مقالات

مقدمة :
الذكاء البشري يُمثّل قدرة العقل على التعلّم ,الفَهم ,التفكير ,التخطيط ,حلّ المشاكل ,إستخدام اللغة في التواصل!
بينما الحكمة :هي عُمق التفكير والتأمّل والموازنة بين البدائل المتاحة للوصول الى قرارات مناسبة!
بمعنى الحكمة يمكن أن تتضمّن الذكاء ,لكن العكس ليس شرطاً!
بالطبع الذكاء شيء مفيد ونافع  للبشر ,لكنّه قد لا يساعد على تعزيز علاقات جيّدة مع الآخرين!
مثلاً شخص ذكي لكن علاقاته مع إسرته أو محيطه العملي سيئة غالباً!
الحكمة هي التي تستطيع تعديل وموازنة الامور في مثل هذه الحالات!
على كلٍ سأورد بعض عبارات الفيلسوف (فريدريك نيتشه) وهو يصف الحكمة في كتابه الأثير :(هكذا تكلّم زرادشت)!
يقول :
عندما سألتني الحياة ذات مرّة :مَنْ هي إذاً هذهِ الحِكمة؟
أجبتها بحماس : آ ... طبعاً الحكمة ,يتعطّش المرء إليها ولا يرتوي أبداً!
ينظرُ المرء إليها من خلال حُجُب ويلاحقها بشِباك طمعاً في القبضِ عليها!
هل هي جميلة ؟وما أدراني بذلك ,لكنّها متقلّبة وحرون!
ويقول:
على الحكمة أن تكون مثل الشمس تشّع على الجميع ,بوسعها أن تقذف ولو بشعاع باهت على أكثر الأنفس حطّةً وإتضاعاً!
يقول :
ليست حكمة آلاف السنين وحدها هي التي نتوارثها وتتدفق داخلنا إنّما حمقها أيضاً .ولَكَمْ هو خطير أنْ يكون المرءُ وريثاً!
ثمّ يخاطب رجال الدين الذين يدّعون الحكمة فيقول :
يامعشر مشاهير الحُكماء!
أردتم إقرار الصواب لشعبكم في عبادته ,أسميتم ذلك إرادة الحقيقة!
الآن وددتُ لو تلقوا عنكم جلد الأسد كليّاً .الجلد المزوّق وفروة المُستطلِع الباحث الغازي!
ثمّ يقول لهم :
كما أنّي لم أرَ في الحقيقة حكمة تُذكَر لدى حُكمائكم!
يقول :
من أجلِ الحَمَق تُمزَج كلّ الأشياء بشيء من الحكمة!
يقول :
هذا الهُراء العتيق (لِمَ الحياة ؟ فالكلّ باطل) ما زالَ يُعتبَر حكمة!
ولأنّه قديم يفوح رطوبة عطنة يحظى بجلال أكبر!
العفونة أيضاً صارت مصدر نبالة!
يقول :
ولَكَمْ هناك من الصبيانيّات في كتب الحكمة القديمة!
أمّا عن العقل فيقول نيتشه:
مُباركة هي روح العقول جميعها .العاصفة الضاحكة التي تذرو التراب في أعينِ كلّ السوداويين والمُبرقعين بالسِهام!
***
ماهي الحكمة؟
تقول الصحفيّة العلميّة (كلوديا هاموند) على موقع BBC Future
وكلامها مترجم ومنقول على الـ BBC العربية / الرابط أدناه ,مايلي:
[الحكمة شيء يصعب تعريفهِ ,إنّما في نفس الوقت يسهل علينا معرفته عندما نراه!
يحافظ الحُكماء على هدوئهم أوقات الأزمات .هم قادرون على الرجوع خطوة للوراء والنظر إلى الصورة بشكل أشمل!
هم عميقو التفكير,يجيدون التأمّل في قدرات الذات,يدركون حدودَ معرفتهم الخاصة,يُفكرون في البدائل,لا ينسون أنّ العالَم يتغير على الدوام]!
وعن التفريق بين الحكمة والذكاء تقول هاموند:
[ينبغي علينا عدم الخلط بين الحكمة والذكاء .فرغم أن الذكاء مُفيد ,إنّما قد يكون المرء ذكيا دون أن يكون حكيماً]!
وتضييف :
الحكماء يمكنهم التعامل مع مواقف تتسم بعدم الوضوح!
مع ذلك يظلّون متفائلين  بإيجاد الحلول رغم تعقّد المشاكل أمامهم!
كما أن بإمكانهم التمييز بين الخطأ والصواب!
***
كيف يمكنك أن تصبح أكثر حكمة؟
بحثَ علماء النفس منذ عقود طويلة عن معنى ومفهوم الحكمة!
أخبارهم السارة تقول اليوم أنّنا جميعاً يمكننا (ببذل مزيد من الجهد) أن نصبح أكثر حكمة!
قائمة طويلة من الصفات التي يتمتع بها الحكماء!
يقول عالم النفس (إيگور گروسمان) من جامعة ووترلو في كندا مايلي:
إنّ الحكمة ليست ببساطة سمة فطرية مستقرة ينبغي أن تتمتع بها من البداية ,أو لا تمتلكها بالمرّة!
لكنّها مرتبطة بكثير من الإيجابيات في حياتنا مثلاً :
الرضا بشكل أكبر عن الحياة!
تراجع نسبة المشاعر السلبية!
إكتساب علاقات أفضل!
تراجع معدلات الإكتئاب!
كما توصل گروسمان وزملاؤه إلى أدلة تشير إلى أنّ الحُكماء من الناس يعيشون أعماراً أطول من غيرهم!
بينما لا يصنع الذكاء أي فرق فيما يتعلق بالعيش الرغيد .لأنّ مستويات الذكاء لا تعكس في الغالب قدرة الإنسان على تعزيز علاقات جيدة مع الآخرين أو اتخاذ قرارات مناسبة في الحياة اليومية !
***
أسئلة (إيگور گروسمان) للمشاركين في دراسته حول الحكمة!
كان أحد الأسئلة المهمة هو التالي:
فكّر فيما حدث معكَ بالأمس وفي الموقف الأكثر صعوبة وتعقيداً الذي واجهته خلال يومك؟ وكيف تصرفتَ إزاء ذلك الموقف؟
كتبَ المشاركون عن بعض المواقف التي مروا بها بالفعل مثل :
الوصول المتأخر إلى الاجتماع بسبب المواصلات!
الدخول في شجارات عائلية أو مع بعض الزملاء!
بعدها درس الباحثون أسلوب المشاركين في عرض تلك الأسباب لكي يختبروا مدى حكمتهم ,فناقشوا مايلي:
هل يعترفون مثلا بأنّ معرفتهم محدودة؟
هل كانوا يرون أي جانب إيجابي فيما يعتبرونه موقفاً سلبياً؟
وقد تبين للباحثين أنّ بعض المشاركين بدوا حكماء في موقف ما ,لكنّهم لم يكونوا كذلك في موقف آخر.
فما سبب ذلك الاختلاف من موقف لآخر؟
يصبح الناس أكثر حكمة عندما يكونوا مع أصدقائهم!
فهذا يجعلهم أكثر ميلاً للنظر إلى الصورة الكلية للأمور ,والتفكير في الجوانب المختلفة والتعرف على حدود المعرفة التي يمتلكونها!
لكن عندما يكون الناس بمفردهم ,فإنهم في الغالب لا يفكرون حتى في إيجاد بدائل .هذا يعني أن الحكمة ربّما تكون أكثر انتشارا ممّا نظن!
ثمّ أجرى (گروسمان) تجارب أخرى باتباع إستراتيجيات مختلفة للتعرف بصورة عملية عن مفهوم الحكمة!
شملت تلك التجارب تعليم الناس النظر للموقف من زاوية مختلفة!
من خلال تخيّل أنّهم يلقون نظرة فاحصة على الوضع بصورة عامة كما لو كانوا يراقبون الأحداث بهدوء من بعيد ,دون الإنخراط والتدّخل في الموقف!
حتى الحديث عن نفسك كشخص آخر يمكن أن يكون مفيداً!
إذ يمكنك أن تسأل: ماذا يمكن أن يفعل صديقي (فلان) في هذا الموقف؟
وفي أحيان أخرى يمكن أن نسأل شخص آخر عمّا يعتقد علينا فعله!
***
عالم النفس روبرت ستيرنبيرغ /جامعة كورنيل الولايات المتحدة!
يقول :إنّ الحكمة ما هي إلا القدرة على الموازنة بين الأمور!
يرى أنّ الشخص الحكيم هو الذي لديه القدرة على الموازنة العقلية بين نتائج الأمور (على المدى القصير والبعيد) ,وبين المصلحة الشخصية ومصالح الآخرين!
يجري ذلك من خلال التفكير في جميع الخيارات المتاحة وفقا للوضع القائم ,أو من خلال السعي لتشكيل وضع جديد!
بمعنى دراسة المصالح المختلفة التي تتضمنها أيّ معضلة نمّر بها على المدى القريب او البعيد مع الإنتباه للظروف المحيطة وكيفية تشكلها!
***
الخلاصة :
يصبح الناس أكثر حكمة عندما يكونوا مع أصدقائهم!
تذكروا الآن حماقات كلّ الطغاة الذين رفضوا الإصغاء للآخرين!
(تذكرتُ حماقة صدام حسين بإحتلاله الكويت وقبلها حربه مع إيران)!
يقول عالم النفس (إيگور گروسمان):
 لدينا جميعا القدرة على أنْ نتحلّى ببعض مظاهر الحكمة ,إنّما ليس طوال الوقت!
بعض الناس يُظهرون حكمة أكثر من الآخرين بشكل عام ,بينما البعض الآخر يكون أكثر حماقة!
لكن بما أن ذلك لا يحدث في جميع المواقف فهذا يعطينا بعض الأمل!
فإذا كان باستطاعتنا أن نكون حكماء لبعض الوقت وفي بعض الظروف
فربّما كان باستطاعتنا أن نتعلم كيف نكون حكماء في أوقات وظروف أخرى !
ومع التوصل إلى أن الحكمة تتحسن مع تقدم العمر فمن المفترض أنّنا يمكن أن نتعلّم كيف نصبح أكثر حكمة بمرور الوقت!
ويضيف :
[ليس الأمر كما لو أنّكَ ستصبح بوذا فجأةً  ,إنّما ستكون أكثر حكمةً من ذي قبل ولو قليلاً !]
***
الرابط : كيف يمكنك أن تصبح أكثر حكمة/ كلوديا هاموند!
http://www.bbc.com/arabic/vert-fut-38764726



رعد الحافظ
30 يناير 2017