القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١١٢
    الخميس 13 أكتوبر / تشرين الأول 2022 - 15:57
    ضياء الشكرجي
    محلل سياسي وكاتب في الشؤون الإسلامية
    قَد خَلَت مِن قَبلِكُم سُنَنٌ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ (١٣٧)

    هنا يلفت القرآن نظر المسلمين إلى تجارب الأمم التي قبلهم، وحيث إنهم غير مطلعين على تاريخ وتجارب الأمم والشعوب والحضارات إلا عبر مصدر واحد، لا يثقون إلا به، ألا هو ما يخبرهم به القرآن وما يخبرهم به نبيهم، فالقرآن بالنسبة لهم كلام الله، وكلام الله لا يمكن إلا أن يكون صادقا، وكلام نبيهم هو أيضا وحي غير مباشر من الله له إذ هو «ما يَنطِقُ عَنِ الهَوى، إِن هُوَ إِلّا وَحيٌ يّوحى، عَلَّمَهُ شَديدُ القُوى». ثم دراسة تجارب الأمم حسب هذه الآية مقتصرة فقط وفقط على قضية الإيمان بالرسل، أو عدم الإيمان بهم أي (تكذيبهم) حسب تعبير الآية، وكأنما ليس في تجاربهم إلا هذه القضية، أما موضوعة الحضارات وما أنتجته من العلوم، وقضية العدل والظلم بمعناها العام، لا بمعايير الدين حصرا، فهذا ما لا يلفت القرآن إليه أنظار المسلمين ليتأملوا فيه ويأخذوا منه العبر والدروس. ثم «عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ» بالأديان والرسل والأنبياء والكتب، إنما تدعى عبر روايات القرآن، دون دليل ملموس على حدوث كل ذلك، بل ما يؤيد عدم حدوثها إن منقبي الآثار لم يجدوا أي شيء يشير إلى واحدة من تلك القصص. إنه التخويف والترعيب الذي يزاوله القرآن مرة بعد أخرى، وبموازاته الترغيب والتطميع بما لا عين رأت ولا أذن سمعت من ملذات وشهوات الجنة، لاسيما للرجال.

    هاذا بَيانٌ لِّلنّاسِ وَهُدًى وَّمَوعِظَةٌ لِّلمُتَّقينَ (١٣٨)

    لا يمكن أن يكون البيان شاملا لكل الناس، بل هو خاص بالذين آمنوا بهذا القرآن وحيا من الله، أما وصفه أنه «مَوعِظَةٌ لِّلمُتَّقينَ» فهو صحيح بكل تأكيد، بعدما نعرف أن القرآن لا يعني من المتقين إلا المسلمين الذي تدرجوا في إيمانهم من الانتماء الفقهي لدين الإسلام إلى مرتبة الإيمان، ومنها إلى مرتبة التقوى. مع إن الإيمان ليس مقتصرا على المسلمين، وكذلك هي التقوى بمفهومها الديني العام لا المفهوم الإسلامي الخاص، لكن هكذا هي الأديان، كل منه يحتكر لنفسه الحق والحقيقة والإيمان والتقوى والهدى والاستقامة.

    وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُّؤمِنينَ (١٣٩) إِن يَّمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِّثلُهُ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ (١٤٠) وَليُمَحِّصَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ (١٤١)

    وفي هذه الآيات تجري مقابلة بين المسلمين ومخالفيهم أو خصومهم من غير المسلمين آنذاك، والتي يعممها أغلب المسلمين المتشددين على كل الأزمنة والأمكنة. وحيث إن المسلمين كانوا يعيشون حالة من الحزن والضعف، كونهم لم يكونوا بعد حققوا النصر الذي يتطلعون إليه على (أعدائهم)، يهوّن عليهم القرآن في هذه الآية ويطلب منهم ألا يحزنوا، لأن الله كتبهم في (الأعلين) سواء انتصروا أو غُلِبوا، ثم تأتي الآية التي بعدها لتهون عليهم ثانية بأنهم إذا وجدوا أنفسهم قد أصيبوا بما أصيبوا به في معاركهم (المقدسة) من فقدان لأحبة وإصابات وجروح وتشويهات وخسارة معنوية، فإن خصومهم يعانون بمثل ما هم يعانون، ثم يعدهم بتغير الأحوال، فتنقلب يوما المعادلة لصالحهم، وهذه هي سنة الحياة بين الخصماء، فتكون تارة جولة لهذا الفريق وأخرى للفريق الثاني. ثم يهون عليهم تارة أخرى بأن كل هذا هو عبارة عن اختبار وتمحيص، سيفوز في نهايته من يثبت على الإيمان بمحمد وبالقرآن وبالإسلام، ويمحق الكافرين بالإسلام والظالمين بسبب عدم اقتناعهم بالدين الجديد.

    أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصّابِرينَ (١٤٢)

    ثمن الجنة باهض، فلا يكفي النطق بالشهادتين وأداء الصلاة وإيتاء الزكاة والامتناع عن المحرمات، بل الجهاد وحده يمثل حسب هذه الآية سمة الدخول إلى الجنة. هكذا أرادها محمد، وهكذا أراد الله، وهكذا أراد جنته.

    وَلَقَد كُنتُم تَمَنَّونَ المَوتَ مِن قَبلِ أَن تَلقَوهُ فَقَد رَأَيتُموهُ وَأَنتُم تَنظُرونَ (١٤٣)

    ما زلنا حتى يومنا هذا نجد عند الكثير من المؤمنين إيمانا عميقا بالإسلام، من يعيش هوس نيل وسام الشهادة في سبيل الله. بلا شك إن الذي يضحي بحياته من أجل قضية كبيرة يراها تستحق أن يعطي حياته من أجلها، لأنها أغلى من حياته، يستحق كل الإجلال، ومن الله كل الثواب. ولكن تمني المؤمن الموت لنفسه يعتقد إن الله يريد له أن يموت من أجلها، يشكل كارثة، فالإنسان يهب أهم ما عنده، ألا هو وجوده، بل يعرض بـ(الجهاد في سبيل الله) حيوات الآخرين، أي (الأعداء) و(الكافرين)، كل ذلك إيمانا منه أنه يجاهد من أجل قضية الله، ولا يعلم إنها قضية الناطق الرسمي باسم الله، حتى لو كانت دعوته وجهاده بنوايا حسنة، ظنا منه إن من شأن هذا إصلاح الإنسان ورضا الله، ولكن عندما نهعلم أنه لم يكلف من الله، بل كان ذلك، على فرض حسن النوايا، اجتهاداته الشخصية، وكأي إنسان عندما يجتهد، يمكن أن يصيب ويمكن أن يخطئ. هنا تتحدث هذه الآية عن أولئك المسلمين الذين كانوا يشتاقون إلى الموت في سبيل الله، ولكن عندما واجهوا الموت، دخل الخوف منه في قلوب البعض منهم، وهذا أمر طبيعي، فالفطرة تجعل الإنسان، بل حتى الحيوان، يتمسك بالحياة.

    وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مّاتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم وَمَن يَّنقَلِب عَلى عَقِبَيهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيئًا وَّسَيَجزِي اللهُ الشّاكِرينَ (١٤٤)

    هذه الآية تتحدث عن واقعة أحد، حيث أصيب محمد، وشاع بين المسلمين أنه قد قتل، فحصلت بلبلة بينهم، وصاح أحدهم كما يروى إن مات محمد فإن الله حي لا يموت، فجاءت هذه الآية لتضع ضمانات لبقاء دين محمد، إذا ما مات أو قتل، وضمانات لبقاء المسلمين على إسلامهم، في حال موت أو مقتل محمد. فيبدو إن مؤلف القرآن كان يعيش هاجس حصول ارتداد عن الدين في حال موته.

     ضياء الشكرجي
    dia.al-shakarchi@gmx.info


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media