{فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني }(1).
وهذا الحديث الشريف مسنود من قبل الفرق الاسلامية والمصادر التي تؤكد صحته لاتعد ولا تحصى وقد اوردت هذا الحديث لمعرفة منزلة الزهراء(ع)واعتراف كل الفرق ان فاطمة ماتت وهي غاضبة على الشيخين ومن مصادر جماعة أهل السنة والجماعة كلها ومن لسان ائمتهم ورموزهم الدينية.
ومن هنا والرواية الأخرى للحديث هي أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام: { إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك }(2).
وعليه، فالحديث مستفيض مصحّح من كثير من النقّاد الأخيار، فلا ينبغي التّوقّف والارتياب فيه. ومما يدل من هذا الحديث أنها تدل دلالة واضحة على حرمة إيذاء الزهراء والواجب إرضائها وفي حالة اغضابها أن ينتج عنه غضب الله الجبار، وفي حالة إرضائها نزول الرحمة الإلهية.
ولو تمعنا في الحديث فأن هذا الحديث النبوي الشريف يدلل على عصمة الزهراء(ع)، حيث أن الرضا والغضب لا يصدر من الله سبحانه وتعالى الا بالحق لأنه(حاش الله) لا يصدر عنه أمور عبثية وبالتالي فان عندما يغضب الرب لغضب فاطمة فإن هذا الغضب في محله ونفس الشيء أن يصدر الرضا لرضا فاطمة أن رضاها عن حق فالغضب والرضا والسرور خاضعة للحق، وبالتالي يكون الترتيب الإلهي في الغضب والرضا.
ولنستعرض هذا الرد من قبل سماحة الشيخ هادي العسكري ليكون جواب على هذه التساؤلات بعد طرح سؤال كيف حصل مقتل الزهراء فيقول " فما كانت علة وفاتها وغروب شمس حقيقتها وأفول بدر وجنتها ؟
وما هو السبب في موتها ؟ فإن لم تجد شيئاً سأل زوجها وابن عمها القريب إليها ، واسمع بما يجيبك عنها ، وهو يخاطب أباها بعد دفنها ومفارقتها ، وهو العليم الخبير بما جرى عليها ، وما آذاها ، والصادق في ما يقول عنها ، ولا يبالغ في ما يدعي لها وعليها ، يقول عليه السلام : « وستنبئك ابنتك بتضافر اُمّتك على هضمها، فاحفها السؤال واستخبرها الحال » . هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر . نعم تضافر الاُمّة على ظلمها ، ولا يعني غصب الخلافة فإنّه ظلم لزوجها وليس مباشرة لها .
وإن كنت في شك من هذا فاسأل البعيد عنها والموالي لأعدائها ، والمنحاز إلى الغاصبين لحقها ، والقابل التابع للغاصب لحقها وخلافة أبيها ، وهو من أكابر أعلام المخالفين لها ولزوجها ، يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج : ۱٤ـ /۱۹۳ في قصة خروج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله الى المدينة ومتابعة الكفار لطلبها ، فأدركها هبار بن الأسود فروّعها وكانت حاملاً فطرحت ما في بطنها ، فلذلك أباح رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة دم هبار ، يقول ابن أبي الحديد قرأت هذا الخبر على النقيب أبو جعفر ، فقال : « إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله أباح دم هبار ؛ لأنّه روّع زينب فالقت ما في بطنها ، فظهر الحال أنّه لو كان حياً ، لأباح دم من روّع فاطمة حتى القت ذا بطنها . فقلت : أروي عنك إنّ فاطمة رُوّعت فالقت المحسن ، فقال : لا تروه عني ولا تروي بطلانه » . يا سبحان الله ! جرى الحق على لسانه ومنعه شيطانه عن نشره وروايته ، أو خاف واتقى من سلطان وقته وزمانه ، ومن مشاغبي أفراد نحلته واتباعه ، فالله أعلم به وهو يحاسبه في يوم لقائه.
ثمّ دع هذا وأخبرني عن دفنها وعرفني قبرها ، وشخّص لي مدفنها كريمة وحيدة باقية لسيّد الرسل طه ، ومنها انتشرت ذريته وهي أم ابيها ، وكم أوصى بها ، وهي التي قال صلى الله عليه وآله الله: « يرضى لرضاها ، ويغضب لغضبها » ، وقال فيها : « آذاني من آذاها » ، والله يقول في كتابه سورة الاحزاب ٥۷ : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}.
توفّت وهي غضبى عليهما كما ذكره البخاري في صحيحه ، أوضح لي لماذا دفنت سراً ؟ لماذا دفنت ليلاً ؟ لماذا لم يحضرا ليشيعها ؟ فلماذا اُخفي حتى قبرها عنهما ؟ تلك آيات لأولى النهى ، وتذكرة وتبصرة لم تذكر أو يخشى ، وقطع لعذر واعتذار لكل متجاهل اعمى أو من تعامى ، والله بالمرصاد لمن أنكر شهادتها أو شكك فيها ، فزاد عليهما في ظلمهما وآذاها "(3).
ولهذا كان هذا الحديث المسنود من قبل الفرق الإسلامية في رضا الزهراء من الأحاديث التي حاول الكثير من وعاظ السلاطين ان يخفوه والتعتيم ولكن شمس الحقيقة واضحة ولا يحجبها غربال التزوير والتحريف، ولهذا كانت الأحاديث عن غضب الزهراء على الشيخين موجودة في كتب الصحاح ورواتها من الثقاة ولنورد هذين الحديثين لإكمال الحجة في ما نقول.
أَخْرَجَ البُخَارِيُّ: " عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ (ص) أنْ يُقَسِّمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ (ص) مِمَّا أفاءَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ: لَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةً، فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ (ص) فَهَجَرَتْ أبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزْلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ "(4). انْتَهَى.
وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهَا هَجَرَتْ الشَّيْخَيْنِ مَعًا وَلَمْ تُكَلِّمْهُمَا.
جَاءَ فِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ: " أَنَّ فَاطِمَةَ جَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَسْأَلُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص)، فَقَالَا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ (ص) يَقُولُ: إِنَّي لَا أُوَرِّثُ. قَالَتْ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكُمَا أَبَدًا، فَمَاتَتْ، وَلَمْ تُكَلِّمْهُمَا. الرَّاوِي: أَبُو هُرَيْرَة "(5). خُلَاصَةُ الدَّرَجَةِ: صَحِيحُ ـ المُحَدِّث: الأَلْبَانِيِّ.
وان المطالبة بإرث الزهراء(ع) له مدلولات عميقة وموضوعية حيث ويعتقد السيد محمد باقر الصدر، أن مطالبة فدك ليست قضية خصوصية أو نزاعا ماديا، بل أنها كانت إفصاحا عن معارضة الحكومة المُقامة وعن فقدها لشرعية الحكم المنبثق عن واقعة السقيفة والتي صيغت على يد أبي بكر وعمر وأبي عبيدة. ويعتبر قضية فدك الانطلاقة لنهضة الزهراء على نظام الحكم وإحدى مواقفها في الدفاع عن الأئمة وولايتهم(6).
" هناك ثمة عقيدة بأن الزهراء لم تطالب بفدك من أجل الحصول على بضعة نخيل أو كميات من الحنطة، بل عزمت على الحيلولة دون ترك السنة النبوية وإقامة العدالة وتوجّست لإعادة القيم الجاهلية والتباهي القبلي الذي كان يحدق بالمجتمع الإسلامي، للاستيلاء عليه "(7).
وفي جزئنا القادم نستعرض طلب المسامحة من فاطمة الزهراء(ع)من قبل الشيخين وماهي المدلولات على ذلك إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد الرابع، الصفحة 650، الحديث رقم 1995. صحيح البخاري: 4/210، باب مناقب المهاجرين وفضلهم. المستدرك على الصحيحين: 3/ 158
2 ـ (المعجم الكبير: 1/108).وقال الهيثمي: (رواه الطبراني، وإسناده حسن). (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 9/203). وحسّن إسناده الصّالحي الشامي أيضا. (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: 11/44).
3 ـ شبكة رافد للتنمية الثقافية. موقع العقائد الإسلامية. أسئلة وردود فاطمة الزهراء عليها السلام كيف حصل مقتل الزهراء (ع) ؟ وما هي الأدلة على ذلك.
4 ـ صحيح البخاري[ ج4 ص 42 ]. وَجَاءَ فِي "تَمَامِ المِنَّةِ"- لِلأَلْبَانِيِّ أَيْضًا - ص 400 – 401. قَالَ الأَلْبَانِيُّ فِي إروَاءِ الغَلِيلِ - ج 5 - ص 288 – 289.
5 ـ المُصْدَرُ: صَحِيحُ التَّرْمِذِيِّ، - الصَّفْحَةُ أَوْ الرَّقْمُ: 16. جَاءَ فِي التَّمْهِيدِ - لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ - ج 22: 320 - مَا نَصُّهُ: "ومَرَاسِيلُ الشَّعْبِيِّ لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِشَيْءٍ". انْتَهَى.. وَجَاءَ عَنْ القَسطَلَانِي - إِرْشَادُ السَّارِيِ 6: 475 - مَا نَصُّهُ: "وَأَمَّا مَرَاسِيلُ الشُّعْبِيِّ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا لَا سِيَّمَا مَا عَارَضَهُ الصَّحِيحُ". انْتَهَى.
6 ـ الصدر، السيد محمد باقر، فدك في التاريخ، مؤسسة البعثة، ص 115ـ 118.
7 ـ شهيدي، السيد جعفر، على از زبان علي، ص 37.