* تعقيبا على حلقة (من أجل إعادة صياغة الدرس النحوي) المنشورة في (الأخبار) سألت الكاتبة العمانية (شيخة الفجرية) في التواجه عن الصواب في بدهي وبديهي؟ فأجبتها هناك أني أستعملهما لاختلاف المعنى بينهما.
ومما لا شك فيه أن الكلام لا يصح أن يُلقى على عواهنه بلا أدلة وتعليل منبثق من اللغة ذاتها.
ومما لا شك فيه أيضا أن التوسع في البحث اللغوي له مجال خاص لا في موقع إلكتروني أو صفحة التواجه. خاصة إذا لم يكن نقلا من الكتب المدرسية. فهنا إيجاز الكلام على البدهي والبديهي وما يمت لهما بصلة.
** في اللغة أصول وللغة حدود، فلا تكسر الأصول ولا تُنتهك الحدود. وفيما عدا ذلك فأفق التطور بلا حدود ولا سدود.
وما دمنا في موضوع النسب فلنذكر أن النسب بياء النسبة ليس قياسيا، ولا بالحذف من الكلمة. فأنت لا تنسب إلى مهنة الحدادة فتقول حِداديّ، بحذف التاء ووضع ياء النسبة، بل تقول حدّاد. وكذلك النجار والبقال والخباز. واتفقنا على أن: صَحَفي، بفتح الحاء والصاد، من يشتغل في صحيفة واحدة ، فإذا اشتغل في أكثر من صحيفة فهو: صُحُفي، نسبة إلى الجمع صُحُف.
واختلفوا في حذف الياء فاضطربت قواعدها وتعقدت. وثمة من قرر أن مدني نسبة إلى المدينة المنورة، وأن مديني نسبة إلى بغداد، ويبدو أن هذه النسبة جاءت من وصف بغداد حين تأسيسها بأنها المدينة المدورة. ولكن التعليل غير سليم، فالذي تلقب بالمديني اعتقد صحة النسبة إلى المدينة بإثبات يائها، كما بحذفها: مدني ومديني.
وإذا أردت أن تنسب شخصا إلى مدينة الرياض أتقول رياضي؟ أفلا يختلط هذا بمن يمارس الرياضة كالمصارعة وكرة القدم؟ أو تقول: ريضي، باعتبار أن الألف في كلمة الرياض زائدة؟
فالباب كله ليس قياسيا، ولا ينضبط بقوالب محددة.
ولننتقل إلى بدهي وبديهي. وأرى أن نفهم معنى الكلمة قبل تقرير الصواب في النسبة.
(بَدَهَ) دال على أول الشيء وعلى المفاجئ منه. بادهت فلانا بالأمر: إذا فاجأته. وفلان ذو بديهة أي سريع الفعل ورد الفعل. ومنه البديهةُ والبُداهة بالمعنى نفسه. وفلان صاحب بديهة، أي: يجيب سريعا عن طبيعة فيه لا عن استعداد مسبَق. ولك البديهة، أي: لك البداية بالكلام. وبهذه الاستعمالات يلوح لي: أن ثمة علاقة تطورية بين بدأ وبدهَ.
واستعمل المناطقة والفلاسفة لفظ البداهة لبيان المعرفة السريعة بالأشياء كتصور الفرق بين الحرارة والبرودة. أو كقولهم: من البداهة أن الصلاح ضد الفساد. واعتبره الجرجاني (740-816هـ) أخص من الضروري.
ونتيجة لهذا كله، وللتمييز بين المعنى اللغوي الأصيل، أعني بداية الشيء، وكونه مفاجئا، من جهة والمعنى المنطقي والفلسفي، من جهة أخرى، نصل إلى:
* أمر بدهي: مفاجئ وسريع.
* أمر بديهيّ: طبيعيّ.
وها نحن نرى كلمة طبيعي منسوبة إلى طبيعة، من غير أن تُحذف ياؤها. وأما طَبعيّ فنسبة للطبع لا للطبيعية.
ولا تنس أن أهل الصرف سيصرفونك عن هذا ويخطئونك إن قلت هذا أمر بديهي. أيا كان المعنى الذي قصدته.