مقالات

إنتفاض قنبر

المنطقة الخضراء كيف بدأت وكيف تنتهي

29/08/2015 21:55
لقد أنشأ الحاكم الأمريكي العام للعراق بول بريمر المنطقة الخضراء منذ حزيران  2003ولو عرف البعض معنى المنطقة الخضراء لوجد انه اسم المنطقة الخضراء يعكس في طياته فهما سطحيا وسخيفا لمدينة بغداد الحبيبة. حيث يُعرف الجيش الأمريكي المنطقة بالخضراء عندما تكون مؤمنة وآمنة ويُعرفها بالحمراء عندما تكون غير مؤمنة وخطرة ولذا عمد الأمريكان على عزل المنطقة الآمنة أو الخضراء لحين استتباب الأمن في المنطقة الحمراء وهي بقية العاصمة بغداد بملايينها وشوارعها وتراثها.  إن هذا الفهم السطحي المبني على العقيدة العسكرية قد يتناسب مع ارض المعركة ولكن لا يمكن تطبيقه على مدينة بغداد وهي اعرق وأقدم مدن العالم وهي الإشكالية التي يقع فيها الجيوش عندما تدخل المدن أيا كانت.

 بدأت تدريجيا عملية العزل تتعدى نطاق العزل الأمني إلى العزل الحياتي والطبقي خاصة بعد أن بدأ الكثير من السياسيين العراقيين أخذ البيوت والاستيلاء عليها في هذه المنطقة رغبة في الأمن ومنهم من كان يستغل عيشه في هذه المنطقة تقربا و زلفى للأمريكان والاستفادة منهم .. ولكن الأمر تطور وتعقدت الأمور عندما أصبح العيش في المنطقة الخضراء يتعدى الأمن بل لتأمين الكهرباء والتقرب من مراكز القرار ليتكون مجتمع غريب الأطوار له طقوسه الاجتماعية الشاذة وأقول شاذة كونها لا تمت بصلة ببقية المجتمع البغدادي أو العراقي. فمجتمع   المنطقة الخضراء تغلب عليها أجواء تدوير أحاديث القشب والقيل والقال حول مواضيع تبادل السلطة والاستحواذ عليها وتدور هذه الدوامة ليل نهار وبلا هوادة في ظل عزلة تامة من العالم الخارجي والمصيبة الكبرى ينتج عنها اتخاذ قرارات سياسية وأمنية مصيرية تتم بمعزل عن الواقع والشعب العراقي وبما يتناسب مع العالم الداخلي) المريخي) الخاص لهذه المنطقة .

لقد كان تصورنا منذ البداية بأن الأمريكان ارتكبوا خطأ فادحا بتأسيس هذه المنطقة وكنا نأمل خيرا من السياسيين العراقيين أن يقوموا بإزالة هذه المنطقة من الوجود حال إتاحة الفرصة لهم وتربعهم على السلطة ولكن خيبة أملنا الكبرى كانت عندما تمسك السياسيون العراقيون بهذه المنطقة وعززوها واخص بذلك  هؤلاء الذين شتموا وأدعو مقاومة الأمريكان والامبريالية والاستعمار والاحتلال الخ.  بل تبنى بعضهم انطباعا ملتويا وهو التقليل والاستخفاف من قيمة كل من يعيش خارج هذه المنطقة وشمل هذا الاستخفاف حتى السياسيين العراقيين الذين يعيشون خارج المنطقة الخضراء.

وبعد أن أصبحت المنطقة الخضراء عائقا سياسيا لطريقة حكم ناجحة وعبئا حتى على الامريكان وفي وقت عم العنف و الإرهاب والفوضى العراق وخاصة بغداد, بدا الامريكان بمحاولة إغلاق المنطقة الخضراء. حيث عمل الكثير من المستشارين الأمريكان على طرح مشروع إزالة المنطقة الخضراء ولكنهم واجهوا مقاومة عنيفة من السياسيين العراقيين ومنهم من الذين يعاني من مرض الازدواجية السياسية المتمثل بالنفاق السياسي المعروف عراقيا حيث كانوا يلعنون الأمريكان ليل نهار في شاشات التلفزيون ولكنهم يتمسكون بالإرث الأمريكي في العراق أيا كان سيئا أم جيدا وخاصة عندما تتطلب مصلحتهم الشخصية.

وفيما بعد توقعنا أننا سنتخلص من كابوس المنطقة الخضراء حال خروج القوات الأمريكية من العراق ولكن التمسك بالمنطقة الخضراء ازداد وعزلة سياسيي المنطقة الخضراء ازدادت وتعمقت, بل تحولت المنطقة الخضراء إلى نادي سياسي اجتماعي سري أعضاؤه يتمتعون بسبق معرفة إسرار لعبة قنص وتبادل المناصب والفوائد الشخصية وصفقات الفساد وعلى حساب المصلحة العامة.

أن قاطني المنطقة الخضراء أو موظفي حكومة المنطقة الخضراء يحملون باجا خاصا للدخول لهذه المنطقة ولهذه الباجات درجات بألوان مختلفة وأعلى درجة وارفعها هو الباج ذا اللون الأزرق الذي يمنح لأصحاب المناصب العليا في الدولة أو (لأصدقائهم الحميمين جدا) و يعطي حامل الباج الأزرق الميزة الخاصة بان يدخل المنطقة الخضراء دون تفتيش (حتى وان كان المسؤول الرفيع حامل الباج الأزرق إرهابيا عتيدا قبل أشهر قليلة من استلامه المنصب) و يعامل معاملة الملوك أو النبلاء ذوي الدم الأزرقBlue Blood) ) كما كانوا يعتقدون في القرون الوسطى في أوربا وهو لربما يعطي تفسيرا لاختيار اللون الأزرق لهذا الباج وهو الأمر المبكي والمضحك في أن واحد!

 

 إننا نكرر مناداتنا السابقة للشعب العراقي للدفع باتجاه تغيير جذري يبدأ بإنهاء المنطقة الخضراء ولا ينتهي به, وننتهز فرصة ثورة الإصلاح التي يقودها شعبنا العراقي البطل للمطالبة بما يلي:


أولا:  رفع المنطقة الخضراء وإزالة الحواجز الكونكريتية وفتح كافة الطرق وفتح جسر 14 تموز (الجسر المعلق).
ثانيا:  نقل مقر الحكومة (رئاسة الوزراء) إلى بناية القشلة العريقة وإحياء وتطوير وتجميل ساحة القشلة دون المساس بتراثها.
ثالثا:  نقل وزارة الدفاع إلى بناية وزارة الدفاع العريقة في باب المعظم وإخلاء بناية وزارة الدفاع الحالية.
رابعا:  نقل البرلمان العراقي إلى بناية وزارة الدفاع الحالية والتي شغلتها وزارة الدفاع بدون مبرر والجدير بالذكر فإن هذه البناية كان قد تم بناؤها في أواخر عصر الحكم الملكي في العراق كبناية كانت ستخصص للبرلمان العراقي حينئذ وقد تم إكساؤها بالحجر الذي تم جلبه من مدينة القدس الفلسطينية.
خامسا:  البدء بتأسيس مدينة خارج بغداد يتم نقل إليها كافة مكاتب ودوائر الدولة ونحن نؤيد فكرة تحوير مشروع إسكان بسماية (الغير مجدي) وجعله مدينة دوائر الدولة في بغداد وبذلك يتم تجميع كل دوائر الدولة في مكان مؤمن واحد و تستعيد بغداد روحها وعنفوانها بعدها سيتم إزالة الحواجز الكونكريتية التي ملأت شوارعها بسبب الانتشار العشوائي لدوائر الدولة في بنايات وبيوت قبيحة مؤجرة وهرمة والتي بددت أموال الدولة واستنزفت المواطنين في متابعة معاملاتهم وعرضت مواطني بغداد وشوارعها وأبنيتها للهجوميات الإرهابية والسيارات المفخخة.

سادسا: نقل مقر ومكاتب رئاسة الجمهورية إلى القصر الجمهوري العريق والذي يمثل هيبة وأصالة الدولة العراقية.

إن قرار السيد رئيس الوزراء حيدر ألعبادي برفع المنطقة الخضراء هو قرار في الاتجاه الصحيح ونحن نؤيده بقوة ولكنه ليس كافيا دون تطبيق خطوات جذرية كالتي ذكرناها أعلاه والتي تمثل مشروعا حيويا بناءا لإعادة الحياة إلى حبيبتنا مدينة بغداد وخطوة مهمة في طريق الإصلاح الطويل والموحش.


المهندس الاستشاري انتفاض كمال قنبر
رئيس حزب المستقبل الدستوري العراقي

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية