مقالات

أ. د. عبد الإله الصائغ

الشاعروالزعيم الشيخ علي الشرقي الخاقاني ش . علي (الشروكَي) الشرقي الخاقاني موسوعة الصائغ الثقافية باب الأعلام

20/10/2007 21:59:40
1890 - 1964 -- 1890 - 1964 -- أعلام في حياة علي الشرقي :
حميد خان /عبد الله القصاب / الشيخ محمد رضا الشبيبي /الشيخ محمد علي اليعقوبي / عبد المحسن السعدون / صالح جبر / محمد باقر شبيبي / السيد صالح الحلي / روفائيل بطي / المؤرخ الأديب ميربصري / الدكتور عبد الجبار عبد الله / الشهيد نجم البقال الدليمي / الحاج محسن شلاش/ الحاج عطية ابو كلل / الشهيد كاظم صبي / الشيخ عبد العزيز الجواهري / عبد الكريم الأزري / فريق المزهر الفرعون / عبد الواحد آل سكر / الشيخ جعفر الصميدع / السيد نور الياسري / الشيخ رايح العطية / الأب انستاس ماري الكرملي

قال الزعيم الوطني فريق المزهر آل فرعون في علي الشرقي :

واخيرا تمكن الانكليز بمساعدة البعض من المتزعمين على القاء القبض على بعض القائمين بتلك الثورة فاعدم منهم نيف وعشرون رجلا شنقا من خيرة شباب النجف الاشرف وتلك الواقعة هي التي قال عنها معالي الاستاذ علي الشرقي :
نيف وعشرون صليبا لنا اذا النصارى افتخرت في صليب
لعظمهم قد رفعوا فوقنا اهكذا يرفع قدر الأديب
اعوادهم منابر للثنا تناوشوهن خطيبا خطيب . إ. هــ

واخيرا تمكن الانكليز بمساعدة البعض من المتزعمين على القاء القبض على بعض القائمين بتلك الثورة فاعدم منهم نيف وعشرون رجلا شنقا من خيرة شباب النجف الاشرف وتلك الواقعة هي التي قال عنها معالي الاستاذ علي الشرقي :
نيف وعشرون صليبا لنا اذا النصارى افتخرت في صليب
لعظمهم قد رفعوا فوقنا اهكذا يرفع قدر الأديب
اعوادهم منابر للثنا تناوشوهن خطيبا خطيب . إ. هــ

الروائي الكبير غائب طعمة فرمان في علي الشرقي : وقال
علي الشرقي شاعر كبير ذو نفس كبيرة ووطنية صادقة وقلب خفاق وإحساسية مصورة تشعر بخفايا الاشياء وتنفذ الى اعمق اعماق الوضع فهي طبيعة خالدة تراها نفوس الشعراء الملهمين الواعين المتطلعين الى الافق الواسع في الحياة السعيدة للمجموع العام وتفكر التفكير الواسع في الوقائع وتحسب حسابها لكل شيء يقع تحت حاستها الواعية!! علي الشرقي شاعر الطليعة المتحررة وتلك اتم تسمية وافية للشاعر تعبر عن الدور الذي قام به أتم تعبير واوفاه وتعرض علينا صفحة جهاده المتواصل ونحن نعني في تسميتنا اياه شاعر الطليعة المتحررة او الرعيل الاول وهي تعطي في النفس صورة واضحة للذين يدققون الوضع ! شاعر الطليعة هو رائد القوم الذي يرشدهم ويرصد لهم الطريق ويعين المواقع ويقول لهم القول الفصل الذي توحيه الطبيعة الشاعرة الواعية وينظر الى الدنيا في معنى شامل وبعد نظر !فما اوسع الآفاق التي يخطرها الشاعر الواعي ونحن نرى الخطوط والملامح واضحة في شعر الشرقي ولو انها مطموسة في التورية والرمز والكتابة ونحن نلمح في شعر شاعرنا اثر تلك الفترة بقوتها وضعفها بحسناتها وسيئاتها فقد رسم الملامح في تلك الفترة فهو الشاعر الصادق الصدوق الحساس .إ. هـــ

وقال المؤرخ ورائد القصة العراقية جعفر الخليلي في علي الشرقي : تحسست كلامه وتحسست بنبرات صوته ولست ادري كيف تحولت تلك السحنة التي طالما استدل منها الكثير ومنهم انا على العنجهية والكبرياء الى سحنة جذابة تسحرك منها العينان الواسعتان المشعتان بالذكاء والتفرد الى الاعماق وسمرة حبيبة الى النفس في وجه ينم عن اتزان الشخصية لحد كبير وكلام بلايكاد يخرج من الشفتين حتى يدخل القلب . إ. هــ ..

أولاً ترجمته : علي الشيخ جعفر بن محمد حسن بن احمد بن موسى بن راشد ولقبه الشروكَي ( الشروقي ) وقد غير لقبه بنفسه قبل ان يغير أدونيس لقبه من إسبر الى ادونيس ربما بأزيد من نصف قرن ! فهو ابن الجنوب الذي يفخر بنجفيته ! يقول دكتور مصطفى جمال الدين وهو ابن قرية المؤمنين ص12 ديوانه ( النجف منبتنا ) ! وهذا ضرب من الحب والوفاء جدير بأمثال هؤلاء الكبار ! اما والد الشيخ علي فهو الشيخ جعفر الذي يقول فيه شاعر ثورة العشرين ومؤرخها الدكتور محمد مهدي البصير (.. كان الشيخ جعفر 1843- 1892 واحدا من كبار فقهاء العراق وشعرائه في القرن التاسع عشر الميلادي ) . والشيخ علي الشرقي من اسرة تنتمي الى قبيلة الخاقاني العربية وموطن هذه الاسرة قصبة على ضفاف نهر الغراف الوادع العذب تابعة الى قضاء الشطرة التابع الى محافظة الناصرية او ذي قار ! الناصرية يقول الدكتور الاديب صدام الأسدي في هذه المدينة وقد احسن القول : تلك المدينة التي أثرت العراق بالكثيرين من الأفذاذ والعلماء إ. هــ ! ولعل جده الشيخ موسى هو اول من ترك قصبة خيقان متوجها الى النجف لطلب العلم وهكذا يولد علي الشرقي في النجف 1892 ! ولم تكن الشطرة مولده كما ذكر الدكتور صدام فهد الاسدي ! ثم ذاق علي الشرقي اليتم في سن مبكرة ! فتكبدت امه مشاق كثيرة فبددت عن صغيرها كأبة اليتم ! قال الشرقي في كتابه المطبوع الاحلام : حين مات والدي فترعرعت بحنان والدتي الذي انساني خسارة حدب الوالد ! وإذا كانت امه شقيقة الشيخ عبد الحسين الجواهري فقد انتقلت وطفلها الى بيت اخيها لتعيش فيه ! اي ان اليتيم علي الشرقي سيعيش في كنف خاله وخاله هو والد الشاعر محمد مهدي الجواهري ! وكان الجواهري اصغر سنا من الشرقي فالجواهري مولود عام 1900 لكن الشيخ عبد العزيز الجواهري الشقيق الأكبر للشاعر محمد مهدي كان تربا للشرقي يكاربه في العمر ! وربما يكمن السبب في الحساسية بينهما الى تنافسهما بينا كان الجواهري اصغر من ان ينافس ابن عمته الشرقي ! واليتم والفاقة يكونان مصهرا للمعادن الأصيلة من الناس فتراهم مبكرين ومتفوقين وطموحين ! ولقد كان بيت الشيخ الجواهري مجلسا عامرا بالأدب وعلوم العربية والدين ! .
ثانيا توريخه : ويتذكر صاحب الترجمة من اعلام الأدب والعلوم الدينية كوكبة من المشاهير امثال الشيخ جواد الشبيبي والسيد باقر الهندي والسيد جعفر الحلي والشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ هادي الشيخ عباس والسيد حمودي المرعبي وآخرين ! وشباب الشرقي مزيج من التمرد المشاب بالحكمة فقد شكل من اصدقائه الموافقين لمزاجه ( شركة مقاومة الفقر ) وربما يتقاطع محمول مقاومة الفقر مع دلالة مقاومة الجهل ولكن هذا هو تقرير الحال فحققوا نشاطا محمودا في طبع الدواوين الشعرية والقصص والمذكرات فجابوا العراق من اقصاه الى ادناه ومن بين جهودهم الشبابية الجبارة جمع شعر محمد سعيد الحبوبي ! كما جمعوا الكثير من مخطوطات بهيئة دواواوين ولم يوفقوا الى طبعها ولا احد يدري اين ذهبت وكيف اختفت ! والغريب ان الشرقي وهو غزير العطاء لم يجد من يؤرخ له بشكل منصف او يجمع شعره او يعرضه للباحثين والنقاد وطلبة الدراسات العليا ! نعم طبعت دار الشؤون الثقافية في بغداد دراسة عنه مع مختارات من شعره وطبعت بعض كتبه في حياته وتنوسيت البقية ! وعتبى لابنته الأستاذة امل الشرقي وهي اديبة وصحفية وتسنمت اعلى المناصب الاعلامية والثقافية بيد انها على حد علمي لم تقدم لعلي الشرقي جهدا يوازي مكانته كزعيم وشاعر ورجل دين متحضر ! والغريب ايضا ان ماكتبه صديقاه مير بصري وجعفر الخليلي لايسد رمقا ووجدت عند المؤرخ عبد الرزاق الحسني ما يشبه تجنب دوره الريادي في نهضة العراق ! والشد مرارة ان المؤرخ الكبير صاحب اعيان الشيعة السيد محسن الامين ودائرة المعارف الشيعية السيد حسن الامين تجنباه بالكامل مع انهما كتبا عن اسماء مجهرية ولعل طبيعة علي الشرقي الصريحة لم تترك له متعاطفا ! ولقد كتب روفائيل بطي عن علي الشرقي في كتاب الادب العصري الذي لم يطبع منه سوى جزئين اول وثان الخاصين بالمنظوم وكتب روفائيل بطي عن علي االشرقي في القسم الخاص بالمنثور بيد ان ما كتبه لم ير النور مع الاسف ! اذن علي الشرقي عاش ملء السمع والبصر ولم يقدر عليه حساده وشانؤوه فإذا مات صفوا حسابهم معه !.
ثالثا شعره : كان الشرقي يجيد الفارسية قراءة وكتابة ويقرا للشعراء الفرس الكبار فبانت الرقة في قوله والنبرة في جمله والوصف الخلاب في صورة ! ولم يصدر بعد موته شيء يذكر سوى رسالة جامعية باشراف الدكتور ابراهيم حرج الوائلي واعداد السيد موسى الكرباسي طبعتها دار الشؤون الثقافية طبعة رديئة مليئة بالأغلاط الطباعية ! ولم تعد طباعتها ! والشرقي قاريء نهم كداب جيله من المفكرين والمبدعين فهو يقول في نفسه حين بلغ الخمسين :
لهفي لخمسين من سني قد اندرست في الكتب بحثاً كأني دودة الكتب
يكتب الشعر الغزلي فضلا عن الشعر الوطني وهو في الحالين مرب وداعية جمال يصف الاستاذ مير بصري شعر علي الشرقي ( سحر وعطر وهو شعر نابض بالحياة صادق اللهجة واضح السمات ينطق بلسان البلد والجيل ويحمل طابع العصر ورسالته لقد وفق الشرقي لترديد نواح البلبل السجين وصداح البلبل الطليق ولوعة الفلاح في كوخه وترجمته عن نزعات الشعب المتطلع الى الحياة والحرية ودعوة الى الألفة والإخاء ) ويصف جعفر الخليلي شعر الشرقي فيقول ( خطا الشرقي في الادب خطوات جريئة اذ احتوى شعره على جانب كبير من الوخز بالشعائر والتقاليد والنقد والاستهجان خصوصا بعد ان خرج من بيت خاله الى زاوية في احدى المدارس الدينية شعر فيها لاول مرة بنسيم الحرية والاستقلال وعرف الشرقي بطراز نظمه وصيده المعاني وطريقة النسج بكونه من اوائل المجددين في الشعر لا بل لم يكن قد سبقه شاعر في نسج الفكرة وفق النمط المحبب لدى المتذوقين ) ويقول الاستاذ محمد سعيد الصكار ( وكان علي الشرقي بارز الحضور في المجال الثقافي من خلال ما كان ينشره من قصائد في موضوعات مختلفة، عراقية وعربية وعالمية، كقصيدته عن غرق الباخرة تيتانيك وعن الاتحاد السوفييتي، وأوروبا والحرب الثانية وغيرها. وهو أكثر الشعراء العراقيين، وربما العرب، استخداماً لمنجزات الحضارة والتقدم، إذ يحفل ديوانه بذكر السيارة والطيارة والكهرباء والبطارية وماكنة التصوير وغير ذلك.
كان علي الشرقي عراقياً أصيلاً، وعربياً متحمساً، وداعية جريئاً للتقدم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني، لاذع النقد لمظاهر التخلف والوصولية والنفاق؛ كل ذلك بحس دقيق ولغة سهلة وعبارة بليغة، والتقاط حاذق للأمثال الشعبية، حتى ان كثيراً من أشعاره ذهب مثلاً.
والمراجع لديوانه، وهو سجل شعري لحالة العراق في مختلف ظروفه، يجد هذه الحالة العراقية، والسياسية منها خصوصاً، لم تتغير كثيراً، برغم ما أحاط بها من تغيرات، حتى ليظن أن ما كتبه الشرقي قبل أكثر من سبعين عاماً ) وأملى عليَّ استاذي الكبير وصديقي الأثير الفيلسوف الكبير البروف ابو طريف الشيبي كامل مصطفى يوم كنا استاذين في الجامعة الليبية بطرابلس سنة 1995 ( انك لن تفهم علي الشرقي حين تتجنب قراءاته الفلسفية وثقافته الفارسية وانك لن تقترب من عالمه الشعري حين يغيب عنك تأثره بالعرفان الصوفي ! فهو من الذين يلغون ازدواجية الروح والجسد باتجاه تكريس دلالة الجسد روح منظورة والروح جسد مخبوء ! وقد التاع كثيرا وهو يكابد هذه الرؤية في مجتمع فتح عينيه على الانتهازية والوصولية ولم يكن يعرفهما في القرن التاسع عشر ! وإلا كيف تعلل هذه البائية - وادهشني ان الشيبي يحفظها للشرقي ويحفظ الكثير من شعره غير المعروف – انك لن تفهم البائية اذا لم تكن اطلعت على فلسفة المعري ورباعيات الخيام وكلستان سعدي الشيرازي:


ياموكب الاجيال والاحقاب
من أين جئت ؟ وكيف عجت ببابي
أمن القبور ؟ فكيف من حلوا بها
أهناك ذو ألم ٍ وذو تطراب ِ
ولهم صبابات لنا ؟ أم غودروا
في بلقع ٍ مافيه غير خراب ِ ؟
أمررت بالاعشاب في تلك الربى
وذكرت أنك كنت في الاعشاب ِ
حول الصخور النائمات على الثرى
وعلى حواشي الجدول النساب ِ
وعلام تصعد كالسحابة في الفضا
والى التراب مصير كل سحاب ِ
لما طلعت على الشعاع موزعا
مترجرجا كخواطر المرتاب ِ
وذهبت في عرض الفضاء كخيمة ٍ
رفعت بلا عمد ٍ ولا اطناب ِ
قال الصحاب لي َ استتر، وتراكضوا
للذعر يعتصمون بالأبواب ِ
وهب اتقيتك بالحجاب فانني
لابد خالعه وانت حجابي
كم سارح ٍ في غابة ٍ عند الضحى
جاء المساء فكان بعض الغاب ِ
ومصفق ٍ للخمر في أكوابه ِ
طرباً ، وطيف الموت في الأكواب ِ
انا لو رأيت بك القذى ، محض القذى ،
لسترت وجهي عنك مثل صحابي
لكن شهدت شبيبة وكهولة ً
ومنى ، وأحلاما ً بغير حساب ِ
والشاربين بكل كأس ٍ ، والأُلى
عاشوا على ظمأ ٍ لكل شراب ِ
والضاربين بكل سيف ٍ في الوغى
والخانعين لكل ذي قرضاب ِ
والصارفين العمر في سوق الهوى
والصارفين العمر في المحراب ِ
والغيد بين جميلة ٍ ودميمة ٍ
والعاشقين ، الصب والمتصابي
والعبد في أغلاله وحباله
والملك في الديباج والأطياب ِ
آبوا جميعا في طريق ٍ واحد ٍ
الخاسر المسبي مثل السابي
فضحكت ُ من حرصي على ملك الصبا
وعجبت كيف مضى عليه شبابي
ووقعت انت على تراب ضاحك ٍ
لما وقعت عليّ في جلبابي
وكذاك اشواق التراب مآلها
ولئن تقادم عهدها لتراب ِ


وتستحضر الذاكرة الشعرية مبارات جميلة بين الشعراء العرب حول البلبل ! نعم البلبل مثل احمد شوقي وعمر ابو ريشة وعلي الشرقي وحميد السماوي وكوكبة طويلة من الشعراء ! وقد اثارالدهشة قول للجاحظ المتوفى 255 هجرية في كتابه الحيوان ( البلبل رعاك الله لاينسل في قفص ) فقال عمر ابو ريشة :


حلم تخلى عنه في رغده هل يقدر النوح على رده
لو علم الصياد ما صيده ما جعل البلبل من صيده
الفيته ينثر الحانه كأنه ينثر من كبده
وإلفه المشفق ظل له باقٍ كما كان على عهده
............
كأنه من طول ما مضّه من ألم القيد ومن كيده
أبى عليه الكِبْرُ أن يورث الــ أفراخَ ذُلَّ القيد من بعده
وقال شاعر من مصر :
ياهند قد ألف الخميلة بلبل يشدو فتصطفق الغصونُ وتطرب
هو شاعر الأطيار لا متحدث صلف ولا هو بالإمارة معجب
تتعلم الأطيارُ عذب غنائه فإذا شدا فبكل ثغر كوكب
وقال عبد الحميد السماوي :
يا بلبل القفص المطل وشاعر الروض الاغن
ماكان ظني ان اراك مغردا ما كان ظني
فالحزن اعمق نغمة من نغمة الوتر المرن
واذا علا صوت النعي بمحفلا، سكت المغني
لحن النفوس الشاعرات بنغمة من غير لحن
يا ابن الراكة قد قتلت مسرتي واثرت حزني
أنا لستُ من حمم الجحيم ولستَ من جنات عدن
انت الأسير بلا فدى وانا الطليق بمطمأن
اتصاغرت للسجن نفسك فهي من طرب تغني
وتعاظمت نفسي عليَّ فخلت هذا الكونَ سجني
وحين كتب علي الشرقي قصيدته البلبلية نال من الاعجاب مالم ينله رفاقه البلبليون :
معي يابلبل الروض فهذا مجلس الورد
وطارحني بما عند ك أطارحْكَ بما عندي
خضضنا رغوة العمر لكي تفصح عن زبد
فلم نلق سوى الخض من المهد الى اللحد
معي يابلبل الروض الى الذروة او ابعد
يريد الكلم الطيب ان يصعد فلنصعد
حدود القوم تستهزي بمكن خطط او حدد
نظام يفسد الصالح والراضي به افسد
معي يابلبل الروض من القداح والطلع
نحيي الطاهرالطيب بالذات وبالطبع
أردت الأذن للرؤيا لكي ابصر بالوضع
عسى ان ننظر الوضع كما نسمع للوضع
يفوح الورد بالطيب ألا ياوردتي فوحي
تريد الأريحيات شذا من حقلك الروحي
وبالأسرار للعالم ياقيثارتي بوحي
عسى أن ترقص الدنيا ولو رقصة مذبوح


رابعا : علي الشرقي عقل وعاطفة :


وعلي الشرقي انسان ملتزم يخشى الله في كل شيء ! وربما استشعر في جسده رغبة للجسد الآخر وفي نفسه ميلا لزوجة صالحة يسكن اليها وتسكن اليه ! وكان شعره العاطفي يبوح دفءا وحنانا ! ففهم ذووه ان القصائد الغزلية ليست تلميحا عن حاجة جنسية تستدعي الزواج بل هي تلميح وتمليح للجمال وتسبيح لله مبدع الجمال ! فلم يعد الشرقي فتيا وقد بدا اكبر من عمره بسبب شراسة الهجمة الظلامية عليه !! والناس البسطاء يتوهمون ان الغزل حاجة جنسية لا يسدها سوى الزواج ! مع ان الغزل في الشعر يجيء غالبا لدواع جمالية ! وحين اقترح ذوو علي الشرقي عليه عام 1909 فكرة الزواج من بنات الاقارب ! فضحك وظن انها طرفة ولكن ذويه ربما ظنواان زواج علي الشرقي ربما سيمتص منه النار الحامية بين جوانحه التي تستحيل خصومات وحروبا ومساجلات ! والحف ذووه عليه في قبول فكرة الزواج فتأبى من اعماقه مرات ومرات فهو في شاغل تنويري ربما ينسيه نفسه لكنه وافق اخيرا بعد عياط وشياط وشفاعة من قريش ولمح لهم برغبته للزواج من صبية تسكن في عكَد ( زقاق ) السلام شباكها مطل على الطريق وقد وقعت في نفسه موقعا حسنا وربما استشعر منها الميل ذاته ! وكان له ما اراد وربما شعرت الصبية حقا بشيء من الحب نحو الشرقي وهو الفتى الوسيم ! يقول المؤرخ جعفر الخليلي : واقدم الشرقي على الزواج وللشرقي الشاعر عدد من الاصدقاء ومن حق الشاعر في ذلك اليوم على الشعراء ان يزفوا له التهاني بالقصائد وان يعدوا له سوقا يتبارى فيه الادباء بشعرهم وهكذا كان والفصل كان ربيعا والنفوس تبتهج في الربيع وزفت العروس وما كادت تدخل الحجلة حتى شكت ! لقد شكت من عارض مفاجيء وقالت مرات ومرات اني احترق اني احس باني احترق .. احترق احترق !! وفي اقل من لحظات اسلمت الروح الى باريها ) فكتب علي الشرقي وهو العريس المفجوع قصيدة شمعة العرس بما يشبه الارتجال فقد كتبها على غرار قصيدة البحتري السينية الكئيبة فتلاقفها الناس وحفظوها وها هي شذرات منها :


شمعةَ العرسِ ما أجدتُ التأسّي أنتِ موقودةٌ ويُطفَأ عرسي
أنتِ مثلي مشبوبةُ القلبِ لكنْ من سناكِ المشؤوم ظلمةُ نفسي
يا رعى اللهُ للزفاف شموعا يتهافتنَ حول نعشٍ ورمسً
عكست حظَّها الليالي فذابت خجلاً تسقط الدموعُ بهمس
هكذا ذاب باحتراقٍ فؤادي هكذا سَوْرةُ الدموعِ برأسي
جلوةٌ «أم مناحة» لنجومٍ يتناثرنَ بين سَعْدٍ ونحس
كان حَدْسي تذكو الأماني شموعا والليالي خيّبنَ ظنّي وحدسي
الرجا كان شمعةً فتلاشى وانطفا صارمُ الرجاءِ بيأس
أجفلتْ دهشةُ المصابِ الغواني فتطالعنَ من سُتور الدمقس
تتبارى بخشعةٍ وانصداعٍ تطأ الأرضَ بارتباكٍ وهَجْس
كنجومٍ تَكّدرتْ فتهاوتْ من سماءٍ إلى حظيرة قُدْس
فوجئتْ بالبكاءِ مذ جمد الدَّمْـ عُ تباكينَ باحورارٍ ولَعس
أبدلوها عن المنصّة نعشا طالما ضمَّ ربَّ عرشٍ وكُرسي
وترى نعشَها كباقة وردٍ تتهادى الأكفُّ فيها بخَلْس
رقدت رقدةَ النديم بجنب الـ ـكأسِ في ساعة ارتياحٍ وأُنْس
وبحضن الربيعِ أغفتْ فماتتْ مِيتةَ الوردِ في ذبولٍ ويُبْس
رفرفت حولها البلابلُ خُرْسا وبكاها نزعُ الحُليِّ بجَرس
حزنُ وادٍ وارى شبابَكِ ألا ينبتَ الوردُ فيه من كلّ جنس
أسفاً يُخرج الربيعُ الرياحيـ ـنَ من الترب وهْيَ في التُّرْب تُمسي
وكثيرٌ في ذا الترابِ رياحيـ ـنٌ، تعطّلنَ عن نباتٍ وغرس
القصيدة فيها بوح ونوح وهي معارضة حاذقة لسينية البحتري الكئيبة البحر والقافية والليالي جعلت البحتري والشرقي على بعد المساف الزماني شريكي محنة الحياة التي احالت العرس مأما (مَأتَماً بَعدَ عُــــــــــرسِ ) قارن البحتري :
صُـــنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي وَتَرَفَّعــــــــــتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ
وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـر التِماساً مــــــــــِنهُ لِتَعسي وَنَكسي
بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِـــــندي طَفَّفَتها الأَيّـــــــــــامُ تَطفيفَ بَخسِ
وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَـــــــــــــــهٍ عَلَلٍ شُـــــــربُهُ وَوارِدِ خِـــــــمسِ
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحــــــمولاً هَواهُ مَـــــــعَ الأَخَسِّ الأَخَــــــــسِّ
لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللـــــــــــَيالي جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ عُــــــــــرسِ


هكذا اذن تبتديء المحنة فعلي الشرقي الذي تجاوز محنته التي اصبحت في ذمة التاريخ فلم يعد البكاء مجديا فهو مخلوق حالم مبهور بحركة الكون مسحور بأحلامه الكبيرة ! رغم الفواجع والزعازع
علي الشرقي لم يكن يفكر بالخلود الأدبي كما يفكر شعراء الدرجة الثانية
ولم ينس سخريته من اولئك الباحثين عن خلود الدنيا وهو يرثي عزيزه الزعيم الوطني المصري سعد زغلول :


لي في الحياة تعلق ٌ وتشدد ُ والعمر مابعد المدى فسينفد ُ
نفس ٌ اردده واعلم ُ انه للموت بين جوانحي يتردد ُ
ويلم ُ بي ألم ٌ اخاتله بما يصف الطبيب ُ فيستكين ويخمد ُ
ويسرني أني نجوت ُ من الأذى ويْلي كأني ان نجوت ُ مخلّد ُ
وكأنني ضللت ُ سير منيتي ان الطريق الى الفناء معبّد ُ
هيهات لست بخادع ٍ عين الردى عين الردى يقظى وعينك ترقد ُ


ولذلك التفت الشرقي الى مشروعيه الحضاري والشعري ! لمنابعه وهو
يكتب عددا من القصائد الغزلية جريا على طريقة القدماء فهو يذوب ولو في خياله بالجمال ويجرؤ وهو رجل دين كبير على قول اشياء تفصح عن عدم اكتراثه بمحيطه المتشدد فها هو يتغزل بفتاة جميلة ويدعوها لتكي تسفر عن جمالها مستعملا مفردات الصهباء والسكر في زمن وبيئة يريان السفور واصهباء مروقا عن الدين والاخلاق وقد كتبها عام 1912 اي بعد كتابة رائعته شمعة العرس وقد توهم الكثير ان الشرقي بعد نكبته بعروسه التي حدثت 1911 سوف لن يكتب شعرا غزليا :


أقرأت مختلف السطور بين الترائب والنحورِِ
سبحان من صبغ الخدود وقال للألحاظ جوري
ألحاظ ولدان سبت حورا فقل ألحاظ حور
أفدي أسيرة خدها إن كان تقبل بالأسير
ذهبت بقلبي ضائعا بين المضارب والخدور
أبت السفور فخالفت لك سنة القمر المنير
إن كان يستر طالع فالشمس أولى بالستور
أتصاد آرام الفلا وتصيد آرام الصقور
الراويات من الدلال الذاويات من الفتور
نشوى بكأس نعاسها سكرى بصهباء الثغور
أما بدت لك في الدجى نار الخليل بطور نور
فقل السلام فإنها أنوار طالعة السرور


لكن الهم الوطني كان هو الهم الاعلى والوباء الاجتماعي كان عنده الأجدى بالاهتمام ! يريد الشرقي ان يحلق بالناس ويابى الناس عليه الإرتقاء ! فأين حصاد ثورة النجف التي هزت العرش البريطاني ! وكيف رضي بعض الزعماء بفتات النصر لقاء رشاوى ومخالسات ! وكيف لعلي الشرقي ان يقود المفكرين والثائرين الى الساحل الذي ترسو عليه سفائن الحرية ! كيف يتحرك وثمة من يسير المظاهرات ضده ؟ وثمة مجالس مكرسة للنيل منه ! فهل يتنازل عن عناء الجماهير وسعيها الى الحرية بعد ان خاضت معارك التحرر ! بل ان المحتل خلق بؤرا للنزيف والتشظي ومن بين تلك البؤر يد معتدية تحاكي يده في الجذب والإقصاء ! ولقد هيأ هواه القومي الوحدوي وهو يرثي زعيما مصريا متنورا اسمه سعد زغلول اقول لقد هيأ له هواه القومي ان يشيد بثورة فقراء العراق ضد المحتل الانجليزي ناصحا الشعب المصري الشقيق ان يقتدي بالشعب العراقي فيطرد المحتل عن اراضيه ! والشرقي الوطني لم ينس محنة الشعب الفلسطيني الذي كابد من الاحتلال الانجليزي فناضل ضده فاذا خرج الاستعمار وظن الفلسطينيون انهم غنموا الحرية وجدوا ان دولة للصهيونية قامت محل سلطة الاحتلال ! وذلك نوع من الغدر الذي يمارسه المحتل ضد الشعوب المغلوبة ! ثقافة الشرقي ووطنيته امتزجتا برؤيته القومية الحميمة فلافرق بين العواصم العربية من وجهة نظر علي الشرقي ! لافرق بين الشام وبغداد ومصر والقدس ! وموقف الشرقي لايختلف عن رأي الفراتيين قاطبة والعراقيين كافة فمدينة مثل النجف الاشرف نهد احد ابنائها فوضع كتابا ضخما اسمه فلسطين في الشعر النجفي ونهد ثان فوضع كتابا ضخما عنوانه الجزائر في الشعر النجفي ونهد ثالث فكتب موقف مدينة النجف الاشرف من العدوان الثلاثي الاسرائيلي والبريطاني والفرنسي على الشقيقة مصر 5 حزيران جون 1967إذن علي الشرقي ليس بدعا في مشاعره ولايشكل شذوذا عن رفاقه من المتنورين قارن بوحه لله دره :


بالشعب قد عاثت يدٌ عاديَهْ فجَدِّدوها نهضةً ثانيَهْ
واستقبِلوا الأعداءَ في وقفةٍ فيها نُعيد الوقفةَ الماضيه
جاءت لتحتلَّ البلادَ التي تُفدَى لها أرواحُنا الغاليه
خانت عهوداً قد وفينا بها وأظهرتْ غدرتَها الخافيه
تُغْزى إلى الآن بأوطانها فكيف جاءت شعبَنا غازيه
وما حمتْ لندنُ أبناءه فكيف يحمون بحبّانيه
لا عاصمَ اليومَ فقد جاءها طوفانُ أمواجِ الردى الطاميه
أوردها البغيُ حياضَ الردى وتلك عُقبى الأممِ الباغيه
بالأمس قَوّضنا ذرى عِزّها في حيث لم تبقَ بها باقيه
هل نسيتْ ما حاق في جيشه منا؟ ولا أحسبها ناسيه
في مَعْرَكٍ عجّتْ له لندن بالنَّوْح من ناعٍ ومن ناعيه
حتى بَنَيْنا صرحَ مجدٍ على أشلائها والرمم الباليه
شبّتْ على العُرْب لظى حربها فسوف تَصلى نارَها الحاميه
أين المفرُّ اليومَ من جحفلٍ جاثٍ لها كالهِضَب الراسيه ؟
تعضده من يعربٍ أُمّةٌ ثارت بها عزمتُها الذاكيه
كأنّ كأسَ الموتِ مستعذَبا لديهمُ كأسُ الطلا الصافيه
لا يرتضي الشعبُ سوى أهلِه حكومةً آمرة ناهيه
يا فئةً قد ولجتْ غابةً تحوطها آسادُها الضاريه
صبراً على الحرب فيا بئس ما جنَتْه منها يدُكِ الجانيه
لا تجنحي للصلح واستسلمي فآيةُ الفوزِ لنا باديه
لم تُغنِ عنكِ الطائراتُ التي قد حلّقتْ رائحةً غاديه
فإنّ في الجوّ لنا أَنْسُرا ما أنتِ من سطوتها ناجيه
سننتضي البِيضَ التي لم تزلْ تقطر من أوداجكِ الداميه
أيامُكِ السودُ أتتْ فاندبي وابكي على أيامكِ الزاهيه
أيامَ قد جُرْتِ فلم تسمعي صرخةَ شاكٍ منكِ أو شاكيه
وكم أرانا الدهرُ من دولةٍ قبلكِ جارت فغدتْ فانيه
هدرت بالغرب الدماءَ التي فيها اشتفتْ غلّتُكِ الصاديه
كم دولةٍ دونكِ ضحّيتِها وكم عروشٍ سقطتْ خاويه
وجئتِ للشرق على غِرّةٍ لتقذفي أهليه في الهاويه
قد ذهبتْ تلك الأماني سُدًى وانقطعتْ آمالُكِ الواهيه
هل قام (أسطولُكِ) في بحرهِ يمنع ما جاءكِ من داهيه ؟
لا بِدْعَ إنْ أصماكِ سهمُ القَضا إنّ يدَ اللهِ هي الراميه
لا تلجئي للأرض من بعدما طاولتِ آفاقَ السَّما راقيه
أين العروشُ الشامخات الذرى ؟ أين قصورُ البَذَخِ الساميه ؟
أصبحتِ ما بين الورى عِبْرةً خالدة أو عظةً باقيه
إنْ هي إلا نقمةٌ عُجِّلتْ لا ريبَ في ساعتها الآتيه
قَرّتْ عيونٌ كنتِ أبكيتِها مذ شاهدتْ أعينَكِ الباكيه
من مبلغٌ (مصرَ) وأبناءها لو أن فيها أُذُناً واعيه
قد حانتِ الفرصةُ فاستنجدي على العِدا بالهمم العاليه
وحَطّمي عنكِ القيودَ التي قد وضعتْها السلطةُ القاسيه
جاءتْ لتحميكِ على زعمها و (لندنٌ) ليس بها حاميه
أضحتْ وما للقوم من جَنَّةٍ فيها ولا من جُنّةٍ واقيه
غابت نجومُ السعدِ عنها فذي سماؤها مظلمةٌ داجيه
إن ظهرتْ يوماً عليكم فلا حاضرةٌ تبقى ولا باديه
هيهات أن تخدعكم خدعةُ الْـ يُونانِ أو شعبِ يوغسلافيه
هذي (فلسطينُ) وجاراتُها هبّتْ فلبّتْ للهدى داعيه
ما هزَّها إلا صدى صيحةٍ من العراق انبعثتْ داويه
صوتٌ من الحقّ استجابت لهُ قاصيةُ الأقطارِ والدانيه
وأنتُمُ يا قومُ في مِصركم كأنكم لم تسمعوا الواعيه


ولم يكن صدى مواقفه واستنهاضاته للجماهير مجديا ! فلقد ران على الناس يقين لايربط العلة بالمعلول ولا يوائم الدال والمدلول ! المرأة الثرثارة المتخلفة حين تسوء علاقتها بزوجها لاتبحث عن العلة فتنسب محنتها الى ساحر او ساحرة ! والرجل الهرم يتزوج صبية فلايقوى على معاشرتها فيتهم زوجته السابقة بعمل ربطة اي سحر خاص يقتل فيه قوة الباه هذا ان بقيت للباه فيه قوة ! واذا سرق مقاول وطني من المال العام قالوا ان الاستعمار وراء ذلك الخنزير ! واذا ارتكب المستعمر جرما دمويا قالوا ان الجهل المتفشي بين الناس وراء إهراق الدماء ! المهم ان الفكر المتخلف الظلامي لايفسر الاحداث فيزيقيا وانما تتوفر له وصفات ميتافيزيقية جاهزة ! الشعب العراقي ابتلي بحكام لصوص وقتلة على مر التاريخ فيفسرها لك عبقري ليقول لك هذه دعوة الحسين بن علي بن ابي طالب على العراقيين !! وها هو علي الشرقي يرى الغلط في كل شيء ويرى ان الجماهير والحكومة وقعا في عط ومط :
نهذي بإصلاح البلاد وفعلنا عط ومط
انظر لوضع بلادنا غلط يصحح في غلط
الفأرُ قرَّض ثوبَنا البالي ونتهم القطط
كل شيء غلط كان ومازال ! والناس أمم وجماعات ومصالح ! ولكن الشرقي لن يستسلم لليأس فقد قهر رغباته وروض هواه وكتم الحسرة في روحه ! فحضر مجالس الدرس العلمي وهو اول من اطلق مصطلح فاتيكان الإسلام على مدينة النجف ونعتها بأزهر العراق الذي سبق أزهر مصر بقرون ! يقول علي الشرقي ( .. طريقة التدريس في النجف تتوزع بين طريقتين يونانيتين هما طريقة التحليل وطريقة التفسير ) وقد درس الشرقي النحو والصرف والبلاغة بعلومها الثلاثة البيان والبديع والمعاني والمنطق والفقه والتفسير والجدل والتريخ والرجال فضلا عن كتب اللغة الكبرى ! واقبل على المكتبات الخاصة ينهل منها المعارف الضرورية ضمن تناغم رحيم بين العقل العلمي والعاطفة الشعرية ! فبرز منذ نعومة اظفاره متحدثا مفوها وخطيبا منطيقا وشاعرا مفلقا ! فاجتذب نحوه افئدة المعجبين وكراهية الحاسدين والشانئين ! ولم يكن ليبالي بهؤلاء واولئك فما في روعه اشد واوسع! ولقد اثمرت قراءاته الفلسفية عددا من القصائد والمقطعات ! فهو يتساءل عن مصير الانسان ! فهو يقول مثلا أن حياته كانت ثم انقضت وهو لايدري عالم حياته وذكره ! ِ فهل اللاادرية منبعها علي الشرقي ام ايليا ابو ماضي ؟ قارن لطفا :


طيبت نفسي بالقليل وان كحل العين ذره
والدهر حلو ٌ كله لكن نفس الحرّ مره
كم حسرة ٍ في صدره ياساعد الرحمن صدره
كذب التظاهر كفتا ميزاننا عجز ٌ وقدره
يانادبين تمهلوا كم تندبون ثرى وصخره
للنفس سير ٌ دائب بحياتها والموت فتره
لي نشأة مابين تســـــ عة أشهر ٍ مرت وعشره
كانت حياتي وانقضت لم ادر ِ عالمها وذكره
وكذا حياتي هذه بعد السنين المستمره
تطوى واصبح بعدها في نشأة اخرى ونشره
ميلادنا ومماتنا ونشورنا أنواع طفره


خامسا : علي الشرقي ناقد اجتماعي :
علي الشرقي ظاهرة شعرية وظاهرة وطنية وظاهرة دينية ولذلك استعدى على نفسه الجهلة والسفلة والقتلة ! وحتى الشخصيات الكبيرة من وزن الخطيب والشاعر والمؤرخ الكبير الشيخ محمد علي اليعقوبي نور الله ثراه ! كان علي الشرقي شاعر عصره الذي بز اقرانه قارن وصف الشاعر والفنان الكبير الاستاذ محمد سعيد الصكَار : وكان بارز الحضور في المجال الثقافي من خلال ما كان ينشره من قصائد في موضوعات مختلفة، عراقية وعربية وعالمية، كقصيدته عن غرق الباخرة تيتانيك وعن الاتحاد السوفييتي، وأوروبا والحرب الثانية وغيرها. وهو أكثر الشعراء العراقيين، وربما العرب، استخداماً لمنجزات الحضارة والتقدم، إذ يحفل ديوانه بذكر السيارة والطيارة والكهرباء والبطارية وماكنة التصوير وغير ذلك إ. هــ ويقول استاذنا المؤرخ الكبير مير بصري في أعلامه 1/ 115 : ولم يكد الشرقي يبلغ مبلغ الشباب حتى مضى الى كرمنشاه في مهمة خاصة بالشيخ كاظم الخراساني ثم عاد الى العراق مسرعا بعد تفشي وباء الهيظة في ايران إ. هــ وحين بدا سعير الحرب العالمية 1914 وحتى لايقع مجندا في حرب مجنونة ضروس لجأ الى الشطرة موطن أجداده فاحتضنته وكانت له صداقات مع زعمائها واعلامها فإذا نهد السيد محمد سعيد الحبوبي لمواجهة المحتل الانجليزي انضم اليه الشرقي مع كوكبة من اصدقائه ! كان الشرقي مؤمنا بأن مؤامرة كبرى تحاك ضد الشعوب العربية وجاء استشهاد الحبوبي موجعا له ومثبطا لعزيمته ! وحين نادى الملك حسين امير الحجاز بتحرير العرب سافر الشرقي الى البصرة واستقل الباخرة التي مخرت البحر الأحمر والتقى عام 1921 الملك حسين في جدة ولبث معه سبعة اشهر وربما احس بخيبة ما بيد انه كان نعم العون والمستشار للملك حسين وقد القى في مجلسه بجدة قصيدة تشد من عزم الملك وتشيد بمشروعه مطلعها :
أعلاك ربي ما أعزَّ واشرفا علماً على الملك الأغرِّ مرفرفا
ولقد رأيتك حيدراً متمرِّساً ورايت شعبك يقتفيك على الوفا
ولقد ازعجت نجوميته الطبقات الراقية من رجال دين محافظين وتجار موسرين وزعماء سياسيين تقليدين ! فكانت التهم مطرا متواصلا ! وكانت الاحتجاجات قد تحولت الى ملاسنات ! ولعل طريقة الشرقي في القول والتصرف مع ملامح وجهه المتجهمة مما زاد الطين بلة ! ولم يكن الشرقي محتاجا لان يصحح لمن يراه خارجا ولم يكن احد يطمع منه بالاعتذار ! فكان الهجوم ديدنه فهو لايعبأ بسواه ! مرة هاجم الزعيم والاديب الكبير الشيخ محمد علي اليعقوبي كل شيء في الشرقي من شعره الى نثره الى تحركه الوطني واغلظ في القول :
قالوا سعيت وربما تسعى لغايات شريفة
لم تأت قط صحيفة الا وذكرك في الصحيفة
فأجبت ما لي غاية غير الحصول على الوظيفة
لا تكشفن مخبَّأ ً فلربما كشفت جيفة
وكان جواب الشرقي حديقة ورد من الحكمة :
يا رامي الشجر العالي بأكرته هلا تعلمت اخلاقا من الشجر
ترميه بالحجر القاسي لترجمه وانه دائما يرميك بالثمر
قدست من بشر لولا مجاملة لقلت في حقه قدست من بقر
قل للجآذر ظلما انت من بقر ان ينسبوك وهذا الوحش من بشر
يقول الأستاذ خالد القشطيني معلقا على ابيات الشيخ محمد علي اليعقوبي ( ... فتولى الشرقي عدة مناصب قضائية ثم اصبح عضوا في مجلس الاعيان وتولى عدة وزارات في ما بعدمما مهد لصعود نجمه بحملة طويلة من المقالات والمساهمات الصحافية والادبية التي استثارت في الاخير استياء صديق الامس الشيخ اليعقوبي! .. رأى الشيخ اليعقوبي ان علي الشرقي نال مناصبه بالمداجاة والتزلف للسلطة ! ) .
وهذه التهمة مالبثت لصيقة بأي كاتب دؤوب ومنظِّر موهوب فهو على راي الغوغاء طالب جاه وطاوي طمع وباحث عن منصب فكان المناصب موقوفة منذ فجر التاريخ للجميع سوى المثقفين ! ولكن هل طأطأ الشرقي راساً للعاصفة كي تمر ؟ شيء مثل هذا لم يحدث ! فعلي الشرقي مثل مقاتل ياباني لايتراجع ابدا واذا هرب فهروبه سيكون تقدما نحو الامام ! وقد نستثقل رايا لعلي الشرقي هنا ونتحفظ عليه هناك ولكن شراسة اعدائه معه جعله يزهد بالعمة وهو المعتم وينفر من العقال وهو سليله ! فالمشكلة لن تكون بهيئة الزي ولكنها تكمن دائما تحت الزي :
ما تغيرت يا وجوه بلادي فإلام الأذقان والأسبال
يا رفاقي هيهات يسعد شعب طرفاه عمامة وعقال
وإذا الفار والسنانير عاشا بوئام لم يفلح البقال
يقول المؤرخ جعفر الخليلي وهو الصديق الشخصي لعلي الشرقي في مقطوعة المسبحة ( .. ان المقطوعة الكافية كانت ردا على الزعيم الروحاني المرائي 2/60 م. س ) :
انظر إلى سبحته ترض الذي أقول لك
شيطانه كخيطها بين الثقوب قد سلك
ياذرة من نفخنا قد ارتقت الى الفلك
ما اسودت السبحة إلا لترينا عملك .
واذا كانت كلمات اليعقوبي طيب القلب والسيرة موجعة للشرقي فكيف حال الشرقي مع خصومه الأشداء والمحبوبين جماهيريا ؟
ساضرب مثلا قاسيا في الطعن بنزاهة الشيخ علي الشرقي وحتى كبريائه !! نقل الزعيم الوطني الأستاذ فريق المزهر آل فرعون في الحقائق الناصعة ص 343 رسالة غريبة ونحن نعرف مصداقية المؤلف الكبير الفرعون ولكن من حقنا كمؤرخين ان نطعن بمصداقية صاحب الرسالة الذي سلمها للزعيم فريق الفرعون ونواياه التصفوية ضد علي الشرقي انصافا لرجل انفق حياته في خدمة العراقيين كل العراقيين ( .. كان بودنا ان نشرح الأسباب التي ادت الى عدم اتساع نطاق الثورة في لواء المنتفك غير اننا تركنا هذه الناحية من نواحي الثورة لغيرنا مكتفين بنشر نص رسالة بعث بها الشيخ علي الشرقي الى احد زعماء الثورة في الفرات الوسط تاركين تعليل الأمر الى نباهة القاريء العزيز :
5 شعبان 1338
حضرة الزعيم الفاضل .......... أيدك الله آمين
سلام واحترام ! وبعد فقد حضرت الأجتماع بخدمتكم في شريعة الكوفة لأن أعمالنا التي كان التصميم على تقديمها اليكم لم تكن ناضجة تماما ولكنها في الأخير تحسنت وسوف ينقل اليكم بريد الجامعة نشرة فيها سجل ما تم من الاعمال وقد جاء الينا طلب من بلاد المنتفك لأن الحالة هناك تحتاج الى تفهيم والكتب المرسلة تحتاج الى ترجمان وقد عزمت بحول الله على التجول في تلك الأنحاء وهذا العمل المقدس يحتاج الى ورقة توكيل في هذه الشؤون ويحتاج الى كتاب للأخ خيون العبيد لأنكم وعدتم به وأسأل الله النجاح ! وهذا ما كان من الأمور العامة وأما امرنا الخصوصي وأعني به المسالة الشرقية ( علي الشرقي ) فلا اكتم عليكم بأني ما كنت احلم بأني الاقي من والدنا الروحاني دام ظله هذا المقدار من الهضم وسحق الحقوق ولو كنت اعلم بعض ذلك لعملت غير الذي عملت وسلكت غير الذي سلكت وكونوا على يقين باني ما وجدت على بساط اعدائي السابقين مثل هذا الجمر الذي وجدته على بساطكم فانتم احباي وسادتي فان فعلتم اوجبت ان يستخف بي الصديق والعدو لانها اعجوبة الاصدقاء وهزوة الاحزاب المعارضة وصدقوا ان المسالة خرجت من الماليات ودخلت في الحيثيات واني اتوقع بكل اصرار ورقة تحويل في بقية المطلوب وعلي تنفيذها وتنجيزها كمالا اني احب ان تكون حركتي قبل الزيارة فانها انفع في المقصود والغاية والامل انكم تتفضلون باوراق تجهيزي وتقدموها الى المولا الحاج مرزا احمد ليدفعها الى رسولي هذا الذي يعود الينا قبل الزيارة وليكن عند حضرتكم معلوم اني اذا عرفتكم بعد هذا اجعل في صدر كتابي عنوانا هذا نصه – بسم الله وحده – وهو عوض امضائي الخصوصي وفي الختام اتبرك بتقبيل ايادي آية الله دام ظله آمين .
علي الشرقي
هامش إنصاف علي الشرقي :
العرب تقول حدث العاقل بما لايليق اذا اردت ان تمتحنه ! فهل نقبل طعنا بشخصية وطنية كبيرة مثل علي الشرقي من رجل مجهول سلم طعنه على الشرقي وطلب من المؤلف عدم ذكر اسمه ! ولو عاش هذا الرجل الى زماننا هذا لتعلم من بهاليل الانترنت الاسماء المستعارة حيث بات بمقدور الديوث ان يقول للشريف انت ديوث وللجاهل ان يقول للعالِم انت جاهل ! وللمرتزق الذليل ان يقول للمناضل انت عميل ! قارن معي لطفا :
•     الاسلوب لم يكن اسلوب علي الشرقي وقد فات المفتئت محاكاة اسلوب الشرقي .
•     في الرسالة اخطاء نحوية واملائية لايقع فيها عالم لغوي عضو عدد من مجامع اللغة العربية بحجم علي الشرقي .
•     ذكر مؤلف الكتاب ان الوجيه الذي كتب علي الشرقي المهينة اليه واتمنه عليها سلم رسالة علي الشرقي وطلب عدم ذكر اسمه وفي علم التاريخ كما يعرف طلبة قسم التاريخ ان اي وثيقة يتم فيها شطب اسم صاحبها تهمل وترقن كما يعلم طلبة قسم القانون ان مثل هذه الوثيقة المحملة بقذف شخصية وطنية تخول القاضي او الحاكم رفض الوثيقة والامر بمقاضاة صاحبها لانها وثيقة مزورة وهي تطعن بشخصية لم تتعفر بالغبار .
•     الرسالة المزورة تريد ان تجرد علي الشرقي من وطنيته ومن هاجسه الديني ومن كرامته فيا لله ويالقريش !.
كتاب الاستاذ فؤيق المزهر الفرعون ص 620 يتوفر في رقم 7 على فهرست التصاوير وفيه مئة وست وثلاثون صورة فما الذي منع السيد المؤلف من تصوير الرسالة الظالمة لكي تتم دراسة الخط في المختبرات العلمية فمثلا يعرض المؤلف رسالة عادية ص 405 للشيخ احمد الداود بالزنغراف فينبغي ان تعامل كان كما تعامل اخواتها !! .
مؤلم ان يؤذى الثائر علي الشرقي حيا وميتا وهو الثائر الكبير ! وقد
كان الجنرالات الانجليز يطيش صوابهم حين يكتب علي الشرقي شعرا او نثرا ! وللمثال فقط ونقلا عن الزعيم الوطني الكبير الأستاذ الفرعون ص 42 : ولما نكث الانكليز بوعدهم مع العراقيين قام النجفيون صباح الثلاثاء 20 آذار 1918 بهجوم على سراي الحكومة وقتلوا الحاكم السياسي الكابتن مارشال وبقوا يقاومون الانكليز قرابة الشهرين وحوصرت مدينتهم خمسا واربعين يوما واخيرا تمكن الانكليز بمساعدة البعض من المتزعمين على القاء القبض على بعض القائمين بتلك الثورة فاعدم منهم نيف وعشرون رجلا شنقا من خيرة شباب النجف الاشرف وتلك الواقعة هي التي قال عنها معالي الاستاذ علي الشرقي :
نيف وعشرون صليبا لنا اذا النصارى افتخرت في صليب
لعظمهم قد رفعوا فوقنا اهكذا يرفع قدر الأديب
اعوادهم منابر للثنا تناوشوهن خطيبا خطيب . إ. هــ
نعم ان علي الشرقي واحد من ابرز الوطنيين الذين اشتركوا في ثورات الشعب العراقي ! وهو رجل دين يدعوا ضمن موقف مبدئي الى السلام بين ذوي الديانات السماوية الثلاث وكانت تربطه اوطد العلاقات بالاستاذ مير بصري والشاعر انور شاؤول وهما يهوديان اهدى الشرقي ديوانه عواطف وعواصف الى مير بصري فكتب هذه العبارات ( صديقي الأستاذ مير بصري بين يديك عواطفي وعواصفي بهيئة ديوان شعر يقول لك اذا جاز ان تحمل الفاكهة الى بستانيها فإني احمل اليكم هذا الاثر مع اخلاص صديقك علي الشرقي ) ! وقد بكاه مير بصري ( .. إيه ابا حسان ايها الانسان ..إني لأذكر ساعات واياما وسنين مضيئة قضيتها متمتعا بادبك الرفيع ولطفك الجم ومودتك الجميلة المتواضعة ... وإن انسى فلن انسى انني زرتك قبل مرضك القاتل وكان لديك جمع من الزوار فلما استاذنت بالخروج ومضيت في توديعي متفضلا الى الباب قلت اريد ان استشيرك في امور يا ابا احسان فاسمح لي ان ازورك في فرصة قريبة وقلت لي بل عد الآن وانا كفيل بصرف الزوار فنتختلي ونتكلم ولكنني قلت لا داعي للعجلة وانصرفت ولم اعلم ان القدر يقف بالمرصاد وان زيارتي التالية ستكون للسؤال عن صحتك وانت راقد في الفراش تعاني اوصاب الداء الفتاك ثم دق جرس التلفون بعد ايام قليلة وكان نعيك الذي صك سمعي واضنى نفسي وادمع عينس ) ! وليس ثمة غرابة في ذلك فلقد كان العراقيون عراقيين بحق في تسامحهم الديني والقومي ! اما صداقاته مع الاعلام المسيحيين فهي اكثر من تحصى ! وقد كتب بحثا علميا عن اليزيدية نشره في مجلة العرفان اللبنانية عدد 8 سنة 1926 اعتبر من لدو العديد من الإيزيدية انتصارا لمعتقدهم ! فقد كتب الأستاذ شمدين بارني قارن مجلة زهرة نيسان 21 كانون ثاني جنوري 2006 ما نصه ( ... نشر الشيخ علي الشرقي بحثه اليزيدية او البايزيدية ولم يكن إلا بحثا موجزا في ذلك الزمان ! فالشيخ النجفي يعتقد ان اليزيدية لاتعود الى يزيد بن معاوية وهذا ما نقوله ايضا اذ لا علاقة بالايزيدية مع بالامويين. وان تلقيب الشيخ عدي بالاموي له غرض مسيء وهو ربط الايزيدية بالاموية في الوقت الذي لاياتي هذا اللقب في النص الديني الايزيدي بل ينص على ان الشيخ عدي هو شامي وهناك فرق بين الاموي والشامي إ. هـــ ) ! بل ان علي الشرقي ابتهج بثورة اكتوبر 1917 وكتب قصيدة تحية للثورة ولستالين :
دولة يشترك الكل بها ما لها مملكة بل مؤتمر
اتحاد وإخاءً شامل وتساوٍ بين أنثى وذكر
وزعيم هادئ أعصابه من حديد بنيت أو من صخر
ولد الثورة لبى أمه بالرفاق الغر لليوم الأغر
وحين يلام الشرقي على اندفاعه في النقد او التأييد كان يكرر بيتين من الشعر على وزن المجتث يريد بهما ان نقدكم لي لاني صادق خير عندي من مدحكم لي لاني منافق :
سبعون معصية قد أتيتها في الخفاء
كانت ابرَّ وأزكى من طاعة في رياء
والشرقي دويهية في النكتة الشعرية وله في ذلك صولات وجولات وسينذكر شيئا منها لاحقا ولكنني احب ان اذكر قصيدة الطلاسم التي كتبها ايليا ابو ماضي الشاعر اللبناني المقيم في امريكا :
جئت لا اعلم من اين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
ومعلوم لدى محللي النص ان سؤال ابو ماضي يسمى سؤال العارف وليس سؤال الجاهل حتى يجيبه السذج ( انا ادري ) ويطمحوا الى تنويره ! فالتفت الشرقي الى جلاسه وقال : سبحان الله ايليا ابو ماضي المثقف الكبير الذي ضم الى ثقافته ثقافة امريكية واضاف الى لغتيه العربية والفرنسية لغة انجليزية يقول لست ادري وشعيط يدري ؟! فكتب قصيدة فكهة جاء فيها :
أنت مجنون ولكن لست تدري انا ادري
وارسلها مثلا ! ومازال المثال حاضرا في ذاكرة جيلي الاربعينات والخمسينات ! وكانت مجالس النجف تردد شعرا كتبه علي الشرقي عن احد الزعماء الذين اثروا وتربعوا على امجاد نضالهم في يوم ما وقد زار الطبيب فكان الشرقي الراوي ثم اصطنع ديالوكَا مؤلما مضحكا :
مد زعيمٌ لطبيبٍ يداً كانت على رغمي ملثومة
قال له ليس بها من اذى فصاح لا ! كفي محمومة
ومر من حولهما شاعرٌ رددتِ الدنيا ترانيمه
فقال ظني بمكان الأذى قد سقطت دمعة مظلومة
وها هو الشرقي رحمه الله يفصح عن اوجاعه بطريقة ساخرة وفي مطبوعته المدوية ( الأحلام ) فيشكو حال مدينته الفقيرة واحل

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية