د. سداد جواد التميمي
المقدمة:
ان الحديث عن هذا الاضطراب له ابعاد عدة تتجاوز الصحة النفسية، و الدليل على ذلك قضية سفاح النرويج الذي انتهت محاكمته في اوسلو يوم 22 آب. كانت ادانة هذا المجرم امرٌ لا يقبل النقاش و حتى الرجل نفسه لم ينكر جريمته بل و تفاخر بها امام العالم اجمعه. كان في غاية الاناقة و لم ينطق بكلمة توحي بالشعور بالذنب من بعيد او قريب. كان هناك استقطاب في الرأي حول الحالة العقلية للمجرم، فعلى النقيض من أي قضية جريمة في العالم سمع الجمهور لأول مرة الادعاء العام يطلب ادانته ووصمه بان مريض عقلياً بالاضطراب الوهمي. اما الدفاع فعلى النقيض من أي قضية جريمة يرفض ذلك.
الحالة العقلية المرضية وقت ارتكاب الجريمة تعني بان المريض غير مسؤول عن افعاله. لا يتوجه الى السجن و انما الى وحدة امنة Secure Unit للعلاج. الغالبية العظمى منهم يقضون بضعة سنوات تحت العلاج و يتم تأهليهم للعيش في المجتمع بعد ذلك. أما الاقلية ذو الجرائم المروعة فقلما تسمح الجهة القانونية بخروجهم رغم طلب الجهات الصحية و الدفاع، و يقضون حياتهم في مصحة نفسية. كان امل الادعاء العام النرويجي ان يكون الطريق الثاني ضماناً لعزل هذا المجرم بدلاً من ان يأتي يوماً ما و تراه حراً يتجول بين الناس و يحتضنه اليمين المتطرف.
لكن على مستوى العامة كان هناك من يفضل ادانته عقلياً حيث يثبت ذلك بان الكراهية و العنصرية المتطرفة لا مكان لها ضمن العقلاء في الغرب. اما اهل الضحايا فكانوا يفضلون العكس و يأملون بان تتخذ السلطات الحكومية الخطوات اللازمة للقضاء على التطرف اليميني الذي اصبح وباءاً ينتشر بهدوء عبر القارة الاوربية و الولايات المتحدة الامريكية.
اما الجواب الشافي للسؤال حول اصابة هذا المجرم بمرض عقلي فالإجابة عليه هي للقارئ. هذا المقال يتطرق الى مصطلح الوهم و الامراض النفسية التي تصاحبه.
ألوهم Delusion
الوهم هي فكرة خاطئة False idea. لكن هناك العديد من الافكار الخاطئة او الزائفة او الكاذبة ولكي يتم تعريف هذه الفكرة كوهم لا بد من توفر صفات أخرى فيها:
1 ان تكون معتقداً غير قابل للنقاش او لا يقوى الفرد على التحرر منه.
2 يتعارض مع الخلفية الاجتماعية للفرد.
3 يتعارض مع الخلفية الحضارية للفرد.
على ضوء ذلك هناك الكثير من الافراد من اقليات عرقية في البلاد الغربية يتم تشخيص اضطرابات الذهان فيهم بدلاً من الاضطرابات الوجدانية، بعد حديثهم عن السحر و الجن و غير ذللك بسبب الجهل بالخلفية الاجتماعية و الحضارية.
هناك مصطلح أخر يكثر استعماله في الصحة النفسية و هو الفكرة المشابهة للوهم Delusion Like ideas. هذا المصطلح كثير الغموض احياناً ويتم استعماله للتفريق بين الاوهام الصحيحة اعلاه الناتجة عن تجارب وهمية اولية Primary Delusional Experiences بينما يطلق مصطلح الفكرة المشابهة للوهم على الافكار الناتجة من جراء تجارب نفسية مرضية و لذلك يطلق مصطلح الاوهام الثانوية Secondary Delusions عليها احياناً.
التجارب الوهمية الاولية:
لكي يتم تعريف الفكرة بانها وهم صحيح لا بد من ولادتها عبر تجربة وهمية اولية كما يلي:
1 تولد الفكرة عبر مرور الفرد بحالة مزاج او وجدان تعرف بالمزاج الوهمي Delusional Mood. يمر الفرد بحالة مزاج تتصف بان كل ما حوله غامض و يحتاج الى تفسير ما. من جراء هذه الحالة الوجدانية تولد لدى الفرد فكرة يتخلص من خلالها من ذلك الغموض المؤلم نفسياً.
يجب توخي الحذر من تعريف التجارب الانفصالية Dissociative Experiences بانها نوع من انواع المزاج الوهمي. يستمر الانسان خلال التجارب الانفصالية على الاتصال بالواقع و لديه ادارك و وعي قلما يصرح به عن مصدر القلق و الضغوط النفسية و الاجتماعية التي تواجهه.
2 تولد الفكرة الوهمية بصورة مفاجئة احياناً و تكون مكتملة و ناضجة. يطلق مصطلح الفكرة الوهمية المفاجئة Sudden Delusional Idea على هذه التجربة. تكمن مشكلة هذه التجربة هو صعوبة التحري عن فترة المزاج الوهمي و يمكن تشبيه الفكرة و كأنها طفل ولد بدون فترة حمل واضحة للعيان. من جراء ذلك لا يمكن الاعتماد عليها لتشخيص حالة الفصام و يمكن ظهورها في بعض المرضى المصابين باضطرابات الشخصية العدوانية Antisocial Personality Disorder.
3الأدراك الوهمي Delusional Perception: هي الطريقة الاخرى التي يتم من خلالها ولادة الوهم. في هذه الظاهرة يتم ولادة الوهم من خلال تسلم احساس ما قد يكون بصرياً او سمعياً او جسدياً و بعده يتم ولادة وهم يتعلق بالفرد الذي تسلم ذلك الاحساس. بعبارة أخرى، كما يقول شنايدر لا بد من توفر ذراعي عضوية لهذه الظاهرة 9: الذراع الاول هو تسلم الاحساس او ادراكه و بعدها ولادة الوهم. لكي تكون الظاهرة هي ادراك وهمي لا بد من عدم توفر تفسير لولادة الوهم يتعلق بالحالة المزاجية او الوجدانية للفرد اضافة الى عدم وجود تجارب سابقة يمكنها تعليل الظاهرة.
تكمن اهمية الادراك الوهمي انه علامة شبه مؤكدة على اصابة الفرد بالفصام او الشيزوفرانيا. من الممكن بسهولة تحري و كشف التجارب الوهمية اعلاه برمتها في الفصام الحاد و لكن ليس في الحالات المزمنة.
بعدها تبدأ الاوهام بالدخول في مرحلة التنظيم Systemizationو تصبح ثابتة الاطار و المحتوى و لا يمكن التخلص منها سواء كان ذلك بعلاج معرفي او العقاقير الا في القليل من الافراد. رغم ذلك فان الاعراض السلبية للفصام تبدأ باحتلال موقع الصدارة في حالة المريض بدلاً من الاعراض الايجابية مثل الاوهام و الهلوسة.
عند هذه المرحلة من المقال كان التركيز على اطار الفكرة الوهمية و هذا ما يشغل بال الطبيب النفسي لان الكشف عنه يساعده في التحري عن مرض الفصام او الشيزوفرانيا الذي يعتبر بلا منازع اشد الامراض النفسية قاطبة.
لكن ما يكشف عنه الطبيب النفسي و غيره في معظم الاحيان هو محتوى الفكرة التي اتخذت اطار وهمي و هذا ما نشير اليه في الطب النفسي ان لكل فكرة اطار و محتوى.
محتويات الاوهام
يتوجه انتباه الطبب النفسي اكثر الى محتوى الاوهام بدلاً من تطورها و طريقة ولادتها. في هذه المرحلة يتم استعمال مصطلح الوهم للإشارة الى اطار الفكرة دون الاشارة الى كونها اولية او ثانوية المنشأ. هنالك البعض من علماء النفس من يعتبر ان كل وهم هو ثانوي المنشأ ولد و ترعرع من جراء عملية نفسية قد تكون ذهانيه او مزاجية او عضوية. قد تولد الاوهام نتيجة هلوسة سمعية تقول للفرد بانه المسيح الجديد او المهدي المنتظر و حل جميع مشاكل الارض ستكون على يديه. في هذه الحالة نطلق على الوهم مصطلح وهم العظمة Grandiose Delusion. هذا الوهم قد يولد ايضاً نتيجة مرحلة من الهوس في اضطراب الثناقطبي و يختفي بعد تماثل الفرد للشفاء عكس الفرد المصاب بالفصام. يضاف الى ذلك بان المريض المصاب بالهوس قلما تكون اوهامه بنفس الدرجة من القناعة عكس المصاب بالفصام و تراه كثير المزاح و التهور. اما المريض المصاب بالفصام فاكثر ما يفعله هو الوقوف على الارصفة يعض الناس مرتدياً الملابس البائسة و لا احد يعير له انتباهاً.
اما اذا كان الوهم يتعلق بسوء حالة الفرد صحياً فنستعمل تعبير وهم اعتلال الصحة Delusion of Ill Health و ان كان الوهم حول قرب افلاسه و العيش فقيراً مدقعاً فنطلق تعبير وهم الفقر Delusion of Poverty. هذه الاوهام اكثر شيوعاً في الاكتئاب الذهاني و يجب التحري عن هذا الاضطراب الوجداني في جميع المرضى الذين يشكون من هذه الاوهام و خاصة بعد العقد الرابع من العمر. يعود السبب في ذلك الى استجابة هذا الاكتئاب للعلاج أكثر من غيره.
أما أوهام الاضطهاد Delusions of Persecution فهي اكثر الاوهام شيوعاً 6. يتصور المريض بانه تحت المراقبة و السلطات الامنية لا هم لها الا مراقبته. يظن احياناً بان هناك مخططاً لوضع السم في الطعام و اغتياله و ينتهي الامر به مضرباً عن الطعام و الاختلاط ببقية البشر. القاعدة العامة للتفريق بين الامراض النفسية التي تصاحب اوهام الاضطهاد هي:
1 اذا كان الوهم مزمناً، كثير الغرابة في الوصف، و يصاحبه اعراض سلبية للفصام فان التشخيص هو الفصام او الشيزوفرانيا.
2 اذا كان الوهم قصير العمر، و يصاحبه اعراض اكتئاب و حديث المريض بانه يستحق الاضطهاد فالاكتئاب هو التشخيص.
3 اذا كان الوهم هو العرض المرضي الوحيد و لا يزال الفرد يمارس حياته بصورة طبيعية فتشخيص اضطراب الوهمية هو الاكثر احتمالاً.
أوهام الذنبDelusions of Guilt تتميز بالشعور المفرط بالذنب. يمكن التفريق بين الامراض النفسية المختلفة التي تؤدي الى هذه الاوهام في ورد اعلاه. هناك بعض الافراد الذين يرتكبون ذنباً في صغرهم و يتم تجاوزه مع العمر. عند الاصابة بالاكتئاب مع تقدم العمر يتم وضع هذه التجربة في اطار وهمي و تصبح العلامة الاكثر تمييزاً للمرض. يجب الانتباه هنا الى ان اطار الفكرة دون محتواها هو المهم و كون ان التجربة حدثت لا يعني ان الفكرة غير وهمية. يتم التخلص من الاطار الوهمي للفكرة مع العلاج و لكن على الطبيب النفسي ان يتوخى الحذر من تساءل الاقارب حول حديث المريض و ان كان قد حدث بالفعل و غير ذلك. يجب الاصرار على ان كلام المريض و شعوره بالذنب هو نتيجة الاكتئاب بدلاً من القول بان خطيئة الماضي هو سبب الاكتئاب. هذا ما يطلق عليه احياناً بمصطلح المعقول understandable 5 لتطور بعض الافكار في الشخصيات الحساسة من افكار طبيعية الى وسواسية و بعدها يتم وضعها في أطار وهمي.
أما اوهام الحب Delusions of Love فهي لا تخلوا من الخطورة و تتعلق دوما بشخصيات فنية او مهنية مشهورة او ذات اهمية يتصور المريض بانها تحبه و الناس تبذل الجهد الكبير في منع الاحبة من اللقاء( انظر مقال الحب و جنون الحب ) 8.
أوهام الغيرة Delusions of Jealousy فهي اكثر الاوهام الخطورة. ان تعبير الغيرة قد لا يكون مرضياً للكثير من العاملين في الصحة النفسية لان هذه الكلمة شائعة الاستعمال بين الناس و لا تعني بالضرورة حالة مرضية. في مجال الطب النفسي الفرنسي القديم يعتبر الاشارة الى غياب الغيرة حالة مرضية بحد ذاتها. على ضوء ذلك تم الاستعاضة هذه الايام بتعبير اوهام الخيانة الزوجية Delusions of Infidelity7 . التعبير الاخير أكثر دقة و يتوازى مع الممارسة السريرية على ارض الواقع. رغم ان اوهام الخيانة الزوجية قد تظهر في اي اضطراب ذهاني فهي كثيرة الولادة في بعض الافراد الذين يعانون من الادمان على الكحول و الافراط في الحساسية الشخصية. يتصور البعض ان الضعف الجنسي الناتج عن استعمال الكحول يؤدي الى استعمال عملية دفاعية نفسية غير شعورية نطلق عليها الاسقاط Projection و ذلك يعني اسقاط اللوم على الزوجة(أو الزوج) بتفكك العلاقة الجنسية من جراء علاقة جنسية غير شرعية. من اهم مظاهر هذه الاوهام هو السلوك المصاحب لها فترى المريض منهمكاً بالعثور على ادلة لحدوث فعل جنسي لشريكته مثل فحص الملابس و تفسير كل تصرفاتها على ضوء حدوث علاقة جنسية مع شخص اخر. يجب ان يتجاوز الطبيب النفسي الحدود المهنية اذا لزم الامر و يخبر الضحية بهول الحالة المرضية لان بعض المرضى ينتهي الامر بهم بارتكاب جريمة. القاعدة الاخيرة تنطبق كذلك على اوهام الحب. يطلق على اوهام الغيرة احياناً بمتلازمة عطيل Othello Syndrome نسبة الى مسرحية تاجر البندقية لشكسبير.
أما اوهام الانعدامDelusions of Nihilism او اوهام اللاوجود Delusions of Negation فغالباً ما يطلق عليها بمتلازمة كوتاردCotard’s Syndrome. مع هذه الاوهام ينكر المريض وجود جسده او عضو فيه او عقله او حتى وجود من يحب حوله. غالباً ما تكون المتلازمة جزء لا يتجزأ من اضطراب اكتئابي ذهاني و لكن قد تظهر احياناً في الشيزوفرانيا و اضطرابات اخرى.
هناك انواع أخرى من الاوهام لم يتم التطرق اليها اعلاه حيث ان المقال سيكون يتركز على اضطراب الوهمية. الاوهام الاخرى يمكن الطلاع عليها في مقالة على هامش الشيزوفرانيا 9.
تشخيص اضطراب الوهمية Diagnosis
يمكن الرجوع الى تشخيص هذا المرض حسب اللوائح المدرجة في مجلدات تصنيف الامراض النفسية 2، 4، و لكن القواعد العامة للوصول الى التشخيص سريرياً هي:
1 عدم وجود اي علامة من الاعراض المرضية للشيزوفرانيا.
2 الاوهام يجب ان لا تكون عجيبة Bizarre.
3عدم وجود اشارة الى ان الوهم ناتج عن اضطراب وجداني.
4 عدم وجود اشارة الن الاوهام ناتجة عن تعاطي المواد الكيمائية او العقاقير او حالة مرضية طبية.
5 يجب ان يكون اداء المريض خارج نطاق الاوهام طبيعياً.
متى ما طبقت القواعد الخمسة الماضية سينتهي الامر الى تشخيص حالة مرضية تتميز بانها نادرة لسببين:
1 ان هؤلاء المرضى لا يحتاجون الى علاج ما دامت اوهامهم لا تشكل خطراً على الاخرين.
2 ان هؤلاء المرضى لهم تمام الثقة بان عقولهم اكثر سلامة من غيرهم.
ان الصعوبة في تشخيص المرض و تعريفه تؤدي الى تغيير التشخيص على المدى البعيد في 25% من الحالات الى اضطرابات وجدانية او شيزوفرانيا.
ان طبيعة المرض و تشخيصه تفسر ندرة انتشار تتراوح بين 0.025% الى 0.03% بين السكان و هو اقل انتشاراً بكثير من الشيزوفرانيا(1%) او اضطرابات المزاج(5%). معدل عمر المريض هو 40 عاماً و لكن يمكن مشاهدة المرض بين 18 عاماً حتى العقد العاشر من العمر.
هناك زيادة طفيفة في النساء مقارنة بالرجال. اوهام الحب اكثر شيوعاً في النساء بينما اوهام الاضطهاد أكثر في الرجال.
يمكن تلخيص عوامل الخطورة بالإصابة بهذا المرض كالاتي:
• تقدم العمر و ما يصاحبه من ضغوط اجتماعية و انعزال. يعيش الانسان في وقتنا هذا في مجتمع لا يصعب تصنيفه بمجتمع كاذب مضطهد على حد تعبير نورمان كاميرون1 . نشر هذا العالم الاجتماعي مقالته أيام الحرب العالمية الثانية متحدثاً عن مجتمع كاذب بكل معنى الكلمة لا يولد عند الفرد الا توقع الاضطهاد بعد الاخر بطرق وصفها بالسادية. يضج المجتمع بتفاعلات اجتماعية لا تعرف الثقة و تؤكد الشك و تنصح بالعزلة الاجتماعية لاتقاء العقاب. اذا لم يكون المرء ضحية الاضطهاد فتراه منهمكاً بالحسد و الغيرة يقضي عمره يراجع نفسه و يراقب الاخرين و لا يزداد الا قلقا و هموماً. لا عجب ان ترى كثرة استعمال مصطلح وهم النفس Self-Delusion و ربما افلح الكاتب المسرحي آرثر ميلر Arthur Miller بالتعبير عنها في شخصية ويلي لومان Willy Loman في رائعته موت بائع Death of a Salesman. هذه الأيام كلنا نعمل في بيع الخدمات في مجتمع لا يعرف الرحمة.
• انخفاض الفعالية الحسية و خاصة البصرية و السمعية.
• تاريخ عائلي للمرض.
• حساسية في التفاعلات الشخصية الاجتماعية الناتجة من صفات الشخصية الفردية.
• الهجرة. تكثر ملاحظة هذا الاضطراب او بالأحرى تشخيصه في المهاجرين من بلد الى اخر لأسباب واضحة. ربما يمر المهاجر بمراحل عدة في رحلة البقاء في البلد الذي هاجر اليه. في بداية الامر يشعر بالأمان بعيداً عن بلده الام ان كان لاجئاً او يشعر بالغربة الشديدة ان كانت هجرته طوعية. في المرحلة الثانية يشعر بانه جزء لا يتجزأ من المجتمع الجديد. تمر الايام و يدرك في المرحلة الثالثة بأنه جسم غريب في هذا المجتمع شاء ام ابى. يضاف الى ذلك بان المهاجر له ابعاده الحضارية التي قد لا تتلاءم و لا يمكن دمجها بالمجتمع الجديد و يتم تصنيف افكاره بالوهمية.
هناك عوامل بيولوجية تم دراستها لتحديد موقع هذا الاضطراب في الدماغ و لكنها تحتاج الى اكثر من اعادة لتثبيتها و تتميز بقلة عدد المرضى المشاركين في الدراسة ناهيك عن الدقة في التشخيص. اما نظرية فرويد المتعلقة بالاضطراب الزوراني التي تؤكد على استعمال السقوط كعملية دفاعية ضد المثلية الجنسية الكامنة و المتخفية عن الفرد فهي مبنية على حالات مرضية نادرة خضعت لتحليل نفسي لا يمكن تثبيته علمياً و مليئة بآراء شخصية فلسفية اكثر منها علمية.
اما التشخيص الفارقي لاضطراب الوهمية فهو بالحرى تشخيص فارقي للفكرة الوهمية. متى ما وجدت اعراض عضوية يتم تشخيص اضطراب عضوي نفسي. متى ما وجدت علامة من علامات الشيزوفرانيا يكون الحديث عن المرض الاخير و ليس اضطراب الوهمية رغم ان هناك تعبير شائع يجمع بعض اضطرابات الشخصية الفصامي النوع Schizotypal و اضطراب الوهمية تحت مظلة الشيزوفرانيا. أن اضطراب الوهمية ليس مرحلة بدائية لاضطراب الشيزوفرانيا او غيره و انما اضطراب مزمن له صفاته المرضية الخاصة.
أما اضطراب المزاج فقلما ترى الاوهام مزمنة و جميعها مطابقة للحالة الوجدانية للمريض. الاهم من ذلك ان وجود هذه الاوهام تعلن عن زيادة احتمال استجابة المريض للعلاج. على ضوء ذلك ترى الطبيب النفسي احياناً يعطي العقاقير اللازمة لعلاج اضطراب المزاج حتى و ان كان غير متأكداً من وجود اضطراب وجداني.
اما الامراض العصابية فهي واضحة للمريض و الطبيب على حد سواء و لكن هناك بعض الاسراف في تصنيف المعتقدات الوسواسية على انها اوهام. اما اضطرابات الشخصية فلا يصعب تحري بدايتها الى اعوام المراهقة و لا يصعب كذلك الكشف عن وجود افكار وهمية اضطهاديه.
عند النقطة الاخيرة لا بد من المرور سريعاً على استعمال اضطراب الوهمية على الكثير من الطغاة الذين رحلوا او سيتم رحيلهم عن الشعوب الذي تسلطوا عل رقابهم من بغداد الى تونس و ليبيا و زمبابوي و غيرها من بلاد العالم. هؤلاء الطغاة مجموعة منحرفة من البشر و ربما ولدت اوهام العظمة و اضطهاد الناس في اذهانهم، و لكنه من المجحف الحديث عنهم في مجال الصحة النفسية احتراماً للمهنة و المرضى المراجعين للعلاج.
العلاج:
لا بد من التركيز اولاً على تقدير المخاطر الناتجة من هذا الاوهام على المريض و غيره كما تم التطرق اليه اعلاه و خاصة في اوهام الحب و الخيانة الزوجية. غير ان هناك من المرضى من يتأثر بالأوهام وجدانياً و هذا بدوره يؤدي الى اكتئاب ثانوي شديد يحتاج الى علاج. في حقيقة واقع الممارسة المهنية فان باب الاضطراب الوجداني الثانوي يساعد على علاج المريض بالعقاقير المضادة للاكتئاب و العقاقير المضادة للذهان في ان الوقت. في غياب المخاطر على الاخرين التي تفتح باب العلاج الاجباري، و خطر الانتحار من جراء الاكتئاب الثانوي، لا يوجد مدخل على ارض الواقع يسهل علاج هؤلاء المرضى و تصبح مسؤولية احتواء سلوكهم من اختصاص الجهات القانونية و ليس الطبية.
أما العلاج المعرفي فحاله حال العلاج بالعقاقير المضادة للذهان. يمكن اعطاء هذا العلاج في ظل ظروف العلاج الاجباري للمريض في مصحة نفسية و لكن لا بد من اعطاء العقاقير المضادة للذهان. يضاف الى ذلك بان سلوك هؤلاء المرضى طبيعياً للغاية خارج نطاق الاوهام و يملكون القدرة على تضليل المعالج النفسي بسهولة ناهيك عن المراوغة بعد الأخرى بعدم تناول العقاقير و كثرة شكواهم من اعراض جانبية لا يعانون منها و يطلعون عليها في الانترنت .
يجب توخي الحذر من العلاج النفسي الفردي للمرضى المصابين بأوهام الحب. بعد الجلسة العلاجية الواحدة بعد الاخرى يتحول حب المريضة او المريض من الضحية الاولى الى المعالج النفسي و من الافضل ان يتم توفير العلاج رجلاً لرجل و المرأة للمرأة و ان كان ذلك غير امناً جداً.
ليس هناك عقار مفضل من العقاقير المضادة للذهان في علاج اضطراب الوهمية غير ان كاتب هذه السطور و من جراء الممارسة المهنية يرى ان عقار الاميسلبرايد Amisulipride أكثر العقاقير فعالية و بجرع لا تتجاوز 50 – 100 مغم مرتين في اليوم. التحدي الاكبر بالطبع هو اقناع المريض بتناول العقار.
عودة الى سفاح النرويج:
ان تصنيف سفاح النرويج كمريض مصاب بمرض عقلي امراً في غاية الصعوبة. لو كان الامر كذلك لتنصل الكثير من المجرمين من جرائهم العنصرية بحجة المرض العقلي. لكن كاتب السطور له رايه الخاص في شيوع هذه الكراهية العنصرية في الغرب و الشرق من العالم و السبب هو كثرة استعمال اللغة الخبيثة من اليمين المتطرف في الغرب و الغلاة من معتنقي العقائد الدينية.
تتحدث رواية من جنوب شرق آسيا عن ستة رجال عميان امسكوا بفيل. الرجل الذي امسك بخرطوم الفيل تصور انه حبل، و الذي امسك بذيله أدرك انه ثعبان، و الذي امسك بساقه تصور انه عامود، و هلم جرا. هذا هو حال المجتمعات في عصرنا هذا عند البحث عن أسباب العنف و محاولة معالجتها.
يحدث الكثير من الخلط في فهم معنى ألحرية في ظل مناخ ديمقراطي. لا شك أن حرية أي فرد في المجتمع ترتبط بمسؤولية السلوك و لا يمكن طلاق المسؤولية عن الحرية في إي مجتمع بشري و لكن ألكثير يحاول فصل حرية الكلام عن هذه ألقاعدة الوجودية التي لا بد لأي إنسان إن يتجاوزها عند وصوله إلى عمر البلوغ. ترى الكثير يدافع عن حرية الكلام و يرفع أعلام الثورة ألفرنسية بان الدفاع عن حرية الكلام واجب مقدس طالما انه لا يحرض على القتل و لا يتضمن السب و الشتم. لكن خلو الكلام من السب و الشتم، و التحريض المباشر على العنف لا يعني انه كلام سليم و لا بد من دراسته بدقة و التأكد من خلوه من خلايا خبيثة و التي مهما كان عددها قليل لا يعني إلا انه كلام خبيث يؤدي بدوره إلى إمراض اجتماعية لها مضاعفات اشد قسوة إن تفاعلت مع ظروف اجتماعية ، اقتصادية، نفسية، و فكرية. أن هذه الظاهرة المرضية شائعة في إنحاء المعمورة شرقا و غربا، و انتشرت بصورة و بائية مع تقدم وسائل الاتصال الالكتروني حتى أصبح علاجها أو بالأحرى استئصالها صعب للغاية.
ما حدث في مدينة تكسون في الولايات ألمتحدة ألأمريكية يوم ألثامن من كانون ألثاني 2011لكابريل كفوردس عضوه مجلس النواب كان نتيجة حتمية للغلو في استعمال اللغة ألخبيثة علنياً و تحت قيادة ألجمهورية ألمتطرفة سارة بيلن و التي تأمل في دخول ألبيت ألأبيض يوماً ما2013. كانت الخلايا ألخبيثة في كلامها في كل مكان و بالذات موجهة ضد كابريلا كفوردس ألديمقراطية و التي حصلت على ثقة سكان مدينة أريزونا في الانتخابات ألأخيرة. ليس هناك شك في أن الولايات ألمتحدة ألأمريكية تعيش في حالة هستيرية تحت ظل ظروف اقتصادية صعبة و مجتمع يمكن وصفه بالكاذب كما تطرقت اليه اعلاه.
لا يقتصر وجود اللغة ألخبيثة على بريطانيا و أمريكا و إنما انتشرت في إنحاء أوربا مع تكاثر شعبية أليمين ألمتطرف في بلاد كان يصعب يوما ما تصور إن ذلك ممكن إن يحدث فيها مثل هولندا و بلجيكا و ألمانيا و غيرها. لم تتورع أنجيلا ميركل من التطرق إلى ألشك في ولاء الجالية التركية في 2010 من أجل كسب الأصوات ألبرلمانية، و ترى ساركوزي كان يطلق الخلايا ألخبيثة في الكلام بين ألحين و ألأخر للتغطية على فشل إدارته و قلة شعبيته بين الناخبين ألفرنسيين. معظم الكلام ألخبيث في أوربا موجه ضد ألمعرفة هويتهم إسلاميا رغم إن بلاد أوربا برمتها بلاد علمانية.
أن اللغة ألخبيثة كثيرة الانتشار ايضاً ضمن الأقليات الإسلامية في أوربا و أمريكا متمثلة في استعمال تعاير دينية مثل الكفار، الجهاد، الشهادة و غيرها. أن انتشار استعمال اللغة ألخبيثة في ألعديد من المراكز الإسلامية و الجوامع ربما كان عاملاً في استقطاب ألكثير من الشبان و ألشابات ألذي يعانون من عدم ألتوازن في الشخصية و بالتالي تجنيدهم للقيام بإعمال إرهابية في غاية البشاعة.
يقابل استعمال اللغة ألخبيثة من قبل الإسلاميين شيوعها في الأقلام المعادية لهم و باللغة ألعربية ذاتها. تتميز هذه اللغة ألخبيثة بصراحتها و شيوعها بعد مجازر الحادي عشر من أيلول و لأسباب انتهازية تحمل أعلام ألعلمانية، مثل كتابات وفاء سلطان و دعوتها علنياً بتصفية ألمسلمين في إحدى مقابلاتها ألإعلامية. نشرت و فاء سلطان غلى موقع عربي في عام 2010 ثلاثة مقالات تبرر فيها طريقتها في الكتابة و محتواها. في أحد هذه المقالات تمثلت بامرأة أمريكية أشهرت سلاحها عندما حصل شك في ذهنها بان والدي ألطفلة يحاولون اختطافها بدلاً من اللعب معها، و اعتبرت ذلك مثلاً للتطور ألاجتماعي و ألحضاري للشعب ألأمريكي بدلاً من استنكارها لشيوع السلاح في بلد لا يخلو من ارتكاب المجازر بحق الأطفال في ساحات التعليم سنوياً بسبب شيوع السلاح و حمله علنياً و ما على القارئ الكريم الا مراجعة ذاكرته عن المجازر في بعض المؤسسات التعليمية في امريكا.
اما اغرب مثال للكلام الخبيث فهي الأكاذيب حول صلب المعادين للحكومة في مصر 3 على اشجار القصر الرئاسي المصري و هي سلسلة من العديد من الاكاذيب التي تملأ الصحف و المواقع الغربية منذ تسلم مرسي السلطة في مصر و كان اولها مخطط تدمير الاهرام. كانت بدابيه نشر اكذوبة الصلب هي قناة سكاي نيوز العربية الممولة كذلك من الخليج العربي و رغم ان الخبر تم سحبه من الموقع و لكن لم يسمع احد من هذه القناة او مصادر اعلامية عربية التصدي لهذه الأكاذيب لكن رغم ذلك لم يتوقف بعض المفكرين من جامعة اكسفورد بالتصدي لأكاذيب الصلب و تدمير الاهرام بشدة قضت على هذه المزاعم و لكن المؤسسات العربية الفكرية العربية العلمانية منها او الدينية فتراها اليوم في نوم عميق غافلة عن توقيت ساعة التنبيه كي تصحى من نومها.
ألمصادر:
1 Cameron N(1943). The Paranoid Pseudocommunity. American Journal of Sociology.
2 Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders. TR (2000). American Psychiatric Association.
3 Ibrahim R(2012). The Muslim Brotherhood crucifies opponents, attacks secular Media. Investigative Project on Terrorism.
4 The ICD 10(1993). World Health Organization.
5 Jaspers K (1997). General Psychopathology (translated). John Hopkins University Press.
6 Munro A (1999). Delusional Disorder: Paranoia and Related Illnesses. Cambridge University Press.
7 Todd J Dewhurst K (1955). The Othello Syndrome A study in the Psychopathology of sexual jealousy. The Journal of Nervous and Mental Diseases.
سداد جواد التميمي (2012) .الحب و جنون الحب. موقع مجانين.8
سداد جواد التميمي(2012). على همش الشيزوفرانيا. موقع مجانين.9