مقالات

عندما كنت في طريقي لزيارة مدينة دهوك كنت اسأل سائق السياره بين حين واخر عن المسافه المتبقيه للوصول الى احضان المدينه التي طال اشتياقي لزيارتها.  وبعد ان ضجر السائق من كثرة تساؤلاتي , اردف قائلا (مبتسما بابتسامه تنم عن نوع من الضجر)  يا صديقي هل تري تلك الجبال !!  هناك تقع دهوك خلف تلك السلسله الجبليه...

 ربما ظنني السائق فضوليا كثير الكلام, لكنه كان غافلا عما كان يدور في مخيلتي من شريط ذكريات مؤلمه عندما كنت في عنفوان شبابي وكانت جذوة الثوره تتقد في ثناياي. ما كان السائق عالما بشدة لوعتي الهائجه التي كانت تجيش في فؤادي وولعي اللامتناهي ببهدينان الحبيبه. فهذه الأرض الطاهره تحتضن في ثناياها رفات  مجموعه من رفاقي الشهداء. رفاق اشداء لم تسنح لي الفرصه ان انور مقلتاي بمشاهدة محياهم قبل الرحيل المبكر عنا. ويا لحرقتي  سوف لن  اراهم ابدا بعد ان تكالبت عليهم ايادي الغدر و امطروهم بوابل من رصاصات كانت من الأولى ان توجه الى صدور البعثيين الفاشست والجحوش الخونة, بدلا من اجساد طاهره  لكوكبة مناضله حملت السلاح لمواصلة الكفاح المسلح....  فهنا, في هذه المنطقه دارت رحى معركة غير متكافئه بين مفرزه شجاعه وصغيره من حيث الحجم  تجابه قوه عشائرية حاشدة مباغته وباعداد ضخمه اتوا من تركيا, يحملون اوامر الميت التركي لخنق اي صوت رافض لأتفاقية الجزائر المشؤومه .فتم ارتكاب جريمه مريعه تندي لها جبين الأنسانيه في زمن كان العالم قد تجرد من اخر مثقال من انسانيته, فاسكتته اموال الطاغيه فاغمض عينيه عن حقيقه جرائم صدام تجاه شعبنا الكردي الذي جردته اتفاقية جزائر المشؤمه من اي بصيص من الامل في افق مظلم بعد انهيار الثوره الكرديه المفاجئ. مفرزة مناضله  جاءت  لتبشر بولادة ثوره حديثه بقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني, ثورة شعب هيهات ان يرضخ للظلم . فها هنا سقط حبيب امتنا وشهيدنا الخالد المهندس الكهربائي النقيب  ابراهيم عزو ورفاقه الأشاوس السته والثلاثين..... ولم يعثر ذويهم لحد هذه اللحظة على جثامينهم الطاهرة ,كما لم يتم العثور على رفات الشهداء الابطال علي العسكري والشيخ حسين بابا شيخ الايزدي والدكتور خالد سعيد وعشرات من الشهداء الاخرين....

ذكريات مؤلمه تتوارد كشريط مصور في مخيلتي لأيام عصيبة من عمر نضال ثوري صعب كلف شعبنا الآف من الشهداء الذين (تبوءو الدار و الأيمان) و نالوا اسمى مراتب شرف التضحيه. فكل ما نتنعم به اليوم من الحريه و نعيم الحياة على ربوع ارضنا انما هو ثمرة نضال شهدائنا الأبرار. لم يكن بالأمكان الحصول على مكاسب حاضرنا لولا تضحياتهم النفيسه سابقا. لذا فعلينا ان نصب جل اهتمامنا بعوائلهم ليس كواجب اخلاقي فحسب بل كسداد للدين الذي تركوه على اعناقنا. فلولاهم ما كنا و ما كان لنا هذا الذي لنا.

ويقطع صوت السائق سلسلة افكاري عندما سالني: مالي اراك سكاتا, ارجوا ان لا اكون قد ازعجتك بكلامي...

وكأني افقت من نوم عميق , واذا بي محاط بمناظر خلابه. فالخضرة تفترش جانبي الطريق . و لكوني من منطقة كركوك, لم ار مثل هذه المناظر الا في فترة قصيره من  فصل الربيع وها نحن في عز الصيف و مازال الربيع قد ارسى برحاله هنا رافضا ان يرحل عن هذه الديار الجميله و كأنه قد افتتن بهذه الديار و اتخذ منها مسكنا له و نقطة انطلاقه الى انحاء العالم. كما والاحظ ظاهره اخرى لا تتواجد في مناطق كرميان وهي اخضرار الجبال المكسوه باشجار البلوط و التين و الكروم. اما الاعشاب و النباتات البريه  فلم تترك مساحة الا واستوطنتها و ملأتها خضرة و لونتها بالوان زاهيه, على النقيض من جبالنا في كرميان العاريه من الخضره كجبل الحمرين وجبل حصاروست. . لقد انعم الله على هذه الديارالطيبه لطيبة وكرم اهلها, وهم اهل لها.

واخيرا ها انا الان في قلب دهوك الحبيبه, واخيرا تحقق حلم العاشق الولهان للقاء حبيبته. دهوك ابهرتني بجمالها  الطبيعي كحسناء لا تعوزها الرتوش المزيفه . جمال اني اراني عاجزا عن وصفه فهذا جمال فائق ليس بامكاني من اعطاء حقه مهما حاولت البحث والتقصي عن مفردات شعريه في معجم مخيلتي . انها وبحق متطوره و منتظمه شيدت شوارعها و ابنيتها وفق خطه مقننه حديثه اخذة بعين الأعتبار التوسع المستقبلي. انها تضاهي المدن الأوربيه من حيث نظافة و تشجير و تنوير شوارعها. ومن حيث تنظيم عملية الأعمار  والعنايه التامه باماكنها السياحيه و الترفيهيه. وقد شهد قطاع السياحه تقدما ملحوظا  ويتجلي هذا التقدم الباهر في الخدمات و وسائل الترفيه و الراحه التي تقدمها الفنادق لنزلائها. . باختصار  من منكم يرى التقدم العمراني حصرا على السليمانيه واربيل  عليه ان يزور دهوك قبل ان يصدر قراره.

 اجمل ساعات دهوك هي ساعات المساء و الليل . فلا تفوتكم الفرصه لزيارة دهوك انها جوهرة نفيسه يقطنها شعب في غاية الكرم والأخلاق النبيله. انها فردوس كردستان فتحت احضانها الدافئه لكافة مكونات العراق. فهنا يعيش الجميع في وئام تام. فدهوك ام حنون تحتضن الكردي و العربي و التركماني و المسيحي و اليزيدي و الصائبي  في سلام و امان. انها بستان كردستان والعراق عامة, يحوي زهور جميع الاطياف.  

مواجهة الواقع السياسي

كنت ارافق وفدا من المجلس المركزي بحكم عملي الوظيفي في المجلس المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني (ومن حسن ظني) كان سكرتير المجلس المركزي السيد عادل مراد قد اختار مدينة دهوك لعقد جلسة  المجلس المركزي , لكونه من القيادين القدامى  و كان قد اتخذ في حينه من منطقة بهدينان مقرا لنضاله الثوري .ومنذئذ توطدت علاقه حميمه بينه و بين اهاليها من النيروييه والسندية والاتروشية والبارزانية و ظل مغرما بهذه المنطقه التي تضم في ثناياها رفات العديد من رفاق دربه الأشاوس كالشهيد الخالد ابراهيم عزو.

 منطقة بهدينان عزيزه على قلوب الكرد في كافة اجزاء كردستان . فهذه المنطقه قد تفانت ابنائها الأبطال في تقديم التضحيات الجسيمه و اغنوا الحركه الكرديه باسهاماتهم البناءه وارسوا دعائم  الثوره الحديثه.    لذا فان قرار السيد السكرتير كان قرارا صائبا للتعرف على تنظيمات الأتحاد في المنطقه و الوقوف على المشاكل التي تواجه تنظيمات الأتحاد و اعضائه. وقد تجلت حكمة اختيارالسيد مراد لمدينة دهوك بوضوح  من خلال النقاشات التي جرت اثناء الجلسه. فقد تبين للجميع بان الرفاق يواجهون العديد من المشاكل و العراقيل التي تواجههم والتي كانت خافيه على اعضاء وفد المجلس بل و ربما  حتى الكثير من قادة الأتحاد الوطني غير عليمة بها

لا ابالغ ان اعترفت لكم بان عيني ادمعتا اكثر من مره عندما كنت استمع لشكاوي بعض من اعضاء الأتحاد يعبرون عن معاناتهم احيانا باصوات هادره  و احيانا باصوات تنبعث من حناجر (تختنق غصه) لرفاق اوفياء. وكل الأصوات تهتف اين  حقنا؟ اصوات مزيجة بالالم تتلو الواحده تلو الاخر فقرات بل و صفحات من واقع تراديجي فرض من قبل حلفاء واخوة يمارسون سياسة الأقصاء بحق مناضلين من الرعيل الأول في النضال المسلح. فالأرقام المرعبه التي طرحها الرفاق  على سكرتير و اعضاء المجلس عكست ضخامة و هول مأساة عملية تهميش و أقصاء سافر تمارس ضدهم  من قبل سلطة دهوك.  

 هنا بهدينان المناضله يا ساده, هنا بوابة الثوره المجيده لما بعد السقوط المشين. و هنا استشهد اول كوكبه من شهداء الثوره... فكيف لنا بالسكوت عن الأجحاف الذي يلحق باحفاد الشهيد ابراهيم عزو؟؟ كيف لنا ان نسكت عن الذين يعاملون احفاد وابناء اول عملية انفال , كغرباء في عقر دارهم؟؟ اين الأنصاف بحق ابناء و احفاد الرعيل الأول الذين اعدموا في سجون النظام المقبور في الموصل؟؟

اقولها بصراحه ان الأتحاد يتحمل اعباء تقصير سلطه دهوك و تقاعسها المقصود في عدم تحقيق العداله و احقاق الحق. لكون الأتحاد شريكا في السلطه وفق الاتفاقيه الستراتيجيه  وعليه فان الأتحاد يتحمل  وزر اخطاء السلطه بالتقاسم مع شريكه الأستراتيجي ان شئنا او ابينا.  و في المقابل لا يتقاسم الاتحاد شريكه  في جزء بسيط من  أستحقاقات الشراكه في المناصب و الوظائف في بهدينان و مناطق اخرى . اليس هذا خللا في المعادله السياسيه التي ارست قواعدها الاتفاقيه الستراتيجيه بين الحزبين التي وقعت في27/7/2007 . ربما لم يطل الغبن بعضا من مسؤولي الأتحاد هنا او هناك, لكن جماهيرالأتحاد تعاني الأمرين من ظلم الأقصاء.  و لولا اجتماع  المجلس في دهوك لما كان بامكان العديد منا درك حقيقة هذه المظالم التي ترتكب  يوميا بحق اعضاء الأتحاد. ما هكذا تدار الأبل يا قادة الأتحاد!! رفقا بهؤلاء المناضلين الذين لم يتخلوا عن التزاماتهم السياسيه رغم المعاناة التي يواجهونها يوميا فاين التزامكم انتم باعضائكم؟؟

 ففي الوقت الذي ينتمي اناس فرصويون الى الأحزاب لكسب مناصب او رواتب , فهنا في بهدينان, فان رفاق الأتحاد لم تلن عزيمتهم ولم تنطفئ جذوة الثوره الوقاده في افئدتهم وما زالو مصرين على إزالة الغبن عنهم وعن الاخوة في حركة التغيير والاتحاد الاسلامي والحزب الشيوعي الكردستاني, و الدفاع عن العداله الأجتماعيه ليس لصالحهم فحسب بل لصالح كافة اهالي بهدينان الغير منتسبين لحزب السلطه. فهولاء يا ساده هم رجال صنعتهم المحن وليسوا من طرازالذين انضموا اليكم من اجل تحقيق مصالح شخصيه. فطوبى لهؤلاء الأبطال الذين ابوا ان يأتمروا باوامر المحافظ او الاسايش ! مقابل وظيفة او راتب تقاعدي . لست ادري ما هي نظرات الاخرين تجاه رفاق الأتحاد في بهدينان لكنني شخصيا انزع قبعتي و انحني  احتراما و تقديرا لهم لما ابدوه وما زالوا يبدونه من الشجاعة و الأصرار على المضي في نهجهم الثوري العنيد وعدم الرضوغ للضغوطات حتى وان كلفتهم مواقفهم المشرفه قوت اطفالهم.  

  لقد سمعت من المتحدثين في الجلسه اكثر من مره وهم يعاتبون قيادة الأتحاد و بالأخص الذين قاموا بزيارة منطقة بهدينان, فقد ابدوا (المتحدثون) امتعاظهم ازاء كومة من الوعود من قبل مسؤولين في الأتحاد والتي لم تتحقق اي منها

مع اني من اشد المعارضين لسياسة المحاصصه و مبدأ 50-50  على حساب الكفاءه. و اؤمن بتعين الشخص المناسب في المكان المناسب. لكن اليسوا بيشمركه الأتحاد اكفاء ليتعين بعضهم كشرطي او مفوض او ضابط في سلك الشرطه؟ اليس من حق خريجي الجامعات و المعاهد من اعضاء الأتحاد ليتم تعينهم اسوة باقرانهم في الوظائف الشاغره في دوائر محافظة دهوك؟ لماذا يتم اقصاء اعضاء الأتحاد بالتحديد من كافة فرص التعيينات ؟ ان اعضاء الأتحاد  وحركة التغيير والقوى الاسلامية هنا لا يطالبون بمناصب تفوق كفاءاتهم, كل ما يطلبون هو عدم ممارسة سياسة التبعيض بحقهم. انهم يطالبون بان لا تهمل معاملاتهم للتعيينات من قبل المسؤولين في المنطقه لأسباب سياسيه او  بسبب انتمائاتهم السياسيه.

اذن متى ستتدخل قيادة الأتحاد في اجتماعتها المشتركه مع الأخوه في قيادة البارتي لتحقيق العداله لصالح جماهيرالأتحاد في منطقة بهدينان؟  اما ان الأوان لتحقيق الوعود التي اعطيت لهم ولم تطبق؟ متى ستحصل منطقة بهدينان على التمثيل العادل في المراكز القياديه للأتحاد؟ هل تعكس تشكيلة اللجنة القيادية والمكتب السياسي  للأتحاد التمثيل العادل بالنسبه لمنطقة بهدينان؟ ان رفاق الأتحاد في بهدينان يعانون من سياسة أقصاء و تهميش  مزدوج,  فمن ناحية التوظيف من قبل السلطه المسيطره على المنطقة, ومن قبل  الأتحاد باقصائهم من المراكز  القياديه.

ان على قيادة الأتحاد ان تعمل جاهدا لرفع الغبن عن جماهيرالأتحاد و تقديم الدعم المادي و المعنوي لتنظيمات الأتحاد في بهدينان. ان تحقيق مطالب اعضاء الأتحاد في هذه المنطقه يتجسد في وضع حد لسياسة الأحتكار من قبل الأخوه في البارتي. هذه المطالب تصب في صالح جميع مواطني بهدينان وتقوي اواصر التأزر والتحالف بين الحزبين الرئيسيين وباقي الاحزاب والقوى الديمقراطية والاشورية والكلدانية والايزدية, وعندها تتمكن تنظيمات الأتحاد من ان تتحول الى ملاذ المضطهدين من كافة شرائح المنطقه .هذا ما يقوم به حزب الأتحاد الأسلامي والذي تحول الى ثاني اكبر قوه بعد البارتي في منطقة بهدينان. فالعداله الأجتماعيه مطلب جماهيري و الحزب الذي يتمكن ان يستحوذ على صولجان العداله يكتب له النجاح في استقطاب الجماهير و الفوز بقيادتها. ان عصر الهيمنة وفرض ألايديولوجيات قد ولى. فثورات الشعوب في الربيع العربي لم تثيرها ايديولوجيات و لم تقدها احزاب سياسيه. الجماهير تطالب بالخدمات المدنيه ولقمة العيش الرغيد والتي لا يمكن تحقيقها الا بتحقيق العداله الأجتماعيه اولا. فاما ان نعاني معا من سوء الخدمات المدنيه واما ان نتمتع بوفرتها معا . هذا هو منطق الجماهير في الوقت الراهن, وهكذا غدت قضية العداله بمثابة بوصله توجه طاقات الجماهير .

 اطرح هذه الأسئله و لا اخشى لومة لائم ,حتى ولو( ما ابقى لي الحق من صديق) ساظل انادي باحقاق الحق و ازهاق الباطل. وفاء لرفاق الدرب الشهيد ابراهيم عزو وعبدالرحمن سنجاري وعبد الجبار عبد الغني السندي وعزت سنجاري وقاسم محمد علي و الرفيق المسيحي سولاقا توما و كافة شهدائنا الأبرار الذين دخلوا كردستان في 1/6/1976 لاشعال الثورة الجديدة في ربوع بهدينان الحبيبه

طالب زنكنه