كلّ ما يقال عن مشاريع المصالحة الوطنية، والتعايش بين السنة والشيعة في العراق، يتضاءل أمام حالة التعايش والمصالحة الفعلية التي يشهدها مرقد الإمام الصوفي السيد أحمد الرفاعي (السني) في قرية ام عبيدة (الشيعية) التي تسمى الرفاعي، نحو 50 ميلا جنوب شرق واسط.
السيد أحمد الرفاعي (512 - 578) هـ غني عن التعريف فهو أحد أقطاب الصوفية المشهورين وإليه تُنسب الطريقة الرفاعية؛ الفقيه الشافعي الأشعري الصوفي، ، الملقب بـ "أبو العلمين" و"شيخ الطرائق" و"الشيخ الكبير" و"أستاذ الجماعة". هو السيد أحمد أبو العباس بن علي بن يحيى بن ثابت بن حازم علي أبي الفوارس بن أحمد المرتضى بن علي بن الحسن الأصغر المعروف برفاعة بن مهدي المكي أبي رفاعة بن أبي القاسم محمد بن الحسن القاسم المُكنى بأبي موسى بن الحسين عبد الرحمن لقبه الرضي المحدث بن أحمد الصالح الأكبر بن موسى الثاني بن إبراهيم المُرتضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي الأصغر بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
للإمام السيد الرفاعي ضريح مشيد في هذه القرية الواقعة وسط محيط شيعي. وقد ذهبت الأسبوع الماضي الى زيارته، مع آلاف الناس الذين وفدوا إليه من شتى مدن العراق والعالم. فهو مقام يكثر زواره الذين يأتون إليه كل عام ليقيموا حلقات الذكر والإنشاد والدروشة على مدى أيام وليال عديدة. ويلقي المنشدون في هذه الحلقات قصائد وأناشيد في ذكر الله، والرسول، وأهل البيت، تدعو بشكل عاطفي مؤثر إلى الوحدة والتكاتف والتعايش بين العراقيين كافة، وتجاوز التوصيف المذهبي ما دام الجميع يؤمنون باله واحد، ونبي واحد، وكتاب منزل واحد.
رأيت الناس يختلطون في مجالس الذكر بشكل مؤثر. ولا يمكنك التمييز بينهم على أساس المذهب، فقد جلس المسلمون من الفريقين، من الشيعة والسنة، في مجلس واحد، ليوحدوا الله ويذكروه كثيرا. ولم أجد بينهم تنابزا بالألقاب والمذاهب، ولم يقل أحد إنّ هذه الفرقة ضالة، أو إنّ تلك الفرقة منحرفة، كما يفعل الظواهري مثلا في رسائله.
السيد الرفاعي، كما هو واضح من نسبه، علوي؛ إلا أنّه إمام صوفي يؤمن بكراماته المسلمون من المذهب السني، وحين يأتون إلى زيارته، قادمين من الفلوجة والموصل والأنبار وكركوك وغيرها، فان إخوانهم المسلمين الشيعة، سكان المدينة، يستقبلونهم بالأحضان، والتكريم، والضيافة العراقية الأصيلة والأمان. ولا يخشى أحد أحداً لاختلاف المذهب وتباين الطريقة التعبدية. فالجميع يدركون أنهم عراقيون، يجمعهم الوطن الواحد، الذي يمنحهم مواطنية واحدة، كما يدركون أنهم مسلمون، وأن كون بعضهم يتعبد على طريقة المذهب الجعفري، أو أن البعض الآخر يتعبد على طريقة المذاهب السنية الأخرى، لا يغير شيئا من حقيقة وحدتهم الوطنية والدينية. عند الإمام السيد الرفاعي يكون الدين والتدين عامِلَي توحيد ووحدة، وليسا عامِلَي فرقة وتصارع. وهذه هي الغاية الكبرى من الدين، كما هو معلوم، وهي توحيد الناس على عبادة الله تعالى.
لا يفجر الشيعة، من سكان المنطقة ضريح الإمام السني، ولا يأتي السنة بمفخخاتهم وكواتمهم ليقتلوا ما شاء لهم من المدنيين من المذهب الشيعي. فقتل الناس عند هؤلاء، من الطرفين, من المحرمات الكبائر، وليس بينهم من يرغب بأن يرتكب شيئا منها.
تدخل وتزور وتصلي وتذكر الله بطريقتك المذهبية الخاصة، ولا يسألك أحد لماذا، ولا يكفرك أحد لأنك لا تقوم بمثل ما يقوم به. فالجميع يدركون أنّ النية التوحيدية هي الأصل الديني، أما فروع ممارسة الدين والشعائر مما اختلف عليه المسلمون فلا يفسد للود قضية.
في تلك القرية العراقية الصغيرة، حيث يرقد الإمام السيد أحمد الرفاعي، تتحقق الوحدة الوطنية والمصالحة العراقية والتعايش السلمي بدون خطب ومؤتمرات.
"الصباح"