مقالات

هلال آل فخر الدين

الامام الحسين يخرج من دائرة الذات الى افاق الفكرة ..!!!(8)

01/11/2016 04:54
معجزة الامام السجاد وحيرة أُولُو الأَلْبَابِ

لعل معجزة الامام السجاد وعبقرية سيرته الفذة والفريدة تحيرعقول أُولُو الأَلْبَابِ..وهنا بيت القصيد كبف استطاع الامام علي بن الحسين الذي عايش تكالب الامة وشاهد توازرها الوحشي على تقطيع وسحق جسد ابيه الحسين واهل بيته واصحابة وحرق خيامهم ونهب ثقلهم وتشريد صبيانهم في الصحراء وحملهم سبايا وامامهم الرؤوس على الرماح ويطاف بهم في الامصاربكل ذل وامتهان ..ويتشفى بهم الطغاة في قصورهم بزهو وخيلاء ...فالمعروف ان من تعتريه مصيبة او يعترضه حادث يصاب بالاضطراب والكأبة اويعتزل الناس او يدس راسه في التراب وتلاحقه الهواجس ويلازمه الخوف  ...لكن الامام السجاد تمكن وبكل ثبات واصراروحكمة واقتداران يمتص ويواجه تلك الصدمة المروعة الكبرى ويحولها بعد فترة قصيرة ويقود -بمفرده وهوالمضطهد المحاصرتغييرا جذريا منهجيا في وعي الامة ....ويتمكن الامام السجاد بشديد صبره وقوة عزيمته وعظيم حنكته ان يغيير وعي الامة ويقلب الانحرافات الخطيرة ويواجه التحديات الرهيبة ..ويستطيع وبنجاح باهران يضع الشريعة المحمدية على البوصلة الصحيحة ...ويوسع القاعدة الجماهيرية للتشيع ..يفرض هيمنته على المجتمع الاسلامي فتهفوا له القلوب ..وحتى تثنى له الوسادة فينقاد اليه العلماء سائرين في ركابه ..ويؤم المسلمين للصلاة في المسجد النبوي ..بل وحتى طغاة بني امية يعترفوا بعظيم منزلته ويتصاغروا له ليغترفوا من معين علومه ... وفي اجواء اشردولة جهد فيها البغاة واقطاب الشجرة الملعونة وبكل ما وسعهم والاخذبانواع الاساليب الابليسية ومختلف السبل الشيطانية من نشرمنظومة متكاملة تطمس الحق وتظهرالبدعة وتحرف الرسالة وتمنع السنة وتقتل الصحابة وتغتال الصلحاء ..وتدق اسفين الفرقة بين المسلمين ..وتبث الميوعة والفجور والرذيلة وتشيع المنكروحتى تثبيته في المجتمع الاسلامي..!!

فالمعلوم ان النبي محمد(ص)عندما بشربالرسالة الخاتمة ازره ووقف معه عمه ابوطالب وبقية بني هاشم وعشيرته وثلة من الصحابة.. كما ولم تناصبه (ص)دولة كبرى طغيانية ملعونة قائمة على هدم الهدى المحمدي وطمسه وابادة الصالحين كما اصطلم الامام السجاد . بل عاداه (ص)ارجاس افراد بني امية وبني مخزوم والمغيرة ...كما انه (ص)ولم يرى كل اهل بيته مجزرين ولم يعاني السبي اوالاسرولا وضع في جيده حبل يقاد به ... ومع كل هذا يقول (ص):(ما أوذي نبيٌّ مثلَما أوذيتُ )!!!

..اذن ماذا يقال في الامام السجاد الذي عايش وحيدا وقاسا غريبا كل مرارات الكوارث فليس فقط ليس له لاناصرولا معين بل محاط بجلاوزة برابرة اوغاد ... وتمكن بقلب الطاولة عليهم واجج نيران الثورات بدموع تراجيديا الطفوف المروعة ابتداء من ثورة التوابيين واهل المدينة والمختار وابن الزبيروالقراء وزيد و..... حتى سقطت دولة الشرالاموية (الشجرة الملعونة في القران)...؟؟؟!!!

وهل ستبقى عبقرية منهج الامام ومنطلق منهجه وفلسفته في البلاغ ومقدرته النادرة بالاستقطاب بل وبشحذ الهمم مستعصية بفك شفرتها.. وكل كتابة او محاضرة عنه لاتعدوا ان تحوم حول شيء من نسبه الشريف اواجواء اسره اوبعض اقواله  .؟؟؟!!! 

حيث تؤكد المصادر انه لم يكن لاهل البيت شيعة بعد واقعة كربلاء الا ثلاثة ..!!

فكيف استطاع الامام السجاد وفي ظل دولة الرعب والسيف والاضطهاد الاموية وفي اجواء الحصاروالملاحقة لال بيت محمد وظروف العداء والعدوان ومناخ التقهقرالمعرفي والعقائدي في الامة ..ان يبني الثلة الصالحة ويربي القاعدة الجماهيرية الواسعة ويصححح الافكار ويصلح المسارالاسلامي  ؟؟؟!!

من نافلة القول لم اطلع على مصدراوكتاب الم بمنهج الامام السجاد او درسه دراسة معمقة واحاط  بشخصيته الكثيرة الابعاد على الاطلاق.. ولم ولن نستطيع ان نبلغ المقدارالكافي اوابعاد نتفهم فيها مجمل منهجه ولو كان بعضنا لبعض ظهيرا دع عنك سبراغوار فلسفة منهجه اوعمق رؤاه اوعبقرية فكره فلا ادري الان :(ان امرنا صعب مستصعب)...او غير ذلك

لمم اضواء من منهج الامام السجاد

أولاً : كان الامام السجاد (امة في رجل )مبلغ وداعية  إلى اللـه بسلوكه وسيرته قبل أن يكون مبلغ اوداعية بلسانه ، فما أمروا الناس بشيء إلاّ وسبقوهم إليه .
ثانياً : الامام السجاد جسد المثل الاعلى في رفيع الاخلاق والانفتاح والتسامح والحب والاحترام للاخر.

ثالثاً :كانت حياة الإمام السجاد لوحة إيمانية نقية ومدرسة روحانية  فريدة  تخالط كيانه وصورة نموذجية للعابد المتحنث والزاهد الورع العازف عن زهرة الدنيا .

رابعاً:الامام السجاد مزج بين العالم الرباني المتمييزوالمجتهد الحاذق المجدد للدين والحكيم المفلسف للاخباروالخبيرالمجرب(الانسان الكامل )..فاسقط القباب المقدسة الزائفة فأركزعمود الدين  فابان سفينة الناجيين ..!!!

خامساً: كان الامام السجاد انموذج خاص حيث ترفع عن صغائرالاموروعدم تاطره باطار محدود او نطاق ضيق  فمطلبه كل الامة وهمه الانسانية جمعاء وافاقه بعيدة المدى واستراتيجيته عميقة المغزى

سادساً:لم يقف عطاء الامام السجاد عند حد بل تجاوز كل الحدود ووفق بين العطاء المعنوى الروحي الادعية والاوردة والعلمي بالتعليم والتربية والمعارف ..والعطاء المادي للفقراء وحمل الاطعمة للمحتاجين والمساكين ..فنهارا يذاكر نخب الامة العلماء وليلا يواسي المساكين والمعوزين فلايشغله هذاعن ذلك .

سابعاً:الامام السجاد ابدع بصورة مذهلة في موازنة عجيبة رائعة بين الدنيا والاخرة ...

ثامناً:رغم كثرة مشاغل الامام السجاد وظروفة الصعبة لم يمنعه من السعى في قضاء حوائج الناس ويجهد لاصلاح ذات البين ..وفك الاسيرودفع دين المدين واطلاق وتحريرالعبيد والعفوا عن المسيئين ..

تاسعاً: المقاومة السلمية الحزينة والدموع الساخنة ومواقف الحكمة وسنين التحمل وغاية الصبر باستنهاض الامة  تقوض اركان اعتى دولة قمعية ..وما نشيج  وبكاء الامام السجاد إلا ثورة سلمية مكملة لثورة ابيه ..لان ما جاء في الرسالة المحمدية  لايمكن ان تتجسد كامل سلوكياته في أي شخص مهما يكن  سوى في أهل بيت النبوة من العترة فهم معدن الرسالة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة .. بهم فتح الله وبهم يختم .

عاشراً:حركية الامام السجاد الرسالية المنظمة وعمق تفكيره السياسي لما بعد الاحداث مكنه من رسم خارطة طريق متكاملة صحيحة ووضع اسس مشروع تغييري مفتوح ..ازهر فاثمر ويأتي اكله كل حين  ....فطوبى لمن وعاه وبحكمة استثمره

جحدوا بها واستيقنتها انفسهم

بعث يزيد بن معاوية إلى واليه على الكوفة عبيد الله بن زياد يأمره بالمسير إلى المدينة ومحاصرة ابن الزبيربمكة فقال : والله لا جمعتهما للفاسق –يعني يزيد- قتل ابن رسول الله وغزوالكعبة ثم أرسل إليه يعتذر...!!!

السلوكية الالهية للامام السجاد وواقعة (الحرة) وحمايته لبني امية وكل اناء بالذي فيه ينضح

فبعث يزيد إلى مسلم بن عقبة المري وهو الذي سمي مسرف..وسارعلى راس جيش الى المدينة ..ودخلها وفعل الافعايل المنكرة وارتكب كل محرم ..وقد فربني امية خوفا من غضب الثواروالانتقام منهم الى الامام علي بن الحسين فاوى بني امية وحماهم واوصلهم الى مامنهم مع ابنه محمد الباقر.والراجح عندي ان الذي هدد وعزم على ابادة بني امية في المدينة  هو عبد الله بن الزبير.

علما بان كل مصادر التفسير والحديث والرجال والتاريخ وغيرها تؤكد ان بنوامية هم (الشجرة الملعونة في القران)

حكمة الامام وشخصيته الرسالية تقلب الموازين وتبني الثلة الصالحة وتوسع القاعدة الفكرية 

رغم الحصارالذي ضربته السلطة على الامام ومراقبة عيونها له والتضيق عليه وملاحقة من يظهرالولاء لاهل البيت وابواق السلطة من علماء السوء لكن الامام السجاد حقق نجاحا باهرا ومنقطع النظير بتوسيع القاعدة الشيعية الموالية لاهل البيت (ع ) عن طريق عبادته وزهده وفاضل اخلاق سلوكياته ومنزلته العلمية ..فاثارت عواطف الـناس فانضوت تحت لوائه .. ومن ثم السعي بها الى ولاء حقيقي فعال يستطيع من خلاله رفع المستوى العملي للحفاظ على رسـالـة جـده رسول اللّه (ص ) بعد ان يكون قد خلق قيادات فكرية متميزة تحمل الفكر الاسلامي الـصـمـيـم .. فسعى بكل جهد لتربية جيل من العلماء الربانيين الذين ربوا بدورهم علماء وثائرين وعبّاداً صالحين . وهكذا تماوجت تعاليم الإمام عبر النفوس الزكية في حلقات مترامية كالصخرة العظيمة تُلقى في بحر واسع ..
وكان في هؤلاء الرجال العرب والموالى ، الذين كان أكثرهم من التابعين.

وكان الإمام علي بن الحسين  يقوم بشراء العبيد والإماء، ثم كان يربيهم تربية إسلامية حسنة و يثقفهم بالمعارف الدينية والأحكام الشرعية، ويعلّمهم أخلاق رسول الله (ص) وتفسيرالقرآن، ثم يعتقهم في سبيل الله عزوجل،فكانوا نواة الخير في المجتمع آنذاك والناس يرجعون إليهم في معرفة أحكام الدين وتفسيرالقرآن.

الامام يمارس نشاطه الرباني في عقل الامة الفاعل (العلماء)

وقد استقطب الإمام عن هذا الطريق ، الجمهور الأعظم من القراء وحملة الكتاب والسنة  ، حتى قال التابعي سعيد بن المسيب : إن القراء كانوا لا يخرجون إلى مكة حتى يخرج علي بن الحسين ، فخرج وخرجنا معه ألف راكب _يعني الف عالم يسير في ركاب الامام – انظرحياة الإمام محمد الباقر ج 1 ص 138. وكانوا يتعلمون منه مسائل الحج، وأحكام الدين، وسائر شؤون الشريعة الإسلامية، إذ لم يكن في عصره - بإجماع المؤرخين والرواة - من هو أعلم منه بأحكام الكتاب والسنة.

الامام يمارس نشاطه الرباني في محفل الامة

وقد اتخذ الامـام الـسـجـاد(ع ) مـن المسجد النبوي الشريف قاعدة ومن داره المباركة مجالا خصبا لنشرالمعرفة الاسلامية .. وتخرج من تحت منبره –منبر جده (ص)- قادة يعتمد عليهم في نشر تعاليم الاسلام وحمل مشعل الرسالة

وقد جاء في سيرة الإمام أنه كان يخطب الناس في المسجد النبوي كل جمعة ويعظهم ويزهدهم في الدنيا ، ويرغبهم في أعمال الآخرة ، ويقرع أسماعهم بتلك القطع الفنية من ألوان الدعاء ، والحمد والثناء التي تمثل العبودية المخلصة لله سبحانه وحده لا شريك له .

الامام السجاد العابد العامل المبلغ

الملاحظة الواضحة انه دائما من يستغرق في العبادة ينقطع عن الناس ...لكن الامام السجاد يجعل من عبادته مدرسة نصح للاخرين

ان الصحابي الجليل جابربن عبد الله الانصاري جاء الى الإمام زين العابدين  لينصحه فوجده في محرابه قد أضنته العبادة، وأجهدته الطاعة ولما رآه الإمام استقبله، وأجلسه إلى جنبه وسأله سؤالاً حفياً عن حاله، فالتفت إليه جابر قائلاً:(يا ابن رسول الله أما علمت أن الله تعالى إنما خلق الجنة لكم، ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم، وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟)
فأجابه الإمام برفق ولطف:(يا صاحب رسول الله، أما علمت أن جدي رسول الله (ص) قد غفرالله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، وتعبد - بأبي وأمي - حتى انتفخ ساقه، وورم قدمه وقد قيل له: أتفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال:(أفلا أكون عبداً شكوراً..).
ولما نظر جابر إلى الإمام لا يغني معه قول يميل به من الجهد والتعب طفق يقول له: (يا ابن رسول الله، البُقيا على نفسك، فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء وبهم يستكشف الأدواء، وبهم تستمطر السماء..).
فأجابه الإمام بصوت خافت: (لا أزال على منهاج أبوي متأسياً بهما حتى ألقاهما..).
وبهر جابر، وأقبل على من حوله قائلا:(ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب، والله لذرية الحسين أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب!! إن منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا..المناقب لابن شهر اشوب .

الامام السجاد يقطع الصحاري ليخلص الناس من العقاب واعتراف الظلمة بعظيم منزلته

فقد وفد الإمام السجاد على عبد الملك بن مروان ليشفع في جماعة من المسلمين كانت السلطة قد ألقت القبض عليهم فلما رآه عبد الملك استعظم ما رآه عليه من أثر السجود بين عينيه فقال له:(لقد بيّن عليك الاجتهاد، ولقد سبق لك من الله الحسنى، وأنت بضعة من رسول الله (ص) قريب النسب، وكيد السبب، وإنك لذو فضل عظيم على أهل بيتك، وذوي عصرك، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك، ولا قبلك إلا من مضى من سلفك..).
وأقبل على الإمام يطريه، ويذكر فضله ومآثره، فلما انتهى من كلامه، قال له الإمام:(كل ما ذكرته من فضل الله سبحانه، وتأييده وتوفيقه، فأين شكره على ما أنعم؟ ولقد كان رسول الله (ص) يقف للصلاة حتى تتورم قدماه، ويظمأ في الصيام حتى يعصب فوه فقيل له يا رسول الله الم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر، فيقول (ص): أفلا أكون عبداً شكوراً.
الحمد لله على ما أولى، وأبلى، وله الحمد في الآخرة والأولى، والله لو تقطعت أعضائي، وسالت مقلتاي على صدري لن أقوم لله جل جلالة بشكرعشرالعشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادون، ولا يبلغ أحد نعمة منها، على جميع حمد الحامدين، لا والله أو يراني الله لا يشغلني شيء عن شكره وذكره في ليل ولا نهار، ولا سر ولا علانية، ولولا أن لأهلي علي حقاً، ولسائر الناس من خاصهم وعامهم علي حقوقاً لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤديها إليهم لرميت بطرفي إلى السماء، وبقلبي إلى الله، ثم لم أردهما حتى يفضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين..).
وبكى الإمام بكاءً شديداً، وأثر كلامه ومنظره الذي تعنوا له الجباه، وتذل له القراب في نفس الطاغية عبد الملك، فراح يقول بتأثر وإعجاب: (شتان بين عبد طلب الآخرة، وسعى لها سعيها، وبين من طلب الدنيا من أين جاءته، ما له في الآخرة من خلاق).
وخضع عبد الملك فشفعه فيمن جاء فيهم، وأطلق سراحهم. انظرالبحار ج 46 ص 65

نستعرض هنا نتف من عظيم شخصية الامام علي بن الحسين  التي فرضت هيمنتها على العلماء

فلاغروة ان يبزالامام السجاد علماء زمانه ويتقدم فقهاء عصره واصبح مرجعا على الصعيد العلمي والديني إماماً في الدين ومناراً في العلم ومرجعاً في التفسير والحديث والفقه والعقائد والفكروالاخلاق ، ومثلاً أعلى في الروحانية الورع والعبادة والنسك والتقوى ، وآمن المسلمون جميعاً بعلمه واستقامته وأفضليته، واذعن وانقاد المؤمنون إلى زعامته الدينية والدنيوية  .

وقال الصحابي الجليل جابر بن عبد اللـه الأنصاري : ما رأيت في أولاد الأنبياء شخصاً كعلي بن الحسين (ع)

قال التابعي الزهري : ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه.

 قال في كلام آخر : ما رأيت قرشياً أفضل منه .

وقال التابعي سعيد بن المسيب : ما رأيت قط مثل علي بن الحسين .

وقال الإمام مالك : سمّي زين العابدين لكثرة عبادته .

وقال التابعي  سفيان بن عيينة : ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه .

وقال الإمام الشافعي : علي بن الحسين أفقه أهل المدينة .

بعد تغريب وتشريق الامة وتيهها الامام السجاد يبني القاعدة الصحيحة  

وعلى الرغم ما حصل للامة من انحراف وتقهقر لكن الامام السجاد استطاع تغيير ذلك بوضع الامة من جديد لبوصلة  الاتجاه الصحيح فجعلت قيادته الرشيدة من المسلمين قوة  كبرى على الصعيد العالمي من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية ، فأنها عرضتهم لخطرين كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري  ، وكان لا بد من البدء بعمل حاسم للوقوف في وجههما .

الخطر الاول : الخطر الذي نجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات متنوعة وأعراف تشريعية وأوضاع اجتماعية مختلفة ، بحكم تفاعلهم مع الشعوب التي دخلت في دين الله أفواجاً  ، وكان لا بد من عمل على الصعيد العلمي يؤكد في المسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيتهم التشريعية المتميزة المستمدة من الكتاب والسنة ، وكان لابد من حركة فكرية اجتهادية تفتح آفاقهم الذهنية ضمن ذلك الإطار، لكي يستطيعوا أن يحملوا مشعل الكتاب والسنة بروح المجتهد البصيروالممارس الذكي الذي يستطيع أن يستنبط منها ما يفيده في كل ما يستجد له من حالات ، كان لابد إذن من تأصيل للشخصية الإسلامية ومن زرع بذور الاجتهاد .

وهذا ما قام به الإمام علي بن الحسين ، فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسول (ص)، يحدث الناس بصنوف المعرفة الإسلامية من تفسير وحديث وفقه ، ويفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين ويمرن النابهين منهم على التفقه والاستنباط  ، وقد تخرَّج من هذه الحلقة عدد مهم من فقهاء المسلمين  ، وكانت هذه الحلقة هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس الفقه والأساس لحركته الناشطة .

 الخطر الثاني: فقد نجم عن موجة الرخاء التي سادت المجتمع الإسلامي في أعقاب ذلك الامتداد الهائل  ، لان موجات الرخاء تعرض أي مجتمع إلى خطر الانسياق مع ملذات الدنيا ، والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة ، وانطفاء الشعورالملتهب بالقيم الخلقية والصلة الروحية بالله واليوم الأخر، وبما تضعه هذه الصلة أمام الإنسان من أهداف كبيرة ، وهذا ما وقع فعلاً ، واستغلته السلطة واستثمرته لاشغال الناس بالغناء والاماء والمواخيروالفسق والفجور..وتكفي نظرة واحدة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني ليتضح الحال.

الخطرالثالث:فقد تفنن طغاة بني امية باساليب ماكرة لتفريق الامة بين عرب الشمال وعرب الجنوب وضرب بعضها ببعض عن طريق بث المثالب واحياء النعرات الجاهلية القديمة بين القبائل عن طريق الشعراء ونشر المناقضات سواء بين جريروالاخطل او جريروالفرزدق ..حتى يصفوالجو للحاكم عن طرق (فرق تسد)

الشاعر المسيحي الاخطل يهجو الانصار

وقع التهاجي بين عبد الرحمن بن حسان وهو من الانصاروعبد الرحمن بن الحكم  بن ابي العاص وهو من قريش

فاغلظ بن حسان في هجائه حيث قال:

واما قولك الخلفـــــــــــاء منا        فهم منعوا وريدك من وداجي

فقام يزيد بن معاوية وارسل الى كعب بن جعيل وقال له:ان عبد الرحمن بن حسان قد فضح عبد الرحمن بن الحكم فاريدك ان تهجو الانصار فقال له ارادي انت الى الاشراك بعد الايمان؟لا اهجو قوما نصروا رسول الله(ص) ولكن ادلك على غلام منا نصراني فدله على الاخطل الشاعر فارسل اليه فهجا الانصار

حيث قال فيهم:

ذهبت قريش بالمكارم كلها             واللؤم تحت عمائم الانصار

قوم اذا حضر العصير رايتهم          حمر العيون من المســـــطار

واذا نسبت ابن الفريعة خلته            كالجحش بين حمارة وحمار

فدعوا المكارم لستم من اهلها         وخذوا مساحيكم بني النجار

فبلغ ذلك النعمان بن بشير الانصاري وكان من المقربين لمعاوية فاقبل حتى دخل على معاوية ثم حسر العمامة عن راسه وقال:

يا معاوية هل ترى من لؤم؟ قال ما ارى الا كرما  قال: فما الذي يقوله فينا عبد الارقم:

ذهبت قريش بالمكارم كلها         واللؤم تحت عمائم الانصار

فقال معاوية قد حكمتك فيه فافعل به ما تشاء فقال النعمان:والله لا ارضى الا بقطع لسانه ثم انشد قائلا:

معاوي الا تعطنا الحق تعترف       لحي الازد مشدودا عليها العمائم

فقال معاوية قد وهبتك لسانه فبلغ الاخطل ذلك فلجأ الى يزيد بن معاوية فركب الى النعمان واسترضاه ان يستوهبه منهفوهبه اياه

الخطرالرابع:تحديات القوى المعادية للاسلام وارادة فرض شروطها واملائاتها على القيادة السياسية لاخضاعها لمشيئتها واذلالها ..فنظر الامام نظرة الواعي الرافع للواء عزة الاسلام والمدافع عن بيضته فتصدى لضغوطهم با ابطال مكرهم واشار على الخليفة عبد الملك بسك النقود الاسلامية للتخلص من تبعية الدولة البيزنطية

ثقة علماء الامة بالمعية الامام السجاد

كانت رموز الامة على اختلاف اتجاهاتها ومذاهبها -وغير مقصورة على الجانب الفقهي والروحي فحسب -، كانت تؤمن به مرجعاً وقائداً ومفزعاً في كل مشاكل الحياة وقضاياها ، بوصفه امتداداً لآبائه الطاهرين ومن أجل ذلك نجد أن عبد الملك ، حينما اصطدم بملك الروم وهدده الامبراطور البيزنطي باستغلال حاجة المسلمين إلى استيراد نقودهم منه لإذلال المسلمين وفرض الشروط عليهم ، وقف عبد الملك متحيراً وقد ضاقت به الأرض كما جاء في الرواية وقال :أحسبني أشأم مولود ولد في الإسلام .

 فجمع أهل الإسلام واستشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأياً يعمل به .

 فقال له القوم : إنك لتعلم الرأي والمخرج من هذا الأمر !

 فقال : ويحكم من ؟

قالوا : الباقي من أهل بيت النبي (ص)، قال صدقتم ، وهكذا كان.

فقد فزع إلى الإمام زين العابدين : فأرسل ولده محمد بن علي الباقر إلى الشام وزوده بتعليماته الخاصة ، فوضع خطة جديدة للنقد الإسلامي ، وأنقذ الموقف

اذعان طاغية زمانه عبد الملك برفيع منزلته

من المعلوم ان الفراعنة لايتنازلون ولايلون جيدهم لاحد على انهم الارباب اذن فكيف يذعنون وياتون صاغرين لمن ناصبوهم العداء وحاربوهم ...فيسئلوهم ويطلبوا منهم حل مايعترضهم من مشكلة  ؟! بل وقد اعترف بحقيقة رفيع فضل مقام الامام السجادعلى الرغم من حقدهم وعدائهم  كطاغية عصره الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان قائلا :ولقد أوتيت من العلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك قبلك إلا من مضى من سلفك . وقال الخليفة عمر بن عبد العزيز: سراج الدنيا وجمال الإسلام زين العابدين .


هلال  ال فخرالدين
hilal.fakhreddin@gmail.com

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية