الحياد العربي السلبي!
    الجمعة 4 مارس / أذار 2022 - 15:29
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة :
    لماذا فَرِحَ أغلب المُتحدثين الإسلاميين على القنوات الفضائيّة ,وبعضهم رقصَ طرباً على طبول الحرب القذرة التي شنّها الطاغية الروسي (فلاديمير بوتن) على دولة جارة مستقلة حُرّة ديمقراطيّة ,هي اوكرانيا الجميلة؟
    بعضُ الكتابات من وسائل التواصل الإجتماعي تقول :
    لتأكل نارهم حطبهم / كيدهم في نحرهم / إنّها حرب بين النصارى واليهود لا ناقة لنا فيها ولا جَمَل / وأشياء أخرى أفظع وأوسخ من هذه!
    لو سادَ هذا المنطق ,لكان العالَم أجمع سيفرح بالحروب التي نشبت بين المُسلمين أنفسهم على مرّ العصور ,آخرها مازال مُشتعلاً منذُ سنينٍ سبع ,بين اليمن ومن خلفها إيران الملالي ,والسعوديّة السلفيّة ومن خلفها الإمارات!
    بينما جميعنا سَمع عن كميّة الوساطات الغربية والمساعدات الإنسانية التي وصلت اليمن .حتى السويد المُحايدة طيلة تأريخها الحديث مثل سويسرا وبعض الدول الأخرى ,تدّخلت وصرفت وعقدت في ستوكهولم عام 2018 محادثات للتوصل الى إتفاق وقف إطلاق النار بين الحوثيين وخصومهم من باقي اليمنيين!
    صورة للحرب الروسية على اوكرانيا :
     
    [[article_title_text]]

    الحياد السلبي موقف سلبي!
    الوقوف على الحياد بين الجلّاد والضحيّة ,بين الطاغية المُتغطرس المُتجبّر , والمُسالم الضعيف ليس موقف إيجابي ,إنّما هو موقف سلبي تعيس مُنافِق لصالح الطاغية .مثل هذا الصمت هو سلوك العبيد وليس من الأخلاق الحميدة ولا من الحكمة والفضيلة!
    لا يسع المرء الوقوف على الحياد مع مَنْ يُهدّد كوكبنا الأزرق الجميل بالفناء النووي ,هذا ليس موقف الشجعان وأدعياء الكرامة الوطنية ,إنّما هو موقف الجبناء المتراقصين على الحبال ظنّاً أنّهم سينجون بأنفسهم من المصير الأسود الذي سيطال الجميع في الواقع .الحياد هنا هو مشاركة في الجريمة!
    بوتن هدّد حتى الشرق الأوسط ضمناً عندما قال : بعض دول الشرق الأوسط تصطف وتصدّق الدعاية الغربية نحن لن نسكت عنها / فماذا يعني ذلك؟
    الحياد الحقيقي عندما لا تنحاز الى أحد ,من طرفين متكافئين بالقوة ,بل تحاول التدخل لإطفاء نار الحرب بينهم .ليس أن تخفض جناح الذُل والمسكنة والصمت!
    لو صادفتَ في الشارع رجل يضرب زوجتهِ أو طفلهِ بقسوة ووقفتَ متفرجاً فأنتَ لستَ مُحايداً ولا حتى إنساناً سويّاً ,هذا موقف مُعاق أصمّ أعمى وأخرس ربّما!
    الحياد هنا جُبن ,هوان ,غلاظة في القلب ,سكوت عن الجريمة!
    أدنى عمل تقوم به في هذه الحالة أن تقف أمام الظالم حتى لو تعرضت للضرب بدل المرأة أو الطفل ,هذا هو الحياد الإيجابي!
    توّسط السويد بين اليمنيين المتقاتلين ,هو الحياد الحقيقي والمنطقي!
    الإمارات العربية وقفت على الحياد في مجلس الأمن ,بينما بالأمس كانت تتباكى على قصف عاصمتها بالصواريخ الحوثيّة ,وطالبت الجميع بالإدانة الفوريّة!
    السودان الجزائر العراق وقفوا على الحياد في قرار الأمم المتحدة بإدانة هذه الحرب الظالمة التي أشعلها بوتن .
    المغرب غابت أصلاً عن الحضور ,كي لا تضطر لإدانة روسيا !
    بالطبع سوريا عارضت القرار ,وأعلن العميل الطويل (بشار الأسد) تأييده الصريح لغزو أوكرانيا / إنظر الرابط الأوّل!
    الكاتب التنويري (د.لبيب سلطان) وصف موقف العراق بالمُخزي ,وتسائل عمّا سيفعلهُ لو غزت تركيا (أردوغان) ولاية الموصل عند نفاذ صلاحية معاهدة لوزان العام المقبل 2023 / إنظر الرابط الثاني!
    (بالمناسبة أنا متعجب من موقف أردوغان من الحرب رغم أنّه أضعف الإيمان)!
    في الواقع أنا شخصيّاً أتبنى موقف داهية السياسة الخارجية الأمريكية (هنري كيسنجر) عندما سُئِلَ عن هذا الموضوع عام 2014 قال :
    [إنّ الغرب الأوكراني كاثوليكي إجمالاً يتكلّم الاوكرانية ,بينما الشرق أرثوذكسي روسي إجمالاً ,يتكلّم الروسيّة .أي محاولة يبذلها أحد الجناحين للهيمنة على الآخر كما هو الحال ستفضي في نهاية المطاف إلى حربٍ أهلية أو تفكك البلاد!
    ثمّ ينتهي بالقول ,مَحّك السياسة هو كيف تنتهي ,لا كيفَ تبدأ] ,(فهل يعقل بوتن)؟
    الخلاصة :
    أحلام بوتن الإمبراطوريّة التوسعيّة الخرافيّة ,يجب أن لا تُقابل بالحياد السلبي!
    بوتن ورغم آلته الحربيّة القاسية لم يُحقق لحدّ الساعة أدنى شروطه بتحييد اوكرانيا (مع أنّي معه في هذه فقط ,لكن ليس بالحرب بل بالسياسة)!
    لكن الذي حدث أن دولاً مثل جورجيا ومولدافيا تقدّموا بطلب الإنضمام للإتحاد الأوربي ,بينما دول مُحايدة حقيقية مثل السويد وفنلندا يفكرون اليوم بالإنضمام لحلف النيتو الدفاعي!
    في الواقع أنا أذهب الى معاقبة بوتن والقيادة الروسيّة بعد إنتهاء هذه الحرب ليس فقط لتدمير دولة مستقلة وتلويحه بإستخدام السلاح النووي ,لكن حتى بالأثر السلبي الكبير لهذه الحرب على البيئة!
    من جهة أخرى يقول المفكر المصري (د.علاء الأسواني) ,بعد أن يُعرّف الفاشية (بنوعيها العسكري والديني) بأنّها إحتكار السلطة والحقيقة .
    غالباً اللي يعيش ويتربى داخل نظام فاشي سيتحوّل بدورهِ الى فاشي صغير .
    معظم الدول العربية تحكمها أنظمة فاشية (عسكرية أو دينية) .
    ثمّ يضرب مثلاً ما حدثَ لبعض الشيعة في مصر عندما قتلوا وإحرقوا في إحدى القرى ,مع أنّهم مسلمين لكن من طائفة أخرى. كما يضرب مثل بما يحدث للمفكرين والفنانين لمجرد فيلم يطرح آراء جديدة!
    لذا سمعنا من بعض الطلبة العرب (أكيد إسلاميين) إتهموا بولندا وأوكرانيا نفسها بالتمييز العنصري ضدّهم في حالة الهروب من البلد .تبين لاحقاً أنّ الموضوع ليس كذلك ,بل هو التأخير الذي طال الجميع وكانت هناك حالات يفضلون النساء والأطفال على المرور وما شابه .المهم مجرد إثارة هذا الموضوع في الجزيرة وأخواتها العربية ,جعل الرأي العام الإسلامي يفقد صوابه ثمّ يبرّر كراهيته!
    ملاحظتي الأخيرة :
    بوتن قال إنّ روسيا نفسها طلبت الإنضمام للنيتو ,لكن رُفِضَ طلبها!
    في الواقع هذه أجمل فكرة بالنسبة لي ومنذ زمن وأنا أفكر بها ,لكنّها ربّما مُستحيلة التطبيق ,على الأقل زمن بوتن نفسه ,كونه ديكتاتور طاغية يقود دولة عظمى خارج نطاق الديمقراطية الغربية!
    [لتتعلموا المشي مُنتصبي القامة يا إخوتي ,فالبحرُ هائج مُضطرب ,والكثيرون يريدون الإستناد عليكم ,كي ينهضوا من جديد] !
    هكذا تكلّمَ زرادشت / نيتشه 
    الرابط 1 :
    الدول العربية التي عارضت أو إمتنعت عن التصويت ضدّ روسيا في الأم المتحدة / يورو نيوز العربية!

    الرابط 2 : مقال د. لبيب سلطان ,موقف مُخزي للعراق في الأمم المتحدة / موقع أخبار دوت أورغ


    رعـد الحافظ
    4 مارس 2022
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media