مقالات

إسراء يونس

دار الشؤون الثقافية العامة تؤبن رائد الابداع الشعري المسرحي (محمد علي الخفاجي) وتطلق عليه عميد المسرح الشعري

30/12/2012 23:40
نظمت دار الشؤون الثقافية العامة بالتعاون مع اتحاد ادباء وكتاب بغداد وبرعاية الدكتور نوفل ابو رغيف جلسة تأبينية وحفلا استذكاريا كبيرا برحيل عميد المسرح الشعري الشاعر والمسرحي الكبير محمد علي الخفاجي في مقر الدار وتحت عنوان (ثانية يجيء الحسين) بحضور نخبة متميزة من اصدقاء الراحل وذويه ومحبيه.
شهدت الجلسة الاستماع الى آيٍ من الذكر الحكيم وقراءة سورة الفاتحة الى روح المرحوم (محمد علي الخفاجي) لتتعالى اجواء القاعة بالاستماع الى مقطع من قصائد الراحل بصوتٍ حنون شجي مؤثر، صوت الشاعر منذر عبد الحر.
سأغادرها يوماً
وتظل الوردة في الوحشة تبكي
قلبي في العزلة يبكي
هذا مرضي يفزعني
يصدع في لغة روحي
يكسر في العين زجاجة حلمي.
واصفاً لوعته مكابرا متحديا ظل في اخر لحظة من حياته مخلصا وفيا للكلمة الصادقة الشجاعة الحقة لم يخذله المرض يوماً كان مواضباً لم يتخلى عن اخر أمسية دعيّ فيها وهي مناسبة استشهاد الامام الحسين(ع) شارك بصوته النبيل وهو يقرأ قصائده المعبرة التي أنتمت اليه صدقاً وموهبة وبراعة فكان نجما وطنيا ورمزاً ابداعيا كبيراً اصدر ديوانه الاول وهو في المرحلة الثالثة من كلية التربية/ جامعة بغداد وكانت ترعاه رائدة المسرح الشعري الحداثي نازك الملائكة وقدم لاربع من مجموعاته الناقد الكبير الراحل د.عناد غزوان فتألق مبكرا ومضى في مسيرته الشعرية المتوقدة ادباً وابداعاً حتى اتخذ الموقف الثقافي والانساني الكبير فكان صادقا فيه وهو ابن ثلاثة وعشرين عاما ليبدأ في مشروعه المسرحي والشعري الصادق.
وجاءت شهادة الدكتور نوفل ابو رغيف ليدلي بها.. لم نكن يوما لنشعر بحضوره عابرا كالاخرين. كنا نعتقد منذ الزمن الاول لقائنا الاول انه معلم كبير وحضور انساني متوهج ونخلة كربلائية تتعلل بالحسين..  حين سألني قبل خمسة اعوام، لماذا طلبت منه ان يتولى تحرير (المورد)؟ قلت له: (ومن ذا الذي يليق بالاسماء الكبيرة سوى الكبار)!.
وبعد عام ونصف العام تحول ليقود مجلة (آفاق ادبية) وهو يقاسمها الوقت والوجع والكتابة.. كان منتشيا وهو يسمع تحية صديقنا الشاعر فائز الشرع الذي كان يتحدث عن الدار، كيف اصبحت موئلا وملاذا لشاعر الحسين الذي كان ممنوعا على قلمه وصوته ان يمرا منها وكان يشير اليه والى رائعته الخالدة (ثانية يجيء الحسين).. طالما أزعجه المرجفون باراجيفهم وتلفيقاتهم وصغارهم.. وطالما كانوا يرمون سعفاته بالحسد فكان يغمرهم رطبا وقصائد وأملاا. كان يردد آخر مرة (أن العمر زجاج والوقت سفر)، وختم شهادته قائلا: حري بالثقافة العراقية.. بل حري بالعراق ان ينكّس اعلامه حزنا على هذه القامة الكربلائية الزاهية.
سلام عليك أبا نوّاس.
سلام على صوتك النقي النبيل.
سلام على صحبة يغدون مابين موتين ويمسون مابين موتين.
ويموتون قبل مجيء العراق.
خسرناك ايها الشاعر الكبير.
خسرنا حضورك البهي ايها المثقف الفذ.
وتكريما من دار الشؤون الثقافية العامة صرح السيد نوفل ابو رغيف، سيطلق اسم الشاعر محمد علي الخفاجي على احد قاعات الدار نفسها وفاءا وتكريما لهذا الصوت الندي. 
 واعلن الدكتور فائز الشرع بيانا عن اتحاد ادباء وكتاب بغداد في الجلسة مع ذكر نتاجه الشعري والمسرحي.
وصف الخفاجي فيه بانه سهل ممتنع متساهل حد الافراط في التواضع ومكابر في الشعر حد المواجهة في الصراع وابتكار الموقف الجارح، يبطن صمته اكثر من كلامه وتفضح علانيته ثقل اسراره فهو كجبل ابن خفاجة سمي لقبه.
واشار الى ماتعرض اليه الخفاجي من ظلم بقدر ما اكتنز من الاهمية المسكوت عنها لزهده بالظهور، فقد سجن ومنع من اداء رسالته العلمية والابداعية زمن الدكتاتورية والاحادية، واهمال شاعرا يمثل ثروة وطنية وجزءا من راسمال رمزي لم يتجاوز الاهتمام به حدود الاستطاعة من بعض المؤسسات كدار الشؤون الثقافية التي دخلها رئيس تحرير لمجلة بكر هي (آفاق ادبية) بعد ان كان مرتابا بدخول ابوابها شاعرا لايتجزأ ناشرا على نشر اعماله على صفحات مجلاتها، انتج (ثانية يجيء الحسين) و(ادرك شهريار الصباح) و(حينما يتعب الراقصون ترقص القاعة) و (ابو ذر يصعد معراج الرفض) و (احدهم يسلم القدس هذه الليلة) و(الديك النشيط) و()الجائزة) و(ذهب ليقود الحلم) و(اوبرا سنمار) وفي الشعر الغنائي الممتزج بطراوة الدراما انتج (شباب وسراب) و(مهرا لعينيها) و(الهامش يتقدم) و(لو ينطق النابالم) و(انا وهواك حلف الباب) و(لم يأت امس ساقابله الليلة)..
وصنف الدكتور محمد اثير  الشاعر الراحل ضمن قائمة الجيل الستيني على الرغم من وجود وثائق بحوزة عائلته تشير الى سعي افراد من الجيل الستيني المؤدلج الى تغييبه، لانه خارج اسوار ايمانهم وقناعتهم وقناعة الحزب القائد الضرورة.
وقد ذكر تعامل الخفاجي مع التاريخ بمنطق المبدع لابمنطق المؤرخ وهذا مايحسب له، وجاء صوت الحسين المعاصر في مسرحيته (ثانية يجيء الحسين) بصورة مختلفة عن الحسين في اعمال ابقت على الحسين ضمن دائرة وحدود الواقعة، كما طالب الحزب الشيوعي بتقديم اعتذار الى اسرة الراحل وختم شهادته بقصيدة للراحل كان يرددها دائما:
أريد بلادي
هم ضيعوني وهم قد اضاعوا بلادي
واقتسموا ارثنا بين خمر النوادي
وكنت اذا مانويت الرحيل
اخجلتني من النخل برحية
فرشت ظلها فوق ارض السواد.
وسجل الدكتور فليح الركابي شهادته للراحل، مختصرها.. العظيم يولد يوم يموت، وسيبقى يوم رحيله في الاذهان، فهو حاضر بتراثه وخالد بابداعه.. تعرض الى جور السطان ولكن ظل صابرا متمسكا بمدئه.
وكان لاهله وذويه ابنه الدكتور نوّاس محمد علي الخفاجي كلمة في نهاية الجلسة عبر فيها عن شكره وتقديره الى جميع الاخوة القائمين بهذا الحفل التأبيني وفاءاً من هذه الدار وعلى رأسهم الدكتور نوفل ابو رغيف لاحياء ذكراه ويشاركوننا في حزننا عليه وفقدنا له.. وفي هذا الموقف لايسعني الا ان اعزي جميع الشعراء والمثقفين العراقيين واصحاب الكلمة الصادقة والموقف الثابت على المبادىء برحيل الشاعر محمد علي الخفاجي كما اعزي نخيل العراق وضفاف دجلة والفرات وتاريخ العراق الذي كثيرا ما الهم الشاعر نصوص مسرحياته الشعرية.
وانا لله وانا اليه راجعون..
         

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية