لكثرة اللغط حول مفهوم المثقف والثقافة إرتأيت أن أسجل رأيي فيها وبإختصار شديد، أملاً أن يساعد على رفع الغشاوة عن معناها الغامض ربما عند الكثيرين.
الثقافة كلغة ً تأتي بأكثر من معنى، وما يخص الموضوع بالتحديد هو...
(بمساعدة المعجم اللغوي العربي المعاصر والغني ..كمصدر لمعنى الكلمة لغويا)..أقول..وبإختصار وتصرف مني بالتوضيح والشرح..وإبداء الرأي..بالتعليق..على تعريف المعجم.
أولاً.معنى المثقف..... من المصدر لفعل تثقف..
تثقّف على ..وتثقف عليه..إنتهى
..، أي تعلم وتزود بالمعرفة واسم المفعول متثقّف عليه ، وهذا يعني كل من حصل على معلومة أو تعلم سياقة الدراجة الهوائية مثلا ً، هو تثقّف على سياقة الدراجة . فهو متثقف عليها.
ثانياً...
من المصدر..
ثقَّف: بمعنى هذّبَ، قوّم الشيء..أنتهى
وهي من ثقَّف الشيء، أي هذبه ، قوّمه،. ثقَّف يثقِّف..وأسم المفعول.هومثقَّف..أي الشيء الذي انت الفاعل عندما أستخدمته، وهذّبته، أي ثقّفته، أصبح يسمى "الشيء" "مُثقّف". أسم مفعول..
وكفاعل..والذي هو انت.. تسمى مثقِّف. بالكسرة تحت الشدة.
فالأول..مستلم للمعرفة..دون تهذيب ذاتي لها..إستلمها فأصبح متثّقف عليها..
أي لايقول على مستلم المعرفة بمثقّف تبعا لفعل تثقّف.
والثاني..مهذِّب للمعلومة بنفسه بسبب معرفة سابقة سمحت له أن يحسنها ويهذِّبها، فنطلق على المعلومة المكتسبة أو "الشيء" الذي تعرض للتثقيف ..بمُثّقف. أسم مفعول.. لانك ثقِفته. ومثقِّف..أسم فاعل وهو أنت.
..فأنت "تتثقف على" ، وتُثقِّف الأفكار_فاعل_، والناتج هو ثقافة مثّقفة من صناعتك، أنت من ثقفتها، فأنت مُثَّقِف لما(حصلت عليه من معرفة) أي تثّقفت عليه.
فأصبح من جراء الفعلان..هو متثقف على، ومثقِّف.
ولكن المعجم يذكر أيضا أن كلمة مثقف ، أسم مفعول.. تعني المتبحر بالثقافة، وغيرها من المعاني..
المعجم: الغني
مُثَقَّف :
- اسم مفعول من ثقَّفَ .
- متوسِّع ، مُتبحِّر في الثقافة والمطالعة " رجل غير مُثقّف ، ضعيف في المعرفة المكتسبة من الكتب
إنتهى..
وتعليقي هو.. لا يمكن التمييز بهذا الصورة بين المتبحر بالثقافة أي بفعل التهذيب للمعلومة إذا كان هكذا قصد بالثقافة حقا ّ هنا.. مع قوله والضعيف بالمعرفة المكتسبة والكتب هو الغير مثقف!!..كلا لآاستسيغ هذا التعبير..واترك الرأي الأخير لصحاب الأختصاص باللغة.
ثم يقول...أيضاً..
إنتهى•)) ((الرَّأي العامّ المثقَّف هو الرأي الذي يمثله المتعلِّمون سواء أكان تعليمهم عاليًا أو متوسِّطً
وهذا يعني.. لايتحدث عن ثقافة اهل الفكر والنخبة هنا بالضرورة ، وانما ميزهم بما تعلمه المتعلمون الممثلون لهذه الثقافة السائدة، من أصحاب الرأي العام أي ثقافتهم، والرأي عادة يذكر لمن يفكر وله فكر(كقول المتنبي الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني)، ولكنه حصره بالتعليم ومستوياته، والثقافة التي قصدها في هذا التعريف هي نتاج تعليمهم، أي معلوماتهم ودرجة تعاملهم الفكرية معها، وهم مثقفون ولكن بدرجة أقل شانا من المثقف المفكر البارز. أي هم مفكرون ولكن دون مستوى النخبة. لانه في تعريف أخر يخص المثقف بطبقة المفكر ويجعله هو النخبة..
((الطَّبقة المُثَقَّفة : أهل الفكر والثَّقافة الذين يشكّلون نخبة سياسيّة أو اجتماعيّة أو فنيَّة)) المصدر المعجم الغني.
المعجم. له رأي وأعتقد أن الرأي العام اليوم يتجه الى التقييم على الفعل بغض النظر عن هوية الفاعل.
فأُعرّف الثقافة بالمختصر.. على انها كل فعل أي فعل كان سواء قبيح أو حسن ، حرام أو حلال ،هو ثقافة، سواء بفعل التلقين او التفكير الذاتي.. وقع.
إذن فما هي الثقافة...بالتفصيل..؟؟
يثقِّف الانسان نفسه ،أي يعلمها ويهذبها بالمعلومة، أومن خلال الصور الفكرية المنفعلة لديه في الذهن، من خلال حواسه ،وبغض النظر عن ، وكميتها.ونوعها/..لأن نتائج التفكير من القوة الفكرية الى الفعل هي الفعل الثقافي أو المفهومي، ومنه تتحول الى مسمى آخر وهو" القناعة " أي المحصلة/ فنقول هذه قناعتي، أي هذا ماتوصل اليه عقلي. وهو بثقف المعلومة، فكريا ً، وهذا لايختص به أحد دون أحد،لأعتماده على القدرة المنطقية التفكرية المتوفرة أي بمقوماته الكسبية المعرفية وخبرته لها ،وبفضل التسهيل من العامل الجيني لمساحة القدرة أيضاً..سواء لمتعلم أوغيرمتعلم، فالنتائج هي من تُقدِّر قُدرة التهذيب أو ثَقفْ المعلومة لهذا الفرد أو ذاك، ومنها يحصل التقييم، بالجيد أو الرديء. ونقول هذا ثقافته جيدة أو رديئة لان كلاهما ثقافة، كما هو مثلا ً في الإصغاء، أوفي المعاملة الانسانية والإحترام، أوفي فهم الحرية الاجتماعية والفردية، أو في طهي الطعام.. أو في الجلوس والملبس ، وأسلوب الكلام ، أو في إدائه لعمل ما ..أو في السياقة، أو الكتابة، الخطابة أو في الحوار، أوالنظافة، كما نقول مفهوم فلان الثقافي لمعنى الرجولة والشجاعة، كذا جيد، أو متخلف، نسبة الى قناعاتنا وثقافتنا أو قناعة الرأي العام، أو كقناعة حق التدخين في أي مكان، أو الصراخ الذي يشكل أثراً سلبيا وانتهاكا لحقوق الاخرين الصحية والذوقية والأخلاقية، أي انتهاك للحرية الإجتماعية قاطبة ً.
فالفرد القادم من مجتمع ما، قد يحمل قناعة(ثقافة) ولايستحي منها كما هو قناعته بمفهوم الحرية الأجتماعية والأنسانية ككل، ويعدها ثقافته أو هويته ، بسبب غياب العقل التفكري لتهذيب الافكار ، وقابليته على فهم الصور المستلمة من الخارج وشمولها بالتحقيق والتهذيب. فتصطدم ثقافته بثقافة البلد الذي يقيم فيه، فيصعب عليه التأقلم إلا مكرها لسبب أمني ومادي.أوحياة أكثر رفاهية.. لأن ثقافته تتعارض مع هذا المجتمع الجديد الذي لايسمح بمثل هذه الثقافة، فيتقبلها كقناعة يزاول سلوكها في مكان إقامته في هذا البلد فقط، وفي أول هبوط له في مطار بلده كما حصل في مطار النجف ، سحب "سكارته "وبدأ بالتدخين والآخرين من معه ينظرون له وهو لايقيم لهم وزنا ً ولا لإنسانيتهم .عودته لبلده يعود الى ثقافته، فيشعر بالغبطة، وبوجوده، الحقيقي،الذي يعنيه هو، وليس الأخرون. ويفسر هذا الشعور كما يحلو له . مثل هذا الفرد يعلم صحة منطق وقوف الشخص في الطابور اوعدم التدخين في الدوائر والمطارات، أو عدم الصراخ أوالكلام بصوت عال ، أو المشاجرة، ولكن لايطبق لغياب قيمته منذ الصغير تربوياً فيردها بتغييب قيمة الاخرين، وتشغله غالبا ً قيمته فقط. وحتى ثقافة العنف في كلماته هي نتاج حالته النفسية وثقافته من بيئتة، فتطفوا الى السطح بفضل العادة فيترجمها من لغته الى لغة البلد الذي فيه، كما حصل مع معلم في مدينتي في السويد، وقال للطالبة( أكص..أقطع.. أيدج إذا تسوين هيجي بعد) لانه ترجمها عفويا من عقليته المحشوة كالدولمة بطعام العنف الذي يمارسه هو وشعبه في كل لحظة، دون أي إلتفاتة لما يقولون ويسلكون، بل هي تربية أولادهم ، ولسان حالهم وشارعهم شاهد..وامثال هذه الكلمات أو تقريبا هي لغة الشعب في الحقيقة، فمسارح الواقع والمسرح التمثيلي وسيناريوهاته خير شاهد عليها ودليل، بل أغلب الناس إعتادوا وكنت منهم أنا على أن يتلفظوا بها في كل لحظة ومن غير أن يشعر أنه رسم صورة قناعته بهذا السلوك الأخلاقي العنفي ذو الأثرالرجعي على كرامة وقيمة الإنسان في المجتمع.
في الطائرة النمساوية، المتجهة من السويد الى النمسا كان نصف المسافرين تقريبا ًعراقيين ،، وإذا بالطائرة تعج بحوار السياسة والدبن والصوت العالي من ذوي الأصوات الخشنة الغير مبالية لأحد، يعني ضوضاء تماما ً، ولكن يبدو المضيفة خبيرة بشعبنا وثقافته الحوارية ومادتها، وتعلم الحل ، ففتحت التلفاز وإذ بأفلام كارتون فيها توم وجري ، وإذا بالكل يكف عن الكلام ويهدأ وتوجهت أنظارهم وصغت آذانهم الى توم وجري. فبدت السعادة على وجوههم والابتسامة، والاهتمام الكامل لتوم وجري ، فتحول توم وجري من العقلية الحوارية، الى شاشة التلفاز ولهذا صمتوا. والله أعلم. فتبادل البعض مع البعض النظرات بأبتسامة.
فمن سلك سلوكا مستمرا مئات السنين(هذا هو التراكم الثقافي الذي حملوه ولازالوه يحملوه)، ولايحاول نقده بثقافة الرفض للتغيير منها فهو بالتأكيد ،لم يعدها باهمية ويستهتر بها وهذه الأخيرة هي أيضا ثقافة قيم إنسانية رديئة، لمثقفين سلكوا ثقافة الغير مثقفين ، وهذا هو ما أوقع هذا المعلم وفضح ثقافته الإنسانية من غير قصد ، فتعرض للتحقيق والتوبيخ والإنذار. ولكن ثقافة شعبنا تسمح للمعلم بضرب الطالب والضرب المبرح وتعده تأديبا. أم الشارع وصورته.. فالستر أولى.
فلكل منا له خاصته المنبثقة من قناعته وهي بحد ذاته نتيجة لتهذيب لما تثقفت عليه ، من معرفة ومعلومات . أو نتيجة لأي فكرة ما تم طهيها او تثقيفها في العقل،على ضوء الرصيد المعرفي التلقيني أوالتفكري.
فمن عَلِم يعني "تثَّقف على"، أي أستقبل المعلومة دون تمحيص، كما هو بالتقليد، مع التفكير فيها لا، لتهذيبها وإنما لفهمها لتوليد القناعة بمنطقها التي ثبتت عليه، كما يكتسب الطالب المعلومة من المعلم أو الكتاب ليحاكيها أولا ً قبل ان يُفَعل الفكر،فيها متفحصاً سلامة منطقها ،. فقد يحمل الفرد ثقافات غيره بعد أن يجتاح منطقها فكره الضعيف، أو الغير معتاد على التفكير ،فيتحدث بها، بمنطقها، ويصوغ حركاته وسلوكه وأقواله وتربيته ويبني عليها كتاباته لتكون له الإنطلاقة المعرفية الاولى لأفكاره وقناعاته ، أما إذا قوي على التفكير فربما، يرشح لنفسه قناعات مغايرة بما أوحت له أفكارها ، فيطبقها أو يحاول إثباتها باسلوبه الخاص ، أي بثقافته التي ولّدت هذا الاسلوب الخاص به.
فمن ثقف الشيئ بفكره واقتنع به ثم سار عليه، هي النتيجة التي ما نسميها بعرف اليوم ثقافة(ثقافته)، أي هي حصيلة تهذيب فكرة أو مهنة أو حرفة أوعلم أو رأي فلسفي، أدبي، لتصاغ منها تصرفات سلوكية في أوجه البيان المختلفة من التطبيق، ومن سمعة السويد في صناعاتها او اليابان، نستخلص مثلاً.. وجود ثقافة وقناعة فنقول هذا صنع سويدي او امريكي ،أو ياباني، لاننا نعلم خلف هذه السمعة ثقافة حققتها.
وبالمثال يستقيم المقال.. كما يقال...
لنأخذ مثالاً على ضوء العمل في الإنتاج، وهو عن صدقهم وإخلاصهم ودقتهم ونظامهم واحترامهم للوقت، ولحياة العامل وبيئتة العمل وضمان صحته واستراحته..الخ.. وهذه الثقافات او القناعات هي التي رفعت من قيمة الاسم السويدي، أو الفلندي او الدنماركي، وأصبح نجمهم في السماء عالياً، وليس الآلة أو المال، بقيمته الإعتبارية، أوالقوة العسكرية أوعقلية التفاخر بالقديم، فكلها لاتنفع دون القيم الاخلاقية المتولدة من الثقافة الاجتماعية الإنسانية المزروعة بحقنة الانسنة التربوية أسريا وتعليميا، منذ الصغر. فهذه الاخلاق والقيم، قناعات توصل اليها تهذيبهم العقلي الإنسانيّ النشأة ، منذ نعومة أظافرهم، رافضين العنف بكل صوره اللفظية والجسدية، فقيمة الإنسان هي الملاك التي يُسجد لها، إجتماعيا فكرياً والقانون يحميها. هذه هي قيمهم وثقافتهم التي هذبها عقلهم الحي ونشاهدهم نحن من خلالها، يتوارثها أجيال، تلو الأجيال، تسقى لهم تربوياً كحليب الأم للطفل رضاعة،. فحياة العامل الانسانية والاجتماعية والنفسية وثقافة اخلاصه بما يحمل من ثقافة اخلاقية، تحِّل قيمة لاتوازيها قيمة أخرى، ولا أحدث وأغلى الآلات الميكانيكية والألكترونية ،لأن طفلهم رضع قيمته الانسانية منذ الصغر فنمت معه عقلياً وجينياً وروحياً، وحلت سلوكاً على أرض الواقع في كل الميادين.
فالثقافة في كل مايشمل ويتعلق بحياة الانسان وعلاقته بأخيه ألإنسان والطبيعة ككل. كما الحياة البيئية والنفسية للطالب والمدرس، وسبل الرقي تأتي بالتأكيد، من ثقافة او قناعة التطوير للمخطِّط المثقف بثقافة إنسانية راقية ، لأن الناتج يصب في خانة الإنسان ومن هنا نشاهد ثقافة التقييم لانفسهم ولأنسانهم، من خلال برامجهم وحرصهم ورغبتهم الجادة في رفع وبناء قيمة الإنسان. فما يلمسه المرء في الدول الأوربية هو إنعكاس قناعاتهم الفكرية وقيمهم الأخلاقية في التعامل والعمل والعلاقات الانسانية ومع الطبيعة ككل.
كل عمل تربوي تعليمي أو أي عمل آخر يفتقد الى مراعات القيمة الإنسانية، للمخلوق في أي بلد كان ، يعكس ثقافة وأخلاق وقيمة إنسانيتهم لأنفسهم ، جماعات وافراد، مسؤولين وغير مسؤولين، فهذا هو معنى وأثر الثقافة في حياة الإنسان ، ولكن ما هي مرآة ثقافتنا، في كل المجالات، وخصوصا التربوية التعليمية، والتعاملات اليومية الأخلاقية ، في الدوائر وخارجها ، وهل توجد قيمة لأنسانية إنساننا العراقي على الارض عملياً كسلوك ، من جراء ثقافتنا؟؟ وإذا الجواب لا!!...فما هي قيمتنا وقيمة ثقافة مثقفينا وبشريتنا كمجتمع عراقي عند انفسنا أولاًوعند الآخرين ثانياً ؟؟؟ ، فقبل أن نطلق مسميات كعاصمة الثقافة وماشابه، علينا أن نحدد ونقيم ثقافتنا أولاً.
أضع القلم....
علاء هاشم الحكيم
2013-11-10
.إذا كانت الثقافة هي المعلومات واعداد الكتب المقروءة والمحفوظة وحتى الاشعار ، فغوغل أثقف واشعر الناس .