ثناء البصام ،اكاديمية وناشطة مدنية متابعة (الصباح الجديد) - منذ تهجير الكرد الفيليين قبل 35 عاما مايزال الملف مفتوحا دون الحصول على حقوقهم واستعادة جنسيتهم العراقية واملاكهم التي صودرت عنوة إبان نظام البعث. شاهدة عيان وناشطة مدنية تروي صورة الوضع.
ماتزال ثناء البصام ،اكاديمية وناشطة مدنية، وإحدى شهود ترحيل وتهجير الكرد الفيلية تحتفظ بمشاهد تلك اللحظات، تقول انه رغم مضي خمسة ثلاثين عاما على الكارثة ألا أنها لا تزال تشعر بالألم وتحس ان الجرح لم يندمل.
يتمركز الكرد الفيلية ،وهم مسلمون شيعة وجزء من النسيج العراقي ،في خانقين ومندلي وبدرة وجصان في واسط كذلك في البصرة وبابل وميسان ايضا والنسبة الأكبر منهم في بغداد. كانوا من وجهاء المدينة ورجال اعمال يسيطرون على معظم الاسواق التجارية في بغداد مثل الشورجة وجميلة. وفي احصاء 1947 كان تعدادهم يقدر باكثر من ثلاثين الف نسمة.
تقضي ثناء الكثير من الوقت في متابعة ملف تهجير وابادة الكرد الفيليين في العراق:” لغاية الثالث من شهر آب 2014 عندما حدثت غزوة وكارثة سنجار، كنت اتصور انه لم يكن هناك جريمة كتلك التي تعرض لها الكرد الفيليون. صحيح ان الالاف من شباب الكرد الفيلية والعديد من النساء تعرضن ايضا للاغتصاب والقتل والسجن ولكن ليس بعدد الايزيديات ولم يتم قتلهن امام انظار ذويهم، ولكن تبقى الجريمة جريمة سواء استهدفت الايزيدية او الكرد الفيلية”.
تعرض الكرد الفيلية لحملات التهجير والترحيل القسري في سنوات 1970 و 1980 وما بعدها وتشير بعض الدراسات والتقارير الى ان اكثر من ثلاثين الف شخص كانوا ضحية الممارسات القمعية فيما تتباين اعداد الضحايا الذين اختفوا في السجون بين أثني عشر الف وسبعة عشرة الف شخص.
تجربة شخصية مريرة
وتتذكر ثناء الكثير من الصور والمشاهد في ليلة الخامس – السادس من نيسان 1980،عندما قامت الاجهزة الامنية لنظام صدام حسين بمداهمة العديد من منازل الفيلية في بغداد وتهجيرهم . تقول وكأنها تروي المأساة لأول مرة :” كنت في قضاء النعمانية التابعة لمحافظة واسط انذاك ، كنت طفلة في السادسة من العمر ،الحفيدة الاولى. في ليلة 6 نيسان 1980 كنت مع اختي الاصغر ،نائمة في بيت جدي لان والدتي كانت مسافرة الى بغداد .كانت ليلة عادية ،حيث المنزل مليء بأهله ،صحوت على صوت رجال يرتدون الخاكي وبيدهم السلاح وقد دخلوا الغرفة وأشر أحدهم إلينا أنا وأختي سائلا خالتي ،،، هل البنات لكم؟ ردت عليهم خالتي :كلا انهم بنات الجيران.”
وتضيف ثناء ” في الصباح رأيت ان المنزل يشهد فوضى.. كانوا قد اخذوا كل افراد عائلة جدي وكانوا ستة اشخاص ثلاث خالات ووالدتهم واثنان من خوالي وعلمت انه قد تم ترحيهلم من المنطقة ولكن لم اكن أفهم لماذا ولا الى اين ؟؟ شاهدت الجميع يبكي و يلطم وكأنهم في عزاء –وهم يقولون لي انه سفروهم. أرسلني ابي الى المدرسة ربما ليبعدني عن رؤية أمي وهي تدخل بيت اهلها الذين لن تراهم بعد الان. كنت ابكي وفي المدرسة باستمرار”.
العيش في نظام الرعب
تحاول ثناء ان تلملم انفاسها وهي تتحدث عن الجريمة اذ تقول :” بدأت رحلة الخوف بعد أن تشتتت العائلة، والدي ترك منزلنا المستأجر وانتقلنا الى منزل جدي خوفا من مصادرته لانه كان مسجلا بأسم أبي ولكن بعد اسبوعين عاد البعثيون مرة أخرى، وطلبت منا قوات الامن ترك المنزل مباشرة. تركنا الدار وكنا اربع اطفال مع والداي خرجنا للشارع حيث استولوا على كل ممتلكات المنزل وحتى جهاز الراديو الصغير الذي كنت احمله لم يسلم حيث امرني رجل الأمن ممنوع اتأخذوا شيئا ". لم يتم إصلاح الغبن على الرغم من تغير الظروف.
تهجير ممنهج
في 1970 بدأت اول حملة تهجير وشملت حوالي الف عائلة من الكرد الفيلية لكن امهلوهم وقتا ومجال لجمع حاجياتهم وعاد العديد منهم الى العراق بعد سنة او سنتين … ورغم ان ايران كانت قد منحت بعضهم الجنسية في زمن الشاه إلا انهم فضلوا العودة للعراق ليتم تهجيرهم مرة أخرى في الدفعات الاولى لعام 1980 .”ترحيل الثمانينات كان ممنهجا كما أن الوصول اليهم كان سهلا نظرا لحالتهم المادية الجيدة كما كانت برزت لديهم علامات التوجه القومي الكردي اوالانتماء للشيوعية او القومية ومنهم جدي وخالي الكبير اللذان كانا قد سجنا لسنوات في سجن ( نكرة سلمان – واحدة من اشهر السجون العراقية تقع في صحراء السماوة جنوب العراق) بتهمة الانتماء للحزل الشيوعي”.
الكرد الفيلية أجانب في وطنهم
وتتابع ثناء انه ” تمت عملية الترحيل بين 1980-1990 حيث صادر النظام كل شيء ولم يُسمح للكورد الفيليين ان يمتلكوا أية اوراق ثبوتية وللأسف لايزال الفيلي يراجع شعبة الاجانب للحصول على اوراقه. ”
ومن مفارقات هذا الملف استخدام السلطات العراقية منهج مشابه للنازية ،حيث قامت بعزل الآباء عن ابنائهم بعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية .عن ذلك تقول ثناء :” منعت السلطات الشباب من المغادرة مع عوائلهم المهجرة حيث كانت تزجهم في السجون ليصبحوا حقول تجارب للاسلحة الكيمياوية كما اجريت عليهم التجارب البايولوجية. وبعد سنوات من الإنتظار لم يحصل ذوو الشباب السجناء على علامة للحياة حتى بعد سقوط النظام الدكتاتوري في 2003 ويقدرعددهم بأثني عشر الف شاب ولم يعثر لهم على جثث ولا قبور فقام ذووهم بنصب مجالس العزاء في كل منزل ”
ولا تخلو قصص المهجرين من معاناة مأساوية اضطروا معها الى المشي على الأقدام أياما كاملة قبل أن يصلوا الى بر الأمان في مدينة مهران القريبة من الحدود سيما بسبب التعليمات المغلوطة باتجاه السير ،لتطول المسافة وتزيد المعاناة. فلا عجب ان لقي العديد من الاطفال والنساء والكبارفي السن حتفهم في الطريق.
لم يتوفر الحل بعد
وتقول الناشطة أن من المفارقة أنه بعد مرور 35 عاما على الكارثة التي حلت بالكرد الفيليين فإن الحكومة العراقية لم تطرح بعد حلولا حقيقية لمشاكل اعادة الجنسية اليهم واثبات عراقيتهم اضافة الى مشاكل اعادة الملكية والاملاك التي صودرت وما زالت معلقة. وتختتم اللقاء بقولها:”أحس انها قضيتي لانني كنت ولازلت في خضم المأساة واشعر بتلك اللحظات المؤلمة لأنه لم يتم انصاف الكرد الفيليين رغم زوال ظروف الفاجعة”.