مقالات

بنيحيى علي عزاوي

دراسة دراماتورجية حول البكاء والتباكي وبكاء الإضمار

17/06/2015 14:59
تأمل الروحانيون في عالم سرية أسرار/البكاء/ فمنهم من أحصاه بتأويل الدرجات إلى عشرة أنواع ومنهم من حدد صفاته أكثر بحكم خبرتهم في عالم العلوم الإنسانية، جميعها تؤكد بدلائل قطعية أنه دواء وشفاء للقلب ثم فرقوا ما بين البكاء والتباكي وهذا الأخير له نوع محمود وآخر مذموم....فالمحمود:أن يستحلب لرقة القلب ولخشية الله، لا للرياء والسمعة..وأما المذموم:يُجتلب لأجل الخلق . وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر : أخبرني ما يبكيك يا رسول الله ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما:   نعلم جدا أن التباكي هو إحساس أزلي تجده حتى عند بعض الحيوانات مثلا: الجمل وغيره من الحيوانات وطيور كالبغاء وخلائق أخرى و التباكي متعارف عليه لدى الإنسان الذي أكرمه الله بالعقل ومكونات أخرى جعلته أرقى كل الكائنات،ومن أمثلة حكماء البشرية:...((أبكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا )) إذن البكاء على مستوى علم النفس الذي يعتبر لقاح رباني عظيم فيه شفاء ودواء وعلاجه أكثر من علته لأنه يغسل القلوب من الغل والحقد والحسد والبغضاء والكراهية وما أشبه ذلك من أفعال شرورية في معاملة عباد الله الذين لا يستحقون  التعامل المشين والخبث الذي هو من رجس  الشيطان وهذا البكاء المتنوع الإحساسات اعتبروه الروحانيون طهارة حسية ومعنوية ،الطهارة الحسية فهي طهارة البدن من إفرازات الجسم. وأما البكاء للطهارة المعنوية، له علاقة مع القوى المحركة للذات البشرية وعلى رأسها القلب، الذي هو ذاك"اللحمة" العجيبة المعقدة الصنع من لدن الخالق العظيم الذي أعطى  لهذا القلب عدة وظائف كثيرة وعلى رأسها الوظيفة الحسية ثم الوظيفة المعنوية فهما كما أسلفنا في مقالات سابقة أن البكاء هو دواء وشفاء سيكولوجي خاص لشجرة القلب الطيب المباركة ،التي أصلها من عين سلسبيل ودواء حتى لشجرة القلوب الغلاظ "الزقوم" التي أصلها من الجحيم، والشجرتان معا يحتاجان إلى التطهير"الكثارسيسي" إما بكاء أو تباكي فكلاهما دواء وشفاء للنفس البشرية وذلك من خلال مشاهدة مسرحية  أتراجيديا أو فلم مفعم بالتشويق أو قراءة شعر ملحمي رائع أو قصة أو رؤية إنسانية المبتغى أو مشاهدة صور و لوحات تشكيلية تحاكي معاناة الإنسان لأخيه الإنسان أو الاستلذاذ بقراءة أفكار فلسفية عن الغربة الوجودية في هذه الدنيا /اللغز/، والبكاء كذلك هو دواء وشفاء ومعالجة سيكولوجية رائعة، منه:بكاء الخوف والخشية من عظمة الله القوي المتين في تنظيم الهي محكم للأرواح المتنوعة لمخلوقاته  ومن بينها بني الإنسان الذي أكرمه الخالق الجبار بعقل ووعي وحس يهاب خوف المنون ويعشق حب البقاء في هذه الدنيا الدانية عند النفوس الضعيفة والفانية لدى الأرواح النورانية، ومن ثمة فبكاء الخوف والشفقة له علاقة بالوازع الروحاني وطقوس ديانات احتفالية تترك أُثرها البالغ في القلوب التي تتأثر فيها المشاعر التي تنظر بعيون وردية للعالم الدنيوي بالحظ والنصيب، وأما بكاء الرحمة والرقة والمحبة والشوق هو مهماز تبصر لأصحاب القلوب الطيبة التي تعطي للفضيلة والأخلاق العليا المبدأ السامي للخالق مع مخلوقاته متخذة من أسمائه الحسنى دليلا وبرهانا، وفي قولها هو الرحمن الرحيم، لكي يلج المرء الذي هداه الله وأكرمه بضمير ،وصاحب الضمير عفويا يشعر من حيث لا يعلم ببكاء الفرح والسرور،و الجزع من ورود الألم وعدم احتماله، حين يحس الضمير الواعي بالتهميش في وطنه والقمع في سلطة قانون الغاب، وهناك بكاء الحزن يكون على ما مضى من محصول مكروه أو وفاة حبيب أو عالم جليل لدى القلوب والعقول المستنيرة ، وأخيرا هناك أنواع من البكاء التي أحصاها بتدرج وتجربة الحكماء الروحانيون من بينها: بكاء الخور والضعف ثم بكاء النفاق، وبكاء المستعار والمستأجر عليه، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال الحكيم عن هذا النوع من البكاء: تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها. وأخيرا بكاء الموافقة يتخذونه سلاحا الصافقون لمصلحتهم: فهو أن يرى الصفيق الناس يبكون لأمر عليهم فيبكي معهم ولا يدري لأي شئ يبكون، فيراهم يبكون فيبكي...وهناك بكاء لم يتحدث عنه الروحانيون أو فلاسفة سابقين، فبعد تأمل"دراماتورجي " لعالمي الروحي المسرحي اكتشفت أن هناك بكاء مضمر في اللاشعور الجمعي جامع شامل لتنوع البكاء والتباكي، أسميه: بكاء الإضمار، الذي يستبصره الحكيم من العلم "اللدني"  هوعبارة عن تكوين فكرة متضمنة وغير معبر عنها صراحة في الذهن ترسلها ذاكرة اللاشعور باستمرار إلى عقل العقل لكشف أسرار جذور البشرية، لكن متاريس الطابو تتصدى لها كلما حاول الحكيم إزاحة الستار عن هذا اللغز الأزلي العجيب في مد وجزر للأفكار الغيبة لسمو جمال صرح الكون العظيم لخالقه القدسي الوهاب بعلمه لعالم الأسرار.

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية