ثقافة وأدب

نجم عبد الله خليفة

مواويل جنوب القلب وثنائية الحياة والموت

03/10/2010 20:48:21
-- الشاعر كريم راضي العماري -- بين هموم التعبير عن واقع مُر ومسؤولية تبني فكرة التجدد أنبثق الشاعر كريم راضي العماري شاعراً معاصراً وضع نصب عينيه قضية كبيرة التزم بها الالتزام كله وهي قضية الانسان بكافة سموه ومسؤولياته ودورة المصيري في استيعاب واستدراك مبررات وجودة على كافة الاصعدة فلهذا فأن تجربته الشعرية الثرة عبر عقود من الزمن لم تنغلق على هموم الذات فقط بل تتفتح في اتجاهات عدة منها ما هو وطني تترسخ فيه تجذرات الانتماء الصميمي لبقعة ترتوي من ينابيع قلبة بغزارة ومنها ماهو انساني يستنهض به دور الانسان المحبط والمتهالك على اعتاب قناعات واهبة يمضغ مراراتها اليومية دون امل..
اما المرأة فقد اخذت منه الشئ الكثير فهي لربما همة اليومي في اقتباس وتناص الدلالات ليرسم اطرو مفاهيم تعدو فيما بعد تجارب ومسلمات تكون اللذة ربما اخر المطاف وفي اتجاه اخر وفي معظم قصائده في مجموعته الشعرية السابعة (( مواويل جنوب القلب ))
نجد انه استطاع تحويل الام الدم اليومي الى الصبر من خلال تحويل القيمة الانفعالية الى قيمة تعبيرية مترعة بالنضج الدلالي عبر منظومة من الالفاظ والاستعارات والمعاني والتشخيص فهو يحث الخطى بأتجاه رؤية جديدة لتحقيق حلم لذيذ ممتلئ بالطاقة والقوة والزهو.
وعند الخوض في نهر الشعر عبر ضفاف ديوانه، نجد بأن للمرأة نصيباً وافراً من قصائد الحب وهذه القصائد ( قصائد الحب والمرأة ) لها خصوصية يكاد ان ينفرد فيها الشاعر وهي خصوصية الكناية والاستعارة لطرح الحلول والرغبات الكامنة في ضمير اللاشعور من خلال بوابة المرأة ليسقط عليها تداعيات الواقع وفهم الفلسفه اليومية فألمرأة مساحة واسعة يستطيع ان يجسد فيها انفعالاته الصوفية عبر موازنة واعية بين الحب الذاتي وحب الاختيارات الكبرى اختيارات المصير والتاريخ وقد جعل من صيغ تعبيره عن هذا الحب منطقاً لتأكيد ارتباطه بهموم الناس ودفاعة عنها من خلال وعية للعلاقة بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي في وجودة الاجتماعي والإنساني ففي قصيدة ( إلى حبيبتي ) وهي أول قصائد الديوان ، يلجأ الشاعر الى التصوير الحسي لمفاتن المرأة بصيغة المباشرة والاستعارة مما يخلق جواً تمهيدياً ليبث فيها نزعته الفلسفية في الوجود والنهاية وربما الخلاص عبر مفاهيمة الباطنة:

القبلة خط منحني يوصل شغاف القلب
وبالعين ضحكة فرح
تشفيني من اتعب
والشعر من ينغسل
بالمشط لتمشطية
خايف انه عل مشط بالشعر يتعذب

ثم يلجأ بعد ذلك الوصف الحسي الى تصوير المصير الحتمي والنهائي للإنسان خالقاً بذلك التوازن المعتاد لكتفي الحياة والموت

باجر ورانة كبر
ويطول بية النوم
البشر من تنولد
والبشر من تندفن
ماكو عليها اهدوم
الناس تنظر يجي
اهلال او يخلص الصوم
وانه صيامي سنة
يا (0000) ابكل يوم

ففي قصيدة ( حب عراقية ) تجد التجذر الانتمائي الذي يبثه الشاعر عبر تداعيات حسية لوطن يحمل ثقله العاطفي الحاد والذي منحه سمة روحية تصطخب بالمشاعر والعواطف عبر عبارات دلالية ( نار-حزن حمامة-قصة-سجين ) وكذلك دلالات التكرار في اللفضة او الجملة مما اعطى دفقاً اضافياً لمشاعر جياشة تمنح النص دلالة الشعور الذاتي الممتلئ قوة واندفاعاً:

مثل نار القصائد
من توج بالروح
اوج كل يوم
او مثل حزن الحمامة
الضيعة عشهه
بكت روحي
عليك اتحوم
وانه بلياك 00 تعرف زين
ما يغمض جفن للنوم

وفي سياق قصيدة المرأة او مرأة القصيدة نجد الزمن الذي يدخل ضمن وجوديات الثنائية ثنائية الحياة والموت
تكررت في قصائد الديوان خلال مدلولات مباشرة للزمن واخرى ضمنية تفهم من سياق النص فالنتيجة النهائية التي لامناص منها نجد الشاعر يستعجل الخيار الااني للاستمتاع بالحياة ضمن سياق قصيدته ( بعدنة ازغار) :

انه السفان
واعرف شمرت الماي
شجاني وامنت
بالريح سنتين
سمعتج كلتي
اعرف كلشي عل الحب
يعمري الحب حديقة
واحنة غصنين
او بعدنة ازغار عالحب
لاتكبرين 00 لاتكبرين

وكذلك في قصيدة ( الشيخ والطفل ) والتي تعطي ايحاءاً دلالياً للزمن الهرم عبر حوارية درامية عالية الشجن ترسخت فيها مفاهيم الموت الحاضر في كل الاوقات والذي شخصها الشاعر بصورة اليتم المتجسد بذلك الطفل الفاقد لاهله ويعد البناء الدرامي احد الوان بناء القصيدة من خلال توظيف عنصر الحوار والحوار الداخلي وتعدد الاصوات وتقديم صور بليغة للمشهد:

مرة اشتكيت لطفل
كتله انه متعذبة
اوظل الطفل يتبسم
ينظرلي متعجب
كتلة احجي ليش اصفنت
كلي اني ما افتهم
او عمري بعد ما وصل
ياعمي خمس اسنين
وانه يتيم الابو
الام واخواتي اثنين
واسمع الناس اتحجي
يكولون ماتوا هلي
ياعمي مغدورين

وهنا مدخل تصويري اخر – يرسم فيه حالة الام – بالاتجاه الدرامي والقصصي قينتقل الى الحوارر الداخلي الذي تجسده الام الذي يمثل هواجسها واحزانها وصراعها الداخلي نجد الحديث بصيغة المتكلم لتعميق الحالة واحزانها التي توحي الاسى حيث يقول في قصيدة ( ام ازهر ) :

ابمحلتنه عجوز
الناس تعرفهه
كريمة 00 او صادجقة 00 اوطيبة
عدهه اربعة بنات
او ولد اسمه ازهر

ثم يستمر الشاعر بأعطاء المشهد عمقاً درامياً ونمواً عبر السرد الانفعالي الذي يعطي فيه صوتاً لعاطفة الام بأسلوب يضفي عنصر التشويق والاثارة والتوتر من خلال تكثيف الصورة وتركيزها عن طريق الراوي الشاعر الذي اختار كل ما هو جوهري من التفصيلات الحية والتي تقوم على البنية الدرامية للقصيدة :

واجه ازهر
اواتعشة ازهر
ونام ازهر
واجت لفراشه او كالت
لاتبرد00 او ليدي 00 احبيب 00 ادثر
واشتعلت النار
ابكل سمة بغداد
او قذيفة بغرفة ازهر
بيه مات ازهر

كانت قصائده تتجه بأطراد الموضوعات الانسانية والتي تعبر عن فهم عميق بمدلولاتها وايحاءأتها والتي تعد الحرية احدى ركائزها الاساسية وما الشاعر الحقيقي الا من يؤمن بالمثل العليا ويسعى الى الكمال ويبحث عن المعاني الكبيرة والتي اساسها الجمال والحق من اجل تعميقها بين البشر وخاصة الذين يحملون العواطف الخيرة من اباء وغيره ففي قصيدة ( الشاعر ) يقول :

عدل
ميت
الشاعر
بالضلام يصير
لدروب البشر شمعة
الشاعر يختلف صدكني
عن الناس
بأخلاقه
بفرحته
بحزنة وبطبعة

ومن ضمن السياق الانساني الثر-الذي تبناه الشاعر-يعبر اصدق تعبير لخلجات النفس ويمزج بين الوليد العائلي ( الابن ) الفقيد وبين الوطن فقصيدته تمثل الحياة الواقعية الشاملة الذي يرى من خلالها مأساة الحياة اليومية لوطن منتهك فحاول يبث شكواه وألمه عبر منظومة دلالية من الالفاظ الموحية لعمق الشجب الابوي والانساني واستعارات الحزن الموغل في اعماقه فنجد معجماً من الفاظ الحزن تحتل اجواء القصيدة (الغيم-بركان-نبي يوسف-حمام المعبد-علي-نحر النار-الفاتحة) عبر قصيدة (الى ولدي الشهيد سرمد):

بجيت أعليك
بجي الغيم ياسرمد
يابركان شب بالروح 00مايبرد
تستاهل اعيوني
ادفنهن انه اوياك
شيفيدن بعد
والزمن صار اسود

وفي موقف اخر من القصيدة يتجلى العراق بكل تفاعلة مع الحزن الابوي موضحاً معاناة الانسان في وطنه:

لان سرمد عراقي وابن هاي الكاع
واعرف بيه
اذا يفتاد وماينرد

وكذلك قصيدته الى ( واثق ) فنجد الصبر يخيم بقسوة على مناخ القصيدة فتستعر الدلالات الاستعارية والكنائية والتشبيهات كلها لتصب في وعاء الصبر الجميل والمكابر والمندى بحزن شفيف الذي يصعب ( شلة )فهو حزن الجراح دجلة والفرات :

انه صبري اعله واثق
صبر دله
يذوبهه الجمر
وتكول سهلة

وللغربة والحرمان ايضاً حظاً واخراً افراص في ثنايا قصائد منها ماهو يفيض ضمناً من سياقات النص عبر الاستعارات ومنها هو مباشر متصدراً عنوان القصيدة (من اغاني الغربة ) والتي يتشكل منها الوطن نسغاً دافئاً عبر ثنائيات الغربة ( غربة الوح وغربة البدن ) والتي تصب هي الاخرى في ثنائية الحياة والموت والذي يقف فيها الصبر سراباً عاجزاً :

الجنح مكسور ياريح الهوة ابهيده
اريد اوصل حبيبي اوديرته ابعيده
الزمن ما قصر أوياي
وسراب ابعيني الماي
اليضيع اهله وحبيبه
الصبر شيفيده

وكل ماتقدم فأن الشاعر كريم راضي العماري مايزال يبحث عن وطن ضيعته ملامح المحن وتداعيات الموت ذات الايقاع اليومي الذي تعزفه انامل الغرباء حاملاً بين جنبية قلباً دافق بصورة الالم الانساني يبث شكواه عبر شبكات من الوجد الشعري المندى بهمهمات صوفية لمعابد شتى مليئة برائحة البخور الهندي يبحث فيه عن بديل لوطن ضاعت ملامحة ومستعيضاً بالوطن الام وطن لولادة والصبا وطن جنوب القلب ( العمارة ) والذي يخلع عليها ابراداً من الولاء والتثبت والتجذر لتعيضة بعض الوقت عن وطن لم يسترد عافيته بعد عبر تساؤلات ملحة جسدا فيروزياً اسمه ( العمارة ):

ها يلعمارة شلونج
ومدري انتي صرتي اعيونيه
ومدري احنه صرنة اعيونج
ها يلعمارة شلونج
وشلونه شارع دجلة
اشلونه المجر
اشلونه المشرح واهله
واشلونه علي الغربي الوفي
وكميتنة المنمله
اشلون العربي
او قلعه المادنكوا للذله

وفي مجال المرأة والحب اذ كان الشعراء الرومانسيون قد التفتوا الى تجربة الحب بنوع خاص وقدسوا المرأة تقديساً منصباً على الملذات الانثوية والروحية
فنجد ان الشاعر كريم راضي العماري قد اسقط حب المرأة على قضايا الوجود بأسرة وصراعات الانسان وتداعياته واتخذ المرأةً رمزاً حيوياً تارة للخصب وتارة للابداع وتارة للصبر والصمود وتارة للام وتارة للوطن وتارة للشجاعة وتارة للجمال وتارة يرسم عليها ملامح القدسية والعفة
فألمرأة هي الحياة والوجود الانساني الذي لايمكن اختزاله في جانب هو هو الجسد واللذة العابرة فهو شاعر يقتفي اثر الجمال ليمنحه سر الحياة ففي قصيدة ( المرأة ) نجد المرأة تنهض بكافة الرموز الدلالية التي خلعها عليها الشاعر والتي تبرز مفعمة بالصور المضاءة لزوايا المرأة ودورها في الحياة :

وانتي لوما انتي
واللة العظيم
كل ورود الكون
ما بيهه عطر
والابداع ايظل سجين
انتي ام المصطفى سيد الكون
           وانتي ام حيدر علي
وام الحسين
انتي بلسم للجروح
ابزمن شح بيه الدوة
والعراقي ايطيب جرحه
اوداعتج من تضحكين
انتي من عندج صبرهم
والله كل الصابرين
انتي شوكة ابعين اعداء العراق
المعتدين
الفاصبين
المجرمين
انتي تاج اعله رؤوس الجبناء 00الخايفين

ويبقى الشاعر يطوف في فلك المرأة مستخدماً كافة ادواته الشعرية واللحنية ليرسم صورة الحقيقة والمجازية والتشبيهات الصريحة والضمنية ليجسد معاني الحياة في ذلك الكائن الذي يسمى ( المرأة ) ففي ( مواويلة الشعر ) بالرغم من اختلاف المضامين لكنها تصب في جدول واحد يضم جميع دلالات المرأة المحتوية على كافة الصفات :

أنتي أجمل من
ملايين النساء
أنتي نار
اومنها خط الاستواء
وانه من عندي
برد كل الشتاء
انتي كل الكون
يتبسم
اذا تتبسمين
انتي قداحة عطر
جداً ثمين
وانه ما أملك
سوى
الحب والوفاء
انتي اجمل من
ملايين النساء

تبنت قصائد الديوان من حيث المضمون بنى موضوعية تشكلت في ثنائية واضحة المعالم والتصورات وهي ثنائية (الحياة والموت) بالرغم من انها تحدد في بعض الاحيان المباشرة والتشخيص الظاهر للنص ولكن قد استخلصت من منظومات متعددة الاليات فهم النص المباشر او الايحائي او عن طريق التصريح او التضمين معززاً بالدلالات البلاغية والصورية والاستعارات واغراض النص وخصائصه فالحياة تتجلى صورها في كثير من القصائد وعلى وجه الخصوص في قصائد (المرأة والحب) فهذا الرمز الخالد للديمومة والخصب والنماء والوجود وغيرها من التعابير الدالة على الوجود المعاش والمناخ الحي ،فنجد ذلك في القصائد الذي تنز منها رائحة البقاء ليتوزع هذا الرمز الحياتي في عدد من القصائد التي شخصت رموز الحياة بدفقها الهادر هي:
( حبيبتي-حب عراقية-بعدنة ازغار-حصة فقيرة-العمارة وصف بسيط جداً –المرأة-موأنته-المواويل الشعر-الحرمان-اخر جرح ) وفي الطرف الاخر لهذه الثنائية خلق الشاعر معادلاً مقابلاً للحياة وهو الموت فالموت والحياة رمزان مختلفان ومؤتلفان لايمكن وجود احدهما بفقدان الاخر فهذا التلازم قد رسم مناخاً ثنائياً تناقضياً على اجواء قصائد الديوان وكذلك الغربة والاغتراب وهي احدى ادوات الموت المؤجل كل ذلك ليبني انطباعاً فلسفياً لقضايا الوجود الاني فنجد الموت على الضفة الاخرى للحياة ليحتل مضامين بعض قصائد الديوان الاخرى وهي:
( الاربعاء- ام ازهر – من اغاني الغربة – الى ولدي الشهيد سرمد- اتصال هاتفي من العراق –الاعصار )000

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية