مقالات

سيد صباح بهبهاني

أصول وجذور زيارة الأربعين!

30/12/2012 23:51
المقدمة|
    هالك أخذ العهد هالك دنيا وأخره آوياك بجاه الله ورسوله

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج /32.

     أن زيارة أربعين الحسين عليه السلام لها أصول وجذور فقد ورد عن النبي عليه السلام : أن الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحاً . وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام أن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً وجاء أيضا عن الإمام الصادق عليه السلام أن الملائكة بكت على الحسين أربعين صباحاً ولهذا صار يوم الأربعين متفرداً للإمام الحسين عليه السلام عن باقي الناس فله حرارة في قلوب الناس لا تبرد أبدا وصارت هذه الشعيرة سنة وذكرى على مر الأيام والسنين وقد ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام : ( علامات المؤمن خمس، صلاة الإحدى والخمسين وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر بسم الله الرحمن الرحيم ) كل ذلك من مصادق قوله تعالى : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى". والحسين عليه السلام هو اقرب الناس لرسول الله صلى الله عليه وآله، وإحياء هذه الذكرى هو عزاء للرسول ومواساة أهل البيت عليهم السلام فمن الواجب علينا أن نتولى محمد وآل محمد وان نتبرأ من أعدائهم وهنا نتذكر الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري عندما التقى بالإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام ومعه النساء والأطفال بعد عودته من الشام إلى كربلاء عند مصرع الحسين وأصحابه عليهم السلام قال الإمام : يا جابر ..ها هنا والله قتلت رجالنا وذبحت أطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا .. ومنذ ذلك الوقت صار ذلك اليوم مأتماً في ذكرى تخليد زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام، ونحن من هنا يجب علينا كمسلمين أن نجدد الذكرى والعهد مع الله ومع أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ونعم ما قال الشاعر : كذب الموت فالحسين مخلد * كلما اخلق الزمان تجدد وترى أن المحبين يتوافدون من جميع أقطار العالم وبالملاين تجديداً للعهد والولاء لأهل بيت النبوة عليه وعليهم السلام لرسول صلى عليه وآله وهم متلهفين لينالوا رحمة من الله وهم يحيون رسول الله والإمام علي والزهراء والإمام الحسين وأخيه العباس وأخوته عليهم سلام الله والشهداء الذين بذلوا المهج لنصرة دين الله ونصرة داعية الحق أبو الثوار الإمام الحسين عليهم جميعاً سلام الله التام فيما تغتدي وتروح جوار قبوركم ونعم عقبى الدار دار الآخرة . وأقول لهؤلاء الظلمة الذين أسسوا أساس الظلم لأهل البيت وإلى نهاية مقبور الفاشي الطاغية أين حل بكم الدهر !! أن الذي يعادي الرسول وأهل البيت عليه وعليهم السلام يكون جزاءه في دار الدنيا وفي الآخرة نار الجحيم . أن الجموع تجدد هذه المراسم لزيارة الأربعين و مرقد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وأحياء ذكرى بطل الأحرار وترى أن القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة ومجالس الأحياء العامرة استرجاع ذكرى التضحية الغالية والفداء الكبير لهؤلاء الأحرار التي جاهدت ونافحت ودافعت عن الإسلام وقدمت الغالي والنفيس من اجل المبادئ السامية فتنحدر المواكب الملي ونية التي تلتحف السماء ليلاً وتسير راجلة نهاراً على الأقدام تتسابق شوقاً إلى مرقد أبي عبد الله الحسين عليه السلام ويتكرر هذا المشهد العظيم في جميع مدن أرض الرافدين ومرقد الإمام الرضا عليه السلام ونراه أيضا بجوار مرقد عقيلة الهاشميين السيدة زينب عليها السلام في الشام، كل ذلك يجسد مصادق قول الحق :" ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ". وهي تجسد أيضا قول الإمام الصادق عليه السلام ((احيوا امرنا رحم الله من أحيا امرنا)) فتتجلى بذلك مصادق الحب والولاء تلبية لنداء الحسين هل من ناصر ينصرنا هل من مغيث يغيثنا فتجيب تلك الحشود المباركة التي يشارك فيها الرجال والنساء والأطفال والعلماء بل يشارك فيها أيضا المسلمون في العالم على حد سواء بمختلف مشاربهم ومذاهبهم وهي تنادي لبيك يا حسين تعبيراً عن الحب والود الصادق لرسول الله وآله الأطهار فالحسين لم ينهض من اجل المصالح الدنيوية الزائلة وهو القائل : (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على آنستهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديان ون) أن الحسين خرج من اجل الدين من اجل العدل والحق والإنسان لقول ألا عبد الله : لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الإصلاح أمة جدي آمر بالمعروف أنهى عن المنكر. ولكن هل استطاع الحسين عليه السلام أن يحقق الغاية من نهضته وثورته؟ للإجابة على هذا التساؤل يحق لنا أن نسأل أولا، أين يزيد؟؟؟ وأين ابن زياد؟؟؟ أين الأمويون؟ أين حسين كامل الذي رفس باب الحسين وقال أنت حسين وأنا حسين وأمر بالرمي؟؟ أين أولا العوجه؟؟ أين المقبور الذي أمر بقصف ثبر الحسين؟؟؟ بل أين الظالمون؟ الذين حاولوا ويحاولون طمس وقتل ذلك النور، هل بقي لهم من اثر يذكر لقد ذهبوا جميعاً أدراج الرياح وتبقى تضحيات الإمام الحسين عليه السلام المتألقة في سماء الدنيا تتجدد في كل حين وتزداد تألقاً وخلوداً عبر الزمان ... لاشك أن على كل مسلم بل على كل إنسان على هذه الأرض يتنفس من هواء الحرية والأباء أن يقف احتراماً وإجلالا ووفاء لذكرى أربعينية الحسين وأصحاب الحسين الذين اختاروا المنّية بعزٍ وكرامة على العيش تحت وطأة الذل والهوان فنتعلم عزيزي من الحسين عليه السلام في كل زمان ومكان كيف نقف أمام الظلم والجور والاستبداد ونستلهم منه الرفض لكل صور الظلم رغم كل ألاغ راءات المقدمة له بان يهادن أو يبايع أو يقبل بالتراجع عن نهضته وثورته وهو القائل : أن كان دين محمداً لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذني. واليوم يرى العالم هذه الحشود وهي تنحدر إلى كربلاء فتبهر العيون وتحير العقول فتتساءل كيف يبقى هذا العزاء على امتداد هذه القرون الساحقة ومازال بهذه الحرارة والتفاعل القوي؟ وما السر الذي يقف وراء هذا الخلود وهذا البقاء؟ وكما ورد عن الإمام الحسين عليه السلام قائلاً : ـ أنا قتيل العبرة ما ذكرت عند مؤمن إلا ودمعت عيناه. وكما جاء عن الإمام الرضا عليه السلام لما دخل عليه دعبل الخزاعي في خراسان قال له:

     أنشدني شيئاً مما نظمت فارتجل بقصيدة عصماء مطلعها :

    نفوس لدى النهرين من أرض كربلا * معــــرسهــــم فيهــــا بشــــط فـــرات

    مـدارس آيــــات خــــلت مــــن تلاوة * ومنــــزل وحــــي مقــــفــر العرصات

    لآل رســــول الله بالخـــيف من منى * وبالركــــن والتعــــريف والجــــمرات

    ديــــار عــــلي والحــــسين وجــعفر * وحــــمزة والسجــــاد ذي الثــــفـــنات

    ديــــار عــــفاهــــا كـــل جون مبادر * ولم تعــــف للأيــــام والــــســنــــوات

    قــــفا نســــأل الدار التي خف أهلها * متى عهـــدها بالصوم والصلوات ؟ !

    وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفــــانين فــــي الآفــاق مفترقات ؟ !

    هــــم أهــل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهــــم خــــير قــــادات وخـــير حماة

    ومــــا النــــاس إلا حـــــاسد ومكذب * ومضطغــــن ذو إحــــنة وتـــــــــرات

    إذا ذكــــروا قتــــلى بــــبدر وخيــــبر * ويــــوم حنــــيــــن أسبـــلوا العبرات

    قبــــور بكــــوفان وأخــــرى بطـــيبة * وأخــــرى بفــــخ نالــــها صــــلواتي

    وقبــــر ببغــــداد لنــــفس زكــــيـــــة * تضمــــنها الــــرحمن فــــي الغرفات

    فأمــــا المصــــمات الـتي لست بالغا * مبالغهــــا منــــي بكــــنه صفـــــــات

    إلــــى الحــــشر حتى يبعث الله قائما * يــــفرج مــــنها الهــــم والكـــــربات

    نفوس لدى النهرين من أرض كربلا * معــــرسهــــم فيــــهــــا بشــط فرات

    تقــسمهم ريــب الزمان كما تـــرى * لهــــم عــــقرة مغـشية الحجرات

    ســـوى أن منهم بالمدينة عـــصبة * مــــدى الدهر أضناه من الأزمات

    قليلــــة زوار ســوى بعـــض زور * مــــن الضبع والعقبان والرخمات

    لهــــم كل حــــين نومة بمضاجـــع * لهم فـــي نواحي الأرض مختلفات

    وقــــد كان منهم بالحجاز وأهلهـــا * مغــــاوير يخـتارون في السروات

    تنكــــب لأواء السنـــين جوارهـــم * فــــلا تصطــــليهم جمرة الجمرات

    إذا وردوا خــــيلا تشـــمس بالقـــنا * مساعــــر جمر الموت والغمرات

    وإن فخــــروا يـــوما أتوا بمحمـــد * وجــــبريل والفرقان ذي السورات

    مــــلامك في أهــــل النــبي فإنهـــم * أحــــباي مــــا عاشوا وأهل ثقاتي

    تخــــيرتهم رشــــدا لامـري فإنهـــم * عــــلى كــــل حــال خيرة الخيرات

    فيــــا رب زدني من يقيني بصيـــرة * وزد حبــــهم يــــا رب في حسناتي

    بنــــفسي أنتــــم من كهول وفتـــية * لفــــك عــــناة أو لحــــمل ديـــــات

    أحـب قصي الرحم من أجل حـــبكم * وأهجــــر فيــــكم أســــرتي وبناتي

    وأكتــــم حبــــكم مخــــافة كـــاشح * عــــتيــــد لأهـــل الحق غير موات

    لقــــد حفــت الأيام حولي بشرهـــا * وإنــــي لأرجـــــو الأمن بعد وفاتي

    ألــــم تــــــر إني مذ ثلاثين حجـــة * أروح وأغــــدو دائم الحـــسرات؟ !

    أرى فيـــئهم في غيرهم متقسمـــا * وأيــــديهم مــــن فيــــئهم صـفرات

    فـــآل رسول الله نحف جسومهـــم * وآل زيــــاد حفــــل القــصرات

    بنـــات زياد في القصور مصونـــة * وآل رســــول الله فــــي الفــــلوات

    إذا وتـروا مدوا إلى أهل وترهـــم * أكــــفا مــــن الأوتــــار منقــبضات

    فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * لقطــــع قــــلبي إثـــرهم حـسراتي

    خــــروج إمــــام لا محـــالة خارج * يقــــوم عــــلى اسم الله والبركات

    يميــــز فــــينا كــــل حـــــق وباطل * ويجـــــزي على النعماء والنقمات

    سأقـصر نفسي جاهدا عن جدالهم * كــــفاني مــــا ألــــقى من العبرات

    فيـا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري * فغــــير بعــــيد كــــل مــــا هــو آت

    فــإن قرب الرحمن من تلك مدتي * وأخــــر مــــن عمري لطول حياتي

    شفــــيت ولـــم أترك لنفسي رزية * ورويــــت منهــــم منــصلي وقناتي

    أحـاول نقل الشمس من مستقرها * وأســــمع أحـــــجارا من الصلدات

    فمــــن عــــارف لـم ينتفع ومعاند * يمــــيل مــــع الأهــواء والشبهات

    قصــــاراي منهم أن أموت بغصة * تــــردد بــــين الصــــدر واللهـوات

    كأنــــك بالأضلاع قـد ضاق رحبها * لمــــا ضمنــــت مـن شدة الزفرات.

    ويداً بيد لتعاون والإخاء ويجب أن نتعلم من مدرسة أهل البيت والإمام الحسين عليه وعليهم السلام .. من ننتخب للدين والدنيا , ويداً بيد للتعاون والتآخي ولنعيد من زيارة الأربعين ونعود للعمل والجهاد الأكبر الذي أوصانا رسول الله.. والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين. هالك أخذ العهد هالك دنيا وأخره آوياك بجاه الله ورسوله .... لبيك يا حسين

    المحب سيد صباح بهبهاني

       behbahani@t-online.de

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية