مقالات

عبد الصاحب الناصر

الفتلاوي شجاعة وسط رجال جبناء؟

23/04/2015 12:23
في مجتمع ذكوري صرف، مازالت الرجولة البدوية والعنترية طاغية على الأفكار و الافعال، نرى  و نسمع  خلال كل مقابلة تلفزيونية مع الدكتورة حنان الفتلاوي صوت هادر، عنيد، واثقة من نفسها و من مادة لقائها. هل هذه صدفة من صدف الحياة، ام  هي دلالة عن عمق الجينات في انفاس الشخص  العراقي  منذ بدء التاريخ؟ و ليس صدفة ايضا انها بنت احدى قرى بابل العظيمة  .
 
اول ما يلاحظ عنها هي الصراحة الخالصة مصحوبة بشجاعة فائقة و شعور وطني عال من شخصية عراقية يبهرك تمكنها من مادة النقاش، يدل على استعداد و تحضير كامل و انتباه غير عادي، لترابط افكار متعددة ومتسلسلة وشاملة ومتماسكة. شخصية في طريقها الى ان سيخلدها التاريخ الحديث للشعب العراقي. و من هذا الوعي الوطني عندها، تتولد غيرة رجالية كغيرة الاطفال تفضح الكثيرين منهم و ما اكثرهم،  ولكن و في نفس الوقت يتعلم منها اكثرنا. يشاكسها كثيرون  وتنتصر عليهم و يخجل اكثرهم .
 
اتهيب ان اكتب عنها بصراحتي المعروفة احتراما لها، و اتردد ان اكتب عن شجاعتها خوفا عليها من الاتهامات و من مؤامرات الكل و اقصد ما اقول (الكل). الم يقل الامام علي عليه السلام (اللهم احمني من اصدقائي، اما اعدائي فأنا كفيل بهم )
 النائب الدكتورة الفتلاوي تذكرني بالنائب العمالي البريطاني السيد توني بن (١٩٢٥ ـ٢٠٠١)
وهو الذي تخلى عن لقب اللورد من اجل المبادئ الانسانية و الاجتماعية التي يؤمن بها، خدم في مجلس العموم البريطاني ٥١ عام ، و كان يُهاب و يعترف به و يحسب له الف حساب حتى من قبل الاحزاب الاخرى و الخصوم .
ان قوة  شخصية الدكتورة حنان  تملأها  كلها و تفرض نفسها  وحضورها على محاوريها كما هي الحال  مع مشاكسيها. فكلما يستمر مشاكسوها في التشدد كلما تفتح مجالات  أوسع في عرضها، تطالب بحلول و اجوبة  اكثر حتى  يحار المحاور او المشاكس  في الاستمرار  او التوسع في احراجها. نراها و نسمعها متوقدة دائما و كأنها تملك كل الاضابير حاملة لها وحاضرة امامها، و هذه ذاكرة فريدة  بين السياسيين العراقيين، و يدل حضورها على ذكاء عظيم  لشخص  متمكن من ربط القضايا المطروحة امامه، و حتى غير المطروحة، يستفاد منها في توجيهها في طريق الحوار كسلاح اضافي. تتمتع بقابلية الإقناع، بل تسحبك في كثير من الاحيان إلى ان تقف معها مبهورا، وعندما لا  تقف معها ستقف محايدا او ساكتا قانعا، و حتى و ان كنت  غير راضي لكن سرعة بديهيتها  تفقدك استحضار الاجابة بنفس الحجة والسرعة و قوة الانتباه .
اود ان اكتب عن نقطتين لأعدائها طالما يحاسبونها عليها.
 النقطة الأولى، يتهمها الخصوم، أنها طائفية التوجه. لكنهم يتناسون في  نفس الوقت ويؤكدون ان انتقادها للحكومة  العراقية واسعة ومتعددة و دائمة تقريبا. إلا ان المنطق يقول لنا، اذا كانت السيدة الفتلاوي  تنتقد حكومة اكثريتها من نفس طائفتها، و لم تتستر على اخطائهم، اذاً فهي ليست طائفية تستغل الظروف و تتمادى في  انتقاد ابناء الطوائف الاخري كما يدعون. بل بالعكس جاءت بعض انتقاداتها لابناء طائفتها و كأنها نسمة طرية لابناء الطائفة الاخرى، ليستفيدوا منها في نقدهم او في حقدهم، و لم تتخوف من ان يستغل الغير نقاط نقدها لاهلها، وهذه شجاعة شخصية متمكنة واثقة من مواضيعها .
 
 و النقطة االثانية التي يحاول البعض مؤاخذة الدكتورة حنان عليها، انها تقف  متطرفة ضد المكون الكردي. وهنا أوقع منتقدوها  أنفسهم في خطأ (عن معرفة او عن جهل)، حيث اختصروا القضية الكردية بشخص السيد مسعود برزاني و حكومته المنتقدة من قبل الدكتورة الفتلاوي. وهذا ايضا بعيد عن المنطق. فاذا كان انتقاد السيد مسعود برزاني و اولاده مسموح به لاي شخص من المكون الكردي وغير مسموح به للاخرين. هذا هو التطرف العرقي بأوضح أشكاله. وهو اخطر من التطرف الطائفي. لكنهم مع ذلك لا يتمكنون من استحضار موضوع تطرف عرقي للسيدة حنان ليستندوا عليه في اتهامهم لها. بينما قد  يتمكن من يحكم عليها (من منطلق عرقي او طائفي)، بأنها تقف ضد مكونها في انتقاداتها الكثيرة و المستمرة، بحجة  انها تطرح امور سيستفاد منها الطرف الاخر .
 
هي ظاهرة فريدة  من نوعها في عالم  السياسة العربية الذي فقد بوصلة الوطنية والإنسانية و حتى العروبية. عالم مشرد يلتقط الفضلات و يحابي ويداهن الاقوياء، و ينتصر للدعاة ولاصحاب المال، عالم عربي يحث الخطى متعمدا يبتعد عن التاريخ والحضارة العالمية. اتهمت الدكتورة الفتلاوي بآلاف التهم و حتى تلك التهم السخيفة، بعض من تلك التهم (الباطلة) اطلقها عراقيون، المفروض بهم ان يساريتهم او وعلمانيتهم ترفعهم عن مثل تلك التهم الشخصية. وهذا في رأيي المتواضع هي بدافع الغيرة السياسية و الحسد، لذلك يلجؤون إلى التسقيط اكثر من انها تهم، ناهيك عن عدم صحتها وسرعة نشرها .
 
 و منقدوها ، هم ، من كل الطوائف و الاعراق والاتجاهات السياسية، و بدون اثبات، انما يدل على حقد اكثر من كونها  نقاط  انتقاد سياسي موضوعي. بقت عندي نقطة احب ان اذكرها. انه لو كان عند السيد الفتلاوي قليل من الانانية او المصلحة الشخصية، لوصلت الى اعلى المراتب والمناصب، لان  كل من في ايدهم مفاتيح الامور سيغرونها و يستميلونها، اما للتقوي بها او للتخلص من انتقاداتها. وهذه النقطة تبقى اقوى  خصائص قوة السيدة حنان الفتلاوي .


عبد الصاحب الناصر
لندن في 24/04/2015

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية