان كربلاء وإلى حامي المشرعة وإلى شهداء الطف. ليصنعوا التاريخ من جديد وليتم اشراق تأريخ إنساني جديد يشع نورا وألقا ليخلق عصر جديد هو عصر الاحرار والثائرين ولتكون ملحمة الطف الخالدة هي الدستور الوحيد الذي كتب بدم الحسين الشهيد الطاهر وباقي الدماء الزكية من الثلة الطيبة من معسكر النور الحسيني. ولتثبت للتاريخ الإنساني وللبشرية اجمع انتصار المظلوم على الظالم...والدم على السيف... والحق على الباطل.
ثالثاً : البعد العقائدي :
وهي { وَأَسِيرَ بِسيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ }. وهنا لا بد من الإشارة أنه أراد من خلال هذه العبارات وهي وضوح خروجه والنهضة التي قام فيها والتي لا يخالج أي شخص أي شك في ما يقوم به الأمام الحسين(ع)، ولهذا قرن خروجه ونهضته بالسير على سير جده الرسول الأكرم محمد(ص) ونهج سيد الوصيين والذين أمر الله سبحانه وتعالى بطاعتهم والأهم حصر ولاية أمير المؤمنين والذي ذكر أسمه بالتحديد ولم يذكر فقط جده، لأنه لو ذكر ذلك لقيل من بعض المفسرين القصيري النظرة أن يسير بسيرة جده أبو طالب ولكنه قرن جده مع أبيه الأمام علي(ع) لكي لا يتم التأويل والتفسير ليأخذ مأخذ بعيدة إلى غير ما يرده الأمام الحسين. ولهذا كانت الله قد أمر بطاعة الرسول والأمام علي(سلام الله عليهم) بقوله في محكم كتابه { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }(2)وهذه الولاية اكدت الحصر في ثلاثة هم { الله جل وعلا، الرسول الأعظم(ص)، وولي الأمر الذي أدى الصلاة وهو راكعاً ) والتي تجمع الروايات على أنه أمير المؤمنين، ومن هنا فكان ولاية أمير هي المنصوصة في القرآن الكريم وفي كل النصوص الواردة ومن قبل كل فرق الجماعة والتي كتبنا في مقالات سابقة الحديث عن بيعة الغدير وأفضنا منها بعدة مباحث ومقالات(3).
والأمام يعرفه الصديق والعدو في عدالته الاجتماعية والتي كتب عنها كتاب من المذهب السني ًوحتى المسيحي وكتاب جورج جرداق كتب عن عدالته الإنسانية في كتاب يوضح تلك العدالة التي ينشدها الأمام علي(روحي له الفداء)(4)، ولو راجعنا كلمته المشهورة في تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الأموال عندما بايعه المسلمون بعد مقتل عثمان: {واللهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ وملكَ به الإماءَ لرددتُهُ، فإنَّ في العدلِ سعةً، ومَنْ ضاقَ عليهِ العدلُ فالجورُ عليهِ أضيقُ }(5). ولهذا فأي لبيب وعاقل يضع الأمور في نصابها من البديهي أن لا يرفض تلك السير العظيمة لجد وأبو الحسين والتي هي سير إلهية تريد تحقيق العدل الإلهي وبناء المجتمع الإنساني السعيد والتي لا يختلف أي اثنان عليها.
اما لو رجعنا إلى سيرة الشجرة الملعونة من آل أمية وهم معاوية بن أبي سفيان بنت هند آكلة الأكباد ويزيد بن ميسون. والذي لعنهم رسول الله(ص)بقوله { لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق }(6).
فهذه السيرة الملعونة لبنو أمية فهي معروفة وواضحة والذي وقد روى أن أبا سفيـان مقولته المعروفة حيث قـال: ( يـا بنـي عبـد منـاف تلقفوهـا تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار )(7).
وأما هند(ومن الرايات الحمر والمعروفة ببغائها) فهي تخاطب القوم بعد استسلام أبو سفيان وأبنه معاوية بعد فتح مكة فتقول: ( ﭐقتلوا الخبيثَ الدنسَ الذي لا خيرَ فيه، قبحَ من طليعةِ قومٍ، هَلا قاتلتُمْ، ودفعتُمْ عن أنفسِكُم وبلادِكُم )(8).
وهذا هو التاريخ الأسود لآل أمية والتي أضحت واضحة للقاصي والداني والتي قال : رأى رسول الله (ص) بنى أمية على المنابر فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه إنما هي دنيا أعطوها فقرت عينه، وهى قوله : { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ( الإسراء : 60 ) } يعني بلاء للناس(9). والذي هناك حديث للرسول يقول { ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه }(10).
ومن هنا فالحسين أن يريد من خلال النهضة التي قام بها أن أفكار الأمة وإنقاذهم من أسس الضياع والانحراف التي يعيشون فيها، وتصحيح ذلك لا يتم إلا بالعودة إلى المنهج الإسلامي الصحيح والذي لا يكون إلا بسيرة النبي محمد والأمام علي(عليهما السلام)دون غيرهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر :
1 ـ مستدرك الوسائل: ج 10، ص 318. جامع احاديث الشيعة. السيد البروجوردي. ج 12، ص556.
2 ـ [ المائدة : 55 ].
3 ـ ينظر: مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي ج3 ص362
4 ـ راجع كتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية تأليف جورج جرداق
5 ـ نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي، شرح محمد عبده ج1 ص42.
6 ـ (أنساب الأشراف, القسم الرابع,الجزء الأول). ورواه السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص (ص201). تاريخ الطبري 12: 228, وفي أحداث سنة 284).
7 ـ تاريخ أبي الفداء - أحداث سنة مئتين وثلاثة وثمانون - ( 30 من 87 ). مسند البزار - البحر الزخار - ما أسند سفينة الهيثمي - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - الجزء: ( 1 ) - رقم الصفحة: ( 113 ). الطبري - تاريخ الطبري - الجزء: ( 8 ) - رقم الصفحة: ( 185 ).
8 ـ أبو الشهداء الحسين بن علي، عباس محمود العقاد ص24.
9 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور - الإسراء : 60. الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 310 ). الطبري - تاريخ الطبري - سنه اربع وثمانين ومائتين. ذكر كتاب المعتضد في شان بني أمية. الجزء : ( 10 ) - رقم الصفحة : ( 58 ). ابن عساكر - تاريخ دمشق - حرف الميم. 7312 - مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية ...الجزء : ( 57 ) - رقم الصفحة : ( 265 / 266 ).
10 ـ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٣ - الصفحة ٢٠٩. الطبري - تاريخ الطبري - الجزء : (8) - رقم الصفحة : (186). الذهبي - ميزان الإعتدال - الجزء : (1 و 2) - رقم الصفحة : (571 و 613). أنساب الأشراف 3: 121 في ترجمة معاوية. الملاحم والفتن : 329.