د. توفيق آلتونجي
ولاية الموصل العهد العثماني
لواء موصل العهد الملكي / الجمهوري الاول
محافظة نينوى العهد الجمهوري
امارة الموصلالكل يعرف ما يسمى بالمسالة الشرقية اي ولاية الموصل والهدنة بين جيش الاحتلال البريطاني الجاثم على حدود الولاية وقوات الدولة العثمانية لا تزال في داخل الولاية الموصل وما تلتها من تبعات في استفتاء ابناء الولاية من قبل عصبة الامم واختيارهم كما يذكر في كتب التاريخ الانضمام الى دولة العراق مستقبلا ومقاضاة لواء إلاسكندرون لأهمية مينائه البحري مقابل الانسحاب التام للجيوش العثمانية من ولاية موصل و حلب. طبعا حدود الولاية اي الموصل لم تكن كما عليها اليوم وهي كانت تشمل كافة مدن كوردستان الجنوبية. بقى ان نعرف بان تركيا بقت متربصة ب موصل خلال تاريخها الحديث اي بعد اعلان الجمهورية ولحد يومنا هذا وزاد من تعلقها وطمعها بالولاية بعد انفجار آبار النفط في بابا گرگر في مدينة كركوك العزيزة. رغم انها كانت تحتفظ بقدر من الحقوق المالية في تلك الثروة واعتقد كانت النسبة خمسة بالمائة من العائدات بقت على ذمة شركة نفط الشمال ليدفعها سنويا الى العائلة التي كانت تاريخيا تخرج النفط بطريقة بدائية و تبيعها في الاسواق للعامة من الناس قبل الاحتلال البريطاني للعراق واعني بيت النفطچي الكركوكي.
الحركة السياسية الكوردية كانت ثابته تاريخيا في مطالبها على الأقل بالنسبة للواء كركوك ومتذبذبة فيما يخص الموصل الا انها كانت دوما تطالب بالكف عن تعريب قصبات الموصل ك زمار و غيرها منذ السبعينيات الا ان النظام البعثي قد ولد حالة الامر الواقع في سهل نينوى باستقدامه العشائر العربية للمنطقة وإسكانهم في قرى جديدة. المعروف ان تلك الاراضي خصبة وكانت العشائر العربية الرحل تأتي بدوابها سنويا الى المنطقة للرعي والكلء ثم تقفل راجعة الى ديارها في الجنوب وكان كل ذلك باتفاق تام مع العشائر الكوردية في المنطقة. اي ان الاستيطان اصبح أمرا واقعا إبان حكومات العهد الجمهوري وجاء الى المنطقة التي اشتهرت دوما بتسامحها الديني مجموعات مهاجرة من المسيحيين بعد اظهارهم من تركيا وسكنوا في الارياف. البعض منهم اتجهوا جنوبا الى العاصمة بغداد وكنت قد التقيت بالعديدين من اللذين جائوا وهجروا الى العراق قبل وبعد الحرب العالمية الاولى ولم ينسوا الحديث بالتركية. حيث الاضطهاد العثماني ومن ثم ايام الجمهورية للمكون الارمني والسرياني و الايزيديين في تركيا على اثر تعاونهم مع الروس كما تقول الرواية الرسمية التركية.
ان التكوين الهش للدولة العراقية الفتية بمكونات عرقية و دينية متعددة وغياب القاسم المشترك جغرافيا وسياسيا وعدم وجود امال مشتركة لشعوبها أدى الى استقدام البريطانيين احد ابناء الشريف حسين الهاشمي اي فيصل الاول كي يكون ملكا على العراق بعد ان فقد فيصل عرشه في سوريا اثر تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية بين فرنسا و بريطانيا.
لم يكن العراقيون قد اتفقوا على تنصيب ملك منهم وجاء الانتماء الهاشمي للملك الجديد حافزا على قبوله من قبل سنه وشيعة العراق وكان الكرد يعيشون آنذاك في ازدواجية عمق تشتتهم وذلك بوجود خط ديني وآخر قومي وربما مختلط فقد قام الشيخ محمود الحفيد البرزنجي ، اللقب يطلق على السادة من الكرد ، بحركة شبه تحررية دينية و قومية لكنه بقى أمينا على فكرة الخلافة العثمانية وإعادتها حتى انه طرح ذلك على مصطفى كمال اتاتورك في مراسلاته.
بينما كانت بريطانيا تحاول ان تستمله في البدا ثم وكما هو معروف أنهى بذرة الاستقلال وطموح تأسيس مملكة كوردستان عسكريا ونفي الشيخ و رجاله الى الهند وتشتت مريدوه.
لم تكن حدود المملكة واضحة عند الشيح محمود حتى اعتقد البعض ان مطالبة لا تتعدى اياله شهرزور القديمة وكانت تظم السليمانية الحديثة التأسيس واربيل و لواء كركوك متخذا السليمانية عاصمة لمملكته. لا ريب ان ذلك جعل تراكميا ثقافيا في نفسية اهل المدينة نرى انعكاساتها لحد يومنا هذا وقد لا نغالي القول بان تمركزت في نفسية ابنائها بعد دويلات الإمارات الكوردية واعني إمارة بابان.
الموصل بقت بعيدة بعض الشيئ من المعمعة السياسية لكن رجالها كانوا دوما ضمن المؤسسة العسكرية التي أحبوها وربما كي يحافظوا على وجودهم بين كل تلك التيارات المتلاطمة في الدولة العراقية الفتية مع انطوائهم كذلك تحت راية القومية العربية حتى المسيحيين منهم مكونين بذلك سندا عسكريا للملك الجديد . الغريب بان هذا المنحى قد نراه واضحا حتى بعد تأسيس الجمهورية عام ١٩٥٨ متمثلا بحركة شواف العسكرية وحركة الاشوريين كذلك.
لواء موصل بقى منعزلا بعض الشيء من باقي ألوية العراق لبعدها الجغرافي من ناحية وتاريخها السياسي من ناحية اخرى. تكونت بذلك ثقافة موصلية مستقلة من لهجة عربية مستقلة شبيه بالعربية التي يتحدث بها اليهود و السريان وقد تاثر بذلك الشخصية الموصلية كثيرا مكونا شخصية مستقلة ومغادرة تماما للشخصية البصراوية مثلا. فيضرب العمة المثل في بخليهم وكونهم غير مظيافين وامور اخرى كثيرة كتضامنهم الكبير والقوي فيما بينهم. كنت قد اشرت الى تعاطفهم القومي وقد ولد ذلك قوة كبيرة للحركة القومية في العراق وكانوا دوما عونا للحكومات القومية المتعاقبة في العراق الجمهوري.
لا ريب ان التكوين العقائدي ل موصل أدى كذلك كي يكون مجتمعا مفتوحا فقد عاش هنا ابناء الديانة اليهودية والمسيحية والإسلام بشقيه السني والشيعي وهذا الأخير أقلية في بعض قرى اللواء خاصة في تل اعفر وهناك الايزيدية وأبناء الحق والقزلباشيين وعقائد اخرى كثيرة. ربما كان كل تلك مجتمعة حافزا لما يسمى ب (داعش) ان تختارها مدينه لنشر مبادئهم حيث يعتبرون تلك العقائد من خارج الدين الاسلامي وحتى كفارا يجب ان يتم اسلامهم بالقوة وبذلك يمن يليهم الرحمن بالجنه في الآخرة
مع هذا المسار اندلعت الثورة الشعبية في الجنوب ضد المستعمر البريطاني وما يسمى في التاريخ ب ثورة العشرين وطبعا قمعت الثورة عسكريا وحاول الإنكليز تأسيس حكومة عراقية تعكس تطلعات الجميع اي الانتماء القومي و العقائدي للعراقيين
اما التوركمان فابقوا على إصرارهم بعدم قبول الملك وطالبوا باستقدام احد العثمانيين واعتقد كان الطلب يخص اخر الخلفاء محمد واحد الدين الذي كان يعيش آنذاك في المنفى في سويسرا لا ريب ان استفتاء ولاية الموصل قد نص على إعطاء التركمان الحق الهجرة الى تركيا ان رغبوا في ذلك خلال عام واحدة من اجراء الاستفتاء ولكنهم اختاروا البقاء في دولة العراق الجديد.
كنت قد اشرت الى الطبيعة العسكرية لرجال الولاية ومدى حبهم للتطوع في الجيش وتبوء المناصب القيادية وربما أدى قرار بريمر إلغاء الجيش العراقي الى سخط كبير بينهم انعكس سلبا إبان احتلال قوات (داعش) للمدينة حيث لم تكن هناك مقاومة تذكر كما حصل في مدينة كركوك. أقول لربما لان التقارير الواردة من المدينة وهي يسيرة جدا لم تؤشر الى مقاومة عسكرية بل عاش ابناء المدينة دون اي هجرة جماعية تذكر
ان الصراع الإيراني التركي على العراق باكمله صراع تاريخي ازلي ابتداء بصراع الأتراك أنفسهم اي اتراك تركيا و اتراك ايران الى ان أعلن الصفويين تشيع ايران كي يتمكنوا من الاستمرار من محاربة بني جلدتهم في تركيا العثمانية ايام الشاه اسماعيل الصفوي حيث كانت ايران قبل ذلك على المذهب السني وعلى الأقل ٧٠٪ منهم
هذا الصراع تأصل خلال قرون عديدة فأصبحت بغداد تحتل مرة من قبل ايران واُخرى من قبل آستانه (استانبول) ونرى انعكاسات ذلك التاريخ الى يومنا هذا. الأتراك يدعون حماية السنة وإيران تدعي حماية العتبات المقدسة والشيعة طبعا
اما الحكومة العراقية بتكوينها الهش نراها تقبل بالميليشيات الإيرانية دخول أراضيها والمحاربة وترفض وجود الأتراك وجيوشهم. ازدواجية عقدت المسالة العراقية فالأتراك يدعون بان لهم اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عدده عقود وهم يتواجدون فعلا عسكريا في الاراضي العراقية منذ اكثر من ثلاث عقود والقاسم المشترك لسبب تواجدهم في كوردستان هو حسب ادعائهم محاربة فلول حزب العمال في قنديل وحماية حدودهم من تسلل المقاتلين الكرد من داخل العراق الى تركيا وبالعكس فيما يطرحون اليوم أسباب اخرى من ضمنها حماية المكون السني في الموصل وتنظيم الهجرة الجماعية من المدينة صوب تركيا ان حصلت ذلك اثناء تحرير المدينة. وهم يخفون بذلك حلمهم الامبراطوري بضم الموصل مرة اخرى الى الدولة التركية كما لا يخفون طموحاتهم في سوريا.
تأمل الخريطة أدناه لترى خارطة المنطقة إبان انتهاء الحرب العالمية الاولى وقارن مع فكر القادة الاتراك اليوم.
كنت قد عرضت بعض الخصائص العامة لولاية الموصل عامة حيث التكوين التعددي العرقي والعقائدي ومدى أهمية
البيئة في تكوين شخصية الفرد حيث سهل نينوى من ناحية ومن ناحية اخرى اللقاء بين الصحراء وحياة الرعي والبداوه مع المدينة الموصلة بين الثقافات وبدا ارتفاع الارض كلما انتقلنا الى جبال كوردستان.
لا ريب ان ارض الموصل من الثراء للزراعة والرعي ماعدا من ثرواتها الطبيعية الاخرى كانت دوما فريسة الطمع الغزاة
ما يمكن ان تكون عليها المدينة في المستقبل تسودها الغموض .
لكن المؤكد بان وجودها واستمرارية عاملان أساسيان لبقاء العراق كدولة مستقلة بجغرافيتها الحالية لان العراق كمصطلح جغرافي خالد لا يمكن تغيره حتى اذا اختلفت حدودها كدولة تاريخيا كما هي عليها مثلا الشام او الأناضول فرغم ان تغير اسم الدولة العثمانية بعد اعلان الجمهورية الى تركيا فبقت التسمية الجغرافية اسيا الصغرى أناضول باقيا وخالدة
ان الاستراتيجيات المستقبلية غير واضحة للدولة العراقية بخصوص المدينة كمحافظة وحدودها المستقبلي.
حيث نرى ان اقليم كوردستان الذي كان تحت طائلة التهديد لوجودها وكيانها وكانت العاصمة أربيل على شفا حافة قاب قوسين من السقوط واحتل جميع القرى للمكونات العرقية الاخرى من الايزيدين وسريان والشبك وعاشت شنگال والقرى المسيحية ماساة إنسانية لم نرى او نسمع بمثيل لها منذ احتلال المغول وهجماتهم البربرية. وربما ياتي يوما ونسمع الكثير مما حدث في المدينة وقراها في السنوات الاخيرة.
لا توجد اي استراتيجية معلنة اليوم لا من قبل الحكومة المركزية ولا حتى من قبل حكومة الإقليم وحتى الأحزاب السياسية لم تبدي رأيها بوضوح لما تكون عليها المدينة في المستقبل.
ليس من المعقول ان ترجع المياه الى مجاريها الطبيعية بعد تحرير المدينة وكان شيئا لم يحصل كما علينا لا ننسى المتربصين هنا وهناك من جيران العراق او ما يسمون بالإخوة الأعداء في إيران وسوريا وتركيا.
ربما لا يتم معاقبة جميع من كانوا وراء الماسي التي حلت بالمدينة وتراثها واهلها لكن هل ينسى الناس كل شيء بين يوم وضحاها هذا التساؤل سيجيب عليها الأيام القادمة انشاء الله.
لكن موصل المدينة ستبقى موصلا بين الثقافات وبلدا يغني لإسحاق الموصلي و الزرياب ويتغنى بشعرائها وأدبائها وقادتها وثغرا للثقافة العراقية التعددية الإنسانية.
لنغني معا مع أهلنا في الموصل ،
هه ر يار دلي ، يار دلي
سمرة قتلتيني
خافي من رب السما
وحدي لا تخليني
ابوك يا اسمر حلو ماجا على ديني
انتي على دينكِ وانا على ديني
صومي خمسينكِ واصوم ثلاثيني
وبكل اللغات الكون