د. ميسون البياتي
لايجوز لنا أن نتصور كتباً مثل كتاب لعبة الأمم لمؤلفه ضابط المخابرات الأمريكي مايلز كوبلاند الذي تحدث فيه عن علاقة المخابرات الأمريكيه بعبد الناصر , أو كتاب اعترافات القاتل الإقتصادي لمؤلفه ضابط المخابرات الأمريكي جون بيركنز الذي عمل خبيراً اقتصادياً في صندوق النقد الدولي واعترافاته بدور الصندوق في إسقاط عدد من رؤساء الدول حول العالم من بينهم البنمي عمر توريخوس والعراقي صدام حسين , ولا حتى اعترافات ضابطة المخابرات الأمريكيه سوزان ليندارو في كتابها بعنوان تحيز متطرف الذي تحدثت فيه عن علاقتها بالعراقيين وعدم صدقية الإتهام لنظام صدام حسين بأنه وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر . لا يجوز لنا أن نعد هذه الكتب كتباً فرديه تصدر عن أشخاص بعد مراجعه أو صحوة ضمير مثلاً , بل هي أعمال تصدر بتوجيه تريد من خلالها الإدارة الحكوميه الأمريكيه الحديث عن دورها في أحداث معينة في العالم
في لعبة الأمم كان القصد من الكتاب توضيح دور المخابرات الأمريكيه في قيادة وتوجيه رجالها عن بعد , بحيث تصدر أفعالهم بأسلوبهم الشخصي وكأن اولئك الرجال اتخذوا قراراتهم بأنفسهم وأعطونا مثال على ذلك في كيفية قيادة عبد الناصر عن بعد وتخطيط مسيرته المشبوهه في الصراع العربي الإسرائيلي بإعتباره كان زعيماً للأمة العربيه
في اعترافات القاتل الإقتصادي كان هناك تحذير لجميع قادة الدول في علاقتهم بمن سماهم الكتاب بالضباع , فقد قام هؤلاء الضباع من قبل بالمشاركه في قتل العديد من قادة الدول رغم الحب والعلاقه الحميمه المتبادله معهم وذلك لأنهم رفضوا بيع بلدانهم بديون يقترضونها من البنك الدولي , وكل من سيرفض مستقبلاً سيلاقي نفس المصير
في كتاب تحيز متطرف تعترف الإدارة الأمريكيه وبدون أدنى اكتراث بإفتعالها الأسباب التي أدت الى غزو العراق وان لا علاقة للعراق بأحداث الحادي عشر من سبتمبر خصوصاً بعد الفضائح الكبرى التي تتهم الولايات المتحده بأنها هي من دبرت الحادي عشر من سبتمبر ضد نفسها لتبرير مآربها في تنفيذ غايات ما , كما فعلتها سابقاً في بيرل هاربر لتبرر لنفسها قصف اليابان بالسلاح النووي ولعل من أشهر من فضح سياسة الولايات المتحده عن احداث سبتمبر هو المفكر الفرنسي تيري ميسان رئيس ومؤسس موقع فولتير.اورغ
موضوع الروايه الإقتصاديه لا يختلف إطلاقاً عما ورد أعلاه لكن الروايه الإقتصاديه تختلف عن غيرها بأنها تتوسط حدثين , حدث وقع .. وآخر سيقع .. فرواية انهيار 79 نشرت عام 1976 تحدثت عن الوضع الإقتصادي العالمي الذي أدى الى انهيار 79 , ولتبرير فترة الركود الإقتصادي العالمي 1973 _ 1975 وتبرئة الولايات المتحده الأمريكيه من الضلوع فيها وإلقاء السبب على العرب والفرس معاً لجشعهم ونذالتهم وخيانتهم أفراداً ودول بعضهم لبعض والذي سيؤدي نهاية المطاف الى الإطاحة بشاه ايران .. توقعت الروايه ذلك قبل 3 سنوات من وقوعه
أما رواية ذعر 89 فنشرت عام 1986 وتحدثت عن الوضع الإقتصادي العالمي الذي أدى الى انهيار جدار برلين في نوفمبر 1989 . بطبيعة الحال الروايه لا تتحدث بهذا الشكل الصريح لكن قراءة ما بين السطور هو الذي يدل على كل شيء . ابطال الرواية المفضلون هم العرب والفنزويليون أكبر تجار النفط في العالم وهم يتفقون مع الإرهابي كارلوس وشقيقه لتنفيذ سلسله من الأعمال الإرهابيه تكون نتيجتها إلحاق الأذى بإقتصاد الولايات المتحده الأمريكيه , لكن الذي وقع فعلاً على الأرض عام 89 هو سقوط جدار برلين وبداية التداعيات التي قوضت الإتحاد السوفييتي , وسأكتفي بهذا القدر عن هذه الروايه لأني اريد التفرغ أكثر لرواية إنهيار 79
الصورة الوحيدة لبول إيردمان
مؤلف الروايتين هو بول إميل إردمان الإقتصادي والمصرفي الأمريكي من أصل كندي تحول من عالم المصارف الى عالم الأدب بفضل ألعابه في السيرك المالي العالمي وكما سنرى . ولد إيردمان عام 1932 في كندا _ مقاطعة إنتاريو وتوفي في كاليفورنيا عام 2007 حصل على مؤهلاته الجامعيه من جامعة هيلدسبورغ في كاليفورنيا , وجامعة ألما ماتر , وجامعة جورج تاون أما الدكتوراه فحصل عليها من جامعة بازل السويسريه
عام 1958 عمل كمحلل مالي لمجموعة الفحم والصلب الأوربيه التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانيه وكانت البذره التي تأسست عليها السوق الأوربيه المشتركه والتي بإتساع مهامها تحولت الى الإتحاد الأوربي , وبين عامي 59_1960 عمل كخبير إقتصادي في مينلو بارك _ كاليفورنيا
في العام 1965 عاد إردمان الى سويسرا وأسس فيها ( بنك ساليك ) كان هو رئيسه , وفي العام 1969 قامت شركة ( فرست انترستايت بانكورب ) وهي شركه تمتلك عدة بنوك بشراء أسهم بنك ساليك وأعادت تسميته ( بنك كاليفورنيا المتحد في بازل ) . سويسرا بلد مصنع للشكولاته بمختلف أنواعها , لإدامة هذه الصناعه التي تدر عليهاعملة صعبه طائله كانت تستورد كميات هائله من الكاكاو من أمريكا اللاتينيه وكانت المعاملات التجاريه لإستيراد الكاكاو تتم في بنك كاليفورنيا المتحد في بازل وكان البنك يقوم بالتلاعب والتحايل في هذه المعاملات
حين شعر السويسريون بذلك تم توجيه تهمة الإحتيال وسوء الإداره الى إردمان وعدد من رفاقه في البنك , وتم حجز إردمان 10 أشهر في سجن إنفرادي ولم يطلق سراحه عام 1971 إلا بشرطي دفع كفاله مقدارها 133 ألف دولار والعوده الى المحكمه حين إنعقادها
تم تهريب بول إيردمان الى لندن ومنها الى الولايات المتحده , في المحكمه التي عُقدت بعد ذلك حُكم رفاقه بالسجن أحكاماً مختلفه أما هو فحكم غيابيا ً بالسجن 7 سنوات
منذ فترة اعتقاله بدأ في السجن بكتابة قصص وأعمال غير مهمه وفي العام 1976 نشر روايته إنهيار 79 تكلم فيها بصفته خبيراً إقتصادياً عن التداعيات الإقتصاديه العالميه التي أدت في العام 79 الى الإطاحه بشاه ايران محمد رضا بهلوي . تدور أحداث الروايه بين الرياض وعبادان وطهران تحدث فيها بكراهية ظاهره موجهه الى العرب والفرس معاً واصفاً إياهم بالجشع والدونيه والكذب والغدر وغيرها كثير من الصفات , الغريب في هذه الروايه التي تستشرف المستقبل انها تحققت فعلاً عام 79 بالإطاحه بالشاه
اذا جاز لنا أن نفكر خارج الصندوق فعلينا العوده بأنفسنا لتتبع خط سير أحداث تلك الفتره لنتعرف بأنفسنا لماذا وقعت الضائقه الماليه العالميه بين عامي 1973 _1975 ومسؤولية الولايات المتحده الأمريكيه عنها , وسنبدأ التتبع منذ الحرب العالمية الثانيه
شارل ديغول ضابط مشاة فرنسي عمل تحت قيادة الجيش الأمريكي كقائد للمليشيات الفرنسيه التي شنت حرب عصابات ضد الوجود الألماني في فرنسا , بنهاية الحرب وكمكافئة له على الطاعه وحسن السيره والسلوك تم تعيينه رئيساً على فرنسا , فبدأ على الفور بتسديد باقي فاتورة ثمن التحرير الى الولايات المتحده الأمريكيه بإعلانه خطة منحه مستعمرات فرنسا ( إستقلالها ) وتحت عنوان الإستقلال تم تسليم مستعمرات فرنسا باليد لتتحول الى مستعمرات أمريكيه , يغطي شارل ديغول خلالها على تراجعه بحملات من السب والشتيمه المنظمه لحلف الناتو والأنكلوسكسون
قبل أن يشارف عهد شارل ديغول على النهايه أجبرت مصالح الحكومة الأمريكيه أن تبدأ بصناعة البديل الذي يلائم متطلبات المرحله المقبله وهكذا وصلنا الى جورج بومبيدو
جورج بومبيدو بالأساس رجل مصرفي عمله هو مدير مصارف عائلة روتشيلد , عينه شارل ديغول رئيساً لوزراء فرنسا للفتره ما بين 14 نيسان 1962 _ 10 تموز 1968 وذلك بعد إستقالة ميشيل دوبريه من المنصب
اعلن هنري كيسنجر ورئيسه نيكسون إعجابهما الشديد بشخصية بومبيدو وهما على وشك القيام بأكبر خطوه قامت بها الولايات المتحده في كل تاريخها حين نفذت خطة إحتلال العالم أجمع , وكان الرئيس ووزيره بحاجه الى دعم بومبيدو من موقعه كمدير لمصارف روتشيلد وعلاقته الوثيقه مع العائله التي تمتلك مصارف تقدر ثروتها بحوالي نصف ثروة كوكب الأرض مجتمعه أو تزيد
من أجل إزاحة ديغول عن الحكم تم تحريك الشارع الفرنسي ضده في احتجاجات عارمه بما يعرف بثورة الشباب وعد بعد اشتدادها بإجراء إصلاحات شامله وإجراء استفتاء جماهيري حول بقاءه في السلطه فكانت نتيجة الإستفتاء حصوله على 48% من أصوات المستفتين وكان عليه التنحي كما وعد , وإجراء انتخابات مبكره للحصول على بديل
من المؤكد أنه تم التفاهم والتباحث أمريكياً مع بومبيدو لتنفيذ خطة احتلال العالم بمساعدة بنك روتشيلد , ومن المؤكد أنه رفض العرض , مع ذلك تم ترشيحه لإنتخابات الرئاسه في فرنسا خلفاً لديغول , ومن أجل إجباره قبول العرض جرى التالي
شخص يدعى ستيفان ماركوفيتش يعمل حارس شخصي للممثل آلان ديلون . ماركوفيتش يدير بيت دعاره لعلية القوم عثر عليه مقتولاً وجثته ملقاة في مكب للنفايات في احدى ضواحي باريس وبداخل سيارته صور فاضحه للسيده ايفون زوجة بومبيدو . على الفور سرت شائعات كبيره في فرنسا أن بومبيدو هو المسؤول عن القتل , هذه الحادثه وقعت مباشرة خلال أيام الإنتخابات , فأما أن يقبل بومبيدو بتنفيذ الدور المرسوم له ويقبل بكرسي الرئاسه وإما أن يخسر شرفه العائلي ويواجه القضاء كقاتل
رغم الفضيحة إلا أن جورج بومبيدو فاز فوزاً كاسحاً في الإنتخابات الرئاسيه النزيهه 15 حزيران 1969 فتبين بعدها أن صور السيده ايفون كانت ( فوتوشوب ) وخلال فترة رئاسته لم يكن أكثر من عمده لباريس بتحديثه الإحياء القديمه وتبليطه الشوارع أما علاقاته الخارجيه مع العالم فقد نامت ولم تنشط سوى مع دول الشرق الأوسط التي سيتم تنفيذ الخطة الأمريكية عليها وبها
عام 1971 كانت الولايات المتحده تعرف أنها سيطرت على جميع المسالك المائيه من مضيق جبل طارق وحتى خليج البنغال , وهي تحتل 99% من الأرض الواقعة بينهما , كما أنها تعلم أنها احتلت قارة امريكا اللاتينيه منذ أيام تقديمها الدعم الى اللاتيني سيمون بوليفار في النصف الأول من القرن التاسع عشر حيث حوّل القاره اللاتينيه الى مستعمره للولايات المتحده تحت مسمى تحريرها من القوات الأوربيه التي تحتل القاره . وعليه بما أن الشرقين الأدنى والأوسط والقاره اللاتينيه هن كُبريات مُنتجات البترول في العالم , قررت الولايات المتحده استعمار العالم ببترول مستعمراتها
في العام 1971 أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون أن التضخم المالي وأزمة البطاله في بلاده تجبرانه على وقف صرف الذهب مقابل الدولار الورقي المطبوع مدة 90 يوماً وحيث أن لا التضخم انتهى ولا البطاله انتهت بوصولنا الى العام 1973 تم الإعلان عن تعويم الدولار الأمريكي وربط سعره بمقدار العرض والطلب عليه
لكي يزداد الطلب على الدولار ولا غطاء ذهب يحميه .. إستغلت الولايات المتحده حاجة العالم أجمع الى الطاقه فأمرت جميع مستعمراتها النفطيه بعدم بيع النفط بغير الدولار الأمريكي أو ما يطلق عليه ( البترودولار ) وبدأت بطبع كميات مهوله من الدولارات الورقيه التي باعتها الى العالم بسعر نفط مستعمراتها صاعد نازل ( حيّه ودرج ) بما يجعل المُنتج للنفط يبيع ويخسر , والمستهلك يشتري ويخسر في نفس الوقت بسبب تعيير عملته المحليه بالدولار الأمريكي صاعد نازل , وتحصيل فرق الربح والخساره من الطرفين ينزل في كيس الدولار الورقي الخالي من القيمه . كان هذا هو السبب الحقيقي للأزمه الماليه العالميه 1973 _ 1975 وليس خسة العرب والفرس وجشعهم وخيانتهم وغدرهم
الشركات صاحبات إمتيازات التنقيب واستخراج النفط في جميع دول العالم رفضت قرار تعليق بيع النفط بالدولار الأمريكي .. فبدأت حملات التأميم
عن الشرق الأوسط .. رغم أن الجزائر التي إحتلتها فرنسا 132 عام ثم سلمها ديغول تسليم يد الى الأمريكان تحت مسمى منحها إستقلالها عام 1962 وهي تحتل المرتبه 15 بين دول العالم في كمية إحتياطي نفطها المؤكد , لكنها هي من بدأت لعبة التأميم الأمريكيه فقامت بتأميم 51% من قيمة الشركات النفطيه الفرنسيه العامله على أراضيها عام 1971
هذه الخطوه شجعت معمر القذافي على تأميم شركة ( بريتش بتروليوم ) البريطانيه عام 1971 وبقية الشركات النفطيه العامله في ليبيا عام 1974
حرب اكتوبر 1973 واعلان الملك فيصل شعار النفط سلاح في المعركه وضع الضغط على جميع الدول العربيه المصدره للنفط أن تقاطع وإلا فهي متهمة بالخيانه
حين تمت المقاطعه العربيه إتخذت سبباً لتبرير الضائقه الماليه العالميه من ناحيه , ومن ناحية اخرى مهدت الطريق لضمان أمن اسرائيل والبدء بالتطبيع معها , فبعد المقاطعه سرعان ما صرف العرب مدخراتهم وبدأوا يتباكون مستنجدين طالبين العودة الى التصدير عندها جمعتهم الولايات المتحده مع اسرائيل على مائدة واحده يوقّعون فيها سراً على ضمان أمن اسرائيل مقابل العوده لتصدير النفط , وحين فعلوا .. دُفِعَ أنور السادات للبدء بالتطبيع بأمان ودون أن تستطيع أية قوة عربيه أن تتحرك .. أللهم غير الصراخ في الإذاعات
في العراق قام مجلس قيادة الثوره بإصدار قانون رقم 89 في الأول من حزيران عام 1972 تم بموجبه نقل جميع الأموال والحقوق والموجودات التابعه الى شركات النفط الأجنبيه الى شركه جديده تدعى ( الشركه العراقيه للعمليات النفطيه ) وإستمر في تأميم بقية الحصص حتى 8 كانون الأول 1975 والعراق يملك رابع إحتياطي نفط في العالم
تم إنتظار العراق الى أن جمع ثروة هائلة من تصدير النفط خلال 4 سنوات , 16 كانون الثاني 1979 كان نائب القائد العام لحلف شمال الأطلسي الجنرال روبرت هويسر قد أعدم جميع القاده الكبار في الحكومة الإيرانيه بحجة المؤامره على الشاه ثم قام بتسفير الشاه وعائلته خارج ايران دون عوده
في أول وصول الإسلاميين الى الحكم في ايران قاموا بتأميم شركة النفط الأنكلو فارسيه التي كانت تسيطر على خامس إحتياطي نفط في العالم , 17 تموز 1979 أصبح صدام حسين رئيساً على العراق
في 4 أيلول 1980 أشعل الأمريكان حرب إحتواء مزدوج بين رابع وخامس أكبر إحتياطيي نفط في العالم قتل فيها ملايين من شباب البلدين وضاعت آلاف المليارات من الدولارات على شراء السلاح كان فيها الطرفان يبيعان النفط ويسددان أقيامه الى شركات السلاح الأمريكيه ليقتلا بعضهما ... وهذه هي الروايه الإقتصاديه الحقيقه للعالم
د. ميسون البياتي