ثقافة وأدب

د. هادي حسن حمودي

شيء من اللغة.. (واو) المبالغة والمحبّة

26/12/2018 19:55
سؤال يتردد من حين لآخر، يوجهه لي متابعون لقضايا اللغة والنحو والبلاغة، خلاصته: هل يصحّ أن نقول: خطوات نهضوية؟ وإذا كان صحيحا أفلا ترون فيه مخالفة لقواعد الصرفيين في باب النسب؟ ومن أين جاءت الواو في الاشتقاق؟ فالسؤالات تنصب على الواو المسكينة، إذن؟ حسنا، تعالوا نتفاهم: النحويون أعربوا لكم الواو إعرابات مختلفة متنوعة. فقالوا: هي واو رُبّ، وحرف عطف، وحسب ما قبلها، وحرف قسم، وهي واو الحال.. إلى آخره. هذه الإعرابات المذكورة لديكم في الكتب المدرسية والجامعية ومواقع الشبكة العنكبوتية هي مواقع حرف الواو من الإعراب، منحوه معنى اكتسبه من موقعه الإعرابي في الجملة، وإلا فإن الواو في قولك: جاء محمد وأحمد، هو ذاته في قولك: والله، وهو ذاته في قولك: جاء فلان وهو غضبان.. وما إلى ذلك من استعمالات. ونظر النحويون والصرفيون إلى باب النسب، فوجدوا فيما وصل إليهم من لغة العرب، أن الكلمة إذا انتهت بتاء التأنيث القصيرة فتحذف التاء ويُلحق بالكلمة ياء النسب، فتنسب إلى كلمة نهضة: نهضيّ، فعليك أن تقول: خطوات نهضية ومشاريع نهضية. وإذا وسوس لك أحد أن تقول: خطوات نهضوية، ومشاريع نهضوية، فأبشرْ بعلامة (×) مع صفر أحمر، وعقاب من أبيك.  وفي مقابل هذا يقال: إن المجمع اللغوي أجاز نهضوي، لأن هذه النسبة صارت شائعة ومستساغة. إجازة المجمع أو غير المجمع لأية لفظة وأي تركيب لا تعني شيئا إلا بتعليل لغوي من ذات اللغة، لا من شيوع الاستعمال الآن. فهذه قاعدة مهتزة غير ثابتة الأركان. ولو صلحت هذه القاعدة لما كنا بحاجة إلى تعريب وترجمة، إذ دع المصطلحات الأجنبية تأخذ مسارها على ألسنة الناس، وسيسوّغها لك المجمع اللغوي. لا تفهم من كلامي هذا أن (نهضوي) خطأ. واتبعني: في الجزائر تسمع كلمة (وا) بمعنى: نعم. ولكنها ليست (نعم) فحسب، بل هي تعميق لـ(نعم) وتأكيد لها، وتفخيم لدلالتها. وكان العرب إذا أرادوا تعميق الاستغاثة والطلب وتأكيدهما بحرقة وصدق عاطفة استعملوا الندبة بقولهم: وا ربّاه. والاستغاثة تعميق للطلب والندبة تعميق للاستغاثة وتأكيد لها، وتفخيم لدلالتها. ومن هذه المعاني والدلالات جاءت (وا) للتعجب الشديد العميق. وتسمعها الآن لدى الغربيين يرفعون أصواتهم بـ(واو) (Wow) حين يتعجبون من شيء تعجبا عميقا بليغا. وكل تلك الاستعمالات تطور في حرف الواو. وفي اللهجات يكثر الواو في هذه الحالات، كأن تقول: عمو، بدلا من: عمّي.. تدليلا ومحبة، خاصة إذا كنت تريد أن تتزوج ابنته أو تأخذ منه مليون دولار، مثلا. وفي القَسَم ترى الواو تأتي وحدها مختالة بدلالتها، فتقرأ في التنزيل العزيز: (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) أما حرف الباء في القسَم فلا بد أن يأتي قبله ما يدلّ على أنه للقسَم، مثل: (أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) و(وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ). أما الذي قرر أن الباء هي الأصل في القسم، وأن الواو بدل منها، وأن التاء بدل من الواو، فقد أخطأ وجه الصواب. لما ذكرناه من أن الباء تأتي وحدها مع اللفظ المقسَم به، ولا تأتي الباء في جملة القسم إلا مسبوقة بما يدل عليه كلفظ: أقسم أو أحلف. والآن، فلنختصر بسبب ما تبقى من الحيّز المتاح لحجم الحلقة. حين ترى خطوة جميلة تبشر بالسير في طريق النهضة تقول خطوة نهضية، وأنت بهذا التعبير، لم تمنح الخطوة بُعدا وعُمقا، بل جعلتها مسطّحة، تذكرها وكأنها أمر معتاد واعتياديّ بلا إلفات نظر ولا اهتمام منك. كما تقول: شرب فلان كأس ماء. أما إذا أردت تعظيمها وتعميق دلالتها على النهوض والتطور، وإعجابك أنت بها، فأرى أن تزيد واو المبالغة في الدلالة، فنهضة عن نهضة تختلف، وخطوة عن خطوة تختلف، فتقول: خطوة نهضوية. إلا الألفاظ التي لا تقبل تفاضلا، مثل: مكة/ مكيّ. فمكة واحدة لا تفاضل فيها، لا تسطيح معنى ولا تعميق دلالة.

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية