لم يمر وقت تفاقمت فيه الشرور مثلنا وقتنا الحالي ، شرور سافر لا ترعوعي ، وسط صمت و عدم اكتراث من قبل العالم المتحضر والإنسان المعاصر، تدفع المرء دفعاً على أن يتسأل ، عن سر هذا الشر ، ولماذ ستفحل في عصرنا ؟ فصحيح أن مشكلة الشر مشكلة قديمة ، فمنذ هبط الإنسان إلى الارض ، بعد طرده من جنة عدن ، فأن أول ذرية آدم بدأت في جريمة قتل . وهذه المشكلة حيرت الفلاسفة وأخذت منهم وقت طويل ، ومع ذلك ، ولم تحز أجوبتهم على قبول ، وهي ما تزال تشغل عقول كثيرة . وهي عادة ما يعاود طرحها مع كل فترة تتفاقم فيها الشرور ، ويبدو في فيها مصير الإنسان مهدد .وعصرنا الحالي ، وخصوص نحن أبنا الشرق ، الذي اتخذ الشر من منطقتنا مسرح له ، وراح يدمر كل ما يصادفه بطريقه . فهل الشر جزء من طبيعة هذا الكون ، أما أن الإنسان هو الذي ادخل الشر له ؟ وهل يمكن للشر أن يوجد مع وجد الله الذي هو كلي القوة وكلي العلم وخير مطلق ؟ لقد ظهرت مشكلة الشر ، فقط مع ظهورالاديان السماوية ، التي عزت إلى الله خلق الكون والإنسان وكل ما يوجد في العالم . لأن وجود الشر مع وجود الله يشير للخطأ واضح وقصور في القدرة الإلهية . فلا يمكن أن يوجد الله بالصفات التي يطلقها عليه رجال الدين ويكون للشر وجود . وعليه سنعالج موضعنا من ثلاثة وجهات نظر فلسفية ولاهوتية. وعلمية ، أي من وجهة اجتماعية . ولنبدأ بالفلسفية ، ونقصد هنا بالفلسفية ، من وجهة نظر تأملية خالصة ، ميتافيزيقياً ، تأمل الشر فكرياً دون ربطه بأي ظروف اجتماعية أو بيئية كما تفعل الفلسفة الإجتماعية التي ترى في الشر نتيجة صراع قوى اجتماعية ، كما يفعل ماركس مثلاً . ولعل سقراط هو أول من نظر لشر من وجهة نظر فلسفية خالصة ولم ينظر اليه على أنه نتاج وضع اجتماعي . فقد اعتبر سقراط الشر نتيجة الجهل ، ولو قيض إلى الإنسان أن يعرف الخير لما أقدم على فعل الشر . فالجهل هو أساس الشرور كلها . وعليه قام في حملته التنويرية بهدف إصلاح المفاهيم الخاطئة . فذلك الفهم الخاطئ في نظره هو سبب للشرور ، لأنها نتاج الجهل والخرافة . أما أفلاطون فقد نظر للشر على أنه إساءت الآلهة لسلطتها ، فهم في نظره مخلوقين وليس خالقين ، ففي عالم المثل وإلهه الحقيقي لا يرتكب الشر . وكذلك أرسطو لم ينظر سوى على شيء عارض وفردي ومن هذا الإنسان أو ذاك أو من صنع البشر ولا دخل إلئ الإله فيه ، لأن إله أرسطو لا يهتم فيهم ، لأن إله متعالي عن عالم البشر ولا يتدخل في شؤونهم ومنشغل في التفكير بذاته . أما في العصور الحديثة فافضل من تناول مشكلة الشر من وجهة نظر فلسفية ، فهو ليبنتز الفيلسوف الألماني الشهير ، ولعل شهرته في هذا المجال ترجع ، اقصد في تناوله لمشكلة الشر ، لأنه له مساهمات كثيرة في العلوم الرياضية ويعد منافس لنيوتن في الرياضات . ترجع لقوله ، بأن عالمنا هو أفضل العوالم التي يمكن أن يخلقها الله . فالله ، حسب ما يرى لا يستطيع أن يخلق عالم أفضل من هذا العالم . ولعل أشهر من سخر من هذا وكتب قصة رائعة عنه هو فولتير الفيلسوف الفرنسي ، والذي صور مآس كثير ومنها الزلزال الذي اصاب الشبونه ، لكي يبن لنا كيف يمكن أن يكون عالمنا هذا أفضل العوالم الممكنة . فالشر في نظر لابنتز ليس في العالم بحد ذاته وإنما في الحرية التي منح الله للإنسان ، فالله لا يستطيع أن يخلق إنسان مسلوب الأرادة وغير حر ، لأن هذا يتعارض مع حب الله إلى الإنسان ، ولأن الحرية هي الشرط إلى المسؤولية الأخلاقية ، فالإنسان يغدو لا شيء بدون الحرية التي هي الأساس في الحب فالله يريد أن يكون محبوب من قبل الإنسان ويريد أن يحبه في المقابل ، في اختياره وحريته ولا يفرض عليه هذا الحب . ولذلك لا يمكن أن توجد الحرية بدون أمكانية اساءت استخدامها ، وعليه ولج الشر العالم الذي خلق الله بأفضل ما قدر عن طريق حرية البشر الذين الذين أساؤوا استخدامها . ولهذا ليس ثمة شر في الكون ما خلا شر الذي يرتكبه الإنسان . ومع ذلك ، فأن لايبنز لا ينظر للشر الموجود في العالم على أنه شر على الإطلاق . فمن وجهة نظر الإنسان المحدودة والقاصرة ما يظهر على أنه شر هو في الحقيقة ليس كذلك ، لو نظرنا له من وجهة نظر كلية وليس محدودة ، لأن هذا الشر المحدود والبسيط محتوى في الخير الكلي والشامل وهو في النهاية جزء منه . وعليه علينا أن لا نشتكي منه ونعول ، فهو مثل أي جزء ممل في رواية عظيمة أو سمفونية رائعة . وهو الكارثة الذي في التراجيدية المسرحية الذي يعطيها جمالها وقيمتها ولحظة التطهير فيها . فالشر هو لا شيء ، وعنصر سلبي ، وليس شيء حقيقي وجزء من نسيج الكون وبنيته . ونحن نراه شر لمجرد أنه مكروه من قبلنا، ولكن لو فهمنا الكون على حقيقته ، لوجدنا أن الشر لا يؤثر في العالم ، فنحن في أمان مطلق رغم المعاناة ، والمرض ، والموت ، والذي لا ينتقص منا شيء، مادام الشر بحد ذاته لا شيء . هذه هي أشهر وجهة نظر فلسفية قدمت لتبرير وجود الشر في العالم . فكل الذين يتشأمؤن من الشر في العالم ، وعدم تتدخل الله الكلي القوة والكلي العلم والخير المطلق في وضع حد له أو اللغأه ، هم في نظر لايبنز لم يفهموا حق الفهم خطة الله وكيف أوجد العالم بأفضل ما يستطيع ، وعدم وجود بديل آخر لهذا العالم ، فعالمنا ، حسب هذا الفهم ، هو أفضل العوالم الممكنة رغم وجود النازية والفاشية والوهابية وداعش . هذه هي النظره إلى الشر من وجهة نظر فلسفية خالصة . وما عبر عنه من وجهة نظر ميتافيزيقية أو مجرد من قبل الفلاسفة الخلص . أما فلاسفة الآخرين مثل كانط وهيجل ، فقد نظروا له بعيد عن كونه مرتبط في الله أو يدل على عجز الله في محوه وزالته ، فقد نظر له كانط على أنه مجرد فساد في الطبيعة البشرية التي نتيجة إلى الخطئية البشرية الأولى . وهيجل نظر لشر على أنه جزء من دهاء العقلي الكلي ، العقل المطلق ، أو تجلي الله ، وهو يخدم أغراض الله في تحقيق قصده . أما لو عاين الشر من وجهة النظر الثانية والتي هي نظر الأهوت ، أو الأديان السماوية عند إبراز ممثليها في الديانة المسيحية والإسلامية ، لدى القديس أوغسطين وتوما الأكويني ، وفي الاسلام المعتزلة والأشاعرة ، نراها كلها تمحور حول تبرير الشر أو نكرانه ، أو تلقي به على الإنسان وحده تبعيته وتنزه الله من كل شر أو نقص . وسننظر أولاً ، في رأي القديس أوغسطين ، الذي تعد وجهة نظره ممثلة لكل المسيحية ، وهي عموماً يمكن أن تعتبر أيضاً ممثلة لكل الأديان . ومهما يكن فأننا سوف نعاين وجهة بعض مفكري الاسلام . ولد القديس ٣٤٥- ٤٣٠م ، وكان أول مسيحي يكتب فيه محاول منه لفهم وشرح الشر بطريقة منهجية في عالم المؤمنين . وفهمه العميق لشر قدم المفاتيح الرئيسية التي اتبعها الأهوتين من بعده في تفسير وحود الشر في العالم . فالله ، هو الخالق المتعالي لكل الأشياء والخير الوحيد الذي لا يتبدل ، فكل الأشياء المخلوقة هم خير في طبيعتهم ، والشر هو نقص وحرمان في الأشياء المخلوقة ، وهو ليس حقيقة أيجابية ، أي ليس شيء حقيقي، والشر الخلقي في الإنسان هو نتيجة لقصور في الأرادة ، وكل الأشياء التي ندعوها شر من وجهة نظرنا المحدودة هم في الواقع جزء خطة متعالية وجزء من الانسجام الذي أودعه الله في نسيج الكون . وعد هذا تطور وأنتقل لأوغسنطين عن وجهة نظرته السابقة ، فقد كان يؤمن في المانوية التي ترى بأن هناك قوتين تتصارعان في الكون هما النور والظلام ، لوجهة نظر الجديدة التي ترى الخير المطلق في الأشياء بعد ما طوب كقديس وتبنى المسيحية كمذهب في الحياة . فهو يرى بوضوح بأن كل الأشياء هي خير حتى لو تعرضت لفساد ، لأن هذا يعني أنهم لا يتعرضوا إلى الفساد ما لم يكون في الأصل جزء من الخير.. فالأشياء الخيرته هي وحدها التي تعرض لفساد ، أما الأشياء الفاسدة كليا فلا وجود لها أو تختفي من الوجود . فكل ما هو موجد هو خير والفاسد تماماً يضمحل ويختفي عن الوجود . فحتى لو ثمة أشياء فاسدة ، ولكنها مستمرة في الوجود فهذا معناه أنها خير . فالخير هو وحده الموجود ، غير أن الله يسمح بأشياء اقل خير ، ولكنها ليس فاسدة كلياً. لأن الله خلق الأشياء الخيرة فقط . فليس هناك أشياء شرير في هذا الكون الذي هو خير محض ، ولا يمكن أن يتسلل إليه من وراء الكون ويفسد النظام الكوني الذي أقره الله له ككل . وإذا هناك بعض الأشياء غير متناغمة مع نظام الكون فهي غير ذات أهمية وعابر ، ومجرد أحداث عرضية . فالعالم بحد ذاته خير غير أنه لا يبلغ من الخيريته مثل الخالق ، الخير الذي لا يتغير ولا ينقص ، في حين قد تعرض اجزاء من خيرية العالم لنقصان والتدني الا أن هذه لا يمحو اصلها الخير ، فهي تبقى خير رغم كل ما يعتريها من نقص وإذا بلغ ذلك النقص منتهاه فأنها تكف عن الوجود ، وعليه ، فأن حتى الأشياء الشريرة في نظر أوغسطينهي خيرت ، لأنه ذات أصل نبيل . ونحن اذا ذهبنا معه الأقصى غاية فكره فسوف نصادف التناقضات التي يرفضها المنطق واللغة أيضاً . فهو يمكن أن يسمي الشيء بالنقيضين ، شر وخير في نفس الوقت ، حلو ومر ، قبيح وجميل . ومع ذلك تراه يقول لأن مصدره هذا كله الخير ، فأنه لا يشعر بأن ما يقوله ، قد يخالف أو بتعبر مخالفة إلى بعض آيات آنجيلية ، كالقول بان الشجرة الطيب لا تعطي ثمرة خبيثة ، أو لا يمكنأن يجني من الشوك عنب . مادام الشوك لا يعطي عنب . ولكن مع ذلك فمن الأرض الصالح يمكن أن ينب كلا من العنب والشوك . وكذلك لا يمكن توقع من الشر اعمال خيرة . ولكن من الطبيعة البشرية. التي هي خيرة في حد ذاته ، عند أوغسطين ، يمكن أن يظهر منها الخير والشر على حد سواء . فالكل في الأصل نابع من إرادة خيرته . وخيراً فإذا هو الله الحاكم لهذا الكون وهو الخير الأعلى ، فالله ، أذن سبب كل المخلوقات وأرادة الخلق لم تترك في طبيعة تلك المخلوقات عنصر للشر فمن أين جاء هذا الشر الذي نراه بأم اعينن ؟ وكم رأينا فأن أجاب أوغسطين أن الشر شيء عرضي وغير أساس ، وليس هو جوهر وإنما مصادفة عابر في هذا الكون نتيجة النقص والفساد الذي يعتري بعض الأشياء، التي لا تتسم بالخيريته المطلقة التي يتمتع بها الخالق . وعليه ، يصبح سؤال لا معنى عند أوغسطين ، أن نقول لماذا إذا كان الله كلي القوة وكلي العلم وخير مطلق لا يمنع الشر ويحول دون وقوعه . لأنه هو خير والشر عارض فيه ، فلا يحتاج من ثم لتتدخل الله . هذا هي وجهة رجال الدين وأن اختلفوا في بعض التفاصيل القليلة ، ولكنها تبقى وجهة نظر مثالية للمؤمنين على اختلاف أديانهم . ولو جأنا إلى الإسلام ، ونظر لوجهة نظره في الشر ، ولماذا الله يسمح بوجوده . فأننا سنصادف ثلاثة وجهات للشر . وبالطبع هذه الوجهات نابع عن مصدر واحد ، الذي هو القرآن ، فتعابير القرآن ، تسمح بهم ، لأن القرآن كما يقال حمال أوجه ، ومعنى هذا ، كم هو معروف ، أنه يمكن لك طائف أو فرقة أن تجد فيه بغيتها وما يلائمها من رؤية . بيد أن الجزء الغالب ، أو النظر المسيطرة فيه ، لو بحث وجهة نظر القرآن الغالبة ، والمهيمنة فيه والمبثوثة في بين دفتي القرآن لوجد أن الجبر والقضاء والقدر ، أي تحكم الله في كل شيء وتقريره لكل شيء ، وما يصيب البشر من خير وشر هو كله مرده إلى الله ، هي الروح التي تهيمن في القرآن ، والآيات في هذه المجال كثيرة ومتعددة ، التي تثبت ذلك . وهذا يعني أن في كلا هذين الحالتين أي الشر والخير هو في نهاية المطاف مكتوب من فبل الله ، ويتم بعلم منه ويسمح به ، ولا مجال هنا لقول على الإطلاق ، حاشى الله أن يسمح بذلك ، لأنه هذا ما يتأتى للعقل فهمه من النص القرآني . وهذا إذا كان هكذا فلا مجال أيضاً لتسأل لماذا لا يمنع الشر ويسمح في حدوثه ، لأنه جزء من الأرادة الألهية ، أما لماذا هو جزء من ارأدة الله ، فهذا علمه عنده ، الله . اما مفكري الإسلام ، فقد استخلصوا ثلاثة وجهات نظر من القرآن ، عن تفسير الشر ، وهذا الفرق الثلاثة ، هي ، المرجئة ، والمعتزلة ، والأشاعرة . ونحن حينما نتكلم عن تلك الفرق ، لا يهمنا الحديث ، عن الظروف السياسية ، والأحتماعية ، التي قد تكون مسؤولة عن ولأدتهم ، فكل ما نحن معنين به هنا ، الموقف الفكري من الشر . الذي ينبع من فهم تلك الجماعة أو المذهب لنص القرآنية الذي لم يكن ثمة مجال لتفكير خارجه في تلك الفترة . فالمرجئة ، عسر عليها ، فهم ، فيما يبدو موقف القرآن من الشر هو من الله أم هو من البشر ، لذلك قالت بتعليق الحكم في هذه الدنيا وتركه ليوم الحساب . فمرتكبي المعاصي أو الكبائر ، لا يعرف فيما إذا هم ارتكبوها ذنبهم بملء ارادتهم ، أم مكتوب عليهم القيام بها ، لذلك تجنبوا الحكم عليهم أو لصالحهم ، بدون علم يقني . غير أن المعتزلة ، الذين نظروا للقرآن من وجهة نظر عقلية ، فهم من قال اذا خالف المنقول العقل فيجب تأوُّيل المنقول ليناسب مقضتى العقل ، لذلك رفضوا القول بأن الشر من الله ، أي أن الإنسان مجبر في افعاله وليس مخير ، أي حر الأرادة ، إذا لو الامر غير ذلك ، لكان معنى ذلك أن الله يجبر عباده ، ومن ثم ، يبطل الثواب والعقاب ، ولكان الله ظالم للعبادة . فالإنسان في نظرهم حر ، وهو مسؤول عن أفعاله .ولهذا قالوا بأن الاشرار مخلدين في النار، ولم يحاول أن يجبوا عن السؤال لماذا لم يمنع الله الشر ؟ لأن النظر الدينية المسيطرة في ذلك العهد رأت في الحياة الدينيوية دار اختبار ، وأن هناك جنة ونار . أما الاشاعرة والذين ، وجهة نظرهم هي النظر الرسمية للإسلام ، أو وجهة نظر السنية ، لأنها فهمت على كونها النظر السليمة والصحيحة الإسلام ، وهي الجبرية ، وبما أنها حاولت أن تتلافئ تلك الصعوبات التي تفرضها الأخذ بهذه العقيدة ، الجبرية ، قالت بالكسب ، التي تعني أن الإنسان مجبر في افعاله أو مدفوع أليه من قوى غريبه عنه ، ومع ذلك يبقى نتائج هذا الأفعال له إذا كان خير أو شر . فالإنسان مجبر على فعل ما يفعله ، ولكن نتائج ما يفعله محسوبة عليه خير أو شر ، وهذا النظر هي هي احتيال على العقل وتاخذ في مايسمى الثالث المرفوع في منطق أرسطو ، الذي عد تناقض لا يجوز القول فيه ، فالاشاعرة ليس لديهم الجرءة الأخذ بأحد الاختيارين أي فقط بين الجبر والاختيار . وهكذا نرى أن الوجهات النظر الدينية ، على اختلاف الأديان هم نفس الشيء ما عدى اختلاف بسيط في التفاصيل ، فكلهم في النهاية أما يرفضون وجد الشر في الكون ويعدوه شيء عرضي وطارئ ، أو يعزوه إلى إرادة الإنسان ، ولذلك فأن الله لا يتدخل لحيولولة دونه . أما من سميناهم فلاسفة اجتماعيون وعلماء أجتماع ، فهم أولئك الذين نظروا لشر وفسروه من وجهة نظر اجتماعية ، ونحن حينما نصل لهذه المرحلة في تفسير الشر ، نكون قد بلغنا إلى المرحلة اللتي يسميها أوغست كونت المرحلية العلمية ، بعد انقضاء المرحلة الدينية ، والميتافيزيقيا في تفسير الشر في العالم . هذه المرحلة ، أو الطريقة الاجتماعية ، لا تحاول تشرح ما يقع في عالمنا بنسبه لقوى خارجية مفارقة ، وأنما تفسره بعلل اجتماعية من صلب المجتمع الذي يعيش الفرد . فهم لم يفهموه من جهة ميتافيزيقية ، أو يعزوه إلى الله أو شيطان ، أو قوى غربية عن الارض . فقد رؤوا في الشر نتيجة صراع قوى اجتماعية ، ومصالح مادية ، يتقاتل البشر من أجلها . ولذلك يَرَوْن يمكن وضح حد للشر إذا تم عقلنة الانانية. والمصالح الأجتماعية ، وتوزيع الثروة بشكل عادل وبناء مجتمع متناغم . وبالطبع أن تفسير الشر بالعوامل الأجتماعية لم يتم التوصل أليه إلا بعد ازاحت النظرة الدينية . وبذلك يكون الإنسان هو المسؤول عنه ، بعد أن ابعد الله عن التدخل في شؤون البشر . وبات منع الشر منوط في إرادة الناس وعيهم له . وخيراً ، هل وصلت البشرية في في فترتنا الحالية ، على اعتاب تحقيق نبؤة كارل ماركس ، حينما قال أن الناس في عهد الرأسمالية ، وحين تصل تلك إلى أعلى مراحلها من النمو فهي تضع البشرية أما خيارين أما بناء الفردوس على الأرض أو الدخول في مرحلة البربرية .
هاني الحطاب