القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٢٩
    الأثنين 28 نوفمبر / تشرين الثاني 2022 - 11:47
    ضياء الشكرجي
    محلل سياسي وكاتب في الشؤون الإسلامية
    وَاللّاتي يَأتينَ الفاحِشَةَ مِن نِّسائِكُم فَاستَشهِدوا عَلَيهِنَّ أَربَعَةً مِّنكُم فَإِن شَهِدوا فَأَمسِكوهُنَّ فِي البُيوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ المَوتُ أَو يَجعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبيلًا (١٥) وَاللَّذانِ يَأتيانِها مِنكُم فَآذوهُما فَإِن تابا وَأَصلَحا فَأَعرِضوا عَنهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوّابًا رَّحيمًا (١٦)

    لم تصرح الآيتان عن ماهية الفاحشة، لكن حسب أمهات التفاسير، المقصود بما يسميه الدين بفاحشة الزنا، أي العلاقة الجنسية بدون عقد (نكاح) شرعي، حتى لو كان بتراضي الطرفين، ولا أذى في ذلك لطرف ثالث، بينما اغتصاب الزوج لزوجته يعد عملا شرعيا مباحا، وهو من حقوق الزوج على زوجته، وعليها القبول والرضا، حتى لو جرت خلاف رغبتها تماما. وقيل إن المقصود هنا هي الممارسة الجنسية المثلية، أي بين ذكرين أو بين أنثيين. ولكن أغلب الظن المعني به هو ما يسمى بالزنا. بقطع النظر عما إذا كان المرء يستنكر هذه الممارسة أو يراها شأنا شخصيا، فلننظر هنا كيف يميز القرآن بين الرجل والمرأة الممارسين لنفس العمل. فإذا مارست المرأة ذلك، فيحكم عليها بالسجن المؤبد أو الإقامة الجبرية المعبر عنها بعبارة «فَأَمسِكوهُنَّ فِي البُيوتِ»، وذلك إما مدى الحياة «حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ المَوتُ» وإما أن «يَجعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبيلًا»، دون أن نعرف ما هو السبيل الذي يمكن أن يجعله الله لها. بينما بالنسبة للرجل إذا ما ارتكب نفس الفاحشة فيحكم عليهم بمجرد الإيذاء، دون معرفة طبيعة ومقدار الإيذاء، بقول «فَآذوهُما»، ولنا عودة إلى سبب التثنية هنا، ولكن هذا الأذى المزاول تجاه الرجال المرتكبين لهذه الفاحشة يتوقف، بمجرد إقلاعهم عن تلك الممارسة: «فَإِن تابا وَأَصلَحا فَأَعرِضوا عَنهُما»، ولا ندري ما إذا المقصود بالإعراض هو التوقف عن إيذائهما، أو مقاطعتهم اجتماعيا، لكن العبارة التي تليها وهي «إِنَّ اللهَ كانَ تَوّابًا رَّحيمًا» تدل على الأول. ولنسأل عن سبب ذكر النساء اللاتي يمارسن الفاحشة المشار إليها بالجمع، بينما يذكر الرجال بصيغة المثنى «وَاللَّذانِ يَأتيانِها مِنكُم»، «فَآذوهُما»، «فَإِن تابا»، «وَأَصلَحا»، «فَأَعرِضوا عَنهُما». ورود الكلام عن الرجال الممارسين للفاحشة يؤيد المعنى الأول، وهو الممارسة المثلية بين رجلين، وبما أن الكلام عن نفس الفاحشة وليس عن نوعين من العمل الفاحش بدليل قول «وَاللَّذانِ يَأتيانِها»، التي تعود على الفاحشة المذكورة عن النساء، فيبدو أن الكلام هناك يجري أيضا عن الممارسة المثلية بين امرأتين. لكن كلامنا يدور حول التمييز بالأحكام بين الرجل والمرأة. نرجع إلى الإقامة الجبرية المحكوم بها على النساء، ونتناول أمد هذه الإقامة الجبرية أو السجن المؤبد في البيوت، فهناك أجلان ذكرا، إما «حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ المَوتُ» وإما أن «يَجعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبيلًا»، فما هو هذا السبيل؟ قال بعض المفسرين ورواة الحديث، إن المقصود، هو الجلد بمئة جلدة لغير المتزوجات، أو الرجم حتى الموت بالنسبة للمتزوجات، وقال البعض الجمع بين الجلد مئة جلدة والرجم حتى الموت بعد ذلك، كما أضاف البعض إلى الجلد لغير المحصنين وغير المحصنات النفي لمدة سنة، مع إن الرجم لم يأت ذكره في القرآن. وقالوا هذا يشمل أيضا الرجال، بما في ذلك التمييز في الحد المقام عليهم، بين الأعزب والمتزوج، أو المعبر عنهم بغير المحصنين والمحصنين. من جهة أخرى، إذا كان الكلام في كلا الحالتين، أي في حالة النساء أو الرجال عن نفس الفاحشة، فلماذا يا ترى ذكرت النساء بصيغة الجمع وذكر الرجال بصيغة المثنى. إما لأن مؤلف القرآن لم يرد التصريح بالممارسة المثلية عند النساء، أو هو أحد أخطائه النحوية والبلاغية، التي طالما تكررت في القرآن، والتي عندما يقع فيها سهوا، ثم ينتبه إلى ذلك، يبدو أنه لم يرد التصحيح، كي لا ينبعث شك، بأنه كلامه وليس كلام الله. ورغم شدة قسوة حد الزنا، فقد جعلت آية الحد شرطا تعجيزيا لإقامة الحد، ألا هو شرط الشهود، وشرط عددهم، بحيث يجب أن يكونوا أربعة كحد أدنى، فلا تقبل شهادة ثلاثة شهود ولا شاهدين، ناهيك عن شهادة الشاهد الواحد، بل جعل حدا بجلد الشاهد أو الشهود دون الأربعة، فلو رأى أربعة العملية الجنسية بين ممارسَي ما يسمى بالزنا، وتعاهدوا أن يشهدوا بذلك، وامتنع أحد الأربعة عن الشهادة لأي سبب كان، فيجلد الثلاثة المتبقون بتهمة القذف، على أن يكون الشهود قد رأوا عملية الإدخال بشكل واضح، وأن يكون الشهود كلهم مسلمين ومن الرجال حصرا، ولو إن شرط أن يروا عملية الإدخال كما هو إدخال الميل في المكحلة، فهذا لم يذكره القرآن، بل هو مما نقل في الحديث، وهو أي الحديث مشكوك به كله، مما يعني أن الأصل ألا وجود لهذا الشرط التعجيزي فوق العادة. فلماذا وضع مؤلف القرآن هذا الحد المبالغ في قسوته من جهة، فهو عبارة عن تعذيبين وقتل، تعذيب بالجلد، ثم تعذيب حتى الموت بالرجم، إذا صح ما جاء على رأي بعض الفقهاء، ولماذا عاد من جهة أخرى فوضع هذه الشروط التعجيزية؟ وهذا يذكرنا بالقول المشهور عن يسوع، عندما جيء بزانية أرادوا رجمها، فقال لهم: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر»، مع إن نبي المسلمين لم يكن متسامحا كاليسوع، بل كان أقرب إلى شخصية موسى في قسوته. فالرجم من أحكام الشريعة الموسوية، وكثير ما أخذ الإسلام من أحكام الدين اليهودي، بينما كان هدف المسيح إلغاء هذه الشريعة، ولو إنه ينقل عنه في بعض نسخ العهد الجديد قوله بما مضمونه، من نظر إلى امرأة فاشتهاها، فإنه قد زنا، وعليه أن يقلع عينيه، فخير له أن يقبل على الله بلا عينين من أن يقبل عليه زانيا، مما يجعلنا نجزم ألا دين، لاسيما من الأديان الإبراهيمية، ما هو معتدل ومتسامح وعقلاني كليا. ونعود إلى حد الزنا ثم وضع شروط شبه تعجيزية لتنفيذه، فنقول حتى لو كان هذا الحد غير قابل للتطبيق عمليا، إذا ما تم الالتزام بشروطه، فيكفي أنه عامل من عوامل تقسية قلب المتدين.

    ضياء الشكرجي
    dia.al-shakarchi@gmx.info

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media