متى تختفي من دوائرنا مظاهر الجهل والتخلف الاجتماعي المتوارثة التي صارت وبالا على مجمل الحياة الوظيفية في العراق وكل بلاد العالم الثالث و تسببت بكل الكوارث الوظيفية ؟؟.
ومن أسوأ تلك المظاهر المعروفة في بلدنا, أن الكثير من رؤساء الدوائر الجدد وقبل أن يصل كتاب تكليف أحدهم فأنه وقبل كل شئ يعمد الى تغيير أثاث مكتبه الخاص في الدائرة فهو نفسيا لا يتقبل الجلوس في مكتب كان يستخدمه سلفه, ويبدأ دور ذات فريق التزلف والنفاق من الموظفين الذين يروحون وكعادتهم, يتفننون في نشر مظاهر الزينة والفرح, وتوزيع حلال المشاكل, وطباعة كتيب صغير يحمل صور وافكار وقناعات المسؤول الجديد.
وفي أول يوم يباشر المسؤول الجديد, فانه يطلب أن تضاف لافتة جديدة فوق باب الممر المؤدي الى غرفته مكتوب فيها (ممنوع مقابلة المدير)!!, ثم يطلب إضافة حراس وحواجز أمنية اضافية, ويطلب سيارة مصفحة جديدة مع أقلام وفناجين واقداح وأحذية ايطالية مع أصباغها, وأربطة عنق, وأسلحة, وعصائر دايت ومكسرات وخرفان بيضاء, وعليك إذا ما قررت مقابلته, أن تتقن لعبة الحية والدرج, لأنك ستلعبها حتما وانت تبحث عنه!!, وحينما تجتاز كل تلك الحواجز الامنية لمقابلته, ستشعر بالرهبة, كأنك تقف بين يدي الفوهرر قائد الرايخ الثالث!!, ولو حسبنا بحسبة بسيطة المصروفات التي ترافق ترتيبات تبديل المدراء والوزراء لصارت عندنا أموالا ضخمة تكفي لبناء بلدنا من جديد وفق أحدث المواصفات العالمية.
وتتوالى الظواهر البيروقراطية المريضة, فعليك أن كنت موظفا او مراجعا أن تلجأ الى استخدام لغة خاصة بمخاطبة السيد المسؤول, وإن كنت تجهل اسلوب مخاطبتهم فعليك أن تلجأ الى كاتب العرائض الذي يتفنن في استخدام كلمات التفخيم والتضخيم للمسؤول حتى تضمن تمشية معاملتك, وقد يكون عليك دخول دورة لغة عربية لتتعلم كيف تخاطب الوالي السلطان.
الكثيرون من المسؤولين في العراق, مصابون بمرض مزمن, من أهم علاماته أنه يستمع للواشين المقربين منه, الذين يظهرون كناصحين له, وهم في الحقيقة أصحاب المصالح والمقاولات والاستثناءات والحلول السريعة السحرية.
متى سيلتفت المدراء والرؤساء في العراق الى ضرورة تطوير قابلياتهم في فن الادارة وعلم القيادة, ويراعون سلوكياتهم ولغتهم ويهتمون بنوعية خدماتهم, بعيدا عن مظاهر التسلط والبيروقراطية المملة التي يمارسونها في دوائرهم ؟؟.
متى يختفي جرس المدير وسكرتيره وحاشيته الذين يشكلون نصف عدد الموظفين؟, ومتى يدخل من نفس المدخل الذي يدخل منه الأخرين ؟, ومتى يفتح بابه مشرعة بوجه الجميع دون استثناء؟, ومتى نرى المدير أو الرئيس لا يغضب ويثور لأن موظفة عادية ليست من موظفات الخط الأول في دائرته, جلست في مقاعد الصف الاول الذي يجلس فيه سيادته في قاعة الندوات ؟؟, ومتى يفهم المدير أن الدائرة ليست ملكا شخصيا له ورثها عن أبيه وجده, وأنها وجدت لخدمة الناس لا لممارسة هواياته المريضة التي تعكس عقدة النقص والحرمان التي يعاني منها المسؤول العراقي؟, ومتى سنقلد الدول المحترمة التي ألغت غرفة المدير الفخمة وشطبت دور السكرتير, وأجبرت المدير أن يكون موظفا يتواجد بين المراجعين, لا صنما في معبد هندوسي تقدم له النذور والهدايا وسط دخان البخور؟!!.