ثقافة وأدب

أ د. عبد الإله الصائغ

موسوعة الصائغ الثقافية باب الاعلام.. حرف ب بياتي . عبد الوهاب البياتي

06/10/2007 09:47:59
-- -- أولا : ولد عبد الوهاب البياتي في السنة التي ولد فيها بدر شاكر السياب اي في 1926 وغائب طعمة فرمان ولكنه تخلف عنهما في الريادة فالسياب ذهب بريادة الشعر وفرمان ذهب بريادة الرواية ! والبياتي تخلف عن السياب ايضا في ودخول دار المعلمين العالية بل والشهرة حتى ! وإذا مات السياب 1964 على فراش المرض فقد لحق به البياتي بعد 33 سنة ومات على فراش الشيخوخة والغربة ! لكنه لم يمت تراجيديا كالسياب فقد التفت اليه الزمان قليلا فنال الجواز والتكريم بل اجترح البياتي جائزة باسمه واصطنع لجنة من مقربيه ! نعم الخط الفاصل بين 1926 – 1999 هو خط حياة هذا الشاعر الذي مكل الدنيا وشغل الناس واحسب ان البياتي المولود في بغداد قد ابصر النور في محلة بغدادية شعبية لعلها محلة الكيلاني نسبة الى الامام الكبير عبد القادر الكيلاني ! وكاني به لم يتخلص من لهجته البغدادية وروحه الشعبية حتى آخر ساعة من عمره ! وقد تخرج ولميعة عمارة من دار المعلمين العالية في العام نفسه وهو 1950 فحصل على البكالوريوس في الآداب ! وكان دؤوبا في عمله كمدرس ثانوي وكصحفي فضلا عن كتابة الشعر والمقالات النقدية ! وكان متشبعا بالفكر الماركسي لكنني سمعته بنفسي يقول انه لم ينتم للحزب الشيوعي قط ! بينا شهدت بنفسي صورة كبيرة لعبد الوهاب البياتي في معرض حزب البعث الذي ابتدعه حميد المطبعي وشغل من دائرة السنما والمسرح طابقا في عهد غريمه ورفيقه عبد الامير معلة رحمه الله ! وحين سالت حميدا المطبعي عن سبب وجود صورة كبيرة لعبد الوهاب البياتي مع ثلة مؤسسي البعث اجابني بلسان فصيح ان عبد الوهاب البياتي واحد من مؤسسي حزب البعث ! وعمل البياتي في مجلة الثقافة الجديدة بتشجيع من صديقي العزيز الاستاذ الدكتور شاكر خصباك ! وحين اعتقل البياتي لم يعتقل لانه شيوعي وانما نشر مقالة بتشجيع الاستاذ شاكر خصباك في الثقافة الجديدة ثم اغلقت السلطات المجلة بسبب عدد ازعجها فقررت اعتقال المحررين ويبدو ان احد الماكرين وضع اسم البياتي مع المحررين فكتبت ورقة القاء القبض عليه ! لكن لا احد ينكر عليه وطنيته وارتباطه الروحي بالفقراء والفلاحين والعمال ! مما جعل السلطة تتوجس منه ! وبعيد انقلاب14 تموز يوليو 1958 ارتفعت ارصدته من خلال مقالاته النارية وقصائده الجماهيرية المباشرة منها مثلا قصيدة يخاطب بها القوميين ورجال الدين والاقطاعيين ( إنا سنجعل من جماجمهم منافض للسجائر ) فتعلقت به الجماهير الفائرة ونال تقديرا خاصا من لدو الزعيم عبد الكريم قاسم ! وكان يذهب مع الوفود الرسمية والشعبية فيستقبل في موسكو والصين وكوبا وسوريا والقاهرة والجزائر استقبال الابطال ولبث في موسكو ملحقا ثقافيا حتى قيام الأنقلاب الدموي في 8 شباط 1963 ولبث هناك وزعم ان احدىجامعات موسكو طلبت اليه ان يكون ضمن هيئتها التدريسية ولا ادري باية لغة كان يدرس وهو كما اعرف عن كثب لايتقن سوى العربية وما حكاية ترجمته لبعض الشعراء من اللغات الروسية او البولونية او الفرنسية الا كمسألة ترجمة المنفلوطي لرواية ماجدولين ! فقد ترجم شعر اراغون وبول ايلوار وما زلنا حتى اليوم نطالع ترجمات مطبوعة لعناصر لاتعرف اللغة التي تترجم عنها او منها وهذه ايضا من الطاف مدرسة عبد الوهاب البياتي ! وذكر البياتي في سيرته الشخصية ان عددا من مراكز البحوث استفاد من علمه وهذا ممكن لأن لدينا عددا من مراكز البحوث لا شان لها بالبحوث ولم يصدر عنها بحث واحد !اللهم الا اذا كانت المقالات العجلى بحوثا ! ! نعم كان البياتي مولعا بالاسفار واكثر هذه الاسفار دعوات تأتيه من كل حدب وصوب بعد ان نشر البياتي وصايا بابلو نيرودا وناظم حكمت وهي تشيد بموهبة البياتي وتدعو الجماهير في كل العالم الى تبني شعر البياتي رحمه الله ! ويمكن القول ان البياتي زار معظم اصقاع المعمورة وغير المعمورة ! وفي سنة 1963 م أسقطت عنه الجنسية العراقية، فأقام فيها إلى عام 1970ليغادر بعدها الى اسبانيا وكانت حلمه منذ نعومة اظفاره وربتما اقام فسيها عقد منم السنين وقيل ان صدام حسين جعله ملحقا ثقافيا او مديرا لمركز ثقافي في مدريد وزعم البعض ان كامل الشرقي وهو من البعثيين المعروفين حين كان رئيسا لمجلة الفباء استغل واحدا من اللقاءات بينهما واخرج ورقة بيضاء وقال للبياتي اكتب سطرين في صدام حسين اولا لكي تبرأ نفسك من الاشاعات التي تقول انك كتبت قصائد رمزية ضد صدام وثانيا لكي يلتفت اليك صدام حسين ! فكتب هاجسا قرأته بنفسي وبخط عبد الوهاب البياتي لم افهم منه انه في صدام حسين فالنص يتحدث عن شبيه لجلجامش (الذي رأى كل شيء) فاستحق ان تغني باسمه البلاد ( فغني باسمه يابلادي ) واظن ان هذا الزعم غير دقيق فالبياتي كان يسمي الشعراء المداحين للنظام المخصيين والقوادين ومرضى السفلس والزهري ومات وهو يمقت النظام مقتا شديدا حتى كان يسمي صدام حسين شيخ شرام ! وكان في بغداد وشب ضرام احتلال دولة الكويت فضاقت به الدنيا وقد احاط به عسر شديد حتى ان الشاعر عدنان الصائغ نقل الى بيته بعلمي ونظري كيسين كبيرين الاول رز والثاني معلبات شاي وسكر واشياء اخرى والحق يقال ان عدنان فضل البياتي المضنوك على خاله عبد الاله الصائغ حين وجد حال البياتي المأساوي ! ثم جاء الفرج فبلغته برقية من واحدة من السفارات الغربية تخبره ان ابنته رحمها الله ماتت بطريقة مجهولة ! فتوفرت لديه اسباب مغادرة العراق المغادرة الأخيرة ! بعدها اقام في المملكة الهاشمية الاردنية مستشارا ثقافيا في وزارة الثقافة الاردنية وزرته في عمان وكان معززا مكرما ! وكان سخيا مع العراقيين المثقفين وبخاصة الشباب ! ويبدو ان البياتي الكبير استشعر الخوف في الاردن او دنو اجله وقد رحل الجواهري غريمه السري وكان الجواهري ذا حظوة من لدو الرئيس حافظ الاسد وعائلته والدكتورة نجاح العطار وزير الثقافة السورية المزمنة ! وحين اشرفت على طالب الدكتوراه الجزائري فروجي رابح وكان عنوان اطروحته الصورة الفنية في شعر الجواهري طلبت الى تلميذي زيارة الجواهري في دمشق ففعل وحين عاد اخبرني تلميذي ان الجواهري يقيم في واحد من قصور حافظ الاسد لكنه معسر بشكل مروع ومبك ! المهم ذهب البياتي الى دمشق فمحظ الرعاية كسلفه الجواهري واسكن في واحد من القصور الاسدية ولبث مغموما مكتئبا حتى ارتفعت روحه الى السماء في ليلة من ليالي 1999م فليرحمك الله يا ابا علي وليرحمنا معك .
اعماله المطبوعة
ملائكة وشياطين 1950
أباريق مهشمة 1955
المجد للأطفال والزيتون 1956
رسالة إلى ناظم حكمت 1956
أشعار في المنفى 1957
عشرون قصيدة من برلين 1959
كلمات لا تموت 1960
طريق الحرية باللغة الروسية 1962
سفر الفقر والثورة 1963
النار والكلمات 1964
قمر شيراز 1975
الذي يأتي ولا يأتي 1966
الموت في الحياة 1968
تجربتي الشعرية 1968
عيون الكلاب الميتة 1969
بكائية إلى شمس حزيران والمرتزقة 1969
الكتابة على الطين 1970
يوميات سياسي محترف 1070
قصائد حب على بوابات العالم السبع 1971م
الأعمال الشعرية الكاملة 3 اجزاء طب دار العودة بيروت 1972
محاكمة في نيسابور 1973
سيرة ذاتية لسارق النار1974
كتاب البحر 1975
بستان عائشة 1989م
كتاب المراثي 1995
الحريق 1996
خمسون قصيدة حب 1997
البحر بعيد أسمعه يتنهد 1998
ينابيع الشمس 1999
وقد جمع اصدقاؤه وتلامذته فصولا مهمة عنه صدرت في كتاب عنوانه كنت أشكو إلى الحجر
.... ثانيا : بعض الشعراء يفكرون بعقلية التاجر الجشع الذي يضيره ان ينافسه احد في اجتذاب الزبائن واقتناص الأرباح !! وصاحبنا عبد الوهاب البياتي واحد من هؤلاء فهو لا يطيق ان يرى في ساحة الشعر فارسا غيره كأن وجود الآخرين إلغاء لوجوده هو بالذات وكأن الثناء على الآخرين شتيمة موجهة اليه شخصيا !! ومع ان البياتي نال من التكريم والإطراء فوق ما يستحق بكثير واستطاع ان يستدرج الكثير من الكتاب العرب وغيرهم للكتابة عنه وإغداق الألقاب الكبيرة عليه إلا انه لا يبدو قانعا بما احرزه من نجاح فثمة آخرون يقاسمونه الشهرة وهو يريدها لنفسه دون غيره كالعاشق الغيور الذي لا يطيق ان يشاركه احد في المرأة التي يحب
رشيد ياسين / كتابه : الثعلب الذي فقد ذيله ص 72 منشورات مركز عبادي للدراسات والنشر 2003 انظر تحديدا فصل عن البياتي وحجمه الحقيقي إ . هـ

من يملك الوطن ؟
من يملك الوطن
القاتل المأجور والسجان ياسيدتي
أم رجل المطر ؟
نازك والسياب والجواهري
أم سارق الرغيف والدواء والوطن ؟
الكوفة ...
سمّى النعمان ظاهرَها : خدَّ العذراء
وأنا والمتنبي سمينا باطنها : كوفان الحمراء
جوهرة شعت في جدث التاريخ الدامي
واشتعلت حسناً وبهاء
كان المتنبي في ليل أزقتها طفلا
لمَّا افترستها الغيلان :
نهابون
ولاة
صمٌّ.
بكمٌ
عميان
هبطوا من برج الثور خفافا
إعصاراً دمويا
طوفان رمال
لكن الجوهرة الحمراء
ظلت في جدث التاريخ الدامي
تنبض حبا
وتشع ضياء
فإذا ما عاد النعمان ومرَّ بها
سيقول لشاعره
من خدشَ خدَّ العذراء ؟ .

عبد الوهاب البياتي / التنين / مطبعة الندى / عمان الأردن 1996

لا يمكن لأي منا تجاهل الدور المهم الذي أدته تخليقات البياتي في شعرنا العربي الحداثوي مرحلة ما بعد السياب !! فقد كان رحمه الله شاعرا هميما وحالما عظيما ومغامرا من طراز خاص !! واقول خاص واعني ان المغامر لا يحسب الخسارة لأنه مهووس بالربح , اما البياتي فهو يقظ عند الخسارة والربح أي متى كانت الخسارة بسعة الربح لاذ بالتعقل والحكمة ومتى كان بريق الخسارة ساطعا وبريق الربح خابيا فضَّل الخسارة على الربح !! :
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأُخرى الأعادي فهو يقظان نائم
هو منحاز ابدا الى السطوع والنجومية انحيازا مَرَضِيّاً بما الحق بتجربته الشعرية اضرارا كان يمكنه تفاديها ! فقد بذل رحمه الله الغالي والنفيس من اجل النجومية !! كل شيء من اجل التفوق على الآخرين وكل الآخرين وكما ينبغي من اجل ان يعرفوا قيمة البياتي العليا بوصفه شاعرا رائدا ومناضلا صلدا ورجلا جذّاباً !!
والمؤلم حقا ان ميكانزم البياتي بات نموذجا للجيل الذي تلاه ممن اعطى الشهرة الكثير من الإهتمام ومنح الإبداع الكثير من الإهمال فانحاز الى الشهرة ولم ينحز الى الإبداع ! ويمكن القول ان شهرة البياتي في اكثرها مدينة لبراعته في الإعلان عن بضاعته وافانينه في التسويق !! فهو يشجع الكتبة العراقيين والعرب والاجانب بطرق يعجز عنها احذق المهرة ..... للثناء عليه في الصحافة وبخاصة الفتيان والمعوزين والباحثين عن سطر يكتبه فيهم البياتي ليسوقوا به ديوانهم او روايتهم او اي مطبوع أدبي !! ثم ينسخ البياتي ما كتب عنه عراقيا ليبعثه بالبريد الى ادباء العربية في مشرق قارة العذاب العربي ومغربه !! فإذا كتب عنه كاتب مصري او اردني او سوري او تونسي نسخ المكتوب وارسله الى العراقيين والمستشرقين فثمة مبالغ لا بأس بها مرصودة للبريد !! فإذا كتب عنه مستشرق فرنسي او كوبي جمع ماكتب عنه في كتاب وكلف احدهم بكتابة مقدمة للكتاب ليشيد بريادة البياتي علما ان ريادة السياب ونازك هي المعول عليها وبعد لأي دخل البياتي عالم القصيدة الجديدة المستندة الى البحور الصافية والتفعيلة المكرورة وذلك ما ورد في شهادات الأستاذين سليمان العيسى ورشيد ياسين اللتين تضمنهما كتابي : النقد الأدبي الحديث وخطاب التنظير وها اني اضعهما بين يدي القاريء الكريم في نهاية المطاف !! هذا الميكانزم تمثله العديد من الشعراء و الروائيين والفنانين : العراقيين والعربيين : الستينيين والسبعينيين ! ومازالت مدرسة النجومية الإصطناعية شغالة وتؤتي أكلها على مدار الفصول الاربعة فمن فمن الى الى وصولا وصولا ... الى اجيال العديد من اجيال الثمانينات والتسعينات ومن جاء بعدهم ! يدعو البياتي الطامعين به لكي يكتبوا عنه ثم يستند الى ما يكتبونه لصناعة سماء مبهرة ذات بروق ملونة لنجوميته مع تحديثات مهمة مبتكرة وحقق من خلل ذلك نجومية اخذت من موهبته الكبيرة وبددت الكثير من اشراقاتها !! ا اجيال ورا اجيال ويظل نفس الحال وياويلو من يعترض ويهتك الموال ! وجاء فلان ذهب فلتان وثالثهما علان فالصحف تكتب والمؤتمرات تدعو والاضواء تسطع ! وهم يتمثلون تجربتي البياتي المهلكة في تحقيق الجماهيرية المصطنعة ! الابداع يصل رغم كل العقبات ويكسب الرهان في آخر الأوان ! والإتباع يصل مبكرا ويخرج مبكرا ! والموهوب المهموم بالشهرة يضعف موهبته يقينا باللهاث وراء النجومية والسطوع !! قلت مازالت مدرسة البياتي تتصدر الطرق المبتكرة في تسويق العطاء الأدبي بطرق غير أدبية !! ... وقد يبدو انني انفس على البياتي الكبير فكأنني احاول النيل منه بعد ان رحل الى السماء غريبا حريبا طاهر القميص أو كأنني أتطاول عليه وهو صديقي واستاذي والمتفضل عليَّ!! فقد مرت ذكراه الخالدة والعراق ينهض من كبوة تاريخية وضعته على منعطف خطير ! فالكل في بلدي مظلوم والكل صاحب حق والكل هاجسه الخير وليس التسلط باسم السلطة !! فإذا كان الأمر كذلك ففيم الخصام ؟ وعلام يُنْحَر الحمام ؟ ولِم تزايد عدد الأرامل والثواكل والأيتام والمغتصبات ؟وتكاثر تجار الموت ومبتكرو البذاءة والمهاترة ؟؟ لابأس هذه المرة فلقد يعذر البياتي الكبير شعبه العراقي الجريح حين لم يمنح ذكراه الخالدة المقامَ الذي تستحقه والمنزلة العليَّةَ التي هو اهلها وهي اهله !! ..... كنت اتابع تجربة البياتي منذ مطلع ستينات القرن العشرين وأقرأ دواوينه واحفظ شيئا من شعره وقد ظننت عهد ذاك وكنت في مقتبل الوعي الأدبي ان شعر البياتي هو النموذج الأمثل للشعر الحداثوي فرحت اقيس جماليات الشعر الذي اقرأه للشعراء الآخرين على مدى البعد والقرب من جاهزية القوالب التي يُخَلِّقُها عبد الوهاب البياتي حتى نبهني الناقد الجميل الأستاذ مهدي العبيدي الحلي في مقال نشره في جريدة الثورة حلل فيه مجموعتي الشعرية ( عودة الطيور المهاجرة ) وتلبَّث عند النزوع في شعر عبدالإله الصائغ فامتدح موهبتي وخدش تجربتي !! فحزنت وقتها ورددت مقالته بمقالة نارية وثارية نشرت في جريدة الثورة وكان الشاعرعلي الحلي مسؤول الصفحة الثقافية وليته لم ينشر ردي الإنفعالي غير المسوَّغ !! يمكن القول انني لم اتفهم نوايا الناقد الكبير مهدي العبيدي الطيبة وحرصه على توجيهي ! ولكنني اكتشفت صحة اطروحته قبل فوات الأوان حين زالت غشاوة الإنبهار عن عيني الفتيتين !! كنا مجموعة من الفتيان الحالمين بإحداث انقلاب حداثوي في القصيدة النجفية ولم نكن مؤهلين لهذا المشروع الثقيل !! زهير غازي زاهد وموسى كريدي وفؤاد عبد الرسول الشريفي وسعيد علي ومحمد السعبري وحميد المطبعي وعبد الأمير معله وزهير الجزائري ومرتضى فرج الله وحميد فرج الله ورزاق ابراهيم حسن وجاسم الحجاج وموفق خضر وعبد الإله الصائغ وهاشم الطالقاني وحميد المطبعي وآخرون ! كنا فتيانا صلدي الإرادة عنيدي الرؤية فينا الشيوعي والإسلامي والبعثي والمستقل !! ومعنا شيوخ مندفعون للحداثة كدأبنا بل هم اشدُّ اندفاعا منا نحن الفتيان !! ثم تعاطف معنا عدد من الأدباء المعروفين ممن يكبروننا عمرا وتجربة ونجومية ! في الطليعة من هؤلاء الأساتذة فاضل الرادود ومصطفى جمال الدين ومحمد كاظم الطريحي وتوفيق زاهد وجميل حيدر وعباس الترجمان وعبد الرحيم محمد علي ! وصالح الظالمي ومحمود الصافي ومحمد حسين المحتصر بدرجات متفاوتة بعدها اكتشفنا تجمعا عفويا للأدباء اللبنانيين الذين استوطنوا النجف الأشرف مؤقَّتاً للدراسة في حوزاتها وكلية فقهها !! اذكر منهم الشاعرين الشيخ عبد اللطيف بري والسيد محمد حسن الأمين و السيد هاني فحص فربطتنا بهم صداقة وطيدة بعد ان اكتشفنا فيهم ميلا كبيرا لحداثة الشعرمزداناً بثقافة ووعي واسعين و عميقين !! كنا نقرأ مجلات الآداب والأديب والكاتب العربي وحوار وشعر ....وووو وكان الشاعر البياتي قد نشط بعد ان هدأت عاصفة تبكيت الضمير غب موت السياب الكبيرعليلا غريبا ومعدما !! والغريب ظهور حركة الأدباء التوابين !! يقودها شفيق الكمالي وعلي الحلي ومحمد جميل شلش ونعمان ماهر الكنعاني وعبد الجبار داوود البصري وزكي الجابر (!!) فبعض من هؤلاء حارب السياب في شعره ورزقه ووطنيته حتى فقد وظيفته وصحته !! ومنهم من ترك السياب يموت ويتحطم وحيدا فريدا فلم يمدد له يدا وهو القادر على ايقاف التدهور التراجيدي لحياة السياب !! وحدثني البروفسوردكتور جليل كمال الدين ان السياب كان يأتي اتحاد الأدباء ونكتشف انه لا يملك ثمن علبة حليب واحدة ليحملها الى صغاره !! إ. هـ فإذا مات السياب ميتة مأساوية بكى عليه اولئك كعادة المثقفين العراقيين يحجمون عن تكريم الأحياء ! لكن البياتي ذو قلب قوي فلم يأسف على محاربة السياب على الأصعدة كافة ! بل واصل حربه ضد السياب بطريقة لا يحسد عليها ! وكان يوصل اشاعاته التي يصطنعها للسياب وهو على فراش الشلل والفاقة ! وقد افاضت الشاعرة الكبيرة الأستاذة لميعة عباس عمارة في ذلك وسواه من وسائل البياتي رحمه الله في تسقيط أو إلغاء كل من يتهيأ له انه قادر على سحب البساط من تحت كرسي الريادة !! وكان البياتي يزعم امورا لم تحدث له من قبيل انه محكوم بالاعدام وقد كذب رائد القصة العراقية ادعاءات البياتي فوضعنا التكذيب نهاية المطاف ولنتقتطف الساعة شيئا مما باحت به الشاعرة لميعة عباس عمارة للشاعر عبد الرزاق الربيعي ! ( ... اما عبد الوهاب البياتي زميلي في الصف الدراسي بدار المعلمين العالية فقد كان كسولا لم يزر المكتبة طوال اربع سنوات الكلية ولكنه حين يتكلم كان يقول : قرأت كل الكتب الموجودة في المكتبة ومازال جليس المقاهي يستمع الى من يقرأ من الشباب ويلتقط المعلومات ويتبناها ! لقد حارب بدرا حتى قتله ! وحارب نزار القباني وكان سببا في في النوبة القلبية التي انتهى بها نزار في المستشفى ! شتمه بقوله : لولا المطرب كاظم الساهر لم يعرف نزار القباني فعندما قرأ القباني هذا الكلام انزعج و.... اما السياب فقد قتله بسمومه التي ينفثها بحيث صارت هناك دعاية مفادها ان من يصادف السياب فليبصق عليه ويهينه ......ما كان البياتي شاعرا كبيرا الا بجهوده الدعائية الخاصة وادعائه وحديثه عن نفسه وركوبه كل موجة وتسخير كل من يتصل به للحديث عنه انا اقول هذا عن البياتي لأنه يشتمني كما يشتم الآخرين ....... انظر اللقاء في ص 223 كتابنا النقد الأدبي الحديث وخطاب التنظير. منشورات مركز عبادي للدراسات والنشر. صنعاء 2000 .
وقد استثمر البياتي موجة التبكيت والندم على سوء معاملة السياب وتركه يمت وحيدا لصالح نجوميته وحروبه التي لا تنتهي ضد لميعة والجواهري ونزار القباني ونازك الملائكة وحسين مردان وخالد الشواف وعبد الرزاق عبد الواحد ونزار قباني !! فتنادى الغيارى الى الإهتمام بالأعلام الكبار وهم احياء وبدأ طقس التكريم العراقي بالجواهري ثم بعبد الوهاب البياتي !!! والسؤال الإفتراضي الذي سأجيب عليه هو متى عرفت البياتي شخصيا بعد ان عرفته من خلل وسائط الإعلام وفي الطليعة منها الصحافة والدوريات !!
عرفت البياتي رحمه الله أو التقيته في سبعينات القرن الماضي يوم كنت اعد عددا من البرامج الأدبية في ميداني التلفزيون والإذاعة ويبدو ان البياتي شاهد حلقة من برنامج المجلة الثقافية الذي اقترن اسمه بإسمي حقبة طويلة شاهدها وكانت مكرسة لشعر البياتي والنقد الذي دار حوله !! فأعجبته الحلقة فتحدث عنها لزميليَّ في العمل الصديقين الشاعرين عبد الجبار الدوري وعلي الطائي فوعداه باصطحابي معهما الى فندق القناديل الذي اتخذ البياتي من مقصفه ملتقى له بأصدقائه ومريديه ! كان اللقاء حارا فقد صافحت البياتي بكلتا يدي وربما تلعثمت وانا اصف له سعادتي بلقائه !! اجلسني بإشارة من يده وابتسامة حميمة من عينيه وكنت اتوقع ان يحدثني عن براعتي في اعداد برنامج المجلة الثقافية التلفزيوني الإسبوعي ولكنه واصل حديثه مع شابين صحفيين لنجد انفسنا قبالة بانوراما ترينا كيف أُعْْجِبَ الغرب بشعر البياتي وعدد لنا اسماء العظماء الذين كتبوا فيه او عنه او له ذكر منهم : ناظم حكمت وأراكَون وجاك بيرك ورسول حمزاتوف .......الخ
ثم اكتشفت لوحدي وفي وقت مبكر من صداقتنا ان البياتي لا يحب سوى شعره ولايستعذب سوى شخصه ولا يصغي لسوى كلماته !! فمللت الثواء وانصرفت ومعي الصديقان الدوري والطائي وقد حدسا خيبتي فكانا يتحدثان اليَّ وكأنهما يعبران عن مشاعري فسعدت بمصداقيتهما !! وقال علي الطائي ان البياتي رجل طيب جدا وسخي جدا ولكن لديه احزانه المعتقة ونسينا الموضوع أو تناسيناه ! لكنني احببت البياتي وادمنت لقاءه وصرنا اصدقاء ..... ثم تعرفت الى الأديب الجزائري الدكتور عثمان سعدي سفير الجزائر في العراق وقتها وشدتنا الى بعضنا الهموم الأدبية والعربية !!وإذا كان عثمان سعدي يعد اطروحته للدكتوراه ( الثورة الجزائرية في الشعر العراقي ) فقد عثر في الصحافة العراقية على قصائدي في الثورة الجزائرية ليعقد مبحثا في اطروحته خصصه لدراسة شعري وقد طبعت مديرية الثقافة العامة في بغداد اطروحة عثمان سعدي في مجلدين كبيرين ! وكان عثمان حريصا جدا على دعوتي الى بيته او دار السفارة الجزائرية في المناسبات الوطنية للشعب الجزائري الشقيق وكنت البي الدعوة بكل سرور رغم تحقيق دائرة الأمن العراقي معي حول علاقتي بسفارة عربية !! وذات مرة هاتفني الملحق الثقافي لسفارة الجزائر الأستاذ حسين بن ناصر وكان زميلي في كلية التربية ( دار المعلمين العالية ) لأربع سنوات ونقل اليَّ دعوة السفير الى الحضور في بيته دون مناسبة وطنية (!! ) فلبيت الدعوة وما إن دخلت بيت السفير الجزائري حتى وجدت عددا من العراقيين اذكر منهم العلامة الدكتور جليل كمال الدين والشاعر علي الحلي والمقبور علي صالح السعدي وزوجته المقرفة هناء العمري التي اذاعت بيان رقم 13 المشؤوم عام 1963 بصوتها الأنثويِّ المرعب وكان هؤلاء وآخرون غيبتهم ذاكرتي يتحلقون حول الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي الذي اخذت قنينة الوسكي حصتها منه فبان مخدرا بيد انه وكعادته يقظ للصغيرة والكبيرة ! وكان علي صالح السعدي القائد البعثي المسؤول عن مجازر 1963 بوصفه نائبا لرئيس الوزراء كان السعدي ثملا جدا وزوجته هناء العمري قلقة عليه حد البكاء والتوسل الينا ان نطلب منه الكف عن الشرب سيما وانه تفوه بكلمات فهم منها انها تتهم صدام حسين بإعطائه سما جعله شبه شليل !! وإن كنت انسى فلن انسى موقف الناقد التقدمي الكبير الأستاذ الدكتور جليل كمال الدين من السعدي وكان كمال الدين ثملا هو الآخر ! فقد قال له بكلمات صريحة انك ياعلي السعدي وزوجتك هناء العمري المسؤولان الكبيران عن دماء الشيوعيين وعبد الكريم قاسم التي استبيحت في نكبة 8 شباط وعقابيلها وكان السعدي مذعورا كما لم يكن مذعورا في اي وقت بل يرتجف وكمال الدين لا ينفك يسائله ويوبخه حتى تدخل السفير عثمان سعدي وقال له استاذ علي السيارة والسائق بانتظارك وخدمتك فرفعته هناء العمري بمشقة الى السيارة وهو غائب عن الوعي تماما !! ولم يمض على ذلك سوى شهر وبعض الشهر حتى اعلن نفوق علي السعدي وهلاكه !! القاتل الذي سيلاقي ربه بدماء الأبرياء التي سفكها بشهية عجيبة ( !! ) ثم خلا لنا الجو لنستأنس بوجود البياتي الكبير وهو يتحدث بما يشبه الهذيان عن الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة فنال منها بطريقة نرجسية لا تليق بمبدع معروف كالبياتي !! ومما دونته في مذكراتي فيما بعد ان لميعة كانت تذوب فيه عشقا ولكنها تعطي السياب أملاً خُلَّباً لتضحك منه ! وانه اصغر سنا منها والحق اقول ان جرأته على الأستاذة عمارة كانت مثار تقزز الحاضرين ولكن البياتي لا يعارض ولا يقاطع فإن عارضه احد صبَّ عليه جام غضبه !! وربتما اسمعه تعبيرات تبدو غريبة من نحو ( طيز لكَن ) ( شرَّام ) وربتما الأقسى منها !! فقط كنت احتج عليه بطريقة لبقة مثل هل تسمح لنا بنشر تصريحاتك هذه ؟! فيهز رأسه ليشعرنا بموافقته وربما برغبته في نشر غسيله على حبال الصحافة !! عموما استمر يغمز الأستاذة عمارة بشهية لا يغبط عليها وتدخل الأستاذ الهاشمي قدوري مستشار السفارة الجزائرية ليغير الموضوع بشفافية حاذقة فقال للبياتي بنبرة محببة : مسمعناش استاذنا يقره شعر!! وضغطنا على اقتراح الهاشمي فبدأ البياتي يغير من وضع جلسته المسترخية لكي يمنح شعره الجلسة التي تشعر الآخرين ان البياتي وهو يقرأ الشعر كأنه يصلي !! قرأ شعرا بصوت اجش وعلمت انه لا يحسن قراءة شعره !! وانتهت الجلسة وصورة البياتي الثَّمِل و البياتي الهجَّاء هما المسيطرتان على سهرتنا التاريخية بدأت التدريس في قسم اللغة العربية كلية آداب جامعة الموصل عام 1984 وكنت مغتبطا بالجامعة التي احببتها والمدينة التي عشقتها منذ ان اعددت حلقات تلفزيونية عن مدينة الموصل الحدباء من خلال الحياة الثقافية والأدبية وكان لزاما علي ان ازور جامعة الموصل العريقة فتربطني صداقة عميقة برئيس جامعتها آنذاك الأستاذ الدكتور هاشم الملاح والفنان التشكيلي محمد زكي والشعراء ذنون الأطرقجي ومعد الجبوري وعبد الوهاب اسماعيل وبشرى البستاني والفنان الكبير الشاهق الخطاط يوسف ذنون والتشكيلي راكان دبدوب العلامة الإسلامي المفخرة البروفسور عماد الدين خليل والقاص نجمان ياسين والمؤرخ الجغرافي الأستاذ الدكتور احمد الحسو! فمنذ الأشهر الأولى كرمتني الجامعة والكلية والقسم وهكذا بدأت اناقش الأطاريح ودرجتي العلمية ضئيلة عهدذاك ( استاذ مساعد ) فناقشت 1985 الشاعر المعروف ذنون الأطرقجي رئيس اتحاد ادباء الموصل ( الشعر العراقي الحديث 1967 – 1973 ) ودرست عددا مهما من اعلام الموصل مثل بشرى البستاني وابراهيم جنداري وخلف الحديدي وبدران البياتي وبتول البستاني ومؤيد اليوزبكي وليلى محمد علي وعلي كمال وعبد الجبار الزبيدي .... الخ
مرة كلفت بمناقشة طالب الماجستير عبدالستار عبد الله 1986 وكان موضوعه ( الصورة الفنية في شعر عبد الوهاب البياتي مرحلة البواكير ) وقد حمل لي الطالب الذي اصبح دكتورا فيما بعد طردا كبيرا يحمل اسمي قال انه من الأستاذ عبد الوهاب البياتي وكان وقتها ملحقا ثقافيا في السفارة العراقية قي اسبانيا ورأيت الطالب مغتبطا جدا لأن البياتي اهدىاليه طردا فيه كل الكتب والمقالات والقصاصات التي تمت الى البياتي ولو بأدنى صلة والتي اهداها البياتي بخطه الأنيق وعباراته العبقة للطالب ولي ومن ضمنها كتاب في تجربة البياتي تأليف زوجته السيدة ام علي والكتاب مزدان بصورة البياتي بقميص احمر !! ! والسؤال الذي لم اعرف جوابه حتى الآن هو كيف عرف البياتي عنوان الطالب وعنواني ؟ بل كيف بلغه وهو في اسبانيا نبأ الأطروحة التي تدرس شعره ؟؟ وكانت اطروحة الطالب جيدة بالحسابات الأدبية لأن الطالب يمتلك حسا ادبيا وعمقا ثقافيا واضحين !! بيد ان الثغرة كانت في المشرف الذي اعترف بجرأة جميلة فقال ان الجيش الشعبي لم يترك له سانحة الإشراف على الطالب كما يجب !! والأطروحة على اهميتها تتبنى اوهاما علمية لا يحسن السكوت عنها مما اضطرني الى ردِّها وحجب الدرجة عن الطالب مع تعاطفي ومحنته ! والحرج كل الحرج هو المفاجأة الكبرى والمدهشة حقا وهي حضور الأستاذ عبد الوهاب البياتي بنفسه الى قاعة ابن جني في جامعة الموصل وجلوسه في الصف الأول مما اضطر رئيس الجامعة وقتها الدكتور عبد الإله الخشاب الى مرافقته واعتداد حضور البياتي الى الموصل دعوة من الجامعة لكي يسدد نفقات اقامته ومصاريف سفره ! المهم عاد البياتي الى بغداد منزعجا لأنني رددت اطروحة مختصة بشعره !! كنت اتابع اخبار عبد الوهاب البياتي من خلال ابن شقيقتي الشاعر الطموح عدنان الصائغ فقد لازمه الصائغ ملازمة ظله له ! فهو يعرف ادق التفاصيل عنه وكان البياتي بتصرفاته الحانية مع عدنان يشعرني بالحبور فكثيرا ما كان البياتي يطريني امام عدنان وهو يعلم ان اطراءه سيبلغني لا محالة !! وفترة لجوء البياتي الى الأردن وتعيينه من قبل الملك حسين مستشارا في وزارة الإعلام الأردنية وحصوله على جوائزخليجية مجزية فتحلق حوله الأدباء العراقيون اللاجئون ويبدو انه كان سخيا معهم ! فإذا وصل عدنان الصائغ الى الأردن وجد في صديقه القديم واستاذه المستديم حنوا وحنانا كبيرين ! كنت وقتها في ليبيا استاذا لمادتي موسيقى الشعر وتحليل النص وتصلني اخبار البياتي بوساطة الصحف او عدنان ! وتهيأ لي ان اغري رابطة ادباء ليبيا بدعوة البياتي وقد وجدت استجابة من رئيس الرابطة ومساعده الصديقين الأستاذين أمين مازن ويوسف الشريف وهاتفت البياتي فقابل دعوتي او اقتراحي ببرود وقال لي سأفكر في الموضوع لكنني غير مستعد الآن لأرتباطي بالتزامات لا يمكن التحلل منها واقفلت موضوع زيارة البياتي لطرابلس وفي نفسي عتاب ضئيل للبياتي لكن حبي له وتقديري بقيا هما هما ! وتشاء الصدف الحسنة ان احل في عمان الأردن بعد هجرة عدنان الصائغ الى السويد وهجرة الصديقين الحميمين عبد الرزاق الربيعي وفضل خلف الى اليمن فشعرت بوحشة بددها عني صديقي القديم الأستاذ محمد الجزائري الذي لم يفارقني كل نهاراتي وكذا الشاعر العذب نصيف الناصري !! وعلمت من الجزائري ان البياتي علم بوجودي في عمان وانه ينتظرني في كاليري الفينيق مساء الغد والتقينا لقاءا حميما وشعرت بمودة طافحة غمرني بها الأستاذ البياتي واذكر ان البياتي كان محاطا بالدكتور عبدالله ابراهيم والأستاذ علي السوداني والدكتور علي عباس علوان ولم يكن لأحاديثنا قواسم مشتركة وذلك مما يتعب البياتي فنهض لينصرف وقال لي غدا مساءا سأقيم مائدة عشاء على شرفك وسأدعوا عددا من الأدباء واشار الى الأستاذ علي السوداني لكي يحضر وكذا الأستاذ محمد الجزائري وكنت موقنا ان الدكتور عبد الله ابراهيم سيعتذر عن الحضور لأسباب ادريها وحدي ! والغريب ان البياتي لم يدع الدكتور علي عباس علوان رئيس اللجنة المشرفة على جائزة البياتي !! وجاء موعد الدعوة وكانت في فندق مرموق حضرها الأستاذ محمد الجزائري والأستاذ علي السوداني والفنان احمد العبدلي والممثل حمودي الحارثي والأستاذ جاسم المطير وآخرون لم اتبين اسماءهم ! وقد رحب بي الجميع وفي الصميم الأستاذ البياتي ولاحظت ان بعض الأدباء الشباب ممن لم يعثر على عمل في الأردن كان يلاحق البياتي من مقهى الى مقهى ومن مطعم الى مطعم وكان رحمه الله يغض الطرف عنهم ليأكلوا او يشربوا بينا يمطره هؤلاء الشبان بمديح سمج لا يروق له احيانا فكان يقول لهم كلوا وانصرفوا !! وكنت قد برمجت اللقاء مع هذه القمة الإبداعية وهيأت اسئلتي حول تجربة البياتي الغنية وعن شهاداته بمجايليه الجواهري ومردان وعمارة والسياب وياسين والقيسي والقباني وهالني ان اكتشف في البياتي ذاكرة كبيرة وثباتا على احكامه يدعو الى الدهشة حقا ! فآراؤه في الأستاذة لميعة عباس عمارة لم تعتدل بل ازدادت عنتا ! وكذا الجواهري والقباني ! كان يؤكد ان لميعة اكبر منه سنا وانها هي التي كانت تهيم به ! وسخر من السياب وسذاجته القروية ( كذا ) وحين عرض احد الجالسين وكان دكتور اقتصاد يدرس في ليبيا وهو متأدب ! عرض على البياتي ان يقول شعرا في الجواهري فانتفض البياتي متزعجا وقال للدكتور كيف جلست على المائدة وانا لم ادعك فقال له الدكتور ان فلانا دعاني وجئت معه ! ولم اسمع من البياتي رحمه الله غير ( طيز لكَن جعب ابريكَـ ) !! وسأله احد الجلاس عن الشاعر نزار القباني فقرب اذنه من السائل وهو يدعك اذنه : هل قلت الشاعر نزار ؟؟ فقال له السائل نعم وما المشكلة في السؤال ؟ فقال البياتي : المشكلة انك تقول الشاعر نزار ونزار ليس شاعرا ولولا كاظم الساهر لبقي القباني مغمورا لا يعرفه احد (!! ) واشهد انها قسوة بالغة وقد اشارت الى هذه النقطة بالذات الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة وزعمت ان هذه المقولة سمعها القباني وهو على فراش المرض في مستشفاه بلندن ومات بسببها !! انظر المقابلة المهمة التي اجراها الشاعر عبد الرزاق الربيعي مع الشاعرة الرائدة الأستاذة لميعة عمارة ! ثم طلب من الجميع السكوت وقال بزهو اليقين : هوذا الدكتور الصائغ حجة في اللغة ( كذا ) سوف اسأله عن الغلط المعيب الذي اقترفه القباني حين قال ( زيديني حبا زيديني ) ياصائغ هل يجوز في اللغة استعمال زيديني ؟؟!! وما إن اكدت له ان ذلك جائز في اللغة حتى اكفهر وجهه وتهيأ لي انه قال في نفسه : لقد خذلتني ياصائغ وأنا اكرمك !! كانت مأدبة العشاء التي اقامها البياتي على شرفي وحضرها ادباء عراقيون واردنيون اذكر منهم الأساتذة جاسم المطير الذي التقيه للمرة الأولى ومحمد الجزائري وعلي السوداني والفنان العبدلي والدكتور افنان عزام !! شعرت انني تعيس لأن البياتي كرس الدعوة للنيل من الجواهري و لميعة عمارة !! وربما شعر الأستاذ جاسم المطير بحراجة موقفي فما إن انتهت سويعات الدعوة حتى اعلن جاسم المطير دعوتي الى شقته مع الحضور وفي الصميم منهم البياتي وحين تحدثت عرضا عن تجربة الجواهري وعمر ابو ريشة امتعض البياتي وعلق ان الصائغ يظن اننا تلامذته فهو يشرح لنا امورا لن نمتحن فيها على اي حال ولم اشأ ان اعلق على نكتة البياتي التي عبرت عن ضيقه وبرمه لأنني اتحدث في مجلسه عن سواه !! وحين اجتمعنا على مائدة الأستاذ جاسم المطير قال لي البياتي الكبير ودون مقدمات او مسوغات : ان الجائزة التي حصل عليها عدنان الصائغ ( هلمت ) لا تزيد عن الألف دولار وانا الذي رشح عدنان الصائغ لهذه الجائزة البسيطة بعد ان وجدته لا يمتلك ايجار الشقة التي يسكنها في عمان !! والغريب ان بعض الشعراء الشباب من جيله توهم انها جائزة مهمة ومجزية فحاربوه واصدروا البيانات ضده !!ّ ثم سكت البياتي كأنه مقبل على هجاء امرّ لصديقه المخلص له عدنان الصائغ !! وقال البياتي كأنه يكمل موضوعا يتقزز منه ! والغريب والقول للبياتي ان عدنان الصائغ استغل هذه المساعدة المالية الضئيلة وبدا كأنه قاب قوسين أو أدنى من جائزة نوبل !! وحين طلبت الى الأستاذ البياتي ان يكف عن غمز عدنان الصائغ أقسم لي انه يحب عدنان الصائغ ولكنه لا يحب طريقته في الإعلان عن موهبته !! فنظرت الى ساعتي ونهضت وقلت للبياتي الثمل : كل هؤلاء تعلموا منك الدرس في تسويق نجوميتهم !! فلماذا تعتب على التلميذ لو اقتدى بالأستاذ ؟ فامسكني من يدي واجلسني بطريقة اعتذارية مكابرة واقسم لي انه يحب عدنان الصائغ !! وجلسنا لنواصل السهرة في شقة الأستاذ جاسم المطير الذي بالغ في اكرامي وتقديري ! الثلاثاء الحادية عشرة مساء 1سبتمبر 2004 هاتفت الشاعر الكبير الدكتور رشيد ياسين احد ابرز رواد القصيدة الحديثة وهو مقيم الآن في شيكاغو وسألته عددا من الأسئلة حول الشاعر الرائد عبد الوهاب البياتي واجابني بصراحته المعهودة ولسوف انتقي هذه الفقرة من كلامه عبر الهاتف (( ... حين كان البياتي معاونا للملحق الثقافي في موسكو اوائل الستينات من القرن الماضي ثارت قضية الأديب المنشق اليهودي بوريس باسترناك الذي اثارت روايته ( دكتور زيفاغو ) حفيظة الإعلام السوفيتي ورغم ان زيفاغو رفض ان يستلم جائزة نوبل لكن الحملة على زيفاغو كانت على اشدها في موسكو فتحرك البياتي وكتب قصيدة يخاطب فيها الروس بذوي العيون الخضر ويهاجم باسترناك ومن يقف الى جانبه من الأدباء :
( يا إخوتي الخضر العيون ...
إنا سنجعل من جماجمهم منافض للسجائر ... ) وقد اثارت قصيدة البياتي قرف الأدباء السوفيت المعادين لمجموعة باسترناك !! لكن البياتي حين اقام في القاهرة وتهيأ له انه سينال اهتمام عبد الناصر هاجم الإتحاد السوفيتي دون وجه حق ... )) إ. هـ .
مرة وفي جريدة المؤتمر أثار العلامة التقدمي البروفسور محمد حسين الأعرجي موضوعة انتماء عبد الوهاب البياتي لحزب البعث في شبابه !! فثار جدل عنيف حول قول الدكتور الأعرجي وهناك من ظن أن الأستاذ الأعرجي ظلم الأستاذ البياتي المعروف بنزوعه اليساري فهاجم وقوم ولم اشأ الخوض في هذه المخاضة لموقف كنت قد اتخذته من صحيفة المؤتمر مع تقديري لكتابها الكبار : مير بصري وحسن العلوي ومحمد حسين الأعرجي وصادق الصائغ وفوزي كريم وسمير النقاش ... وقد جاءت السانحة لقول شيء في هذا المعرض فأقول : ان حميد المطبعي مدير متحف حزب البعث النازي اخبرني ان البياتي عبد الوهاب من مؤسسي حزب البعث وحين زجرته دعاني الى زيارة المتحف وكان يشغل طابقا من عمارة السنما والمسرح المواجهة لفندق منصور ميليا ! وذهبت ورأيت صور لمؤسسي حزب البعث واشار حميد المطبعي الى صورة البياتي !! فقلت له يا حميد ان صورة البياتي التي حشرتها بين الصور لا تقيم دليلا على بعثية البياتي ! فقال لي المطبعي : البياتي حي يرزق ومن حقه ان ينفي هذا الأمر اذا كنا قد زججنا بإسمه ! وحين كان الأستاذ الدكتور محمد حسين الأعرجي اواسط تسعينات القرن العشرين في ليبيا اخبرني ان البعثي المعروف كامل الشرقي قال للأعرجي ان قصيدة جلجامش ( ربما نسيت اسمها فمعذرة الصائغ ) كتبها البياتي بخط يده وان الشرقي يحتفظ بها !!
ومع ذلك وقبله وبعده يظل البياتي شاعرا كبيرا ومناضلا عنيدا وسبحان الذي لا يهفو ! فقد ظل البياتي مثابرا على رؤيته في اقتحام الزمكان بعبارة تميزه عن الآخرين ! فتحية لذكراه مقترحا وبعد التخلص من المد الطائفي الإرهابي الذي اجتاح العراق بعد سقوط الزمن البعثي والى الأبد مقترحا مؤداه نقل رفات ابي علي الى بغداد التي غنى لها وصناعة تمثال له في الباب الشرقي او شارع السعدون وجعل بيته متحفا يحنوعلى اشياء البياتي الخالد :
بغداد
ام الدنيا بغداد بناها المنصور
لتصبح عاصمة الألم الخلاق
وفد الشعراء اليها من بعد المنصور
فباسوا تربتها
سكبوا فوق ضفائرها خمرا
حتى صارت بستانا ومزارا لطيور البحر
وبدو الصحراء
من كان يحج اليها
ينسى مجنونا بالعشق حبيبته الأولى
ينسى مفتاح الدار
ويموت شهيدا فيها سكران
خلبت لب معري النعمان
فظل يردد : بغداد
وستبقى احلى الحلوات . عبد الوهاب البياتي

عبد الإله الصائغ / مشيغن المحروسة


6 تشرين اول اكتوبر 2007

الملحقـــــــــــــــــان

كتب فؤاد التكرلي يقول (الشرق الأوسط - 25.9.2003) : البياتي غادر العراق بحثا عن الشهرة ولم يكن محكوما بالإعدام
شاعر لم يكن يهمه شيء سوى بناء أسطورته الشخصية
ذكريات مدرسية واستذكارات أدبية مع عبد الوهاب البياتي وملامح من تطور شعره اللاحق (1 من 2)
مرت قبل ايام الذكرى الثالثة لرحيل الشاعر عبد الوهاب البياتي في دمشق، حيث دفن في مقبرة الغرباء بالسيدة زينب.
صديقه ومجايله الروائي والقاص فؤاد التكرلي يتذكر هنا ايام دراسته الاولى مع الشاعر، وقصائده الاولى، ويتحدث عن ملامح تطور شعره.
في سنة 1939، كان معنا في الصف السادس الابتدائي في مدرسة «باب الشيخ للبنين» التي شيدت بنايتها قبل حين في منطقة من محلة «باب الشيخ» تسمى «شيخ رفيع»، كان معنا فتى في الثالثة عشرة من عمره، اسمر في سمرة غامقة، نحيلا مربوع القامة، بملامح دقيقة عادية وذات صبغة عراقية صميمة، وكان ذا ميل واضح الى العزلة والابتعاد عن اللعب ومخالطة الرفاق. كنت صديقه بسبب اننا قضينا الاعوام الستة الماضية معا في هذه المدرسة نفسها، من صف الى آخر، ومع ذلك فقد كانت صداقة محدودة لا تتعدى الاحاديث العابرة اثناء فرص الراحة وتبادل المعلومات الدراسية البسيطة.
كان ذلك التلميذ هو عبد الوهاب احمد البياتي، الشاعر الذي لمع اسمه في سماء الشعر العربي بعد ذلك بأقل من عشرين سنة.
لا اتذكر شيئا كثيرا عن سنواتنا الخمس الأولى، رغم الصور المدرسية المتعددة التي كانت تجمعنا، سوى ان عبد الوهاب كان تلميذا عاديا يميل الى عزلة مستديمة ويكتفي من الدراسة بالنجاح دون ان يسعى الى البروز. لم يكن من جماعة التلاميذ الذين يحبون اللعب ويمارسون الرياضة كما كنت أنا، وكان اغلب الاحيان ينزوي بنفسه ويبقى متفرجا علينا نتبارى في القفز والركض وبقية الالعاب الاخرى.
لا اعرف عن عائلة عبد الوهاب البياتي شيئا.. من اية جهة اقبلت الى بغداد ومتى، ذلك ان عشيرة «البيات» عشيرة كبيرة يتوزع افرادها على كافة انحاء العراق، غير أني علمت من رفاقي في المدرسة ان والد عبد الوهاب يملك دكانا في سوق «الصدرية» لبيع المواد المنزلية المختلفة، ويبدو ان العائلة لم تكن معوزة، بل كانت على حال متوسطة.
كنا اذن اصدقاء دراسة، ولبثنا هكذا حتى بلغنا السادسة عشرة من العمر، حين بدأت بذور الادب فينا نحن الثلاثة.. عبد الوهاب وغائب وانا ترفع رأسها في داخل نفوسنا. كنا في سنة 1943 في الصف الثالث المتوسط في «متوسطة الرصافة للبنين» الواقعة في محلة «السنك»، وفي تلك السنة اطلعني عبد الوهاب على اول قصيدة عمودية له بعنوان «بغداد». واتذكر أن «غائب» اعارني او أعرته أنا، كتابا ادبيا، مما يعني ان علاقة ثقافية كانت تربط بيننا اضافة الى علاقة الدراسة. غير اني بقيت على علاقة اوثق بعبد الوهاب خلال دراستنا الثانوية. كنا نتبادل الكتب الادبية القليلة التي تصل الى ايدينا، واتذكر انه أراني محاولات شعرية اخرى له، لكنني لم احدثه او اطلعه على محاولاتي الادبية.
بعد تخرجنا، عبد الوهاب وانا، من «ثانوية الاعدادية المركزية» في سنة 1945، الفرع الادبي، اتجهت انا الى التسجيل في «كلية الحقوق» اطاعة لتقليدنا العائلي. واتجه عبد الوهاب للالتحاق بـ «الكلية العسكرية»، الامر الذي اثار استغرابي. وحينما صادف والتقينا بعد ذلك بعدة اشهر، اخبرني بأنها كانت خطوة في الاتجاه الخطأ، وانه، خلال الاشهر الثلاثة، كان، اثناء التدريب العسكري، يركض مع بقية الطلاب والابيات الشعرية تتوارد على ذهنه. ضيّع عبد الوهاب سنة دراسية بعد ان ترك «الكلية العسكرية» والتحق «بدار المعلمين العالية» ـ قسم اللغة العربية ـ وتخرج فيها في سنة 1950، في حين كنت قد تخرجت من كلية الحقوق سنة 1949.
نشر عبد الوهاب ديوانه «ملائكة وشياطين» في سنة تخرجه تلك 1950: وكان ديوانا تقليديا لا يضيف جديدا لحركة الشعر في العراق.
اتذكر اني عرضت نسختي من الديوان على أخي الكبير «مصطفى» فقرأه وابدى تحبيذه لبعض القصائد، فأخبرت عبد الوهاب بذلك فتفتحت اسارير وجهه وقال لي: «قل لاخيك ان عمري ثلاثة وعشرون عاما فقط».
عُين عبد الوهاب مدرسا للغة العربية في ثانوية الرمادي، وعينت أنا كاتباً أولاً في محكمة بداءة بعقوبة، وبهذا بدأت مرحلة الرسائل بيننا حوالي سنة 1951. كان عبد الوهاب آنذاك يمر بمرحلة ثقافية حرجة، رغم الجو المتفتح الذي كنا نعيشه في بداية سنوات الخمسين، فقد كانت احلامه كبيرة جدا وكانت وسائله الشخصية لتحقيقها اكثر من محدودة، فهو مقيد بالوظيفة وبضيق ثقافته وبعدم معرفته لغة اجنبية، الا انه كان واثقا من قدراته الابداعية وثوقا قويا.. وهذا ما انقذه في اعتقادي.
في سنة 1951 تكونت في بغداد بمصادفة غريبة وبشكل لا مرئي تقريبا ما يمكن ان اسميه جماعة ادبية صغيرة تألفت من عبد الملك نوري وعبد الوهاب البياتي ونهاد التكرلي وانا. كنا اصدقاء، على عتبة الشباب والطموح الأدبي، وكنا، مخلصين ، ننشد ان نصل الى بعض الحقائق.
اعتدنا ان نجتمع مساء الخميس في المقهى «السويسري» المشرق، عبد الوهاب آتيا من الرمادي، ونهاد وانا مقبلين من بعقوبة. كنا نلبث ساعة وبعض الساعة نتحدث احاديث مختلفة، ثم نقوم نتمشى مخترقين «شارع الرشيد» حتى نصل «شارع أبي نواس» ومن ثم الى محلنا الاثير في «كازينو كادينيا». كنا نسهر هناك على مائدة الشراب، ونتبادل الاحاديث والآراء ونتناقش في شؤون الكتب التي قرأناها وفي مجريات الامور حولنا، سياسية وفكرية وغيرها، حتى يتجاوز الليل منتصفه او بعده بقليل.
تلك اللقاءات بيننا استمرت سنوات اربع، ومع ان احاديثنا فيها لم تكن، بأي حال من الاحوال، دروسا او محاضرات في الثقافة، لكنها وبسبب تلقائيتها المطلقة، أثرت تأثيرا كبيرا في توجهاتنا وفي تلقيح نفوسنا البالغة الحساسية
ذكريات ومواقف مع صاحب ديوان «أباريق مهشمة» وآراء في شعره بمناسبة ذكرى رحيله (2-2)
كان تطور طاقة عبد الوهاب البياتي الشعرية خلال تلك الاعوام الاربعة، حاسما وسريعا، وكنت غالبا ما اتسلم منه خلال الاسبوع الذي يعقب لقاءنا رسالة تحتوي على قصيدة جديدة، ظهرت بعد ذلك في ديوانه المميز «أباريق مهشمة».
لم يكن عبد الوهاب يومئذ متحدثا كبيرا كما رأيته بعد ذلك، كان، في تلك الامسيات، يسكن الى نفسه جالسا في زاوية من المائدة وامامه كأسه، يشرب بهدوء ويس

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية